أستاذة واستشارى الموارد البشرىة يعتبر إنشاء دواوين للمظالم أو شكاوي المواطنين خطوة إيجابية للاهتمام بهموم المواطن مثل بعض الدول العربية الشقيقة التي نفذت هذا النظام لديها مثل السعودية ودبي والأردن، ويعتبر تردد 4000 مواطن من أول يوم لعمل هذه الدواوين مؤشر إيجابي أيضا لاستشعار المواطن بأهميته وبأن همومه أو مشاكله سينظر في أمرها. ولعل تركيزي في موضوع دواوين المظالم ينصب في آليات تنفيذه من الناحية الإدارية علي أساس أن هذا الموضوع كان موضوع دراسة مطولة لي أجريتها علي مدار ثلاث سنوات علي بعض المنظمات العامة في مصر مقارنة مع المنظمات العامة في بريطانيا من خلال الخوض في النظام الإداري لهذه المؤسسات ومن خلال عدة زيارات ميدانية لهذه المؤسسات في بريطانيا لمعرفة أسباب الفجوة بين النظام الإداري في مصر وبريطانيا فيما يخص جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطن، وكيف يمكن أن تكون شكاوي المواطن معيارا لتقييم أداء العاملين بهذه المنظمات وبالتالي علي توزيع الحوافز عليهم والترقيات أيضا. ولقد لاحظت أنه في النظم المتقدمة دائما لا تكتفي هذه النظم بالرقابة الداخلية التابعة للمؤسسة نفسها عن أسلوب تعامل العاملين بهذه المنظمات مع المواطنين ولكن يتم تنويط هيئة مستقلة تابعة لمؤسسة الرئاسة أو لمجلس الوزراء لديها بحيث تفرد هذه الهيئة أجنحتها في جميع المؤسسات العامة المختلفة من خلال مكتب للشكاوي تابع لها لمراقبة أداء العاملين بهذه المؤسسات في أسلوب تعاملهم مع الشكاوي المرفوعة من المواطنين مع القسم المختص، ليتم الرد علي أي من هذه الشكاوي في خلال ثلاثة إلي ستة أسابيع، وفي نفس الوقت تقوم هذه الهيئة بعمل استبيان كل فترة في هذه المؤسسات لمعرفة درجة رضاء المواطن عن الخدمات العامة المقدمة من حيث الجودة ووقت الانتظار وسعر الخدمة وأسلوب تعامل الموظف مع المواطن وبالتالي تستخدم نتائج هذا الاستبيان مرة ثانية في متابعة تقويم أداء هذه المؤسسات لنفسها أول بأول ولأسلوب تعامل العاملين مع شكاوي المواطن أثناء تلقيه الخدمة. وفي نهاية كل مدة من تقييم أداء هذه المؤسسات تقوم هذه الهيئة المستقلة برفع تقريرها للبرلمان عن أداء كل هذه المؤسسات مقارنة بمثيلتها في نفس المجال، فعلي سبيل المثال يتم تقييم المدارس أو المستشفيات العامة مقارنة بمثيلتها في أنحاء الجمهورية وهكذا الحال لسائر المؤسسات العامة، ثم تبث نتائج التقييم لهذه المؤسسات في الصحف القومية، وبناء علي هذا التقييم يتم توزيع الموازنة علي هذه المؤسسات طبقا لأداء كل منهم ويتم توزيع الحوافز علي العاملين لديهم طبقا لأدائهم ، وبذلك تختفي الفجوة الواسعة بين تقييم أداء العاملين ورضاء المواطنين عن الخدمات العامة كما هو الحال في مصر حيث يحصل 95٪ من العاملين بالدولة في مؤسستنا علي تقدير ممتاز رغم شكاوي المواطنين. وبالتالي نجحت هذه الأنظمة الحديثة في تفعيل رضاء المواطن عن الخدمات العامة من خلال نظام إداري محكم به من المتابعة والتقويم المستمر لأداء هذه المؤسسات وأسلوب تعاملها مع المواطن بل أصبح به رضاء المواطن معيارا لتقييم أداء العاملين وتوزيع الحوافز عليهم بل حصولهم علي الترقية. وخلاصة الكلام، وفي ظل إنشاء دواوين المظالم لابد من تفهم المواطن أن أي مسئول بالدولة ليس لديه عصا سحرية لكل الحلول بقدر ما هي المساندة السياسية لها، فلا بد من التضافر المجتمعي لها، و لابد أيضا من تحسين أحوال العاملين المعيشية من خلال تحسين أجورهم حتي ينعكس هذا علي أدائهم في تقديم خدمة جيدة للمواطن، ولكي نستطيع أن نحسن من الخدمات العامة لدينا لابد من تغيير الثقافة المجتمعية لدينا في أسلوب إدارتنا لمؤسساتنا وأن نبدأ بتقويم أنفسنا أولا لأن "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".