لم تعد هناك مشكلة بين الولاياتالمتحدةالامريكية واسرائيل! فقد تم التوصل الي تفاهم بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون سبق قرار عودة المبعوث الرئاسي الامريكي جورج ميتشل الي المنطقة، وموافقة الرئيس الامريكي باراك اوباما علي عقد محادثات رسمية مع نتنياهو غدا »الثلاثاء« خلال زيارة الأخير لواشنطن لحضور الاجتماع السنوي للجنة العامة للعلاقات الامريكية - الاسرائيلية »الايباك« - وهي اكبر »لوبي« يهودي صهيوني في امريكا. وهكذا اعتبرت اسرائيل ان »الأزمة« التي نشأت في العلاقات بينها وبين الولاياتالمتحدة، عقب قرار إقامة 0061 وحدة استيطانية جديدة في شمال القدسالشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي،... قد »انتهت«!! ولم يقتصر الأمر علي ذلك، بل ان هيلاري كلينتون صرحت في اجتماع الرباعية الدولية في موسكو بان نتنياهو »قدم اجابات مفيدة ومثمرة« ردا علي قلق واشنطن فيما يتعلق بالبناء الاستيطاني في القدس، مما يؤكد انه تم »تجاوز الأزمة«! أما.. كيف تم تجاوز ما سمي بالأزمة بين واشنطن وتل ابيب، فان ما ورد عنه من معلومات.. أغرب من الخيال، ومن الصعب تصديقه، لأنه يعني ان محور واشنطن - تل ابيب يستخف بعقول العرب والفلسطينيين ويستهزيء بهم ويسخر منهم ويمعن في إهانتهم. وهذه المعلومات نشرها كبير المحللين السياسيين في صحيفة »واشنطن بوست« الامريكية »جاكسون ديل«، استنادا الي تصريحات افضي بها السفير الاسرائيلي في العاصمة الامريكية »مايكل أورين«. تؤكد هذه المعلومات انه تم التوصل الي تفاهم امريكي -اسرائيلي يشمل عدة نقاط، أهمها: الاتفاق علي انتهاج سياسة "DON,T ASK, DON,T TELLس أي: »لا تسألوا.. ولن نتكلم«!! ومعني هذا الاتفاق - الفضيحة، بصريح العبارة، ان اسرائيل يمكن ان تواصل نشاطها الاستيطاني في القدسالشرقية، بلا رادع، في مقابل وعد اسرائيلي بأن تمتنع اسرائيل عن الاعلان عن مخططاتها الاستيطانية أو نشرها في وسائل الاعلام!! هذا هو »الانتصار« الذي أحرزته الادارة الامريكية في الجدل الذي حدث بينها وبين اسرائيل ووصفه البعض بأنه »أزمة«! فقد اكتشفت حكومة الولاياتالمتحدة ان نتنياهو »لا يملك الصلاحية القانونية« لإلغاء القرار الاخير باقامة 0061 وحدة استيطانية جديدة في القدسالمحتلة، ولكنه -كما يقول- يقترح عدم المباشرة بعمليات البناء قبل ثلاث سنوات!!! والدليل علي ان نتنياهو رجل سلام ومفاوضات، وانه يملك كل »النوايا الطيبة« -فيما يري الامريكيون- انه يقترح القيام بمبادرات »حسن نية« بهدف »بناء الثقة« مع الجانب الفلسطيني، منها انه »قد يوافق« علي اطلاق سراح بعض الأسري الفلسطينيين من حركة فتح»!!« وإزالة بعض الحواجز العسكرية الاسرائيلية علي ان تقوم السلطة الفلسطينية بخطوات مماثلة!! واصبح معروفا ان نتنياهو ابلغ هيلاري كلينتون بقرار الحكومة الاسرائيلية بعدم وقف البناء الاستيطاني في القدسالشرقيةالمحتلة. ولا يقل غرابة عن ذلك كله ان الطرفين الامريكي والاسرائيلي اتفقا علي كل شيء واتخذا القرارات التي يريدانها في غياب تام للطرف الفلسطيني الذي اصبح محروما من مجرد ابداء الرأي بالموافقة أو الرفض، فهو بلا حول ولا قوة! كما نلاحظ ان نتنياهو أصر علي عدم التراجع عن قرارات الاستيطان الأخيرة، وان واشنطن رضخت لهذا الموقف الاسرائيلي. اذن.. لم يكن هناك أي خلاف في الايام الأخيرة بين امريكا واسرائيل حول قضية الاستيطان ذاتها، وكل ما حدث من جدل كان يتركز حول مسألة توقيت الاعلان عن مشروع استيطاني جديد، كما اشرنا في مقال سابق. وربما شجع علي هذا التحدي الاسرائيلي والرضوخ الامريكي