الجمهورية: 25/12/2008 * أختلف مع كثيرين يعتبرون الاستجوابات البرلمانية وسيلة للشهرة والظهور - دون مسوغ - في الحياة العامة. ويرون ان كثرتها وغزارتها ليست في صالح الممارسة الديمقراطية.. بل ذهب البعض للقول إنها ابتزاز من المعارضة للحكومة.. لكني أري ان ارتفاع عدد الاستجوابات في بداية دورة مجلس الشعب الحالية "76 استجوابًا" ظاهرة صحية ودليل علي الحيوية السياسية وتأكيد علي تمسك البرلمان بحقه في الرقابة علي أداء الحكومة. ولاشك ان مثل هذه الاستجوابات أو طلبات الإحاطة أو الأسئلة أو البيانات العاجلة لها مردود إيجابي علي جميع الأطراف سواء مقدم الاستجواب أو الحكومة وكذلك للممارسة السياسية عمومًا إذ تتسع من خلالها آفاق الديمقراطية عمليًا.. وعندما يتوفر للاستجواب أو طلب الإحاطة عوامل الموضوعية والنزاهة وتدعمه الأدلة والمستندات فهو يحوز مصداقية الشعب ويجذب الجميع ليتفاعل معه ويتابعه حتي النهاية. وبصرف النظر عن طبيعة الاستجواب ومساراته في حياتنا البرلمانية وهي غير مرضية تمامًا حيث لا يمر استجواب واحد ويشق طريقه حتي النهاية فيسقط حكومة أو يسحب ثقة من وزير.. إلا أن إيجابياته وفوائده أكثر من سلبياته.. ما دام الاستجواب يوجه نقدًا للحكومة ويكشف عن سلبيات وأخطاء وتجاوزات في الإجراءات والممارسات فربما يلفت نظر الحكومة إليها حتي لا تكرر الأخطاء مرة أخري.. وحتي لو نجحت الأغلبية في فرض رأيها وطرح أجندتها - وهذا حقها - وانتصرت في كل مرة وأسقطت الاستجواب تلو الاستجواب من نواب المعارضة والمستقلين. وآخرها ما حدث ل12 استجوابًا دفعة واحدة طرحتها المعارضة حول استيراد الحكومة شحنات قمح فاسدة لا تصلح للاستهلاك الآدمي.. فإنني أدعو المعارضة لمواصلة جهدها وألا تتوقف عن كشف السلبيات والأخطاء. * وكثيرًا ما قرأنا وسمعنا وسعدنا بأداء المعارضة في برلمانات زمان فهؤلاء النواب الشجعان كانوا يخوضون الجولة تلو الأخري. وتجهض استجواباتهم لكن لم تتوقف حملاتهم الشرسة التي تتسلح بالصبر والمثابرة والأفق السياسي الواسع.. وفي النهاية يخرج النائب المعارض منتصرًا فهو معارض شريف وذكي ومؤدب يحظي باحترام الجميع.. أغلبية قبل الأقلية.. وكانت مصر كلها تستمع إليه. وهناك أسماء لامعة حفظتها ذاكرة التاريخ السياسي والبرلماني في مصر واستحقت أن تخلد ذكراها في سجل الوطنيين الشرفاء وتتذكرها الأجيال تلو الأجيال مهما مرت الأيام والشهور والسنون.. والأمثلة كثيرة ومتعددة أذكر منها الدكتور أحمد ماهر وعبدالحميد عبدالحق والزعيم الوفدي المستشار ممتاز نصار وغيرهم وغيرهم من البرلمانيين البارزين. * وأندهش كثيرًا من حال نواب الأغلبية في هذا الزمان وأتساءل: لماذا نواب المعارضة والمستقلين فقط هم الذين يقدمون الاستجوابات وطلبات الاحاطة والأسئلة الساخنة.. لماذا لا يسابقهم نواب الأغلبية من أعضاء الحزب الوطني في الدفاع عن مصالح الشعب. باعتبارهم يمثلون قاعدة عريضة من الجماهير وليس الحكومة.. فهل يعيد التاريخ نفسه ونري نوابًا شجعانًا سواء كانوا من المعارضة أو الحزب الحاكم.. وإذا كان ظهورهم في هذا البرلمان صعبًا أو غير محقق في ظل تركيبته الحالية.. فهل نراهم في برلمان 2010 - .2015 .. نريد نوابًا يخرجون من قلب الأمة ويمثلونها بصدق.. أساتذة جامعات ومثقفين وعلماء وعمالاً.. يثرون الممارسة الديمقراطية ويدفعون البلاد باتجاه النهضة والتقدم ومواجهة التحديات الخطيرة سواء في المرحلة الحالية أو القادمة. * نتمني ألا