لأن الدكتور محمد مرسي محدث رئاسة فهو يخطو خطواته الأولي وهي ولابد وأن تكون متعثرة أو متخبطة أو غير محسوبة بدقة وهذا أمر بالتأكيد لا يعيب الرجل فهو لم يحترف العمل السياسي ولم يمارس الخطابة من قبل فما بالك بخطاب رئاسي يواجه الأمة بأكملها.. لقد قال السيد الرئيس المنتخب أصلح الله حاله وسدد علي طريق الحق والخير خطاه فيما قال.. وما أدراك وما السيتينيات.. وبالطبع هناك أجيال بيننا لم تحضر الستينيات ولم تقرأ عنها وربما استقت كل معلوماتها عن هذه المرحلة من خلال الأفلام التي أنتجت في السبعينيات والثمانينيات والتي مولتها جهات خارجية وكان القصد منها تشويه صورة الرجل الذي صار من بين البسطاء وكان من المهمشين ولم يعرف حياة الترف ولم ينهب أموال الغلابة والبسطاء ولم يفتح خزائن مصر ليلهف منها رجال الأعمال كما يحلو لهم.. هذا الرجل الذي ارتبطت فترة الستينيات باسمه كان الرئيس الذي لم يخش أحدا ولم يرتد أي واق من الرصاص ولم يعرف طعم المأكولات الفرنسية القادمة خصيصا علي طائرات الشركة الوطنية من مطاعم مكسيم ولم يشرب في حياته سوي ماء النيل هذا الرجل الذي حكم مصر وانحاز للبسطاء وبني لهم المصانع والمساكن والمدارس ووفر لهم حياة كريمة ورعاية اجتماعية وصحية كان الحاكم العادل الذي حكم فعدل فخرج إلي الناس في سيارة مكشوفة فالتف حوله أهل مصر جميعا وامتد أثره خارج حدود الوطن عندما أشعل روح القومية العربية بعد حرب 6591 وواجه من خلال شعب بورسعيد الباسل جيوش فرنسا وبريطانيا وأحقر بني البشر جيش الدفاع الإسرائيلي.. خرج هذا الرجل بعد ذلك وأطل برأسه في اتجاه المشرق وهو الوجهة التي دائما ما سوف يتجه إليها أي زعيم يعلم قدر مصر ومكانة مصر وأثر مصر فكانت أول وحدة في تاريخ العرب الحديث فأصبح جمال عبدالناصر هو موحد القطرين.. السوري والمصري ولذلك عندما ذهب ليزور دمشق وكان في فترة »ما ادراك الستينيات« رفعوا في موكب مهيب السيارة التي تحمله وأخذت الموجات الهادرة من أبناء شعب سوريا العظيم الذي هو ضمير هذه الأمة الحي تتلقف سيارة البطل القادم من قلب العروبة النابض وعاصمتها الأبدية والأزلية ولو كره الكارهون وارتفعت في فترة »ما أدراك الستينيات« قامة مصر ومعها قامة كل مصري وبفضل ثقل مصر في عالمها العروبة أصبح تأثيرها الإقليمي والدولي يحسب له ألف حساب وفي مرحلة »ما أدراك الستينيات« تحولت مصر ويوغوسلافيا والهند بزعامة تيتو ونهرو وعبدالناصر إلي قوة عالمية ثالثة تقف علي مسافة واحدة من القوتين الأعظم في ذلك الوقت وتحولت فكرة عدم الانحياز إلي حقيقة مزعجة للقوي العظمي وفي »ما ادراك الستينيات« تحولت مصر إلي قائدة لمسيرة التحرر في القارة السمراء وأصبحت مقراً وممراً للثوار والمجاهدين ومن الأزهر الشريف ومن جامعات مصر تخرج العديد من القادة الذين تولوا أرفع المناصب في بلاد عربية وافريقية بفضل احتضان مصر وزعامتها لحركات التحرر في كل مكان.. وفي »ما ادراك الستينات« وقعت تجاوزات وحدث للإخوان المسلمين أهوال وتعرضوا إلي تعذيب وقد نال الشيوعيون من هذا نصيبا حتي الذين هم علي باب الله ذهبوا في الرجلين.. ولكن حتي هؤلاء الذين عذبهم ناصر وسجنهم وأذلهم.. شهدوا له ولعصره وكان من بينهم الولد الشقي السعدني الكبير عاشق تراب هذا الوطن طيب الله ثراه وقد وجدته ذات يوم وهو يشاهد برنامجا تحدثت فيه هدي عبدالناصر عن ناصر الأب كيف كان وسط عائلته وكيف تفرغ لها في ظل الحروب والمعارك التي خاضها في فترة »ما ادراك« فإذا بالسعدني الكبير وكان المرض قد نال منه الشيء الكثير وجدته يبكي دون توقف وكان دمعه في الحوادث غالي.. سألته: ألم يكن عبدالناصر هو الذي سجنك وأذلك وقد كتبت كل شيء في كتاب »الطريق إلي زمش«.. قال وهو يستجمع قواه: لقد أذلني.. وأعز مصر! سيادة الرئيس محمد مرسي أدعو الله عز وجل أن تحقق ما لم يحققه عبدالناصر »ما ادراك«.. فقد تعزنا.. وتعز معنا مصر!