ان العرب انفسهم قبلوا بالدخول في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل في ظل استمرار النشاط الاستيطاني الاسرائيلي. ونتائج هذا التواطؤ الامريكي مع اسرائيل ستكون وخيمة سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو بالنسبة للعالم العربي بوجه عام. يقول محلل صحيفة »الاندبندانت« البريطانية روبرت كورنويل، ان الرئيس الامريكي باراك اوباما لن يفكر علي الاطلاق في اتخاذ موقف التحدي في مواجهة اللوبي الاسرائيلي القوي في واشنطن. يحدث ذلك في الوقت الذي يشكو فيه كبار الجنرالات الامريكيين من تصرفات اسرائيل وسياساتها، ويعتبرون ان هذه التصرفات اصبحت تشكل عبئا حقيقيا علي الوجود العسكري الامريكي في أهم منطقة توجد بها مصالح حيوية للولايات المتحدة، كما ان هذه التصرفات تبدد الثقة في واشنطن وتجهز علي ما تبقي لها من مصداقية. وقد صرح الجنرال ديفيد بتريوس، القائد العام للقيادة الوسطي للولايات المتحدة، أمام لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الامريكي -مؤخرا- بان استمرار الصراع بين اسرائيل وبعض جيرانها يطرح تحديات كبيرة أمام قدرة الولاياتالمتحدة علي حماية مصالحها في المنطقة. ومع ذلك، فان شراذم اليمين العنصري المتطرف من حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي (من امثال حركة »شاس« أو »اسرائيل بيتنا«) تتمتع بوزن اكبر واهمية وثقل اكبر -في نظر نتنياهو- من الولاياتالمتحدةالامريكية.. ذلك ان ارضاء هذا اليمين المتطرف -الذي ينتمي هو نفسه الي افكاره- هو الضمان لتنفيذ كل مشروعات الاستيطان والتهويد. في نفس الوقت الذي تطالب فيه اسرائيل.. الولاياتالمتحدة بشن حرب ضد ايران لحسابها كما فعلت ضد العراق. ومن هنا، فان هيلاري كلينتون تنفي تماما كل ما تردد عن سعي الادارة الامريكية الي الضغط علي نتنياهو للتوصل الي تسوية، حتي لو أدي الأمر الي المجازفة بسقوط حكومته. وبعبارة اخري، فان واشنطن لا تجد في استمرار قادة الاستيطان والتهويد والتوسع والقمع الدموي والاحتلال الدائم.. أي مشكلة! ومع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية في ظل هذا التردي الذي بلغته اوضاع وأحوال العالم العربي.. وفي ظل هذه الاهانات الموجهة الي العرب.. تزداد الحاجة الي وضع استراتيجية عربية جديدة ترتكز علي الدعم الكامل للمقاومة الشعبية الفلسطينية، وعلي إجماع عربي علي مطالبة الولاياتالمتحدة بتغيير جذري في موقفها من القضية الفلسطينية، مع عدم استبعاد اسلوب التفاوض اذا كان ذلك يتفق مع المصلحة الفلسطينية في مرحلة من المراحل. أما عن بيانات اللجنة الرباعية التي تمهل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي 42 يوما للعودة الي المفاوضات وتمهل الطرفين 42 شهرا للتوصل الي اتفاق عبر المفاوضات.. فانها لا تساوي الورق الذي كتبت عليه.. لأن مفاوضات العشرين عاما الماضية لم تحقق اية نتيجة. موازين القوي ليست لصالح الفلسطينيين، ولأن الانحياز الامريكي الأعمي والمطلق الي جانب التوسع الاسرائيلي.. لا يترك مجالا -علي الاطلاق- لأية مفاوضات حقيقية أو جادة أو مثمرة ولأن اسرائيل لا تريد السلام وانما اغتصاب الأرض.. كما ان اعضاء اللجنة الرباعية يعرفون ان اسرائيل تواصل نشاطها الاستيطاني والتهويدي والتوسعي في الأراضي المحتلة دون توقف. ولم يحدث يوما ان حاول أحد اعضاء هذه اللجنة ان يمارس ضغطا علي اسرائيل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الذي هو أصل جميع المشكلات.. بما فيها الاستيطان ولذلك فان الموقف لن يتغير بعد 42 يوما أو بعد 42 شهرا!!