الفرق كبير وعميق بين ما كنا عليه قبل 6 اكتوبر، وما اصبحنا عليه بعد 6 اكتوبر، فقد كنا قبله في حالة سميت بأنها حالة اللا سلم واللا حرب، واصبحنا بعده في حالة حرب، وكانت الدول العربية قبله دولا وشعوبا مجرد خلائق تتكلم كثيراً، ولا تفعل شيئا، واصبحنا بعده دولا وشعوباً مقاتلين لهم وزنهم وقيمتهم واعتبارهم وإرادتهم ومطالبهم، وكان العالم قبله ينظر إلي النزاع بين العرب واسرائيل كأنه بعض احداث تاريخ قديم، أو كأنه حالة لا تضر ولا تنفع، ولا تخيف ولا تثير لدي أحد في العالم، سوي الاسي والحسرة أحياناً، أو الشماتة والاحتقار للعرب، والاعجاب باليهود محاربين وشعباً، أحياناً أخري. وبصفة عامة كان النزاع موضوعاً في ثلاجة، علي وشك أن يتجمد بمضي الوقت، وكانت الولاياتالمتحدةالامريكية قبل 6 أكتوبر لا تلقي بالاً للنزاع، وكانت تؤثر أن تدعه للأطراف المعنية يعالجونه علي نحو ما يشاءون، أو علي نحو ما يقدرون، وكانت علي قدر من الاطمئنان يرضيها ويجعلها تنصرف الي مشكلاتها ومتاعبها، هادئة واثقة أن شراً من الشرق الاوسط لن يهب عليها، وكان بعض المعلقين والكتاب يشيرون إلي البترول العربي وإلي التصميم العربي علي القتال واسترداد الارض، فكان قصاري ما تواجه به الولاياتالمتحدة هذا القول أو ذاك بهزة كتف أو بسمة سخرية علي الشفاه، مؤكدة أو مطمئنا إلي أن العرب لن يستخدموا البترول في السياسة أو الحرب.. ويتساءلون تري لمن يبيعونه، هل سيشربونه؟ أما القتال فقد جرب العرب حظهم ثلاث مرات وأصيبوا بالخيبة والفشل، تري هل يستطيعون أن يغامروا مرة رابعة؟ إنهم إن فعلوا، فإن كارثة محققة ستواجههم وفشلاً أكثر مرارة سيكون نصيبهم، صحيح أن الإتحاد السوفيتي يساندهم ويمدهم بالأسلحة، ولكن المسألة ليست الاسلحة فقط، ولكن القدرة علي استخدامها والافادة منها، وقد كان لديهم في سنة 7691 أسلحة أكثر، ومع ذلك تركوها وفروا. كانت كل الامور في العالم تسير في هدوء، وأعني بذلك أن الشرق الأوسط كان قد أهمل وراء الظهر وكأن جهابذة السياسة والاقتصاد والحرب والعلم والفن والثقافة نسوا ان في العالم منطقة هي منطقة الشرق الاوسط، أو أن فيه نزاعاً قائماً بين اسرائيل والعرب، وكان مجلس الأمن يتحرك من وقت إلي آخر، فيصدر قراراً ينصف العرب، فتهزأ منه إسرائيل، وتهزأ منه الولاياتالمتحدةالامريكية، وكانت الجمعية العامة للامم المتحدة تصدر من وقت لآخر قراراً بشأن الانسحاب من الارض العربية، أو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر سنة 7691، فتهز إسرائيل كتفيها استخفافاً، وينتفخ موسي ديان ويقول لمن يسألونه: ماذا تري في هذا الرأي العالمي الذي يدين إسرائيل، فيقول إن حدود إسرائيل تقف حيث يوجد الجيش الإسرائيلي.. إن الرأي العام لا يهمنا! كانت إسرائيل قبل 6 أكتوبر تحسب أنها اصبحت ذات قوة ذاتية تستطيع ان تستقل بها عن أمريكا نفسها، وتستطيع ان تتجنب الضغط الأمريكي إذا لاح في الافق أنه يحتمل ان يقع، كانت تخطط لان تصبح ليس أكبر قوة في الشرق الاوسط فحسب، ولكن ان تصبح بين القوي العالمية المعدودة. وكانت الدول العربية قد هدها طول السعي هنا وهناك - بعد الكارثة- دون ان تجد عوناً أو نصيراً، مما جعل الدول الكبري تعبث بها أو تسخر منها، خاصة وهي تري الخلافات تدب بينها. كانت هذه الصورة قبل 6 أكتوبر، فماذا اصبحت بعده.. لهثت الولاياتالمتحدةالامريكية، ولهثت أوروبا الغربية، ولهثت الدنيا شرقا وغربا، تسأل وتتساءل ماذا حدث والحريق يشب في الشرق الاوسط، والجيش الاسرائيلي الذي كان كالجدار الذي اطمأنت اليه أمريكا، ونامت أوروبا وغفت واستراحت، ينهار من اساسه، وإذا الطوفان يغرق الأمل، ويغرق الراحة والطمأنينة، ويوقظ الحالمين، وإذا المقاتل المصري يفرض نفسه علي جيش إسرائيل الذي لا يقهر، وينشر ظله علي المنطقة كلها، ثم سرعان ما ينشر ظله علي العالم بأسره، وإذا البترول يصبح هو الآخر سلاحاً حاسماً وحارقاً، وإذا نارة التي كانت تضيء اوروبا وامريكا وتجعل منهما قوة صناعية كبري تنقلب فإذا هي حارقة لاذعة، واذا الدولتان الكبريان، الاتحاد السوفيتي وأمريكا، تتحركان، وإذا بمجلس الأمن يأمر بإيقاف إطلاق النار، وعودة الطرفين المتحاربين إلي المواقع التي كان فيها يوم 22 أكتوبر، وإذا إسرائيل تصرخ وتستغيث، وإذا جنرالاتها يتبادلون الاتهامات والتهم، واذا المجتمع الاسرائيلي الذي كان منوماً بخمر الانتصار الذي اختلسه في سنة 7691 يستيقظ علي ابشع ما يمكن ان يستيقظ عليه حالم أو نائم، وإذا أوروبا تخلت عنه، وإذا اليابان تتخلي عنه، وإذا افريقيا تتخلي عنه، وإذا سلاح البترول يوقع بالمعتدين، وأنصار المعتدين، وصنائع المعتدين، افظع ما يمكن أن يوقعه سلاح، وإذا الحديث يجري في كل مكان لاهثا مضطرباً قلقاً متعجلاً عن إجراءات وقف إطلاق النار، وعقد مؤتمر السلام، وإذا قرار مجلس الأمن رقم 242 يصبح حديث الكافة، وإذا قادة اسرائيل يتحدثون عن الدولة الصغيرة التي تعجز عن مواجهة الحشود العربية، وإذا النغمة القديمة عن إبادة اليهود تظهر من جديد، وإذا الدول العربية تقف صفاً واحداً وسداً منيعاً لا سبيل إلي اختراقه! ليس فيما قلناه شيء جديد لا يعرفه العالم، ولا تحس به الدول المسيطرة فيه، ولكننا أردنا أن نوضح الصورة التي كنا عليها قبل 6 أكتوبر، والصورة التي اصبحنا عليها بعد 6 أكتوبر.. ولا يفوتنا في هذه المناسبة ان نحيي بطل الحرب والسلام أنور السادات القائد العظيم الذي سيظل في ذاكرتنا وذاكرة الوطن والتاريخ الي أبد الآبدين.