يتخلي نائب البرلمان عن دوره ورسالته - كممثل للشعب - ومدافع عن مصالحه لحساب وظيفته التنفيذية سواء كان رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة أو شركة أو وزيرًا أو مسئولاً في أي موقع له صلة مباشرة بالحكومة.. إذ فشلت هذه التجربة ولم نعد نر الوزير النائب مثلاً يشارك في الجلسات.. أو يتعامل مع الموقف بشجاعة وشفافية ويفصل بين واجبه البرلماني - كنائب - ووظيفته التنفيذية - كمسئول - ويتقدم يومًا بطلب إحاطة ضد وزير زميله أو أي مسئول في الحكومة. * ونتمني أيضًا أن تختفي تمامًا تلك الصيغة غير المقبولة للزواج بين السلطة والمال داخل البرلمان فلا يمكن أبدًا أن يستجوب نائب الحكومة أو ينتقدها ويكشف عن سلبياتها وله مصالح خاصة معها. فرسالة النائب أمانة وواجب وطني من الطراز الأول يفترض ألا يفرط فيه بالمجاملة حينا وبالتخاذل أحيانًا كثيرة حتي يكاد يستجدي الحكومة لتسيير مصالحه فاستقلالية النائب شرط أساسي لأداء واجبه الرقابي والتشريعي معًا. * نريد من النواب أن ينحوا جانبًا انتماءاتهم الحزبية ومصالحهم الضيقة وأن يتفرغوا للبرلمان ويواظبوا علي حضور جلساته ويسألوا الحكومة بجدية عن إجراءاتها في مواجهة الأزمة المالية العالمية وكيف ستوفر حياة كريمة للمصريين في ظل المشاكل والأزمات التي نواجهها في الداخل.. نريدهم أن يسألوا الحكومة.. ماذا أعدت للمستقبل القريب والبعيد وكيف ستواجه المشاكل المزمنة والمستعصية كالطاقة والغذاء والبطالة.. لابد من متابعة أعضاء الحكومة وزيرًا وزيرًا للتأكد من تنفيذ ما وعد به. وما إذا كان أهدر مالاً عامًا أو أنفقه في غير موضعه.. أو غلب مصلحته الشخصية علي مصلحة الوطن. والوقوف علي نتائج لجان تقصي الحقائق العديدة التي شكلها البرلمان ثم لا نري لها أثرًا وآخرها حول فضيحة أولمبياد بكين؟ شجاعة وزير * عندما وقعت الأزمة المالية العالمية تعاملت معها حكومتنا في بداية الأمر باستخفاف إذ خرج أكثر من وزير ليعلن أن مصر لن تتأثر كثيرًا بالأزمة.. ومنذ أيام فوجئنا بالمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في لقائه بأعضاء الغرفة التجارية بالإسكندرية يصف الأزمة المالية بأنها "عنيفة جدًا" وأشبه بالعاصفة وأن تداعياتها السلبية ستكون غير مسبوقة وستعاني مصر من خسائرها باعتبارها جزءًا من المنظومة الاقتصادية العالمية ولها ارتباطات خارجية كثيرة ومعاملات اقتصادية متنوعة "استيرادًا وتصديرًا" وارتباطات خارجية تتمثل في السياحة وقناة السويس.. وكان الوزير رشيد أكثر شجاعة من غيره قال: "لن أضحك عليكم.. فالقادم ليس جيدًا ويمثل تحديًا ضخمًا ومشاكل البلد لن تنتهي" ووجه نداءً للتجار بأن يبيعوا ويتخلصوا من أي مخزون لديهم ولو بالخسارة قبل أن يغرقوا! * ونحن نتساءل: أين كانت كل هذه الشجاعة.. ولماذا تأخر اعتراف الحكومة ووزرائها بالأزمة وتداعياتها.. ولماذا لم يعقد رئيس الحكومة مؤتمرًا صحفيًا موسعًا ليشرح أبعاد الأزمة وكيف ستواجهها الحكومة.. فالصراحة والشفافية هما أقصر الطرق لاقناع الناس ودفعهم للمشاركة أو التعاطف مع الحكومة والتفاعل مع إجراءاتها والقبول بأي قرارات تتخذها حتي وإن كانت أكثر تقشفًا. * أما التصريح الثاني الذي أراه جديرًا بالتسجيل فهو ما قاله العالم المصري الكبير الدكتور مصطفي السيد الحاصل علي أعلي وسام علمي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما أكد ان الشعب الأمريكي سعيد برشق الرئيس بوش بالحذاء في العراق.