بدء زراعة أكثر من مليون فدان أرز.. واستنباط 4 أصناف جديدة قليلة الاستهلاك للمياه    وزير الاتصالات: من مليار إلى 2 مليار دولار تكلفة الكابل البحري الواحد    أسعار الحج السياحي والجمعيات الأهلية 2024    سول وبكين تناقشان تفاصيل زيارة وزير الخارجية الكوري الجنوبي إلى الصين    شكري يشدد على ضرورة وقف إطلاق النار وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية لغزة    إعلام عبري: العدل الدولية ستصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وآخرين.. لهذا السبب    حسين لبيب يهنئ لاعبي الزمالك بالتأهل لنهائي الكونفدرالية ويعد بصرف مكافآت خاصة    مصرع 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    ملك أحمد زاهر تكشف عن مواصفات فتى أحلامها    فيديو.. عمرو أديب يستعرض رواتب المبرمجين في مصر مقارنة بمختلف دول العالم    سامي مغاوري يتحدث عن حبه للتمثيل منذ الصغر.. تفاصيل    محافظ بني سويف يلتقى وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    تريزيجيه يصنع في فوز طرابزون برباعية أمام غازي عنتاب    منة فضالي: اكتشفنا إصابة والدتي بالكانسر «صدفة»    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    محمد أبو هاشم: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب (فيديو)    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية مجانية ضمن مبادرة حياة كريمة    «الرقابة الصحية»: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الصحية حاليا    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    جذابة.. إطلالة ساحرة ل ياسمين عبد العزيز في صاحبة السعادة- وهذا سعرها    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    التغيرات المناخية وآثارها السلبية في العالم العربي.. ورشة عمل بمركز الفلك بالبحوث الإسلامية    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    ننشر أقوال محمد الشيبي أمام لجنة الانضباط في شكوى الأهلي    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كركوك .. مدينة القوميات والثروات والصراعات
نشر في أخبار مصر يوم 13 - 08 - 2008

محافظة كركوك العراقية الشهيرة بمدينة الذهب الأسود والملقبة بفسيفساء العراق .. تعتبر مركز توتر كبير وتمثل مشكلة معقدة لجميع القوميات السياسية بالعراق .. فما سر الصراع على هذه المدينة الثرية التى تضم قوميات متعددة ؟
معالم .. كركوك :
تأسست مدينة كركوك الحالية ،وهى مركز محافظة كركوك ،على أطلال المدينة الآشورية القديمة أرابخا (عرفة) التي يقدر عمرها بحوالي 5000 سنة. ونظرا لأهمية موقعها الجغرافي بين امبراطوريات البابليين والأشوريين ،شهدت كركوك معارك عديدة بين تلك الأمبراطوريات التي بسطت سيطرتها على المدينة في فترات تاريخية متباينة .
تقع کرکوك في شمال العراق ،وتجاورها من الغرب محافظة صلاح الدين ، من الجنوب محافظة ديالى. ومن الشرق والشمال محافظتا السليمانية والموصل بالتعاقب.وتبعد كركوك 250 كيلومترا شمال شرق محافظة بغداد عاصمة العراق ،و تحدها جبال زاكروس من الشمال ونهر الزاب الصغير من الغرب وسلسلة جبال حمرين من الجنوب ونهر ديالى المعروف عند الاكراد بنهر سيروان من الجنوب الغربي.
ويمر نهر الخاصة في وسط مدينة كركوك بحيث يقسمها شطرين كما يمر نهر الزاب الصغير ( من أهم روافد نهر دجلة) على بعد حوالي 45 كم من مركز المدينة.وتعتبر كركوك مركزا رئيسيا لإنتاج النفط في شمال العراق وتوجد تحت ارض المدينة كميات كبيرة من الغاز الطبيعي التي تُهدر بالحرق منذ مئات السنين.
