بوجودها على حقول النفط الوفيرة وغير المستغلة، تقبع مدينة كركوك التي تحظى بكل هذه المصادر الطبيعية لكي تكون واحدة من اغنى المناطق في الشرق الاوسط، ولكن المواجهة تتطور بين القادة الاكراد المحليين وبغداد بشأن حق ملكية تلك الحقول. وفي كركوك نفسها فان التوترات الاثنية تزداد باستمرار، بحسب صحيفة الغارديان، التي تروي قصة سمزاد سعيد – 39 سنة – الذي غادر بعد سقوط بغداد في سنة 2003 الى كركوك لبناء دار على ارض لايملكها وللرهان على ادعاء بوطن جديد، وهو لم يعن ِالعراق، كما تقول الصحيفة . ومنذ ذلك الوقت ، فان الحكومة المركزية العراقية تدفع راتبا لسعيد ، ولكن مثل 200 الف كردي اخر جاؤوا الى كركوك، فان سعيد يقوم بواجباته تجاه كردستان.وهو يقول: ((اشعر في بيتي، وقد اجبرت على المغادرة بعد حرب الخليج الاولى في سنة 1991 ولم نعد الى موطننا الا قبل ست سنوات لان والدي مازال يعيش هناك)). وعبر احياء المدينة الآيلة للسقوط، ومستنقعات مجففة، يجلس فيصل ماطور محمد – 69 سنة – وهو ضابط عراقي متقاعد ، في بيته المتهالك، الذي قال بانه وعد به قبل 22 سنة مضت، وقد بناه بمساعدة من الحكومة. يقول محمد: ((لقد ذهبت الى المحافظ في مدينتي وطلبت منه، وقد اعطوني ارضا في كركوك ومبلغ عشرة الاف دينار – 30 الف دولار في حينها ، وكانت كافية لبناء البيت وتأثيثه واستكمال كل ذلك في سنة 1987 ومنذ ذلك التاريخ انا اعيش فيه)). وتسري بين مختلف احياء مدينة كركوك شعلة الغضب، وزئير مثل شموع الرومان في الصحراء المنبسطة. والرياح المتحولة ترسل رائحة مشتعلة في كل الاتجاهات، ولاتترك احدا في المدينة ينسى ماالذي يقبع تحت اقدامهم وما الذي سيكون قريبا مصيرهم الجماعي. وخلال السنوات الست الماضية من العنف في العراق، كان النفط هو مصدر الاشتعال في كركوك، وهي المدينة الابدية لاشتعال المواجهات بين الاعراق. والاكراد كانوا دوما يطالبون بكركوك بكونها موطنهم، والتركمان والاشوريين والعرب كان لهم في مختلف الاوقات اسس للسلطة هناك. ومنذ ان اعلنت الولاياتالمتحدة نجاح غزوها للعراق في منتصف سنة 2003 ، فان كركوك كانت اكبر مدينة يتم فيها تحول السكان خلال قرون، مع هيمنة الاكراد على فراغ السلطة في بغداد، وتزاحم العرب لتكريس مواطئ اقدامهم . وتقول الغارديان ان الاكراد اتهموا بتدبير وهندسة العرقيات في اكثر المدن المقسمة لتكريس الاسس لكردستان المستقبلية، بينما يتهم العرب بالقيام باي شيء، بما فيها التفجيرات لمنع خروج مدينة كركوك من سيطرتهم. وبموازاة كل ذلك ، فان كركوك تملك مؤشرات الازدهار في الانتظار والمساكنة لكونها تملك ثروة خرافية يمكن منها ان تخلق الازدهار. وتقول شارلوت يوحنا (50 سنة) وهي اشورية تعمل في شركة النفط في كركوك: ((ذلك اليوم قريب اكثر من أي وقت ، والصراع الحقيقي هنا هو بشأن النفط، والنفط سيقرر جيدا مستقبلنا وراحتنا، ولكنه سيكون ايضا سببا للعنة المحيطة بنا)). واضافت: ((لن يكون لدينا ابدا سلام مالم يتم حل المشكلات السياسية المحيطة بالنفط، والكل سيعانون، اكثر مما نحن الان، الاكراد والعرب والتركمان والمسيحيون، والان لدينا منع التجول من منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة والعديد من المسيحيين هربوا او قتلوا، هذا ما يحاولون تكريسه في الذهن الان قبل ان تأتي الشركات الغربية وتعمل هنا)). وفي وقت لاحق من هذا الشهر، ستعلن بغداد نتائج اختيار شركات العمل بشأن التنقيب عن النفط ، وكان وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني قد اعلن قائمة محدودة للشركات التي ستخضع منها للاختيار ومنها شركة بترتش بتروليوم وبي جي الدولية وبريمر اويل. وكانت الشركات الاجنبية قد حلقت حول كركوك منذ اسقاط صدام حسين، وفي وقت مبكر من هذا الشهر، دخلت الشركات التركية والنرويجية في عقود في منطقة كردستان، وستدخل شركة تواك هذه الحلبة للمرة الاولى في العراق منذ سنة 1972، وقد ابتهج القادة الاكراد حينما بدأت الشاحنات تنقل النفط في اربيل الى مكامن التصدير والتي ستضخ النفط شمالا الى تركيا . وشركة تواك ستكون الاولى التي ستطور حقلا للنفط في كردستان منذ اسقاط صدام حسين، وحظيت ايضا باسناد من قبل الحكومة المركزية في بغداد بالرغم من غضب الحكومة بشأن سلسلة الاتفاقات الجانبية بين الحكومة الكردية والشركات الخاصة. وهذه الصفقة تقول بغداد مقبولة لان العوائد سترجع الى الحكومة المركزية والتي بدورها ستوزع نسبة 17 % منها للحكومة الكردية. وبالنسبة لبغداد فانها على ما يبدو تدير المشهد والمحافظات تأخذ حصصها . والاكراد بالرغم من ذلك يحتفلون برمزية تدفق الدولارات من الحقول النفطية التي هي تحت سيطرتهم، والصفقات التي عقدتها الحكومة الكردية لم تحظ بقبول الحكومة المركزية في بغداد التي تعد ان حصولهم على مبلغ 400 مليون دولار زيادة عن الحصة المقررة امرا غير مقبولا. وقال وزير النفط حسين الشهرستاني ان الحكومة لن تدفع لاية شركة توقع عقودا مع الحكومة الكردية، وبالمقابل هدد الاكراد بانهم سيستخدمون الفيتو ضد اية عقود وصفقات نفطية توقعها الحكومة المركزية ولاتروق لهم.