أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ترامب يوجه رسالة خاصة ل كريستيانو رونالدو: أعتقد أن بارون يحترمني كوالده أكثر قليلا الآن    جامايكا وسورينام يكملان الملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    غلق الطريق الصحراوى من بوابات الإسكندرية لوجود شبورة مائية تعيق الرؤية    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كركوك.. الطريق السريع إلى الهاوية


نقلا عن /جريدة الاتحاد الاماراتية 5/11/07
عندما تهبط في مطار أربيل وتسير في شوارع المدينة الصغيرة، سيغيب عنك للوهلة الأولى أنك في
العراق، فلن ترى العلم العراقي الوطني الذي استبدل بعلم الإقليم. فهنا لم تمتد يد الخراب والدمار،
بينما ترتفع البنايات الجديدة ومدن الأسمنت في علامة على الازدهار. ولكن عليك عدم نسيان أنك
مازلت في منطقة من عالمنا العربي فصور الزعيمين بارزاني وطالباني تملأ المكان ''فاينما استدرت
هناك الزعيم''!.
وفيما تسير في دروب كردستان العراق يجتاحك شعور بأنك في ما يشبه الجنة، فالأراضي والجبال
المغطاة باللون الأخضر تحيط بك من كل جانب، والطيور تحلق فوق ينابيع المياه المنتشرة في كل مكان.
وتتذكر وانت تنظر إلى هذه المشاهد الطبيعية الخلابة التي نادراً ما توجد إلا في عالم الأساطير
الكردية الشهيرة بأن الجنة كانت هنا وكون سفينة النبي نوح حطت فوق احدى قمتي جبلي ''كودي''
و أرارات''. ولكن السياسة حولت هذه الجنة إلى ''جنة مؤجلة'' بسبب الصراعات الدموية المستمرة
خلال قرن وأكثر من الزمان.
وجاءت هذه الرحلة بحثاً عن حقيقة ما يحدث في كردستان العراق، سعياً وراء رسم صورة ''شبه'' مكتملة الأركان لهذه المنطقة التي يتردد اسمها ليل نهار في نشرات الأخبار وعلى صفحات الصحف، بينما مازال القارئ العربي بعيداً عن وضع يده على ما يحدث في هذا الإقليم الذي يمثل جزءاً من لعراق الجريح..
''عندما تجري عملية جراحية عليك أن تكون حذراً، لكننا في كركوك نتحدث عن جراحة في الدماغ''،
هكذا تحدث ذات مرة الرئيس العراقي والزعيم الكردي جلال طالباني عن قضية كركوك.
''كركوك .. الطريق السريع نحو الهاوية''، هكذا خرجنا من حوارتنا في إقليم كردستان العراق ومع
العديد من المثقفين والسياسيين العراقيين العرب.
''كركوك.. بؤرة الأخبار غداً''، فخلال الشهور المقبلة سنجد أنفسنا نكرر اسم هذه المدينة العراقية
مراراً بسبب النزاع عليها، ومحاولة الأكراد ضمها إلى إقليم كردستان العراق عبر استفتاء كانوا يسعون إلى اجرائه قبل نهاية العام، في مواجهة تركمان وعرب يرفضون هذا المنطق، وجارة قوية هي تركيا تقف بالمرصاد لأي محاولة لتغيير وضعية كركوك القانونية.
''كركوك.. الحرب الجديدة على النفط''، فالصراع السياسي حول طبيعة المدينة قد يتحول في لحظة إلى حرب ضارية على المنطقة الغنية بالنفط وتستحوذ على 12% من نفط العراق.
''كركوك.. ملف صعب جديد''، عندما تخوض فيه عليك ارتداء قفاز، والتعامل بحساسية شديدة مع كل
كلمة مهما كانت بسيطة، فهي ''جراحة في الدماغ''.
الحرب القادمة
''ربما عندما يعاكس شاب كردي عربية أو تركمانية، ربما رفع علم كردستان العراق في حي تركماني، ربما في مشاجرة بين كردي وتركماني وعربي، ربما عشية الاستفتاء على وضعية كركوك، وربما أثناءه ولكن بالتأكيد بعده''، هكذا تحدث ''سالم . ن'' عن سيناريو اشتعال الحرب في كركوك.
إن هذه المنطقة التي تحتوي تاريخاً منذ 5 آلاف سنة، تمثل اليوم في الخريطة العراقية بؤرة للتوترات الداخلية والإقليمية التي ترشحها بقوة أن تكون ''شرارة'' حرب أهلية وإقليمية جديدة.
