محمد بركات في علاقات الدول لا تكفي الأمنيات الطيبة، والنوايا الحسنة والتوجهات المتفائلة لصنع وإيجاد علاقات قوية لها وجود فاعل ومؤثر علي أرض الواقع، ولكن لا بد من مصالح مشتركة، ومنافع متبادلة، تدعم هذه الأماني وتحول تلك النوايا الحسنة إلي واقع ملموس، وإلي ضرورة تسعي كل الأطراف للحفاظ عليها، وتقويتها. تلك حقيقة مؤكدة وحاكمة ، ومعمول بها في كل العلاقات الدولية، بين كل دول العالم،..، والعلاقات المصرية الأفريقية ليست خارج هذا السياق، بل لعلها المثال الحي لصحة هذه الحقيقة ، وتكفي نظرة واحدة الي صعود وازدهار العلاقات المصرية الأفريقية في الخمسينات والستينات وحتي السبعينات من القرن الماضي، ثم هبوطها من أواسط السبعينات وحتي بداية الثمانينات، وفتورها وانخفاضها وتدنيها ما بعد ذلك ، وحتي الآن، للدلالة علي صدق هذه الرؤية وواقعيتها. وانطلاقا من ذلك، لابد أن نضع في اعتبارنا أن إعادة الفاعلية للعلاقات المصرية بالقارة السمراء، يحتاج منا إلي جهد وعمل فاعل ومؤثر علي كل المستويات الاقتصادية والسياسية ، ولا يقتصر أو يتوقف هذا الدور فقط علي أجهزة الدولة الرسمية ، بل لا بد أن يواكبه ويعضده تحرك علي المستوي الشعبي أيضاً. وفي هذا السياق ومع تقديرنا البالغ لما تحقق من تحرك ايجابي نحو إعادة صياغة العلاقات المصرية الإفريقية نتيجة الزيارة الناجحة التي قام بها الدكتور مرسي الي أديس أبابا، وحضوره مؤتمر القمة الإفريقية، وما أعلنه في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر، عن استعداد مصر لبدء مرحلة جديدة في علاقاتها مع الأشقاء الأفارقة، تقوم علي التفاعل النشط في كل المجالات الاقتصادية والسياسية. إلا ان الأمر لا يجب أن يتوقف عند ذلك ، بل لابد من البناء عليه وبالسرعة الواجبة ، حتي يتحقق الهدف ، ونصل إلي الغاية ، ونعيد بالفعل بناء هذه العلاقات علي أسس سليمة وواقعية ، تقوم في مجملها وتفاعلها علي قاعدة صلبة من المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة، والمشروعات المشتركة ، تخلق واقعا حياً وملموسا يسعي الجميع للحفاظ عليه ودعمه وتقويته. وهذا الأمر يتطلب خطة عمل مصرية واضحة تقوم علي دراسة ومعرفة جيدة بالواقع الاقتصادي والسياسي في دول القارة ، وما تحتاجه هذه الدول من مشروعات في جميع المجالات، وأوجه التعاون الممكنة من جانب مصر في هذه المشروعات، مع تشجيع رجال الأعمال، والشركات المصرية، علي مد نشاطهم ومجالات عملهم الي الدول الإفريقية، تصديرا واستيراداً، وأيضاً لإقامة المشروعات المشتركة بحيث لا يقتصر ذلك علي أجهزة وشركات قطاع الأعمال فقط بل يمتد الي القطاع الخاص في مصر والدول الأفريقية. وفي ذلك لابد من البدء بدول حوض النيل، ودول الجوار كمرحلة أولي تحتمها المصلحة القومية، والأمن القومي المصري، والأمن المائي أيضاً ، وأحسب أن هذه ضرورة لا بد من العمل السريع والعاجل علي تحويلها الي واقع . وفي ذلك أيضاً لا يصح ولا يعقل أن تظل الميزانية المرصودة للصندوق المصري الأفريقي بوزارة الخارجية علي ما هي عليه الآن من تدن ، حيث لا يزيد إجمالي المبلغ في حدود علمي عن ثلاثين مليون دولار، في حين انه يجب ان يتضاعف عشرات المرات علي الأقل ، نظراً للجهد الايجابي الذي يقوم به الصندوق ، إذا ما كنا جادين في السعي لبدء مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الأفريقية . ونواصل غداً إن شاء الله ..