المقاطعة السياسية والشعبية ليست شيئا أو خيارا سلبيا كما يشيع البعض ممن لا يدركون طبيعة العملية السياسية، فهي ليست مقاطعة بدون هدف، أو مقاطعة للمقاطعة، انما هي موقف يعبر عن رؤية لما يحدث أو تمر به البلاد في لحظة تاريخية معينة. ويشهد الواقع المصري الآن ومنذ اجبار حسني مبارك علي الرحيل بالتنحي عن رئاسة الدولة في 11 فبراير 1102، مسارا مضادا للثورة، تمكنت بفضل الله من اكتشافه واستيعاب أهدافه الخفية التي تدور كلها حول فكرة إجهاض الثورة مع استمرار نظام مبارك وكأن ما حدث ليس بثورة هذا المسار المضاد للثورة كان يستلزم المقاطعة الشاملة والمبكرة والمستمرة حتي اسقاط هذا المسار. إلا أن التحالفات والصفقات والمصالح الضيقة والمتبادلة مع الاطراف المعنية، علي حساب مصلحة الثورة وهي مصلحة الوطن أساسا، كان من شأنها إجهاض المقاطعة حتي يتم تمرير المشروع المضاد للثورة باستخدام وسائل عدة في مقدمتها تبريد الثورة ثم الالتفاف حولها حتي الاجهاض، عن طريق أدوات إطالة الوقت واستهلاكه فيما لا ينتج مشروع الثورة ومتطلباتها في الواقع العملي، وكذلك التوظيف السياسي الردئ للفتنة السياسية، وكانت القوي السياسية وأغلبها جزء من نظام ساقط، جاهزة لهذه الفتنة بل هي أداة تحقيقها في الواقع لاجهاض الثورة بكل أسف. فقد تم توظيف كل الأدوات من أجل تمرير »المشروع اللاثوري«، لضرب »المشروع الثوري«، وذلك في مسار سمي بالانتخابات أولا، ضاربين بعرض الحائط »الدستور أولا«، حتي وصلنا الي مفترق الطرق. حيث أوجدنا تعديلات علي دستور أسقطه الشعب بالثورة، وأوجدنا برلمانا يتمثل في مجلس الشعب بلا اختصاصات حقيقية ومنزوع الفعالية وغير قادر علي محاسبة الحكومة لأنه نتاج الصفقات، ناهيك أيها القارئ العزيز وجود مجلس الشوري بلا معني وبلا اختصاصات وعديم الجدوي رغم ما تكلفه الشعب من أجل وجوده المنعدم!! وكذلك تم أدخالنا في انتخابات رئاسية بدون دستور علي عكس الدعاوي الدستور قبل الرئاسة وذهبت ادراج الرياح!! فهؤلاء الذين أدخلونا في هذه المتاهات، تعمدوا ذلك لتمرير المشروع الاجهاضي للثورة، واجبار الشعب علي الالتفاف عن الثورة وكراهيته كأنها هي سبب كل المصائب والكوارث والنكبات والفراغ الأمني وتدهور الاقتصاد، لابعاد الشعب عن حقيقة النهب والسلب والتدمير المنظم لموارد الشعب وتهريب الاموال للخارج في عهد حسني مبارك، ومنذ تنحيه وحتي الآن، بل خلال فترة الثورة (52 يناير 11 فبراير). كما تم استخدام سلاح الدين، تحت مبررات مختلفة، وذلك لاضفاء الشرعية علي »المشروع اللا ثوري« وشارك في ذلك جماعة الإخوان المسلمين ومعهم السلفيون الذين أفتوا بأن نعم للاستفتاء واجب شرعي، وأن عدم المشاركة في الانتخابات (المشروع الاجهاضي للثورة) هو اثم كبير، والشخص المقاطع آثم!! وأن التصويت لمرشح الإخوان هو فريضة اسلامية.. الخ هذه الفتاوي التي أساءت للدين أكثر من اساءتها لأصحابها الذين نصبوا أنفسهم مرجعيات دينية وصلت الي