الصحافة المصرية والعربية فقدت هذا الأسبوع واحدا من أبرز أبنائها وانبل فرسانها.. فقدت كاتبا كبيرا.. فقدت محللا سياسيا وعسكريا معروفا.. نعم فقدنا إنسانا خلوقا محترما.. فقدنا زميلا عزيزا.. فقدنا أخا وحبيباعلي قلوبنا جميعا.. فقدنا الإنسان المهذب الخلوق الشهم الجميل الأستاذ جمال كمال المحلل العسكري والسياسي المعروف ونائب رئيس تحرير الجمهورية. في نهاية الأسبوع الماضي اتصلت به هاتفيا وما ان فتح هاتفه المحمول حتي سمعته يقول لي: "اخبارك ايه يا "جيمي" وهي الكلمة المعتاد اسمعها منه منذ ان عرفته في بداية التسعينيات.. لم أكن أعلم انها المرة الأخيرة التي اسمعها منه.. دار بيننا حوار طويل كعادة حواراتنا معا.. تناقشنا في العديد من الموضوعات العامة والخاصة.. ونظرا لأنني أعلم جيدا علاقته الطيبة والمتميزة بالقوات المسلحة فقد طلبت منه التدخل حتي نحصل في نقابة الصحفيين علي التخفيض المناسب للوحدات المصيفية برأس البر ومرسي مطروح.. استجابته كانت سريعة وحاسمة كعادته ووعدني بالتدخل السريع من أجل الزملاء الصحفيين.. في نهاية المكالمة وقبل اغلاق هاتفه المحمول طلب مني ان نلتقي سويا في الساعة الثانية ظهر الاثنين بمكتبه بالجمهورية.. قلت له علي الفور: سوف احضر لك لأنك واحشني جدا وعايز اشوفك ضروري.. لم اتخيل ان هذا اللقاء لن يتم.. لم اتوقع انني لم اشاهده مرة أخري.. لم اتوقع أن تكون آخر مكالمة بيننا.. لم اتوقع انني لن اسمع صوته بعد اليوم. كانت الساعة تقترب من الثامنة والنصف مساء السبت الماضي عندما فوجئت برسالة علي هاتفي المحمول من زميلي وصديقي وليد همام يقول فيها: البقاء لله في أستاذ جمال كمال.. أصبت بذهول.. انخطف قلبي.. شلت حركتي. كاد الهاتف يسقط من يدي.. حاولت ان اتماسك حتي اعرف الحقيقة..قلت في نفسي يمكن أن يكون أحد أقاربه هو الذي لقي ربه.. تمنيت أن تكون رسالة وليد شائعة.. سارعت بالاتصال بزميلي وليد همام قلت له ماذا حدث؟ ومتي؟ وأين؟ وكيف؟ ومن الذي أخبرك؟ وهل انت متأكد أم لا؟ زميلي وليد همام ظل يردد عبارات البقاء لله.. البقاء لله.. تمنيت أن يكون كلام وليد ليس صحيحا أو أن يكون شائعة رددها البعض أغلقت المكالمة مع زميلي وليد وسارعت بإجراء العديد من المكالمات مع بعض الزملاء والاصدقاء لعل وعسي ان تكون وفاة جمال كمال شائعة.. اتصلت بالزميل يحيي قلاش وجدته في حالة ذهول.. اتصلت بالزميلة سمية أحمد وجدتها في حالة انهيار تام.. اتصلت بالزميل ياسر رزق وجدته في حالة ذهول.. هنا تأكدت من صحة الخبر.. تأكدت ان جمال كمال فارق الحياة. عرفت جمال كمال منذ بداية عملي بجريدة الجمهورية..لفت انتباهي بقوة شخصيته وخفة ظله.. اقتربت منه سريعا.. تعلمت منه الكثير والكثير.. اختارني مع زميلي وصديقي علي الصفتي لتغطية المحاكمات العسكرية في منتصف التسعينيات.. انهي لي إجراءات استخراج التصاريح اللازمة بنفسه.. كان يقدم لنا النصائح والارشادات باستمرار.. كان يتدخل فورا في أية مشكلة تواجهنا أثناء عملنا. لقد عملت تحت رئاسة جمال كمال.. واعتز وافخر انني عملت تحت رئاسته.. تعلمت منه الكثير كان خلال تلك الفترة مثالا للإنسان الخلوق المهذب المحترم خفيف الظل لم اشعر لحظة واحدة ان جمال كمال رئيس لي أو لغيري من الزملاء كان يتعامل معنا جميعا مثل الأخ الأكبر والصديق المخلص. ثقتي في جمال كمال كانت بلا حدود.. كنت استمع إلي نصائحه استمرار.. اذكر انني اتصلت به هاتفيا قبل إغلاق باب الترشيح لعضوية مجالس ادارات المؤسسات الصحفية الأخيرة.. في ذلك الوقت كنت قد قررت عدم خوض تلك الانتخابات حتي اتفرغ لعملي في نقابة الصحفيين ولكن مع اصرار عدد كبير من زملائي علي اقناعي بالترشيح لجأت إلي جمال كمال لحسم هذ الأمر لثقتي فيه وعلمي التام بحبه الشديد لشخصي وما ان نصحني بعدم الترشيح من أجل التفرغ للنقابة حتي كان هذا هو قراري النهائي وابلغته لجميع الزملاء. جمال كمال.. نظيف اليد بشهادة الجميع.. علاقاته طيبة.. شخصيته قوية.. سمعته الطيبة تسبقه.. الكل يشهد لجمال كمال انه لم يستفد لنفسه طوال عمله الصحفي ويكفي شهادة وزير الإنتاج الحربي سيد مشعل اثناء تشييع الجنازة أمام العديد من الزملاء ان جمال كمال لم يطلب لنفسه أي شيء منذ ان عرفه. جمال كمال.. فارس بقلم جريء.. مهذب وخلوق بدرجة امتياز.. كان يتمتع بالشجاعة والمرح وخفة الظل وشهامة أبناء البلد وقوة الشخصية.. الكل يعرف وطنية جمال كمال وحبه لبلده ووطنه.. تحليلاته ومقالاته كانت تدافع عن أرض مصر وأمن مصر. سبحان الله.. لقد رحل جمال كمال وشيعت جنازته في يوم الاحتفال بأعياد سيناء.. وهو أحد الأيام التي كان يعشقها جمال كمال.. نعم مات جمال كمال في يوم كان يحبه ويعشقه. جمال كمال.. لن ننساك مادام في العمر بقية.. لك ألف رحمة.. ولاسرتك الكريمة ولنا جميعا الصبر والسلوان. [email protected]