كان أمام إسرائيل أكثر من حل لمنع وصول قافلة السلاح الإيراني وهي في طريقها من السودان الي منظمة حماس الفلسطينية, بدلا من دفع طائرات سلاحها الجوي لاقتحام أجواء دولة مستقلة ذات سيادة عضو في الأممالمتحدة ونقصد هنا السودان كما اوردت جريدة " الأهرام " المصرية. إلا أنه في اعتقادي فإن المسئولين الإسرائيليين أرادوا توجيه مجموعة من الرسائل للدول الواقعة في إقليم الشرق الأوسط ذات دلالة لا يمكن أن تخفي علي أحد, أولاها أنها قادرة علي الوصول الي أي مكان يشكل تهديدا للدولة العبرية, وعلي الرغم من أن مكان الضربة كان شمالي السودان, إلا أن هذه الرسالة بالذات كانت موجهة بالأساس الي كل من إيران وحماس, ولعل إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يقصد هذه الرسالة عندما صرح بعد الغارة بصراحة مفرطة علي غير العادة بأن إسرائيل ستضرب بني الإرهاب حيث تستطيع, وستضربهم بطريقة تعزز الردع وترسخه, وأكد أن إسرائيل قادرة علي الوصول الي أي مكان في العالم وتدميره طالما يشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي. أما رسالة إسرائيل الي إيران فتبدو للوهلة الأولي واضحة من خلال المسافة التي قطعتها الطائرات الإسرائيلية لضرب القافلة في شمال السودان عبر البحر الأحمر, وهي مسافة لا تقل عن1400 كيلومتر وتقترب من المسافة التي يجب علي طائرات سلاح الجو الإسرائيلي اجتيازها للوصول الي الأراضي الإيرانية في حال توجيهها ضربة للمنشآت النووية الإيرانية, والأخطر من ذلك, أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت عن اشتراك طائرات بدون طيار في ضرب القافلة التي كانت تعبر الأراضي السودانية, وهو ما يعني إمكان توفير إسرائيل لعناصر النجاح اللازمة للقيام بضربة جوية استباقية( جراحية) أي دقيقة للغاية للقضاء علي الأهداف النووية الإيرانية, وتبرز أهمية استخدام الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في قدرتها علي إبطال عمل رادارات الدفاع الجوي الإيرانية واصابتها بأذي بالغ من خلال قصفها بهذه الطائرات أو بطائرات إف 15 وإف 16, أو بصواريخ كروز والصواريخ الباليستية متوسطة المدي, وربما يوضح هذا أن وجود دفاع جوي قوي في هذه المنطقة من السودان لم يكن ليحول دون اتمام العملية الإسرائيلية, وأنه اذا كانت إيران تتمتع بحماية شديدة من جانب دفاعها الجوي فإن وسائل الهجوم الجوي الإسرائيلية قادرة نظريا علي الوصول الي أهدافها في إيران وتدميرها . أما الرسالة الثانية لإيران, فتتلخص في درس مفاده أن إسرائيل وضعتها علي قمة أولويات استخباراتها, وأن أجهزة الموساد وغيرها قد جندت عملاءها بشكل غير مسبوق حتي داخل القوات المسلحة الإيرانية وقيادات الحرس الثوري الإيراني, وأن هذا الاختراق الإسرائيلي هو الذي مكن إسرائيل من التخطيط الدقيق للعملية بدءا من شحن السلاح في الموانئ الإيرانية حتي وصوله الي ميناء بورسودان, ومن ثم تم نقله عبر الصحراء بالقافلة التي ستقوم بإيصاله الي شواطئ غزة.. هذا الكم الوافر من المعلومات الدقيقة يؤكد أن الموساد الإسرائيلي ومخابرات الغرب, والاتفاقية الأمنية التي وقعتها إسرائيل مع أمريكا قبل يوم واحد من إيقاف هجومها الأخير علي غزة, قد حققت أهدافها علي نحو يقترب من الكمال, وهذا ما دعا رونن برجمان المختص بشئون الاستخبارات الإسرائيلية الي التأكيد في تحليل له نشر أخيرا, أن هذه العملية تمت بتنسيق مطلق وإذن أمريكي علي أن تلتزم أمريكا الصمت فيما يتبادل الإسرائيليون والأمريكيون التهاني سرا بعد نجاح المهمة. لم تكن إسرائيل لتخاطر بعملية عسكرية بعيدة جدا ومعقدة لو لم يكن لديها معلومات, مؤكدة وصريحة, وبضمان طرف قوي يجنبها عدم إشعال الموقف دبلوماسيا نتيجة تعديها علي سيادة دولة عضو في الأممالمتحدة. أما رسالة إسرائيل لحماس فهي قديمة وكانت تل أبيب قد وجهتها للمنظمة قبل العملية العسكرية الأخيرة, ومفادها أن تل أبيب لن تسمح لحماس بامتلاك وسائل حربية من شأنها تهديد العمق الإسرائيلي, وبصفة خاصة الصواريخ وتدعي إسرائيل أنها دمرت معظم الترسانة الصاروخية لحماس خلال حربها الأخيرة, وهي تسعي الآن لمنع وصول أسلحة جديدة لحماس تعوضها عما فقدته, ويقال إن القافلة التي مرت بالأراضي السودانية كانت محملة بصواريخ فجر الإيرانية والتي تم تفكيكها ليسهل نقلها ثم إعادة تجميعها بواسطة عناصر حماس في غزة, بالإضافة الي ذخائر جديدة قادرة علي اختراق الدبابات والمدرعات الإسرائيلية الحديثة ومثل هذه الأسلحة تمكن حماس من أن تضع مناطق مأهولة واسعة قرب تل أبيب في مدي النيران الحمساوية, كما أنها توفر لها رادعا للمدرعات الإسرائيلية حال اقتحامها غزة مرة أخري. وبالرغم من هذا العدد الكبير من الرسائل التي بعثت بها القيادة الإسرائيلية لكل من إيران وحماس, فإنها خسرت العديد من النقاط, لعل أهمها وضع استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط علي المحك, بعد أن أصبح بإمكان أي دولة الاعتداء علي دولة أخري تحت دعاوي تهديد الأمن القومي لها, أو الشروع في اتخاذ تدابير الحرب ضدها أو تحت أي دعاوي أو مسميات أخري, وهو ما قد يجعل المنطقة كلها علي شفا فوضي تطيح برهان عقلاء المنطقة علي صنع التنمية والازدهار, أما ثاني النقاط التي خسرتها إسرائيل فهي تأكيدها من خلال عملية ضرب القافلة في السودان علي أنها لم تنجح أصلا في حملتها السابقة في غزة من أجل القضاء علي سلاح حماس وضمان عدم تدفقه إليها, فمازالت محاولات تهريب السلاح الي قطاع غزة تتوالي لأن إسرائيل لا تمنح الفلسطينيين أي أمل في الحصول علي الأمان والأرض والسلام, وثالث خسارات إسرائيل من عمليتها العسكرية الأخيرة تكمن في إيضاحها من حيث لا تدري لأساليب تنفيذها لعمليات مماثلة داخل إيران, وإيضاح لا يقبل أي شك من جانب القيادات الإيرانية بأنها مخترقة من جانب الاستخبارات الغربية والموساد, وبأن عليها اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع مثل هذه الاختراقات وتجنب عناصر القوة في الضربة المنتظرة من جانب إسرائيل لمنشآتها النووية وقدراتها العسكرية الاستراتيجية.