مع تسارع وتيرة استعدادات كوريا الشمالية لتجربة إطلاق صاروخها الباليستي طويل المدي والذي تقول انه يحمل قمرا صناعيا تتزايد مؤشرات الانفجار وعدم الاستقرار في منطقة شرق آسيا. الولاياتالمتحدة وحليفتاها في المنطقة, اليابان وكوريا الجنوبية, تشتبه في ان هذه التجربة قد تخفي عملية اطلاق صاروخ بعيد المدي من نوع تايبودونج 2 القادر نظريا علي إصابة أهداف في الأراضي الأمريكية مثل الاسكا أو هاواي, وهو الأمر الذي يعتبره كثير من المراقبين بمثابة تحد أمني واستراتيجي كبير للرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما وحلفائه في شرق آسيا كما ذكرت جريدة " الاهرام " المصرية. هذا الأمر دفع عددا من الدوائر الاعلامية والسياسية في الدول الثلاث إلي المناداة ليس فقط بضرورة اجبار بيونج يانج علي التخلي عن هذه التجربة أو إفشالها بتدمير الصاروخ في حالة إطلاقه, وإنما أيضا احالة المسألة برمتها إلي مجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية جديدة علي كوريا الشمالية لدفعها إلي التخلي عن برامجها الصاروخية والنووية. الامبريالية والقوات الثورية .. وفي مواجهة هذه الأصوات المتزايدة في الدول الثلاث, وخاصة في اليابان, هددت كوريا الشمالية بضرب أهداف بارزة في اليابان في حال قيام قواتها بمحاولة اعتراض القمر الصناعي وأكدت في بيان رسمي أنه اذا فقدت اليابان ضبط النفس واسقطت قمرنا ذا الأهداف السلمية فإن جيش التحرير الشعبي سيصب حمما علي الترسانة اليابانية المضادة للصواريخ ومنشآتها الاستراتيجية. كما كررت بيونج يانج تحذيراتها للدول الثلاث من أن اي محاولة لإسقاط الصاروخ الحامل للقمر الصناعي ستعتبر عملا من اعمال الحرب وبالاضافة إلي ذلك أكدت كوريا الشمالية في بيان رسمي آخر بعدما اكتشفت طائرات تجسس أمريكية تقوم بالتقاط صورا فوتوغرافية للأهداف الاستراتيجية في موقع الاطلاق أنه إذا تجرأ الامبرياليون الذين يمارسون الابتزاز علي ادخال طائرات تجسس في مجالنا الجوي والتدخل بذلك في استعداداتنا لإطلاق قمر صناعي لغايات سلمية فإن قواتنا الثورية ستسقطها من دون رحمة.. ووصف البيان أعمال التجسس الأمريكية بأنها انتهاك سافر لسيادة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية واستفزاز عسكري خطير آخر. إجراءات عسكرية وجهود دبلوماسية الشد والجذب بين الدول الثلاث من ناحية وكوريا الشمالية من ناحية أخري, وتصاعد نبرة المواجهة العسكرية بين الجانبين بدأ مباشرة عقب إعلان كوريا الشمالية منذ فترة عزمها إطلاق قمر صناعي باسم كونجميونجسونج2 من محافظة هامكيونج الشمالية في اطار برنامجها لأبحاث الفضاء خلال الفترة من4 إلي8 أبريل الحالي.. ومنذ ذلك الحين, حدث استنفار شديد لدي العديد من الدوائر الأمنية والسياسية هنا في اليابان للتعامل مع هذه المسألة علي مستويين رئيسيين بإعتبارها تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الياباني لابد من التعامل معه بمنتهي الحزم. المستوي الأول تمثل في اتخاذ اجراءات عسكرية وقائية للتعامل مع فشل عملية الاطلاق الصاروخي, وحتي لا يتم استثارة غضب كوريا الشمالية أكدت الحكومة اليابانية, علي لسان المتحدثة باسم وزارة الدفاع اليابانية, أن اليابان لن تعترض الصاروخ إلا إذا كان يهدد مباشرة حياة وممتلكات الشعب الياباني. وفي هذا الاطار أرسلت الحكومة اليابانية مدمرتين مزودتين بصواريخ إيجيس مع صواريخ اعتراضية من طراز ستاندرد3 الي بحر اليابان, ومدمرة ثالثة مزودة بصواريخ إيجيس إلي المحيط الهادي استعدادا لإسقاط حطام الصاروخ في حال فشلت عملية إطلاقه, كما نشر الجيش الياباني صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ امام مبني وزارة الدفاع في وسط العاصمة طوكيو والمناطق القريبة منها. ومن ناحية أخري تم نشر صواريخ اعتراضية متقدمة من طرازPAC-3 في إقليم توهوكو بشمال اليابان, الذي