من الظواهر البارزة في منهج الدكتور سرور رئيس مجلس الشعب الدائم، تأكيده المستمر بحماس أنه خبير وأستاذ في القانون قبل فرض رأيه وفتاواه الدستورية والقانونية من علي المنصة أو في خارج القاعة!! وهو يعتز ويتشبث دائما متفاخرا بالأستاذية نافيا بغضب أنه قد سخرها منذ زمن بعيد لتحقيق طموحاته السياسية لحساب السلطة الشمولية الاستبدادية وهي التي حققت للأستاذ الوزارة ثم رئاسة مجلس الشعب.. التي يزعم أنها أتت إليه منقادة مجذوبة تجرجر أذيالها فلم يكن يصلح إلا لها ولم تكن تصلح إلا له!! وقد اتبع ذات النهج في تعقيبه الناقد علي مقال بالوفد للكاتب اللامع أ. أسامة عكاشة!! حيث زعم »د. سرور« أن الدستور الذي لا ينص صراحة علي جواز تعديل مواده كلها أو الغائه ووضع دستور غيره لا يجوز أبدا ولا يمكن تعديل أو استبدال أحكامه إلا بطريق »الانقلاب الثوري«.. يا سلام!! واستشهد علي صحة رأيه بتعديل »ديجول« الدستور الفرنسي قبل استبداله ويتجاهل »الأستاذ الفقيه« تماما الخلاف البين بين النظام الديمقراطي الفرنسي وتحولاته الديجولية إلي النظام شبه الرئاسي البرلماني، بالإرادة الشعبية الحرة، وبين الطبيعة الاستبدادية الفاشية للنظام الشمولي الجاثم علي صدر الشعب المصري منذ سنة 1952 ومن سماته ومظاهره الدائمة في العهد الناصري الديكتاتوري السافر ثم في ظل نقيضه في العهد التكنوقراطي الساداتي وامتداده العهد المباركي الفاشي الحالي !! اعتماد سلطة السيادة الانفرادية المطلقة علي فقهاء الاستبداد والفساد من أهل الثقة وترزية الدساتير والقوانين لإعدادها وتفصيلها وتطريزها وفق مصالح وعلي هوي ورغبات المؤسسة السيادية دون التقيد مطلقا بالأسس أو بالمرجعية الدستورية ومبادئها العامة السائدة في دول العالم الديمقراطية، مع تعمد الاهدار التام للإرادة والسيادة الشعبية وتجاهل حقوق الإنسان المصري وحرياته العامة، واهدار المصالح العامة المشروعة لعامة الشعب!! والثابت أنه لم يحصل في أغلبية الأوقات علي هذه الثقة السلطوية، السيادية سوي المتخصصين في تدريس القانون العقابي أو تاريخ القانون من مدرسي الشرح علي المتون والاعتماد الكامل علي النصوص الرئاسية ومن أعضاء التنظيم الطليعي السري الناصري!! خاصة في العهد الرئاسي الحالي!! ومع احترامنا لكفاءاتهم العلمية الجامعية النظرية، لابد أن نقرر حقيقة ما نعرفه مع صفوة المثقفين الوطنيين المصريين، من أن هذه »الكفاءات العقوبية«، قد استخدمتها سلطة السيادة في مجال القانونين الدستوري والعام، دون أساتذة وفقهاء وقضاة هذين الفرعين من فروع القانون!! ويبدو أن ذلك »اعمال ميكيافيللي« من هذه السلطة الفاشية الاستبدادية لمبدأ استغلال سهولة أداء غير المتخصص المقيدبقواعد علمية حاكمة لتخصصه لما يكلفه به المستبد من إعداد وتفصيل التشريعات الاستبدادية التي تحقق مصالحه ونزواته!! وآلة ذلك أنه من المبادئ العامة الأولية التي يعرفها حتما أي دارس للقانون، إن القاعدة القانونية تعدل وتلغي بذات الأداة التشريعية التي وضعت بواسطتها، أو بأداة تشريعية أعلي مرتبة منها في »تدرج الهرم التشريعي«!! وهذا المبدأ المهم ضمن المبادئ الدستورية العامة التي تحكم النظام القانوني لأية دولة دون حاجة إلي النص عليه صراحة، ومع ذلك فقد ورد النص عليها في القانون المدني المصري!! فالقاعدة القانونية المكتوبة ليست سوي تعبير صريح وشرعي عن إرادة سلطة عامة مشرعة لانشاء أو تعديل أو الغاء أو تنظيم مراكز قانونية عامة ومجردة، وهي بهذه