كانت حياة الدكتور عبد العزيز كامل اشبه ما تكون بحلقات من المفارقات والاحداث المتقابلة التي يمكن ان ينتهي حدث منها بمأساة مروعة ويبدأ من عندها بانتصارات معجزة، فقد كان حسه الإنساني عالياً جداً وتكوينه الفكري متيناً متأثراً بالتراث العربي والإسلامي والثقافة الوسطية العميقة رغم التحاقه بكلية الآداب التي كانت طريقه الي جماعة الإخوان المسلمين وإضافة مرحلة جديدة من حياته حملت من العواصف ما يجعل الولدان شيباً، مرَّ علي جميع سجون ومعتقلات مصر تقريبا، ثم بلغ من المناصب مبلغاً عظيماً فأصبح استاذاً للجغرافيا البشرية بآداب القاهرة ثم وكيلاً للأزهر الشريف فوزيرا للأوقاف والشئون الدينية فنائباً لرئيس الوزراء في عهد الرئيسين عبدالناصر والسادات، إذن فهذه الحالة لها دلالات شتي تؤكد دور الدكتور عبد العزيز كامل المحوري في إيجاد تيار معتدل داخل جماعة الاخوان المسلمين بعد ان اختطف الجماعة ووجه وجهتها تيار التنظيم السري الذي كان يقوده، عبد الرحمن السندي، وكانت حادثة مقتل المستشار الخازندار أول الإشارات الدالة علي القوة الجديدة التي بدأت تطاول سلطة المرشد بل تتجاوزها إلي ما تريد، ويروي الدكتور عبد العزيز كامل ما جري ليلة البيعة التي تعقب اختبارات دقيقة ومتنوعة للعضو المرشح للتنظيم السري فيقول: »وإذا ما أريد في النظام ترشيح أحد من الإخوان لعضويته بدأ أولاً في اخضاعه لسلسلة من الاختبارات، تركز علي قدرته علي السمع والطاعة والكتمان وأن ينفذ ما يلقي إليه من أوامر دون تردد، فإذا ما إطمأن إليه ونجح في بعض الاختبارات التمهيدية تحددت له ليلة البيعة«.. وقد نعجب مع الدكتور عبد العزيز كامل لهذه الطريقة التي هي غريبة فعلاً عن جوهرالإسلام وصفائه، فلقد كان المرشحون يبيتون ليلة البيعة تلك في بيت أحد قادة النظام في السيدة عائشة، وبعد صلاة العشاء يؤمرون واحداً واحداً بالدخول إلي غرفة مظلمة لا يُري فيها أحد وبعد خطوات محددة يقوم المرافق بإجلاس المرشح علي الأرض ويمد يده الي حيث يوجد مصحف ومسدس وتمتد يد أخري هي يدُ ممثل المرشد في البيعة، فيبايعه علي السمع والطاعة والكتمان دون أن يري وجهه بينما يسمع صوته ويلمس يده فقط.. وهنا يقول الدكتور عبد العزيز كامل: »أذكر هذا الموقف حين كنت أنا في البيعة ولم يكن الصوت غريباً عني فقلت له مباشرة وسط الظلام: ما هذا يا أستاذ صالح؟! وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم إني أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم، ماهذه الاساليب التي أدخلتموها علي عملنا ولا أساس لها في ديننا؟!. ورد الاستاذ صالح العشماوي حينها - وكان وقتئذ عضو مكتب الأرشاد ورئيس تحرير مجلة »الإخوان« - قائلا: هذا نظامنا.. قالها دون أن يذكر أسمه أو يحاول أن يقدم تفسيراً لما نفعله.. ويواصل الدكتور عبدالعزيز كامل مده لنا في استجلاء بواطن هذه الصورة المفزعة، إذ بعد الخروج يذهب من اقسم إلي جبل المقطم القريب يتدربون علي إطلاق النار فترة قصيرة، والأسلحة كانت مخبأة في مكان في المقطم بحيث لايضطرون إلي حملها كل مرة، ويعودون بعد هذا وبعد صلاة الجمعة يصحبهم عبدالرحمن السندي إلي منزل الاستاذ حسن البنا في لقاء قصير، وكان تحليل الدكتور عبد العزيز كامل هو الحقيقة المرة إذ يقول: »إنك إذا ما نظرت إلي ذلك كله أحسست فيه روح الفترة التي كانت تعيشها مصر وقتئذ، ونظم الجمعيات السرية والتقليد الذي يمسخ الشخصية الاسلامية، والذي لا تستطيع أن تراه إلي أي قاعدة من آيات الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، بل تستطيع القول إن هذا الأسلوب أقرب الي النظام الماسوني أو الجماعات السرية التي أفرزتها عهود التآمر منها إلي عهود النقاء والصفاء الإسلامي الأول، إن هذا الاسلوب كان له تأثيره الحارق، الذي ترك ندوباً غائرة علي أديم العمل الإسلامي«.. نواصل الاسبوع القادم إن شاء الله