بعد حياة حافلة بالعطاء فقدت الصحافة المصرية والعربية واحدا من أبرز المناضلين الشرفاء في ساحتي العمل الصحفي والسياسي.. فقدت واحدا من أبرز المدافعين عن حريتها فقدت انسانا وكاتبا نال كل الاحترام والتقدير من الجميع.. فقدت استاذا دافع بكل قوة عن الفقراء.. فقدت الولد الشقي.. فقدت أمير الظرفاء.. فقدت أمير الساخرين.. فقدت رائد الصحافة النقدية والساخرة في الوطن العربي الكاتب الكبير الاستاذ محمود السعدني. بعد صراع طويل مع المرض فاضت روح استاذنا الكبير محمود السعدني إلي بارئها يوم الثلاثاء الماضي.. عاني السعدني من عدة أزمات صحية اجبرته علي اعتزال الكتابة والحياة العامة منذ عدة سنوات وظل تحت العلاج حتي وافته المنية. عرف السعدني بأسلوبه الساخر في الكتابة الصحفية خلال رحلته الطويلة مع العمل الصحفي في مصر والوطن العربي.. كان يسخر من الظواهر السلبية بل كان يسخر من نفسه.. واصبحت له مع مرور السنين مدرسة خاصة في الكتابة تخلي فيها عن البلاغة التقليدية ونحت قاموسا جديدا من الألفاظ التي تجمع بين الفصحي والعامية المصرية.. واكتسب ملايين القراء والمعجبين.. عاش السعدني طوال حياته وسط الناس البسطاء رغم ارتباطه بصلات قوية ببعض الحكام العرب. عرف عن السعدني انه لم يكن رجلا لكل العصور ولم يكن من الكتاب والصحفيين الذين يبدلون مواقفهم أو يتدافعون نحو ابواب السلاطين.. مواقفه كانت واضحة ومعلنة.. كتاباته النقدية طالت الجميع بدون استثناء. استحق محمود السعدني عن جدارة جائزة نقابة الصحفيين التقديرية عام 2008 والتي تسلمها بدلا منه شقيقه الفنان صلاح السعدني نظرا لظروفه الصحية.. السعدني حصل علي الجائزة باجماع اراء أعضاء اللجنة وتم اختياره لها لرؤيته المنحازة دائما للمواطن المصري وحرصه وغيرته الدائمة علي صالح مصر والتعبير عن نبض المواطنين وجرأته المشهودة في النقد والابداع وشجاعته المعهودة في ابداء رأيه وتصديه للمحن المتلاحقة التي تعرض لها علي مدار تاريخه الصحفي والسياسي. محمود السعدني ولد بالجيزة وارتبط بها ارتباطا وثيقا لدرجة انك لن تجد كتابا له لم يذكر فيه الجيزة.. عمل السعدني بعد الثورة بجريدة الجمهورية وكان يرأس مجلس ادارتها في ذلك الوقت أنور السادات ويرأس تحريرها كامل الشناوي وآخرون وقدم السعدني خلال عمله بالجمهورية العديد والعديد من التحقيقات والمو ضوعات المميزة وعقب انتقال السادات لرئاسة البرلمان المصري صدر قرار بالاستغناء عن السعدني ومعه بيرم التونسي وعبدالرحمن الخميسي وعشرات من الصحفيين الاكفاء. عقب الاستغناء عن السعدني استدعاه احسان عبدالقدوس للعمل معه في مجلة روزاليوسف الاسبوعية كمدير تحرير ويصف السعدني هذه الفترة بأنها كانت الأفضل في حياته حيث انجز خلالها العديد من الكتب والمقالات الساخرة.. اعتقل في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرابة عامين عاد بعدها إلي عمله بمجلة روزاليوسف وتولي رئاسة تحرير مجلة صباح الخير عقب ذلك ورفع توزيعها إلي معدلات غير مسبوقة. محمود السعدني اتهم في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بالاشتراك في محاولة انقلابية واعتقل مع شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم وتمت محاكمتهم أمام محكمة الثورة وتمت ادانتهم وحاول الرئيس الليبي معمر القذافي التوسط لدي السادات للافراج عن السعدني الا ان السادات رفض الوساطة وقال: ان السعدني قد اطلق عليه النكات وعلي أهل بيته وكان يقصد جيهان السادات.. بعد قرابة عامين افرج عن السعدني ولكن صدر قرار جمهوري بفصله من رئاسة تحرير مجلة صباح الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية. محمود السعدني غادر مصر عقب قرار فصله من صباح الخير وتوجه إلي بيروت ثم ليبيا وابوظبي والكويت والعراق ولندن التي اصدر فيها مجلة 23 يوليو وكانت أول مجلة تصدر هناك.. عاد السعدني من منفاه الاختياري عقب اغتيال السادات وبالتحديد عام 1982 واستقبله الرئيس مبارك.. اثري السعدني الصحافة بغير حدود من خلال مقالاته الساخرة علي امتداد فترة تزيد علي 60 عاما كما شارك في الحياة السياسة بفاعلية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. محمود السعدني له العشرات من الكتب والمؤلفات الشهيرة في مصر والوطن العربي منها سلسلة "الولد الشقي" وكتبها في سلسلة من الكتب من نهاية الستينيات وحتي منتصف التسعينيات وحملت عناوين "الولد الشقي. قصة طفولته وصباه في الجيزة" و"الولد الشقي في السجن" و"الولد الشقي في المنفي". محمود السعدني له مؤلفات شهيرة أخري منها "مسافر علي الرصيف" و"ألاعيب الولد الشقي" و"السلعوكي في بلاد الافريقي" و"الموكوس في بلاد الفلوس" و"داعا للطواجن" و"رحلات بن عطوطة" و"مصر من تاني" و"قهوة كتكوت" و"تمام يا فندم". رحم الله أستاذنا الكبير محمود السعدني ولنجله الزميل والصديق اكرم السعدني واسرته ولنا جميعا الصبر والسلوان. [email protected]