وتعد كركوك من أقدم مدن العالم حيث تعود بدايات ظهورها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد ،وتشير التنقيبات الأثرية إلى أنها كانت مدينة الآلهة، و شهدت تقديم قرابين الطاعة والغفران بأحد المعابد المقدسة، كما أن خصوبة تربتها وموقعها الجغرافي جعلاها مركزاً للحركة التجارية ومعقلاً عسكرياً لصدّ الغارات الخارجية، وقاعدة لشن الهجمات
*واحتفظت هذه المدينة بأهميتها الجغرافية و الاقتصادية عبرالعصور بسبب خصائصها الأساسية ومن أهمها :
أولا: تركيبتها السكانية:
كانت موطنا للتعايش القومي و الديني بين مختلف الأجناس و المذاهب من (الكورد و العرب و التركمان و الكلدواشورين و الأرمن) الذين تبادلوا العادات والتقاليد حيث تزوج أكراد من الأسر العربية وبالتالى أصبحت نموذجا للفسيفساء القومية والدينية والاثنية في العراق
ثانيا: الأهمية الاقتصادية الفائقة:
ازدادت أهميتها الاقتصادية خاصة بعد اكتشاف النفط فيها سنة 1927 م ، حيث أصبحت مدينة كركوك أكبر مركز للبترول في ألعراق وإحدى اكبر احتياطيات النفط في العالم. وتقدر كمية المخزون الإحتياطي لحقول النفط في كركوك بأكثر من 10 مليار برميل بقدرة إنتاجية تتراوح بين 750 ألف ومليون برميل يوميا .
ويعتقد بعض الخبراء في مجال النفط أن الأساليب الخاطئة التي كانت تتبع لإستخراج النفط أثناء حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ظل سنوات الحصار أدت إلى أضرار قد تكون مزمنة في حقول النفط بكركوك ،ومن هذه الأساليب إعادة ضخ النفط الفائض إلى حقول النفط مما أدى إلى زيادة لزوجة النفط وتردي نوعية نفط كركوك بل قد تؤدي كذلك إلى صعوبة استخراج النفط في المستقبل .
ومنذ شهر أبريل/ نيسان 2003 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2004 ،تعرضت حقول نفط كركوك إلى ما يقارب 123 ضربة تخريبية وكانت أشد ها الموجهة إلى خط الأنابيب الذي ينقل النفط إلى ميناء جيهان في تركيا. وترتب على تلك العمليات خسائر بلغت المليارات بالدولار الأمريكي. واضافة إلى الأضرار الناتجة عن هذه العمليات المدمرة،تعرضت البنية التحتية لإنتاج النفط إلى أعمال سلب إبان غزو العراق 2003.
وتشتهر المدينة بحقول نفطية كثيرة مثل حقل بابا كركر العملاق،و حقل جمبور و حقل باي حسن الجنوبية و حقل باي حسن الشمالية و حقل آفانا و حقل خباز و حقل جبل بور ،وتتميز حقول كركوك النفطية بغزارة إنتاجها وجودة نفطها الذى يعتبر من النفوط الخفيفة القياسية. وتوجد في منطقة بابا كركر ظاهرة غريبة هي إشتعال النار منذ الاف السنين فيما يسمى ظاهرة النار الأزلية في أساطير الشعوب التي استوطنت المنطقة عبر العصور ،وهى تنبعث نتيجة خروج غازات من الأرض بسبب وجود تكسيرات في الطبقات الأرضية للحقل النفطي.وقد أخذ السومريون والبابليون والآشوريون الاسفلت من هذا الحقل لتعبيد شوارعهم وبناء معابدهم وبيوتهم وطلاء زوارقهم كما تعتبر مدينة كركوك مركزاً مهما للتجارة والتصدير للمنتجات الزراعية، الاغنام، الصوف، الجبن والابقار الاتية من المناطق المحيطة فضلا عن اشتهارها بصناعة النسيج .
ثالثا الأهمية الأثرية :
تحتفظ هذه المدينة بالكثير من المعالم الأثرية التي تشهد على عراقة تاريخها و منها القلعة الأثرية التي تقع في وسط المدينة وتنتمى الى العصر الآشوري ولم تسلم من سياسة التدمير و التغيير القسري لمعالمها بعدما تم تدمير بنيانها و تحويلها الى ثكنة عسكرية في تسعينيات القرن الماضى .
رابعا خصوبة اراضيها :
تتميز هذه المدينة بخصوبة أرضها حيث تساهم في انتاج الحبوب و القطن بالدرجة الأولى اضافة الى أنواع عديدة من المحاصيل الأخرى.
