نقلاً عن اخبار اليوم 22/12/2007 بصراحة، يؤرقني كثيرا مستقبل 'البهائم' في مصرنا المحروسة، لو فكرت الحكومة في تحويل الدعم العيني للخبز إلي دعم نقدي!! فلقد أشارت الإحصائيات إلي أن ثلث ما تنتجه الحكومة من الخبز البلدي المدعم، يستخدم علفا للحيوانات والدواجن والحمير!! فإذا كانت الحكومة تقدم 15 مليارا من الجنيهات سنويا لدعم الخبز، فإن ما يذهب منها لتغذية المواشي يقارب 5 مليارات جنيه. لهذه الأسباب، ولأسباب أخري كثيرة، عادت مرة أخري طوابير المخابز، التي كنا قد ودعناها تماما مع غيرها من طوابير المجمعات، سواء علي السلع الغذائية، أو الدواجن واللحوم المثلجة. وهو الأمر الذي يدعو لسرعة التحرك، خاصة في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار القمح، والتي تضاعفت خلال عام واحد، فقفزت من 200 دولار للطن، إلي 400 دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تبذل جهودا كبيرة لضمان تعدد مصادر استيراد القمح، وأيضا الحصول عليه بأسعار تقل كثيرا عن أسعار مثيله في الدول الأخري المنتجة. الأسباب الحقيقية لعودة الطوابير هي وجود سعرين للدقيق، فعلي حين يباع جوال الدقيق ب 16 جنيها للمخابز المخصصة لإنتاج الخبز البلدي، فإنه يباع في الأسواق بسعر يقارب 260 جنيها للجوال، وإذا كان وجود فارق في السعر أمرا معروفا، إلا أن نسبته قد ازدادت كثيرا بما يمثل نوعا من الإغراء لأصحاب المخابز. فبدلا من إنتاج الخبز، يكون من الأسهل بيعه دقيقا، وبأرباح تقارب تماما أرباح الاتجار بالمخدرات!! وكبديل طبيعي، يلجأ أصحاب المخابز إلي إنتاج خبز لا يطابق المواصفات، من حيث الوزن، وذلك كوسيلة لإخفاء جريمة الاتجار بالدقيق، حيث تزيد نسبة المياه بالخبز، وبالتالي تتولد اساءة الاستخدام، لأن من يشتري خبزا بجنيه واحد، فانه عادة ينتقي منه ما يقرب من النصف أو أقل، لكي يأكله، والباقي يذهب علفا أو يوضع بصناديق القمامة. دعونا نعترف بأن كل إجراءات المراقبة علي المخابز، وتخصيص مفتشين للتموين للمرور عليها، قد باءت بالفشل. فكلما زاد الإغراء المادي ضعفت النفوس، كما أن بيع الدقيق المدعم عادة لا يتم بنفس أسعار الدقيق الحر. فوجود فارق بسيط، قد لا يتعدي 20 جنيها، يمثل حافزا أمام مستخدمي الدقيق الحر لشرائه من مخابز الخبز البلدي المدعم. إن وجود أزمة ونقص في الأعلاف وارتفاع أسعارها، جعل الخبز البلدي المدعم بديلا سهلا أمام سماسرة الغذاء. بعض السماسرة تخصصوا في جمع الخبز البلدي المدعم، ثم تركه ليجف، ثم إجراء فرز أولي عليه وتقسيمه إلي فئتين، الأولي تذهب لمحلات الفول والطعمية، حيث يتم طحنه مع الفول لصناعة الطعمية، وبنسبة تزيد وتقل حسب ارتفاع أسعار الفول!! أما الفئة الثانية، فإنها تخصص كأعلاف للحيوانات، وسواء تم ذلك علي مستوي التجار الكبار، أو حتي علي مستوي التربية المنزلية. لقد تحول الخبز البلدي إلي غذاء رئيسي لتربية الدواجن والطيور المنزلية، بالإضافة إلي الماشية. ولأن الفلاح المصري ذكي بطبعه، فقد اكتشف ان وجبة من الخبز البلدي المدعم، لإطعام حماره أيضا، تقل بكثير عن ثمن وجبة من البرسيم!! *** صناعة الخبز أصبحت تدور في حلقة مفرغة، وازداد أنين الناس من عودة الطوابير، وسوء حالة الخبز، وعدم وصوله إلي محدودي الدخل، وهي الفئة المقصودة من استمرار تثبيت سعره، ودعمه بمبالغ تصل إلي 5 أضعاف تكلفته. كان من الضروري البحث عن أسلوب وآليات جديدة، تضمن عدم استمرار هذا العبث الحكومي، الذي يحول الدعم من مستحقيه إلي فئة من المستفيدين والانتهازيين، الذين تخصصوا في استغلال بقايا سياسات الفكر الشمولي، الذي اعتمد في جانب كبير منه علي أسلوب الطوابير. طرحت الحكومة فكرة البحث عن بدائل. وتبني الحزب الوطني مجموعة كبيرة من السياسات الجادة، لتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن حكومتنا الذكية، التي تخرج من 'نجقره لتقع في دحضيرة' كما يقول المثل، بدأت طرح فكرة الدعم بأسلوب، ولغة خطاب تحمل ضمن ما تحمل فكرة خاطئة، تلقفتها الأيدي العابثة، لتحولها إلي قضية تحاول بها النيل من جهود التطوير والتنمية والإنجاز. حيث بدأ الحديث عن وجود نية من الحكومة لالغاء الدعم. وكعادته دائما كان الرئيس مبارك واضحا في التأكيد علي استمرار