فهذه المدينة بنت الصراع تاريخياً، حيث كانت محلاً للصراع بين إمبراطوريات البابليين والأشوريين
والميديين. وشهدت المدينة معارك عديدة بين تلك الإمبراطوريات المتصارعة التي بسطت سيطرتها
على كركوك.
بسبب موقعها الاستراتيجي، تغيرت التركيبة السكانية لكركوك أكثر من مرة عبر التاريخ وشهدت تحولات دراماتيكية خلال القرن المنصرم بعد اكتشاف النفط في أرضها. وهجرة التركمان الكثيفة إلى المنطقة، التي كانت تسكنها نسبة كبيرة من الأكراد، فيما كانت القبائل العربية تقطنها تاريخياً، ولكن مع وصول النظام ''البعثي'' إلى السلطة وفي سياق صراعه مع الأكراد شجع عدداً من القبائل العربية على النزوح إلى كركوك في إطار سياسة تغيير ديموجرافي مخططة.
الحرب الديموجرافية
وفقاً لأرقام حكومة إقليم كردستان، فإن نسبة الأكراد كانت نحو 65% من سكان كركوك في العشرينات وانخفضت إلى 48% في منتصف الخمسينات و37% في نهاية السبعينات.
في المقابل ارتفعت نسبة التركمان من 4,8% في العشرينات إلى 16,3% في السبعينات وارتفعت بالتوازي نسبة العرب من 20% إلى 44%. بينما اختفى الكلدان والسريان والأشوريين تقريباً، حيث كانوا يمثلون 10% تقريباً من سكان محافظة كركوك في العشرينات، بينما وصلت نسبتهم في نهاية العقد السابع من القرن الماضي إلى 1,7% فقط. أ
ما اليوم، فإن التركيبة السكانية لمحافظة كركوك تظل لغزاً غير واضح المعالم، فيبنما يؤكد التركمان وغالبية التقديرات غير الرسمية أنهم يمثلون الأغلبية في مدينة كركوك، وأن العرب يمثلون 35% من سكان المنطقة مقابل 30% لأكراد.
فإن الأكراد يشيرون إلى أن هذه الأرقام مشكوك فيها وويؤكدون أن الأكراد يمثلون أكثر من 50% من السكان مدللين على ذلك بنتائج انتخابات المحافظة في 2005 وحصول الأحزاب الكردية على أكثر من 50% من الأصوات، بينما الفريق الآخر يشير إلى عدم مشاركة العرب في الانتخابات وإلى تصويت الأكراد من خارج كركوك.
هذه التعقيدات السكانية المتغلفة بغلاف سياسي سميك، تعكس صراعاً اثنياً متأججاً، فكل العرقيات تشدد على أنها صاحبة الحق في كركوك في ظل التجاذب على المحاصصات اليوم في العراق.
فالأكراد يؤكدون أن المنطقة تاريخياً وجغرافياً جزء لا يتجزاء من كردستان، فيما يشدد التركمان على أنهم أصحاب الحق بحكم أنهم يشكلون أغلبية مدينة كركوك وكون ولاية الموصل تاريخياً تركمانية
بالأساس.
والعرب في المقابل يرون أنهم يواجهون ''حرباً'' ديموجرافية شرسة من الأكراد الذين يسعون إلى طردهم ويستخدمون عشرات الآلاف من الأكراد لتغيير التركيبة السكانية، وحتى الأشوريين والكلدان يرون أنهم أصحاب هذه الأرض تاريخياً بحكم وجودهم فيها منذ 3 آلاف سنة قبل مجيء كل هؤلاء!.
هذا التوتر الذي أشعله تشكل الأحزاب على أساس عرقي في أنحاء العراق كافة ومنها كركوك، جعل
الخطاب السياسي في المدينة خطاب استقطاب عرقي بشكل واضح وفج.
ونجد أن مؤشر العنف في كركوك تصاعد بشكل واضح خلال النصف الثاني من ،2007 فقد أصبحت
بؤرة للتفجيرات والعنف والخطف.
ولكن الأخطر من الهجمات الإرهابية هو التوترات الداخلية بسبب النعرات العرقية، حيث أصبحت كل عرقية متحصنة في مناطقها تنتظر أي فعل ''أحمق'' من الآخرين لإشعال نار لن تُخمد بسهولة. ولعل ما يزيد من درجة اشتعالها وجود ''بنزين'' جاهز في أيدي الدول الإقليمة الكبرى.