الطبيعة تملك تعديلها ذات السلطة التي تصدرها، أو سلطة مشرعة أعلي منها!! وذلك كله ما لم ينص الدستور علي قواعد وإجراءات خاصة لتعديل نصوصه أو أية قواعد قانونية أو لائحية أخري، وعادة ما تنص بعض الدساتير الموصوفة بالجامدة علي تحديد قواعد وإجراءات قانونية معينة، يتعين التزامها ومراعاتها بكل دقة لتعديل أحكامه وذلك أساسا لضمان أن التعديل يحتمه تطور ظروف المجتمع والدولة وفقا لما يقر في ضمير النخبة الحاكمة، سواء بالسلطة التشريعية أو التنفيذية أم لدي أغلبية جماعة الناخبين!! وتشمل عادة هذه الشروط والإجراءات تحديد الشخص القانوني أو الجهة المختصة التي تملك طلب التعديل، وبتحديد مواد وموضوع هذا التعديل من بين النصوص التي لم يحظر الدستور المساس إطلاقا أو لمدة معينة بها!! حسب الأحوال!! كما تحدد الأغلبية اللازمة لصحة طلب التعديل شكلا، مع تحديد ميعاد وإجراءات مناقشته وإقراره والأغلبية اللازمة لذلك من أعضاء البرلمان أو من مجموع الناخبين بطريق الاستفتاء بحسب الأحوال!! ومن البديهيات التي تتبع في هذا المجال دون نص إن مبدأ التعديل الدستوري قد يشمل نصا واحدا أو أكثر من ذلك فيشمل عددا أو مجموعة من المواد، أو كل مواد الدستور، وفقا للضرورات السياسية والدستورية والصياغية الفنية لما يحتاج الأمر لتعديله!! وتطبيقا لهذه المبادئ، فقد صدر في مصر دستور 1923 كمنحة للشعب بأمر ملكي في عهد الملك فؤاد ثم تم الغاؤه بأمر ملكي وأحل محله دستور 1930 ونتيجة لضغط الرفض الشعبي أعيد العمل بأمر ملكي بأحكام دستور 1923!! وقد تم كل ذلك في ظل النظام الملكي الليبرالي، ودون أية ثورة شعبية أو انقلاب عسكري يملي عكس ما زعمه د. سرور بل كان الإلغاء لدستور 1923 والإعادة بإرادة أوتوقراطية من الملك الذي يرفض الخضوع لسيادة الدستور والقانون. * ورغم أنه قد تم بقرار من مجلس قيادة حركة الجيش الانقلابية ،1952 الغاء دستور 1923 والعمل بما أطلق عليه »الإعلان الدستوري« لمرحلة الانتقال 1952 وأنه قد علل ذلك بما أطلق عليه »فقهاء الاستبداد« ما سموه »الشرعية الثورية«، وهو اصطلاح مضلل يعني »شرعية القوة الاغتصابية للسيادة الشعبية« حيث لم يكن ما حدث في 23 يوليو 1952 ثورة شعبية مثل ثورة 1919 ولكنها حركة انقلابية من مجموعة الضباط الناصريين، استخدمت القوة العسكرية لاغتصاب السيادة الشعبية والسلطات العامة الثلاث للدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعندما تحولت الحركة الانقلابية لتقنين شرعية وجودها شكلا أعدت »بيروقراطيا« بواسطة أهل الثقة دستورها الاستبدادي الناصري الأول 1956 وطرحته للاستفتاء لاسباغ الشرعية الشكلية الديمقراطية عليه، وتم بعد ذلك بذات الأسلوب الغاء هذا الدستور وإحلال الإعلان الدستوري للوحدة مع سوريا 1958 وبعد الانفصال أعيد العمل بإعلان دستوري مؤقت حتي أصدر »النظام الناصري« دستور 1964 الذي تم إقراره بالاستفتاء المزيف وهو ذات الأسلوب الذي أعد وصدر بمقتضاه الدستور الساداتي النافذ منذ 1971 والمسمي بالدستور الدائم وهو وصف ديماجوجي قصد به »التهويش« سياسيا باستقرار النظام الساداتي ودستوره الديكتاتوقراطي، الذي نفذ بدلا من دستور 1964 بمقتضي الاستفتاء وطبقا للمادة 193 منه وبصورة مشابهة لما تضمنته المادة 189 من الدستور الساداتي الجامد والواردة بالباب السادس منه والتي تضمنت جواز تعديل »مادة أو أكثر من مواد الدستور« وأناطت برئيس الجمهورية وثلث أعضاء مجلس الشعب فقط طلب التعديل.. إلخ، ولا