يتوقع أن يعبر الصاروخ الكوري الشمالي فوقه. ومن جهتها نشرت القوات البحرية الأمريكية خمس مدمرات في بحر اليابان لمراقبة تجربة الاطلاق. أما المستوي الثاني فقد تمثل في عدد من التحركات السياسية والدبلوماسية الهادفة الي دفع كوريا الشمالية إلي إيقاف تطوير برامجها الصاروخية, فرئيس الوزراء الياباني تارو أسو لم يتوقف عن مطالبة كوريا الشمالية بالامتناع عن تجربتها الصاروخية, مؤكدا أن إطلاق هذا الصاروخ من شأنه أن يدمر السلام والاستقرار في شمال شرق آسيا. وشدد أسو أيضا في كل احاديثه المعلنة علي أن كوريا الشمالية سواء أطلقت قمرا صناعيا أم صاروخا باليستيا بعيد المدي فإن ذلك يمثل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالبها بالتخلي عن خططها لتطوير الصواريخ الباليستية, مشيرا الي إنه إذا مضت كوريا الشمالية قدما في عملية الاطلاق فإن اليابان ستكون الدولة الأولي التي ستتعامل بحزم مع هذه القضية في مجلس الأمن الدولي. ومن ناحية ثانية قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليابانية إنه إذا مضت كوريا الشمالية في الاطلاق الصاروخي الذي خططت له فإن اليابان ستفرض عقوبات إضافية من جانبها علي كوريا الشمالية عبر وقف كل الصادرات إليها وتشديد القيود علي التعاملات المالية معها. تدخل مجلس الأمن الدولي وكان مجلس الأمن قد اصدر القرارين رقم1695 و1718تجاه كوريا الشمالية بعد محاولتها إطلاق صاروخ باليستيي طويل المدي من طراز تايبودونج 2 في يوليو2006 وبعد قيامها بإجراء تجربة نووية في أكتوبر2006 علي التوالي, وكلا القرارين ينص بوضوح علي ضرورة إيقاف كوريا الشمالية لكل انشطتها المتعلقة بتطوير الصواريخ الباليستية وفي ضوء هذين القرارين تتفق الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية علي أن التجربة التي تزمع كوريا الشمالية القيام بها خلال الشهر الحالي حتي وإن كانت ترتبط بمجال الأقمار الصناعية, تمثل انتهاكا صارخا لما توافق عليه المجتمع الدولي لأن التكنولوجيات المرتبطة بالصواريخ هي نفسها التكنولوجيات المرتبطة بإطلاق الأقمار الصناعية. وقد وافقت الدول الثلاث علي الدفع في اتجاه اعتماد قرار جديد في مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية اذا قامت بإطلاق الصاروخ, رغم أن بيونج يانج اعلنت ان مجرد مناقشة الأمر في مجلس الأمن حتي دون الوصول الي حد فرض عقوبات سيؤدي الي نسف المحادثات السداسية الدولية حول نزع اسلحتها النووية. ورغم هذا الاتفاق ورغم اعتبار كل من فرنسا وبريطانيا ان تجربة كوريا الشمالية المقررة تعد بمثابة انتهاك لقرارات مجلس الأمن السالف ذكرها, يقول عدد من المراقبين إن مجلس الأمن سيكون من الصعب عليه فرض عقوبات جديدة علي النظام الحاكم في بيونج يانج نتيجة المعارضة المتوقعة من جانب كل من الصين وروسيا اللتين ترتبطان بعلاقات وطيدة مع كوريا الشمالية, واللتين توافقان علي قيام بيونج يانج بتجاربها الصاروخية في اطار تطويرها لبرنامجها الخاص بالفضاء. وفي ضوء ذلك, يمكن القول إن احتمالات المواجهة العسكرية في منطقة شرق آسيا بين كوريا الشمالية وجيرانها نتيجة تجربتها الخاصة بإطلاق قمر صناعي قد تكون ضئيلة في الوقت الراهن نتيجة عدم نية اليابان او الولاياتالمتحدة أو كوريا الجنوبية التعرض لتجربة اطلاقها للقمر الصناعي في حالة نجاحها. ومع ذلك ينبغي عدم تجاهل حقيقة ان هذه الاحتمالات ستظل قائمة بل ومتزايدة في المدي المنظور خاصة إذا مافشلت تجربة الاطلاق ووجدت الدول المجاورة تهديدا في سقوط الصاروخ علي أراضيها ومن ثم ضرورة التعامل معه, أو إذا توصلت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بضغط من الولاياتالمتحدةواليابان, إلي اتفاق بشأن فرض عقوبات اضافية علي كوريا الشمالية لإصرارها علي تطوير برامجها الصاروخية والنووية وتهديد الأمن والاستقرار في منطقة شرق آسيا.