ويبلغ عدد سكان المدينة حاليا نحو مليون نسمة وهم خليط من التركمان والأكراد والعرب مع أقلية كلدوآشورية.وكانت المساحة الإجمالية لمحافظة كركوك سنة 1947 تبلغ 20,355 كم2 وشملت حدودها الإدارية أربعة أقضية (كركوك ، جمجمال ، داقوق ، كفري) حتى 1962 م حين تم استحداث قضاء الحويجة و بذلك أصبحت المحافظة تتكون من خمسة أقضية بعد إلحاق قضاء داقوق بالمركز.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي تعرضت المحافظة إلى سياسة تغيير من قبل النظام الحاكم، استهدفت حدودها الإدارية و تركيبتها السكانية عن طريق استقطاع أغلب الأقضية وإلحاقها بالمحافظات الأخرى المجاورة لكركوك مثل إلحاق قضاء جمجمال بمحافظة سليمانية. وكذلك إلغاء بعض النواحي و محو مئات القرى التابعة للمحافظة حتى أصبحت المساحة الإجمالية للحدود الإدارية لمحافظة كركوك منذ سنة 1997 حتى الان (9679كم2).
أصل التسمية :
تتعدد الآراء عن أصل التسمية ، فبعض المؤرخين يرون أن تسمية كركوك انبثقت من الكلمة التي إستخدمها الاشوريون "كرخاد بيت سلوخ"والتي تعني المدينة المحصنة بجدار ،فى حين يعتقد التركمان أن اسم المدينة مشتق من كلمة كرك التي تعني الجمال بالتركية القديمة.كما أوضحت الكتابات المسمارية على الالواح التي وجدت صدفة في أطراف قلعة كركوك عام 19۲۷ أن مدينة أرابخا البابلية كانت مدينة كركوك الحالية.
سكان كركوك:
يسكن كركوك مزيج من قوميات مختلفة من الاكراد العرب، التركمان ،الآشوريين، الكلدان والارمن.وتشير دائرة المعارف البريطانية في طبعاتهِا القديمة الى أن أغلبية سكان المدينة من التركمان ويتركز وجودهم في مدينة كركوك بأحياء (التسعين، بريادي، المصلى) ،وتبلغ نسبتهم حوالي 80 %، فيما يشكلون الاغلبية في أحياء (ساحة الطيران، قورية، امام عباس، طريق بغداد). ويتقاسمون الاكراد في حيي (شاطرلو، وحمام علي بك).. أما في بقية احياء المدينة، فيتواجدون بنسبة أقل.
أما العرب في المدينة، فينقسمون الى قسمين: الاول، يشمل العرب الأصلاء الذين يمتد وجودهم السكاني بحدود محافظتهم الى مئات السنين، وعاشوا بين التركمان والأكراد فى سلام والقسم الثاني وهو الاعظم من الوافدين الى المدينة وأطرافها في اطار سياسة التطهير العرقي والتي يرجع بعض القادة الاكراد تاريخها الى عام 1963 م ، الذي نجح فيه حزب البعث بانقلابه الاول في الثامن من فبراير/ شباط، لكن تلك السياسة تسارعت منذ بداية سبعينيات القرن الماضى بعد استقرارالامور للنظام البعثي.ويتركز وجود العرب في كركوك بعدة مناطق ، يشكلون فيها أغلبية هى : (العروبة، الممدودة، واحد حزيران، النصر، الواسطي، القادسية، العسكري، النداء، عرفة، العمل الشعبي، الحديدية).
سياسة التعريب :
عرفت كركوك منذ القدم بتجانس قومياتها المختلفة لكن هذا التجانس طرأت عليه تغيرات حين قامت حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بإجبارالأكراد و التركمان على الرحيل من ديارهم وقراهم في مدينة كركوك كجزء من سياسة منظمة عرفت بسياسة التعريب، واستحوذ العرب ، وفقا لهذه السياسة على الكثير من اراضي الفلاحين ومواطني المدينة الاصليين، وعينوا في مؤسسات مثل (الامن والمخابرات والحرس الجمهوري) والدوائر الحكومية الاخرى .
