نصف قرن بالتمام والكمال منذ بدأت محاولات الإنسان التعامل مع الكوكب الأحمر عن قرب. كانت البداية بانطلاق مركبة روسية، حاولت الهبوط علي سطح المريخ، لكنها فشلت، تلتها محاولة أخري لم يكتب لها النجاح، لكن الفشلين المتتاليين لم ينجحا في تسريب اليأس لنفوس الروس، أو منافسيهم الأمريكيين فتواصلت المحاولات، وسددت أمريكا عدة ضربات ناجحة، واستمر التنافس بين واشنطن وموسكو علي مدار 05 عاما. دخل علي خط المنافسة في مطلع القرن الحادي والعشرين اليابان ممثلة لنادي الفضاء الآسيوي في عام 3002، وفي نفس العام حرصت أوروبا علي اللحاق بالسباق المحتدم، فاتخذت المركبة الأوروبية »مارس اكسبريس« مداراً حول المريخ ومازالت تحلق هناك. علي أن التنافس لم يكن العنوان الوحيد في محاولة غزو المريخ، فثمة تجارب للتعاون صاحبت الصراع الذي تأثر بالمناخ السائد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واحتدام الاستقطاب الدولي بزعامة أمريكا والاتحاد السوفيتي. مسبار المريخ »كيريوسيتي« الذي تكلف إطلاقه وتجهيزه نحو 5.2 مليار دولار ترجم فكرة التعاون، إذ أن وكالة ناسا الأمريكية استعانت بخبرات فرنسية وألمانية في إطار برنامجها الذي يعد الأكثر تقدما، ومن المقرر أن يكون مجرد خطوة نحو مستقبل واعد، هدفه إطلاق رحلة مأهولة يضع فيها أول إنسان قدمه علي سطح الكوكب الأحمر، لتذكر البشرية بالخطوة التي مشاها الأمريكي نيل أرمسترونج أول إنسان يخطو علي سطح القمر في يوليو 9691. ربما يداعب خيال المرشحين للقيام بأول رحلة مأهولة للمريخ، ذات الأحلام التي فكر فيها أرمسترونج قبل أن تنطلق رحلته في نهاية ستينيات القرن الماضي، ورغم انه لم يتم تحديد موعد قطعي للمهمة المأهولة، لكن دون انتظار إعلان وكالة ناسا عن سرها، فمن المتوقع ان عملية البحث والاختيار لرائد الفضاء وطاقم الرحلة المريخية قد بدأ عدها التنازلي. وإذا كانت »ناسا« لم تخف نيتها في استمرار جهودها لحل ألغاز المريخ تمهيدا لمهمة مستقبلية مأهولة علي سطحه، فإن تصور وقوف المنافس التاريخي لهم في الفضاء - أي الروس - مكتوف الأيدي، فرضية مستحيلة، ولعل تكثيف جهودهم- الآن- للتعاون مع الصينيين يؤكد سعيهم لإطلاق مفاجأة من العيار الثقيل، تماما كما كان يشاهده العالم في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، في العصر الذهبي للتنافس الأمريكي/ السوفيتي حول القمر وعلي سطحه. وإذا كان حلم سكن الإنسان للقمر، منذ كان خيالاً شعرياً لم ينقطع أبداً، فإنه علي ما يبدو صار المريخ شريكا في الحلم، لاسيما بعد أن كشفت قراءة صور التقطت في منتصف 8002 للمنطقة القطبية للمريخ وجود مياه متجمدة، مما يعني أن فرص وجود حياة علي سطح الكوكب الأحمر باتت شبه مؤكدة. يعزز أحلام العلماء في هذا السياق ثمة حقيقة ثابتة بأن المريخ يظل الكوكب الأكثر شبهاً من الأرض، ضمن كواكب المجموعة الشمسية، وتشير العديد من الفرضيات إلي أنه شهد عبر تاريخه ظهور بعض المقومات الأساسية للحياة، ومن ثم فإن علي البرامج التي تستهدف البحث فوق سطحه وسبر أغواره تأكيد تلك الفرضيات. بعد القمر، يأتي المريخ، ثمة خطط لوكالات الفضاء في الغرب والشرق، برامج لا تقل طموحاً تستهدف استكشاف فرص الحياة في الفضاء الواسع البعيد، ربما استعدادا للفرار من سفينة الأرض التي كثر العبث بمناخها وأرضها وإهدار ثرواتها، وهدر امكاناتها، فهل يمثل حلم سكني القمر أو المريخ المنقذ والملاذ بعد عقود أو قرون من الآن؟!