على امتداد عقود مضت، ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في أغسطس من عام 1921 ظلت العلاقة بين الحكومات المتعاقبة على حكم العراق وبين الاكراد علاقات مد وجزر تسودها التوترات وتنتهي باللجوء الى السلاح حكما نهائيا بين المتخاصمين. وحين فتش المؤرخون العراقيون عن الاسباب الحقيقية للخلافات العربية الكردية وجدوا انها تتلخص في المناطق المتنازع عليها اي تلك المناطق التي يدعي الاكراد انهم يشكلون الاغلبية فيها ومن ثم يدعون بعائديتها لاقليمهم فيما ترى الحكومات العراقية ان ذلك المطلب يفضي بالنتيجة الى تفكيك العراق كدولة واضعافه وتفتيته. وظلت جملة المناطق المتنازع عليها غامضة بالنسبة للسياسيين وللشارع العراقي معا حتى جاء ممثل الامين العام للأمم المتحدة ستيفان ديمستورا ليقدم في تقريره توصيفا دقيقا لتلك المناطق حيث قسمها الى ثلاثة اصناف: - الصنف الاول: المناطق التي تقطنها اغلبية سكانية من عرق واحد كمدينة الحويجة القريبة من كركوك حيث يشكل العرب 80% من سكانها ومخمور التي يشكل الكرد 80% من منها. الصنف الثاني: المناطق التي يوجد فيها توازن اثني مثل خانقين ومندلي. الصنف الثالث: المناطق التي توجد فيها توازنات اثنية خضعت لتلاعب وتغيير ديمغرافيين لأسباب سياسية مثل كركوك التي تعد رأس الرمح وبيت الداء في قضية المناطق المتنازع عليها. يقول السياسي الكردي سامي شورش وهو وزير سابق للثقافة في اقليم كردستان ان بيان الحادي عشر من مارس عام 1970 الذي وقعه الرئيس العراقي الاسبق يوم كان نائبا للرئيس وبين مصطفى البارزاني كان قد تضمن بنودا سرية تتعلق بكركوك وان تلك البنود هي التي كانت السبب وراء نسف ذلك الاتفاق ونشوب الحرب بين الاكراد والحكومة عام 1974 التي انتهت بتوقيع اتفاقية الجزائر بين صدام حسين والشاه في مارس عام 1975 حيث فرت القيادات الكردية الى ايران وبسطت الدولة سيطرتها على اقليم كردستان بنحو كامل، لكن فلك الدين كاكي وزير الثقافة الحالي في اقليم كردستان ينفي علمه بوجود بنود سرية في ذلك البيان لكنه يعتقد ان الحكومة نكثت بوعودها مع الاكراد اما السياسي الكردي المستقل محمد عبدالوهاب الذي كان عضوا في حركة ريزكار المنشقة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني فيقول ان بيان 11 مارس كان حلما بالنسبة للأكراد وان القيادة الكردية هي التي نسفت ذلك الحلم بسبب رفضها تطبيق قانون الحكم الذاتي. اما الرئيس العراقي جلال الطالباني فيقول في لقاء سجل له في منتصف التسعينيات لجريدة بابل التي كان يرأسها عدي نجل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ولم ينشر في حينه يقول ان الاتراك ضغطوا على حكومة الرئيس صدام فتوقفت المفاوضات بين الوفد الكردي والحكومة عام 1984 مشيرا الى ان عزة الدوري وعلي حسن المجيد ابلغا الوفد الكردي ان الحكومة التركية ضغطت على صدام حسين لايقاف المفاوضات مقابل تقديم الدعم له في حربه مع يران مؤكدا ان عزة الدوري لعن الاتراك وتدخلاتهم في العراق امام الوفد الكردي المفاوض واكد الطالباني ان صداما وعده بمنحهم خانقين وحل جميع القضايا المتنازع عليها بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية. الاكراد مازالوا يرفضون اصدار خريطة لاقليم كردستان تحدد بوضوح حدود الاقليم الذي يطمح الاكراد إلى انشائه غير ان سامي شورش يقول ان قسم الجغرافيا في جامعة السليمانية اصدر مثل تلك الخريطة غير ان هناك تعديلات ستضاف اليها لكن احدا من المعنيين بشؤون المناطق المتنازع عليها لم يطلع على تلك الخريطة ثم ان تلك الخريطة، اذا كانت موجودة، لم تنتشر بنحو يتناسب مع حساسية واهمية موضوع الحدود وهو ما يشبهه الكثيرون بأنه