وتمثلت سياسة التعريب في ترحيل آلاف العائلات من أصول كردية وتركمانية من مناطق سكنهم الأصلي الى خارج المحافظة وجلب عائلات من محافظات وسط و جنوب العراق لاسكانهم في كركوك مع دعمهم ماليا ووظيفيا . هذا بالإضافة الى اتباع سياسة عرفت ب( تصحيح القومية) و بموجبها اضطرت الكثير من العائلات الى تغيير قوميتها الى العربية أملا في بقائها بموطنها. وبعد سقوط مدينة كركوك لاول مرة بيد الاكراد، إثر انتفاضتهم في عام 1991، عاد ت كثير من العائلات العربية الوافدة لكركوك الى مناطقهم الاصلية، فيما عاد اخرون بعد سقوط النظام السابق، ومازال عدد اخر يسكنها.
ولاتزال مدينة كركوك التاريخية موضع جدل حول انتمائها للعراق..فالاكراد يعتبرون كركوك جزءا ممايطلقون عليه كردستان التي حاول غزاة المنطقة عبر التاريخ تدمير إماراتها المتعددة واحدة تلو الأخرى حيث كانت كركوك عاصمة لإمارة شهرزور الكردية في القرن التاسع عشر. ويستشهدون فى هذا الصدد بالسيطرة على مدينة كركوك من قبل الصفويين بقيادة القائد الصفوي اسماعيل شاه الثاني الذي حاول فرض مذهب الشيعة على الاكراد وقام بعمليات إستيطان قسرية للتركمان في منطقة كركوك.
وبغض النظر عن صحة هذه المزاعم التاريخية يصر الاكراد على تطبيق الفقرة 58 مما يسمى قانون إدارة الدولة والذي أعتبر بمثابة الدستور المؤقت للحكومة العراقية الانتقالية التي تشكلت عقب غزو العراق والإطاحة بحكومة الرئيس السابق صدام حسين. وتدعو المادة 58 إلى إتخاذ إجراءات لرفع الظلم الذي نتج عن ممارسات النظام السابق بسبب سياسات التعريب والتهجير القسري التي شهدتها بعض المناطق العراقية ومن بينها مدينة كركوك. أما التركمان ،فيؤكدون أن اجدادهم قدموا إلى العراق اثناء خلافة الأمويين و العباسيين لحاجة الفتوحات الاسلامية لمقاتليهم الاشداء، ومنذ ذلك الوقت و أثناء حكم السلاجقة تحديدا بدأ الاستيطان التركماني لمدينة كركوك.
اتهامات متبادلة :
يعتبر مصطلح التكريد من أبرز المصطلحات التي برزت على الساحة أثناء الخلاف على هوية المدينة وهو اتهام وجهه التركمان و العرب المقيمين في كركوك إلى الاحزاب الكردية وخاصة الحزبين الكرديين الرئيسيين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) لمحاولة تلك الاحزاب جلب اكراد إلى مدينة كركوك بهدف تغيير الطبيعة السكانية للمدينة. حيث يرى التركمان و العرب أن تلك الأحزاب تتبع سياسة مماثلة لسياسة التعريب.
بينما تعرضت الجبهة التركمانية كثيرا لاتهامات من القيادات الكردية بالولاء لتركيا ،التي كان بعض قادة الجبهة يعتبرونها بمثابة الوطن الام، نظرا لاعتقاد الاكراد أن لتركيا مطامع في اراضيهم خاصة في مدينة كركوك التي تزخر بالثروات النفطية ويتهمونها باستغلال ورقة التركمان لمساومة الجانب العراقي وتشديد الضغط على القيادات الكردية للحد من مطالبهم القومية.
اتفاقية الحكم الذاتي للاكراد :
في 11 مارس 1970 م ،تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي للاكراد بين الحكومة العراقية و الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وتضمنت اعتراف الحكومة العراقية بالحقوق القومية للاكراد مع تقديم ضمانات للاكراد بالمشاركة في الحكومة العراقية و استعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية ،لكن لم يتم التوصل إلى حل حاسم بشأن قضية كركوك التي ظلت عالقة بانتظار معرفة الاحصائيات الرسمية عن نسب القوميات المختلفة في مدينة كركوك.