شك أنه يشمل الأكثر من مواد الدستور معظمه أو حتي جميعه لغة وحسب العرف الدستوري!! ولقد عدل السادات دستور 1971 طبقا للمادة المذكورة وصدر في 22 مايو 80 وشمل العديد من المواد التي غيرت زيفا شكل الدولة »م 1/1« وجعلت الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع »م22«، وتحولت إلي التعدد الحزبي.. إلخ في سبيل ابقاء كل السلطات المقدسة للاستبداد المطلق وإضافة الشرف إلي أدوات التسلط مع امتداد فترة الرئاسة لنهاية الحياة، والعالم يعلم كله أن التعديل المباركي الانفرادي بطلب رئاسي برز فجأة للمادة 76 من هذا الدستور قبل نهاية دورة مجلس الشعب الأخيرة بعدة شهور مقصود به تمرير هذا التعديل اليتيم وحده من الأغلبية الميكانيكية الفاشية بمجلس الشعب بقيادة د. سرور مع ابقاء الأوضاع الدستورية والسياسية الاستبدادية الحالية قائمة في ظل الطوارئ المستدامة بحيث يكون تقرير مبدأ الانتخاب الدستوري الشكلي لرئاسة الجمهورية بين متنافسين »مستحيلا واقعيا وسياسيا« وغير ممكن علي غير »الرئيس مبارك«!! ومن قد يرشحه باسم الحزب الفاشي المباركي في المستقبل لتوريث الجمهورية!! ولا شك في صحة وسلامة نقد الأستاذ عكاشة بمقاله البليغ لرئيس مجلس الشعب الفقيه الدستوري للنظام المباركي!! وآية ذلك أنه خلال رئاسته المستدامة لمجلس الشعب وبواسطة إدارته لمناقشاته بالطريقة والمنهج السروري قد مرر وبرر وزعم بإصرار صحة وسلامة ودستورية العديد من النصوص ومن القوانين غير الدستورية شكلا وموضوعا وكلها سالبة للحريات والحقوق العامة والخاصة للمصريين تحقيقا للمكاسب غير الدستورية أو المشروعة للطبقة الجديدة النهبوية المتسترة بوصف رجال الأعمال وحلفائها المنحرفين من أعضاء مافيا الاستبداد الفاشي بالسلطة!! المحتكرة السيادة بالطوارئ المستدامة، ولقد أدت التعديلات والقوانين الباطلة المذكورة لحل مجلس الشعب مرتين، كما أدي العديد من أحكام القوانين الأخري تكريس الاستبداد الفاشي المباركي للسلطة ولاحتكار حزبه وأنصاره وجلاديه واتباعه للسلطة والثروة علي حساب غالبية الشعب، ومن أبرز أمثلة ذلك إقرار المد لحالة الطوارئ منذ ،81 واستمرار التفويض المطلق للرئيس بشأن السلاح، وقانوني القطاع العام والشيك وأحكام الطعون الانتخابية وقانوني الارهاب وانتخابات النقابات المهنية والعمالية وقانون تقييد ولاية المحكمة الدستورية العليا، وقانون الصحافة، والغش واتفاقيات بيع الغاز والبترول والكويز مع إسرائيل ومن أشد التشريعات التي للأسف كان ومازال كبير مستشاري النظام وترزية قوانينه فيها »د.سرور« هذا التعديل الشاذ التاريخي للمادة 76 عجيبة التطريز بالدستور، ولا يجدي »د.سرور« دفع مسئوليته عن هذا الكم الهائل للانحراف البرلماني التشريعي في العهد المباركي الفاشي بما قد يكون قد ضمنه مؤلفه الجنائي من دفاع عن دستورية وشرعية العقوبة والجريمة رضوخا منه لضمير وعلم الباحث الجنائي الأكاديمي كما زعم فقد اختير كما يعلم جميع الشعب رئيسا لمجلس الشعب لأداء واجب التشريع والرقابة البرلمانية علي حكومة النظام الاستبدادي وفقا للتوجيهات السيادية المطلقة لتحقيق مصالح الحزب الفاشي المتسلط علي حساب الشعب، فلا تضق بالنقد يا »دكتور سرور«، فلا يمكن لإنسان أن يجمع في هذه الحالة بين الحسنيين، ويا لهول ما يلاقيه الإنسان إذا ملك الدنيا وباع ضميره أو نفسه ولا حول ولا قوة إلا بالله. --------------------------------------------------------------- صحيفة الوفد