مرتبة »الأنبياء« الذين يحللون ويحرمون، وهم عن ذلك ببعيدين بطبيعة الحال!! لكنها المصلحة السياسية ومصلحة الجماعة، فوق مصلحة الثورة والوطن. من هنا يتضح اننا أمام مؤامرة كبري، هدفها الاساسي اجهاض الثورة وتوزيع المغانم والسلطات، واجبار الناس علي نسيانها، حتي أوصلونا الي المشهد الأسوأ في تاريخ أي ثورة ومساراتها، وهو مشهد حتمية العودة بالاوضاع الي النظام السابق. وقد عاشته ببعض التجارب الثورية في رومانيا علي سبيل المثال، وكان من جراء ذلك اصرار الشعب علي مواصلة النضال حتي اسقاط النظام السابق، ونجح في ذلك. أما وأننا أصبحنا في مصر أمام مشهد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس بلا دستور أو صلاحيات، من بين شخصين الاول هو أحمد شفيق (رمز النظام السابق وتحالف الفساد والرجعية وأداة لاعادة انتاج نظام مبارك بعنفه وجبروته واستبداده وفساده) والثاني: هو محمد مرسي (رمز الدولة الدينية القادمة، ورمز التآمر علي الثورة، ورمز عقد الصفقات مع المجلس العسكري، ونتاج السمع والطاعة، واعلاء مصلحة الجماعة علي الوطن، ورمز لنقض العهود) نحن اذن أمام خيارين لا ثالث لهما، أما الاستبداد المباركي لنظام اسقطه الشعب، واما الاستبداد والفاشية الدينية والنموذج غير الاخلاقي في ممارسة السياسة رغم محاولة التستر بالدين دون قيمه الحقيقية. ومن ثم فإن الثورة في خطر، ومتطلباتها في الطريق الي الرفوف بدلا من الشوارع، والثوار ايضا في خطر، والشعب الذي فجر أعظم ثورة إنسانية سلمية في خطر حقيقي من شخصين الاصل انهما لم يكن لأي منهما ان يترشحا أساسا. في ضوء ذلك فان »المقاطعة الشعبية« هي الحل وذلك تحقيقا لما يلي: 1 نزع الشرعية عن الرئيس القادم أيا كان هو من المطروحين. 2 ايجاد الرئيس الضعيف الذي لا يستطيع التجرأ علي الشعب. 3 سهولة المطالبة بعزل هذا الرئيس المنتخب شكليا، علي عكس لو جاء هذا الرئيس بأغلبية كاسحة. 4 الاحتفاظ بالمخزون الثوري في ممارسة الضغوط حتي تحقيق مطالب الثورة كاملة، وذلك علي العكس بانتفاء مبررات استمرار الثورة حال الوقوع في شريك تأييد أي من المرشحين. 5 غسل يد الثورة والثوار من تأييد أحد رمزين مرفوضين شعبيا، فرمز مبارك مرفوض شعبيا ويحظي بتأييد اصحاب المصالح ورجال الاعمال الفاسدين، ورمز الدولة الدينية الفاشية المعادية للحرية والديمقراطية، تراجعت مصداقية جماعته بنسبة 05٪ (حصلوا في انتخابات مجلس الشعب علي تأييد 01 ملايين انخفض الي 5 ملايين في انتخابات الرئاسة!! 6 الاحتفاظ بالنقاء الثوري كآلية للحركة المتجددة ودعم الموجات الثورية القادمة التي لا تهدأ ولن تهدأ حتي يتم تحقيق كل اهداف الثورة. ان المقاطعة هي أحد الخيارات الرئيسية في المقاومة السلمية لأوضاع شاذة لا نستطيع تحمل نتائحها وتداعياتها، وكانت آلية لاسقاط الحكام والنظم، وهي عمل ايجابي يستهدف تصحيح المسار الوهمي الحالي، والاعداد للمسار الثوري الحقيقي. ومازال الحوار مستمرا ومتصلا.