وتم التخطيط لاجراء تلك الاحصائيات المهمة عام 1977 م الا أن اتفاقية مارس /آذار ظلت ظلت حبرا على الورق قبل ذلك التاريخ حيث توترت علاقات الحكومة العراقية مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وخاصة عندما أعلن "البارزاني" رسميا حق الأكراد في نفط كركوك. ونظراً لاصرار الأكراد على كردية كركوك، أعلنت الحكومة العراقية في مارس /اذار 1974 الحكم الذاتي للاكراد من جانب واحد فقط دون موافقة الأكراد الذين اعتبروا الاتفاقية الجديدة بعيدة تماما عن اتفاقية 1970 م حيث لم يعتبر اعلان 1974 مدينة كركوك و خانقين و جبل سنجار من المناطق الواقعة ضمن مناطق الحكم الذاتي للاكراد وقامت الحكومة العراقية بالاضافة إلى ذلك باجراءات ادارية شاملة في مدينة كركوك كتغيير الحدود الادارية للمدينة بشكل يضمن الغالبية العددية للعرب في كركوك.
ثم برزت قضية كركوك عندما أعلن الأكراد في كركوك رغبتهم في وضع نظام فيدرالي في العراق يضمن استقلال كركوك عن العراق وضمه لاحقا إلى إقليم كردستان، بحيث ينص الدستور العراقي الجديد على هذا المطلب باعتباره يتفق مع مطالب الأكراد وحقوقهم المشروعة في الإقليم.وقد تبنى البرلمان الكردي هذا المشروع الذى يقضي بأن تتألف محافظة كردستان من المناطق ذات الغالبية الكردية حسب إحصاء أجري عام 1957 م أي قبل تطبيق سياسة "التعريب" في منطقة كركوك.وتشمل المناطق الكردية محافظات دهوك وأربيل والسليمانية التي يسيطر عليها الأكراد منذ عام 1991 إضافة إلى كركوك وأنحاء كردية في محافظة ديالى (66 كلم شمالي بغداد) والموصل (400 كلم شمالي بغداد).
كركوك بين العراق وكردستان :
تعتبر كركوك فى نظر كثير من المؤرخين والخبراء مدينة عراقية رافدية بكل مقاييس العرف والتاريخ وعلم الآثار، بغض النظر عن حجم أو عدد أكراد أو تركمان هذه المدينة.فى حين يحاول أكراد كردستان الاستشهاد بخرائط ووقائع لتأكيد الحق التاريخي لهم في كركوك لدرجة جعلتهم يعتبرونها العاصمة الأولى للإقليم ويرفضون التنازل عنها تحت أي ظرف. ورغم أن نصف كركوك تقريبا يقع حاليا خارج منطقة السيطرة الكردية، فإنها في التصور المستقبلي لكردستان العراق تقع وسط الإقليم الذي من المنتظر أن تتضاعف مساحته عما يسيطرون عليه الان.
ويرى محللون أن مطالبة الأكراد بانفصال كركوك أمر مبالغ فيه ويتسم بطابع سياسي أكثر من كونه مرتبطا بحقوق جيوسياسية تاريخية في هذا الإقليم،ويشيرون الى دوافع عديدة تقف وراء مطالب الانفصال الكردية وتتجاوز مجرد المطالبة بالحق التاريخي في كركوك، على رأسها: الأستحواذ على الثروة النفطية الهائلة التي تغري كل متطلع للقيام بدور في مستقبل الخريطة النفطية العالمية وليس في العراق فقط ، ودائما ما يطالب الأكراد بالحصول على حصة عادلة من عائدات النفط تتناسب وعددهم من مجمل عدد العراقيين. بل يأمل الأكراد في أن ترتفع حصتهم من عائدات النفط من 13% يحصلون عليها الآن إلى 25% على الأقل .
ويتمثل الدافع الثانى فى أن كركوك ذات موقع إستراتيجي هام يمكنهم من لعب دور إقليمي مؤثر في سياسات القوى الإقليمية الكبرى مثل سوريا وتركيا وإيران. وثالثا تعد كركوك ورقة ضغط مهمة في أيدي الأكراد للضغط على إدارة الاحتلال لتحقيق مكاسب سياسية-شخصية تتجاوزحلم الوحدة الكردية الوطنية.