الدعم، ودعوته إلي حوار وطني يشارك فيه كل المواطنين، للبحث عن الأسلوب الأمثل لوصول الدعم لمستحقيه، بالكم والكيف الذي يتوازي مع الأعباء المالية، التي تتحملها الموازنة العامة للدولة. وكان من الضروري أن يكون هناك تنسيق وتعاون، بين الحزب الوطني وحكومته. وذلك من خلال سلسلة متصلة من اللقاءات، التي عقدها الأمين العام للحزب السيد صفوت الشريف، والأمين العام المساعد الأستاذ جمال مبارك، مع الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، ووزراء المجموعة الاقتصادية. كان آخرها، اللقاء الموسع مع المجلس الأعلي للسياسات، بالإضافة للقاءات موسعة سابقة عقدها الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء مع القيادات الصحفية، والتي صحح خلالها بعض المفاهيم الخاطئة حول عملية الدعم. لا أبالغ عندما أقول، إن فكرة الحوار وحفز الناس للمشاركة في إبداء الآراء والاقتراحات والأفكار، سوف تسجل للسيد جمال مبارك أمين السياسات بالحزب الوطني، والذي استطاع، خلال الأعوام القليلة الماضية، أن يتوغل في ملف هموم المصريين، والتعرف عن قرب علي مشاكلهم وطموحاتهم وآمالهم، وذلك علي الرغم من كل محاولات الهدم والتشكيك، التي تعرض لها ضمن هوجة حرية الفوضي والتعبير، التي أصبحت للأسف الشديد عنوانا لصحافة مصر، وإعلامها الحزبي والخاص. *** خلال اللقاء الموسع للمجلس الأعلي للسياسات، وفي حضور الأمين العام للحزب الوطني، ورئيس الوزراء، أكد السيد جمال مبارك علي مجموعة من النقاط المهمة وتتمثل في: مجموعة من البرامج والسياسات لتحقيق العدالة الاجتماعية ومساندة الأسر الفقيرة، تهدف إلي رفع مستويات المعيشة، وتطوير جميع الخدمات الحكومية المقدمة لهم. وهو ما يمثل إطارا لعمل الحكومة، خلال المرحلة القادمة، ويمثل جزءا من البرنامج الرئاسي، الذي تضمن برامج أساسية للعمل الوطني، تضمن ديناميكية العمل، واتساعه، ليشمل أيضا أي اضافات جديدة قد تبرز الحاجة إليها. منذ بدء طرح فكرة تصويب الدعم وزيادته لمستحقيه، أكد أمين السياسات لأول مرة ان الفكرة المطروحة للنقاش والحوار، لن تشمل أي شيء يتعلق بالبطاقات التموينية، والتي تشهد تطويرا يسمح بالتوسع فيها، وضم فئات جديدة إليها. فحتي اليوم، فإن البطاقات التموينية، التي تدعمها الدولة بما يقارب 5 مليارات جنيه، لاتزال تمثل حلا عمليا ناجحا، لضمان وصول بعض السلع الغذائية للمستحقين. حيث لا يساء استخدامها كما يحدث بالنسبة لقضية الخبز المدعم. شدد علي أن الحكومة سوف تواصل سياسة دعم رغيف الخبز، والدليل علي ذلك تخصيص 7 مليارات جنيه اضافية بالموازنة لهذا البند فقط. ونبه إلي ضرورة مواجهة الأسباب، التي أدت لعودة طوابير الخبز، وبحلول تضمن الحماية الكاملة لمحدودي الدخل، وعدم إضافة أي أعباء جديدة عليهم. شدد الأمين العام المساعد علي أهمية الاستهداف المباشر للفقر، وسرعة احساس المواطن بثمار الإصلاح، وضرورة استمرار معدلات النمو في حركة الاقتصاد المصري. وهو الأمر الذي يؤكد بلا أي شك ان الحزب الوطني أصبح بالفعل حزبا للأغلبية، يتبني مصالح المواطنين، ويقف سدا منيعا أمام أي محاولة للالتفاف علي ضرورة الإسراع بتحقيق العدالة الاجتماعية. طرح السيد جمال مبارك مجموعة من البرامج، في كل مجالات الخدمات الحكومية، التي تمثل تفعيلا حقيقيا لسياسات العدالة الاجتماعية، سواء التوسع في شبكة الضمان الاجتماعي، أو توفير الوحدات السكنية، أو مشروعات الإقراض والتدريب، والأسر المنتجة، واستكمال الخطط العاجلة لتوفير المياه والصرف الصحي والرعاية الصحية. كما كشف النقاب عن مشروع المعاش لكل مواطن تعدي سن 65 عاما، وهو ما يمثل قفزة حقيقية في محاصرة الفقر والعوز والحاجة واستمرارا لسياسات دعم غير القادرين. إن حديث الغوغائية عن إلغاء الدعم، ليس إلا جزءا من سلسلة المهاترات والشائعات المغرضة، التي تستهدف النيل من كل ما حققناه، وأعتقد أن إسراع الحزب الوطني وقياداته بتصحيح الصورة الخاطئة، التي تسببت فيها بعض تصريحات مسئولي الحكومة، تؤكد من جديد أن الحزب الوطني استطاع بالفعل أن ينحاز لمصالح المواطنين، وذلك في اطار تأكيد واضح وصريح من الرئيس مبارك، بأن العدالة الاجتماعية، وحماية محدودي الدخل، ستظل ركيزة أساسية للحكم.