فبالنسبة لتركيا، تمثل كركوك اللؤلوة الناقصة لاكتمال عقد الدولة الكردية والتي تمثل من وجهة نظر
أنقرة تهديداً لامنها القومي لوجود نسبة كبيرة من الأكراد داخل الأراضي التركية التي سيجعل إنشاء
دولة كردية إسكات تمردها صعب ويفتح الباب أمام دعوات الانفصال.
وفهناك امتداد جغرافي سكاني وسياسي لتركيا في كركوك، وانتازع المنطقة نهائياً من دائرة نفوذها في اللحظة الراهنة يمثل بالنسبة لقادة أنقرة خطاً أحمر. ولدى تركيا ورقة مهمة في ''اللعبة'' هي التركمان. وموقف تركيا واضح على لسان رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان ''لا لإجراء استفتاء في كروكوك في الوقت الراهن قبل استتاب الوضع الأمني''.
وبالنسبة لسوريا، فهي ترفض رفضاً واضحاً أن يشكل الأكراد دولة جديدة على أبوابها، وتسعى وفقاً لمسؤول كردي إلى دفع التمرد العربي، ودعم الجماعات الإسلامية'' لجعل كركوك منطقة مشتعلة ومنع ضمها لإقليم كردستان''.
هل يكذب السياسيون الأكراد؟
''نحن سنستعيد كركوك مهما طال الزمن، وسنبني دولتنا مهما وقفت في وجهنا العقبات''.. هكذا
تحدث لي سائق تاكسي شاب يدعي محمد ''25 عاماً'' بحماسة وكانة يخطب في تظاهرة سياسية..
بالنبرة نفسها يتحدث الأكراد جميعاً، فحلم الدولة مرتبط بشكل واضح ب''استعادة'' كركوك''، فهي كما
يقول البعض حجر زاوية دولة كردستان القادمة.
في المقابل، فإن السياسيين الأكراد يتحفظون على ذلك المنطق، ويطرحون رؤية مغايرة، فهم يؤكدون من أعلى هرم السلطة انتهاء برجال البيروقراطية على منطق واحد تسمعه مراراً وتكراراً في المكاتب الحكومية بإقليم كردستان وهو ''أن كركوك مدينة عراقية بحلة كردستانية.
ويقول وزير شؤون المناطق خارج الإقليم بحكومة كردستان العراق محمد إحسان إن''كركوك جزء لا يتجزأ من كردستان بها سكان من عرب أصليين وتركمان وكلدان أشوريين بجانب الأكراد'' ويشدد مسؤول كردي آخر على أن الانتخابات التي جرت في 2005 والاستفتاء على الدستور أوضحا بما لا يدع مجالاً للشك أن كركوك كردية.
لكن كركوك ليست مجرد ''امتداد'' جغرافي للخريطة الكردية لإقليم كردستان،بل هي مخزن النفط
الرئيسي، النفط الذي أصبح كلمة السر الرئيسية في الحوار بشأن هذه المنطقة المتنازع عليها
عراقياً.
''نحن لا نطمع في نفط كركوك، فالنفط سيقسم وفقاً لقانون النفط الخاص به وهو ملك كل العراق''.
جملة كررها محمد إحسان مرتين خلال حوار مع ''الاتحاد''، وكررها بصياغات مختلفة نائب رئيس
حكومة إقليم كردستان عمر فتاح حسين وعدد من المسؤولين الأكراد. لكن تجد نفسك بعد أن تخرج
من المقابلة غير مقتنع بأن نفط كركوك ليس السبيل الوحيدة لحلم ''مبرر'' لدى هؤلاء في استقلال
كردستان. ونعود لمحمد إحسان وقوله ''النفط العراق لكل الشعب العراقي، ونفط كركوك للجميع ونحن
نتكلم عن كركوك بدون نفط'' .. ونتساءل هل كان بالفعل يقصدها أم أنه مجرد تصريح إعلامي؟.
في شوارع أربيل بعيداً عن المكاتب المغلقة تكون الإجابة أسهل، وفقاً لحميد مصطفي ''34 عاماً'': ''
إننا من حقنا أن يكون لدينا دولة مثل الجميع، السياسيون يخشون المصارحة لأن لديهم حساباتهم
الخاصة، لكننا لن نرضى غداً إلا بدولة كردية عاصمتها كركوك''.