تأجيل الانتخابات :
وقد تسببت مشكلة كركوك الشائكة فى فشل البرلمان العراقى عدة مرات فى التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات منذ انعقاد جلسته فى 22 يوليو/تموز 2008 مما يهدد بتأجيل انتخابات مدينة كركوك المحلية عن موعدها المقرر في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل .
ويتضمن القانون الذي تم نقضه فقرة تشير إلى ضرورة تقاسم المناصب الإدارية في كركوك بنسبة 32% لكل من العرب والأكراد والتركمان و4% للمسيحيين، الأمر الذي يعارضه الأكراد، مؤكدين أن تقاسم السلطة يجب أن يكون بالتوافق وليس بنسب مئوية.. في حين تظاهرعرب كركوك ضد المطالب الكردية بضم المدينة لإقليم كردستان العراق ، وطالبوا بالمزيد من الضمانات وإيجاد توازن مع الجانب الكردستاني سواء في الوظائف أوالمناصب أو توزيع نسب المكونات بمجلس محافظة كركوك.
الموقف العراقي :
ترفض الحكومة العراقية أي خطوةٍ إنفرادية لتغيير وضع مدينة كركوك وتَعتبرُها غير دستورية حيث إن الوضع النهائي لمدينة كركوك تحكمهُ آليات دستورية وتوافق سياسي عراقي تم الإتفاق عليه بين جميع الفرقاء من خلال لجنة المادة 140 من الدستور الدائم والتي وضحت معالم الطريق لمستقبل مدينة كركوك على ثلاث مراحل هى :"تطبيع الأوضاع وإجراء إحصاء سكاني واستفتاء في كركوك وأراض أخرى متنازع عليها لتحديد ما يريده سكانها، وذلك قبل 31 ديسمبر/ كانون الأول 2007"،الا أنها فى انتظار التنفيذ بعد انتهاء الميعاد وتمديد المهلة .
ويفسر محللون الرفض الشعبى والرسمى لانفصال كركوك عن العراق بكونه يشكل مساسا بوحدة الوطن العراقي و خلخلة لتركيبته الشعبية ، ولأنه أيضا يمثل استغلالا لواقع سياسي جديد نشأ بعد احتلال العراق بل يقلل من قدرة العراقيين على حماية أنفسهم ويدفع نحو المزيد من التدخل الأجنبي. و قد اثيرت هواجس من احتمال اندلاع أعمال عنف طائفية بين القوميتين الكردية والتركمانية في كركوك على خلفية رفض الاكراد لقانون انتخابات مجالس المحافظات وتأييد التركمان له.
ردود أفعال دولية :
تسود دول الجوار مخاوف من ان تقود مطالب الاكراد الأعضاء في مجلس محافظة كركوك ورئيسه زركار علي الى تدويل قضية هذه المدينة العراقية الشمالية الغنية بالنفط ،وقد عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عن قلقه من هذه المطالب بانفصال كركوك التي تضم أكبر تجمع للقومية التركمانية في العراق والتى ترفض أن تنضم المدينة الى كردستان العراق وتطالب بأن تكون اقليما مستقلا بذاته . وأكدت الخارجية التركية موقف تركيا الثابت بضرورة تمثيل جميع مكونات الشعب في كركوك بشكل عادل ومتوازن ضمن النسيج العراقي ومنح المدينة وضعا خاصا..بل كثيرا ما رفضت تركيا انضمام كركوك لإقليم كردستان حتى لا تفقد أهميته الإستراتيجية كأول منفذ يتم من خلاله تصدير النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي، فضلا عن كون الانفصال يصب في زيادة المساحة الممنوحة لأكراد كردستان، ويزيد احتمالات مطالبة أكراد تركيا بوضع مماثل .
أما بالنسبة لسوريا، فرغم ضعف الأقلية الكردية فيها، سواء من حيث العدد أو التأثير السياسي، فإن إنشاء وطن خاص بالأكراد في المنطقة الواقعة علي الحدود العراقية السورية التركية شكل قلقاً للحكومات السورية المتعاقبة ، وينبع القلق السوري حسب رأى مراقبين من أن يؤدى تكوين دولة كردية إلى قلق كردي داخلي في سوريا، هي في غنى عنه الآن في ظل البيئة الإقليمية والدولية غير المواتية.
