في ذكري وفاة المشير عبد الحكيم عامر في14سبتمبر من كل عام تثير أسرته قضية حقيقة سبب وفاته وهل مات منتحرا كما أعلن وقتها رسميا.. أم مات مقتولا..لقد رحل الرجل ودفن معه سر وفاته حتي الآن ولمدة 45سنة. وفي ذكري وفاة المشير أحمد بدوي في 2 مارس من كل عام تثار نفس القضية وهل مات قضاء وقدرا أم أن الحادث الذي أودي بحياته مع 13 من كبار قادة الجيش كان مدبرا للقضاء عليه. وراء المشيرين قصص عديدة وكانت وفاتهما أكثر تلك القصص اثارة وغموضا فالأول أعلنت وفاته منتحرا بالسم بعد ثلاثة أشهر من عزله من منصب القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الجمهورية عقب الهزيمة المخزية للجيش المصري في1967.. تلك الهزيمة التي كان لابد أن تطيح بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ومحاكمتهما.. ولكن عبد الناصر أعلن تنحيه بمفرده ليلة التاسع من يونيو فخرجت الجماهير تطالبه بالبقاء وبأن يتولي بنفسه محاكمة المتسببين في النكسة واعادة تأهيل الجيش لرد الاعتبار ومحو آثار الهزيمة . ولم يكن أمام عبد الناصر سوي عزل رفيق عمره وشريكه في الثورة وانتصاراتها وانكساراتها أيضا.. فقد كان ناصر وعامر وجهان لعملة واحدة لها جانب مضيء واخر مظلم.. وانتهت قصة الصداقة بينهما نهاية مؤسفة عليهما وعلي البلد كلها.. ولم تكن البلد بعد الهزيمة تحتمل الاثنين معا.. لابد أن يتخلص أحدهما من الاخر . تم وضع المشير عامر تحت الاقامة الجبرية في فيلا بالهرم.. وفي يوم 14 سبتمبر أذاعت الدولة نبأ وفاة المشير منتحرا بالسم .. ومن هنا ثارت الشكوك.. هل هو الذي انتحر.. أم هم الذين انتحروه. من كان يحب عامر لم يصدق طبعا رواية انتحاره.. لأن شخصيته لم تكن تعطي أي انطباع بذلك.. فهو رجل محب للحياة والناس.. وخدوم جدا.. كان رجلا بمعني الكلمة ولا يمكن أن يقدم علي الانتحار.. وأن صراع السلطة ورغبة عبد الناصر في التخلص منه نهائيا كان هو السبب في وفاته بهذا الشكل . أما الذي كان يحب عبد الناصر.. فهو لايتصور أن يكون هو الذي قتله أوحرض علي ذلك.. فهو رفيق كفاحه وشريك مشوار طويل من الثورة حتي النكسة.. ولا يمكن أن يرتكب عبد الناصر هذه الجريمة. أما الذي يحب مصر أكثر من حبه لناصر أو عامر فهو يري أن الأمر لا يعدو كونه صراعا علي السلطة.. وأن الرجلين كان يجب أن يقدما الي محاكمة عاجلة لينالا جزاء ما ارتكباه في حق الوطن.. وأنهما ورطا البلد في مغامرات عسكرية غير محسوبة انتهت جميعها بخسائر مادية وبشرية جسيمة.. وتوجت بكارثة هزيمة يونيو التي مازلنا نتجرع مرارتها حتي الآن. أنا شخصيا أحب الرجلين.. ولاأصدق أن عبد الحكيم عامر يقتل نفسه.. ولا أصدق أن عبد الناصر قد أمر بقتله ولكني أحب مصر أكثر وواثق من أن أحد الأمرين قد حدث.. لقد رحل الرجلان ومعهما سر لن يتم الكشف عنه، ولغز لن يتم فك شفرته.. ولا يجب علينا أن نغرق في ألغاز الماضي ونحن غارقون بالفعل في ألغاز الحاضر والمستقبل.