ووفقاً لأغلب المحللين، فإنه من دون كركوك لا يمكن نظرياً قيام دولة كردية، حيث لا يمكن بناء دولة
من دون مصدر اقتصادي كبير وعلى اقتصاد مهلهل يعتمد على جيرانه بشدة. وفي ظل السيطرة على
نفط كركوك، فإنه على الأقل ''نظرياً'' يتوافر الركن الاقتصادي لبناء الدولة.
في النهاية فإن، الطرق كافة تؤدي إلى نهاية واحدة هي ''الانفجار''، ولن يحول دون هذا الانفجار إلا
توافر قيادات سياسية تمسك بأيديها على الأمر بقفاز من الحكمة والفهم والرؤية الاستراتيجية، لكن
في اللحظة الراهنة فإن توافر مثل هذه القيادات في العراق يمثل ''حلم ليلة صيف''!!.
التعريب و التكريد
كان سقوط النظام البعثي في أبريل 2003 نقط تحول دراماتيكية في توازنات القوى في مناطق شمال
العراق، حيث شعر الحزبان الكرديان الكبيران ''الديمقراطي والاتحاد الوطني'' أن الطريق أصبح ممهداً لفرض السيطرة الكاملة على المنطقة، والمطالبة ب''استعادة'' المناطق التي يعتبرونها ''جزءاً لا يتجزأ'' من كردستان، وفي قلبها كركوك.
واستخدم كل من مسعود البارزاني، وجلال الطالباني موقعيهما في مجلس الحكم الانتقالي بتمرير المادة ''''58 في الدستور العراقي المؤقت التي فتحت المجال أمام إعادة الأكراد المرحلين إلى كركوك.
وقبيل انتخابات يناير 2005 استغل الأكراد موقعيهما في الحكومة للسماح للأكراد المبعدين بالاقتراع في انتخابات كركوك لضمان وضع أيديهم على المدينة خاصة في ظل المقاطعة العربية للانتخابات.
وفي انتخابات المجلس الإقليمي لكركوك حصل الأكراد على 59% من الأصوات، وهي الأصوات التي مكنتهم من الاستحواذ على 26 مقعداً من أصل 41 في المجلس مقابل 9 مقاعد فقط للتركمان و6 للسنة العرب.
هكذا برز عزم القيادات الكردية على الحصول على كركوك كمقابل للبقاء ضمن إطار العملية السياسية
العراقية، وبلغت ذروة نجاح الأكراد السياسي في إدراج المادة ''''140 في الدستور العراقي الذي
وضع جدولاً زمنياً ينتهي في نهاية 2007 لاتخاذ قرار بشأن وضعية كركوك عبر استفتاء.
ويقول رئيس المجلس الوطني لكردستان العراق عدنان المفتي ل ''الاتحاد'' إن ''المادة 140 هي مادة توافقية، ونحن قبلنا بهذه المادة لننهي حالة من الغبن مُورست تجاه الأكراد، والجهات التي تقف ضد هذه المادة أو تطالب بتغييرها فموقفها نابع من نيات غير حسنة''. ويشير هنا عدنان إلى '' الجبهة التركمانية'' والأطراف العربية المعارضة للمادة في العراق.
بالتوازي مع تمهيد الطريق السياسي لضم كركوك إلى كردستان كانت عملية تغير الوضعية السكانية للمدينة تسير على قدم وساق، عبر إعادة الأكراد الذين رحلهم نظام صدام حسين إليها، فيما اعتبر ''تكريد'' أو وفقاً للمسؤولين الأكراد ''تطبيع'' معاكس ل ''تعريب'' صدام.
ويشير التركمان والعرب إلى أن الأكراد استغلوا توافر الأموال والقدرة لتوطين الأكراد في المناطق
الريفية بمساعدات من الحكومات الأجنبية. وسكن الأكراد ''العائدون'' في أغلبهم موقعين رئيسيين في
مدينة كركوك هما معسكر قيادة الفيلق الأول قرب المطار وبنجا على طريق ليلان في الشرق.
وعاد إلى كركوك منذ 2003 وفقاً لتقديرات غير رسمية نحو 300 الف كردي.
وفيما يقول المسؤولون الأكراد إن عدد الأكراد الذ تم ترحيلهم خلال فترة حكم صدام حسين بلغ 200 ألف أسرة وأنه مازال هناك 80 ألف أسرة كردية تنتظر العودة، فيما يشير التركمان والعرب إلى أن عدد الأكراد الذين تم طردهم لم يتجاوز 10 آلاف عائلة فقط.
ويتهم التركمان والعرب الأكراد بأنهم سيطروا على المناصب الرئيسية في كركوك في الأجهزة التنفيذية والشرطة وتسهيل هذه الأجهزة عملية ''زحف'' الأكراد ومنهم تفضيلات في الوظائف والسكن.