وعلى الصعيد الدولى ، أعلنت واشنطن تحفظها على هذه المطالب حيث دعت وزارة الخارجية الأمريكية الى القيام بتسويات في اطار مقترحات الامم المتحدة وصولا الى تفاهم حول المادة 140 من الدستور المتعلقة بمستقبل مدينة كركوك وأن الولايات المتحدة لن تبت في مسألة كردستان حتى يتم تسوية الخلاف بشأنها في إطار حكومة عراقية تتسلم السيادة والسلطة من إدارة الاحتلال.
ويرجع بعض الخبراء رفض واشنطن مثل هذا التقسيم لعدة أسباب منها : رفض التضحية بكركوك وما تحويه من مخزون نفطي هائل شكل أحد مبررات الحرب علي العراق.كما أن انفصال الإقليم ليس في مصلحة التوازن الإستراتيجي في المنطقة ، فعلى سبيل المثال قد يثير خصومات مع تركيا الحليف التقليدي للولايات المتحدة .
مساعى ..لتسوية القضية :
سلم رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني الذي ترأس لجنة لحل مشكلة انتخابات مجالس المحافظات في كركوك، كتلة التحالف الكردستاني عدداً من المقترحات لحل مشكلة كركوك".ومن بين الحلول المقدمة للتحالف الكردستاني، حل معتدل قدمه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، يقترح فيه تنظيم قانون خاص بانتخابات كركوك؛ عبر تشكيل قائمة وطنية واحدة، تحوي التركمان والكرد والعرب والمسيحيين، بالاتفاق بين تلك المكونات.
وهناك مقترح لعدد من النواب بتقسيم كركوك إلى أربع مناطق انتخابية"، مما أثار ردود فعل متباينة، ويرى التركمان ان هذا المقترح المدينة جاء على خلفية التغيير الديموجرافي الهائل لكركوك الذي قام به الحزبان الكرديان بعد سقوط النظام السابق باستقدامهم ما لا يقل عن 600 ألف مواطن من المحافظات الشمالية وإسكانهم في كركوك ، فضلاً عن عمليات التزوير التي طالت سجل الناخبين فيها، وعليه لا يمكن في ظل هذه الظروف الاعتماد على نتائج انتخابات معروفة النتائج مسبقا.بينما رفض الاكراد تعدد الدوائر الانتخابية وطالبوا باعتماد دائرة انتخابية موحدة لكل محافظة.
وفى ظل استمرار أزمة قانون مجالس المحافظات ، دعا قادة التحالف الرباعي الذي يضم الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والمجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة الإسلامية إلى الالتزام بالدستور كمرجع أساسي لحل جميع المسائل العالقة، وضمان تقدم العملية السياسية وتعميق المسيرة الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال إشراك كل المكونات السياسية في إدارة البلاد.وقد تقدم ممثل الأمين العام للامم المتحدة بالعراق عدة مقترحات لحل الازمة منها تأجيل انتخابات كركوك لمدة عام ومنحها وضعا خاصا .
نبذة عن مجلس محافظة كركوك
تم تشكيل مجلس محافظة كركوك عقب سقوط نظام "صدام حسين" في أبريل / نيسان عام 2003 من ممثلي القوميات الرئيسية الاربعة في كركوك،بهدف تنظيم أمور المحافظة وسد الفراغ الإداري و التشريعي فيها. وقد أكمل المجلس دورته الاولى مع اتمام العملية الانتخابية التي جرت في 30 يناير/كانون الثاني 2005. والتى أسفرت عن أول مجلس منتخب للمحافظة عن طريق الاقتراع السري المباشر،وبدأ المجلس الجديد دورته الثانية فى 6مارس اذار2005 .ويشغل الأكراد حاليا 26 مقعدا من أصل 42 في مجلس المحافظة، بينما يشغل العرب ستة مقاعد والتركمان تسعة والمسيحيون مقعدا واحدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.