قنبلة موقوتة صاعقها بيد اطراف اجنبية تفجره في الوقت الذي تراه مناسبا. وكلما ازداد الضغط السياسي على القيادات الكردية للتقليل من سقف مطالبهم في قضية المناطق المتنازع عليها لجأ الاكراد الى المزيد من التصعيد ونعت كل من يقف ضد طموحاتهم بالشوفينية. لقد استغربت حين سمعت الوزير الكردي السابق سامي شورش وهو يصف قيادات حزب الدعوة بالقيادات الشوفينية المتأثرة بأفكار البعث لمجرد ان ابراهيم الجعفري ونوري المالكي قالا في مجالسهما الخاصة ان كركوك يجب ان تبقى عراقية ولكل العراقيين وان القوى الوطنية يجب ان تتضافر لمنع الحاق كركوك بإقليم كردستان. ثم شن الكراد هجوما غير مسبوق على القيادي في الائتلاف سامي العسكري بسبب موقفه المعارض لتكريد كركوك والشيء نفسه حدث مع القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي ورئيس منظمة بدر هادي العامري الذي كان من بين اكثر المؤيدين لتقسيم كركوك إلى اربع دوائر انتخابية وهو امر اعتبره الاكراد بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق على مشروعهم في انشاء اقليم يعوم على بحيرة من النفط وانشاء دولة كردية تدخل منظمة اوبك فور اعلان تأسيسها. الخلافات حول المناطق المتنازع عليها القت بظلالها بنحو متسارع على التحالف الشيعي الكردي حين قرر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ارسال وحدات من الجيش العراقي الى كركوك للحيلولة دون نشوب حرب اهلية ولمنع الاكراد من بسط سيطرتهم على المدينة ثم ارسلت قوات مماثلة الى مدينتي قرة تبه وخانقين اللتين يسعى الاكراد لضمهما الى اقليمهم وهو امر احدث حالة من الاحتكاك بين قوات البيشمركة وقوات الجيش حتى ان احد قياديي البيشمركة قد تحدى المالكي وحكومته بالقول: عليهم ان يعلموا ان البيشمركة ليست جيش المهدي في اشارة الى نجاح الحكومة في تحجيم جيش المهدي واضعافه. المعلومات التي تسربت من وزارة الدفاع العراقية تفيد ان رئيس الوزراء العراقي اصدر تعليمات الى وزير الدفاع الفريق عبدالقادر العبيدي بتحجيم رئيس اركان الجيش الكردي الفريق بابكر زيباري على اثر معلومات تقول ان زيباري ارسل إلى كركوك وحدات عسكرية يشكل الاكراد النسبة الكبرى من افرادها وهو امر اثار حفيظة المالكي وعلى اثر ذلك اشاع الكرد ان رئيس منظمة بدر هادي العامري هو الذي يشرف امنيا على عمليات خانقين لاضفاء صبغة طائفية على تحركات الحكومة باتجاه انتزاع المدن العراقية من مخالب الاكراد ورفع العلم العراقي محل العلم الكردي وطرد البيشمركة من مبان تابعة للحكومة استولى عليها الاكراد بعد الاحتلال. وتفيد معلومات اخرى ان المالكي سحب ملف المفاوضات مع الولاياتالمتحدة بشأن الاتفاقية الامنية سحبه من وزير الخارجية هوشيار زيباري وشكل وفدا جديدا برئاسة موفق الربيعي وعضوية مستشار المالكي صادق الركابي ومدير مكتبه طارق نجم. القضية مازالت حتى هذه اللحظة في اطار المساجلات والحرب الكلامية لكن احدا لا يمكنه أن يرسم تداعياتها المستقبلية في الامد القريب. القيادات الكردية تعتبر دخول الجيش الى المناطق الكردية خرقا للدستور وان على المالكي ان يستحصل موافقة حكومة اقليم كردستان قبل ان يحرك اي جندي باتجاه المناطق الكردية فيما يرد المالكي على الاكراد بأن من حق الحكومة الاتحادية ان ترسل الجيش الى اي مكان من العراق من غير استحصال موافقات من احد لان تحريك القوات المسلحة قضية (سيادية) تتعلق بسيادة العراق كما يسمونها. وبين الاتهامات والسجالات والاتهامات المضادة ستظل قضية المناطق المتنازع عليها قنبلة تهدد العملية السياسية في العراق اولا وتهدد بتفكيك التحالف بين الشيعة والاكراد الذي لاحت تباشيره في الافق بصورة واضحة لا لبس بها.