ويرى بعض المسؤولين العراقيين العرب أن الأكراد يسعون إلى قلب الطاولة لحسابهم عبر إعادة توطين الأكراد والسيطرة على الأجهزة السياسية والإدارية والأمنية وإخراج القادمين العرب ليسمح لهم بالفوز بالاستفتاء الذي سيقرر وضع كركوك والمناطق المحيطة بها.
فاستفتاء نهاية ،2007 إذا نجح الأكراد في الحصول على الأغلبية وضم كركوك إلى كردستان، سيعني ذلك تقوية إقليمهم بشكل واضح وتعزيزه سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، والطريق للحصول على هذه الأغلبية هو استكمال السير على طريق تغير التركيبة السكانية عبر ''إعادة'' الأكراد إلى مناطقهم، وهذه العودة تمثل ''كعب أخيل'' الكارثة في وجهة نظر كثير من المسؤولين العراقيين خاصة السنة منهم.
الموقع الاستراتيجي
تحتل كركوك موقعا استراتيجياً، فهي نقطة الاتصال بين المدن الكردية الرئيسية ''السليمانية وأربيل''
وبغداد، وترتبط بحدود واسعة مع مناطق ديالى. كما أن الطرق الرئيسية التي تربط مدن إقليم كردستان العراق تتوزع من مفصل مدينة كركوك، وهناك طريقان رئيسيان يربطان بين بغداد وأربيل والسليمانية.
والسيطرة على كركوك توفر لحكومة إقليم كردستان مناطق تماس مع ثلاثة محاوررئيسية، الأول باتجاه العاصمة بغداد، والثاني باتجاه الغرب صوب الحدود السورية باتجاه الموصل، والثالث باتجاه الشرق صوب الحدود الإيرانية عن طريق النقاط الحدودية في منطقة ديالى، وتحديداً معبر المنذرية وهو منفذ مهم مع إيران.
العراق الصغير
وفقاً لأغلب التقديرات، فإن كركوك تضم نحو 1,5 مليون نسمة، ويعيش في مدينة كركوك وحدها أكثر من 800 ألف نسمة.
ويعزو وجود التركمان في كركوك إلى الهجرات ما بعد اكتشاف النفط في العشرينات من القرن الماضي. والقبائل العربية الرئيسة هي ''العُبيد والجبور والحديد'' وتنتشر في غرب المدينة.
ففي الحزام الذي يفصل إقليم كردستان العراق عن باقي العراق والذي يمتد من سنجار ''شمال غرب''
مروراً بتلعفر والموصل وكروك وطوز ومندلي تعيش العرب والكرد والتركمان والكلدانيين الأشوريين
والشك والايزيديين مئات السنيين، فهذه المنطقة تمثل عراقاً صغيراً تضم عرباً سنة وشيعة ومسيحيين وايزيديين، فمثلت فسيفساء حقيقية للعراق الكبير.
المادة 140
نصت المادة 140 من الدستور العراقي الذي تم إقراره في أكتوبر 2005 على: ''سيتم نقل المسؤولية التي عُهد بها إلى الفرع التنفيذي للحكومة الانتقالية الواردة في المادة 58 من القانون الإداري لدولة العراق خلال الفترة الانتقالية وإسنادها إلى السلطة التنفيذية المنتخبة وفقاً لهذا الدستور شريطة أن تكتمل عملية التطبيع وإجراء إحصاء سكاني واستفتاء في كروكوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتقرير إرادة مواطنيها قبل 31 ديسمبر .''2007
النفط .. كلمة السر
تضم منطقة كركوك ستة حقول للنفظ منها 4 تنتج بالفعل ومنها أحد أكبر حقول العراق النفطية والذي
يضم 13,5 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة أي نحو 12% من إجمالي احتياطي العراق من النفط أما إقليم كردستان العراق فيحتوي على 3160 بليون برميل فقط أو 3% من المجموع الكلي.
وإضافة إلى حقل ''بابا كركر'' العملاق تشتهر المدينة بحقول اخرى مثل حقل ''جمبور'' وحقل ''باي
حسن'' الجنوبية وحقل ''باي حسن'' الشمالية وحقل ''آفانا'' وحقل ''خباز'' وحقل ''جبل بور'' وحقل
''خرمالة''. وتتميز حقول كركوك النفطية بغزارة إنتاجها وجودة نفطها فهو يعتبر من النفوط الخفيفة
القياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.