اسعار اللحوم اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    أسعار الفراخ البيضاء اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    محافظ المنيا: إزالة 518 حالة تعدٍ على الأراضي وأملاك الدولة    23 شهيدًا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    لجنة الاستئناف تحكم بثبوت مخالفة الهلال بعد انسحابه من السوبر السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة ومروان عطية يتابع تأهيله    الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي ب 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    ضبط 124 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    ضبط 4 أطنان من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته    شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثل أي شئ لي قانونيًا    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لعددا من المستشفيات بحى غرب    ضبط 90 طن أعلاف حيوانية فاسدة داخل مصنع بالقليوبية    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    1350 مجمعا استهلاكيا يطرح 15 سلعة بتخفيضات ضمن مبادرة خفض الأسعار    تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    وزارة التعليم تكشف تفاصيل تطوير منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات    اتحاد العمال: بدء إنتاج السيارات وتشغيل وحدة الحديد والصلب خطوات نحو عصر صناعي جديد    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    سعر طن الحديد اليوم السبت 23-8-2025 في أسواق مواد البناء.. عز بكام النهارده؟    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر سلامة: الطريق إلى مصر..
نشر في أخبار مصر يوم 08 - 11 - 2013

لو كنت في موقع الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع, لرفضت, ودون تردد, قبول منصب الرئاسة, حتى لو تم تقديمه لي دون ترشح, ودون جهد, وذلك نظرا للأزمات العديدة, والمتفاقمة, التي تنتظر هذه المهمة, وللقضايا الشائكة, والمشكلات الكثيرة, التي يمكن أن تنال من رصيد صاحب هذا المنصب, وخاصة في هذه المرحلة الأخطر, والأكثر لغطا في تاريخ البلاد, على المستويين الداخلي والخارجي.
إلا أن هذه الأسباب هي نفسها, أيضا, التي توجب على الفريق السيسي القبول به, من منطلق وطني, مادامت هناك رغبة شعبية جارفة في ذلك من جهة, ولأن البديل, أيا كان, لن يكون مقبولا من جهة أخرى, بالإضافة إلى ذلك أن بلادنا, في هذا التوقيت, ليست لديها خيارات مزيد من التجارب, أو ترف منح مزيد من الفرص, ومن ثم مزيد من الفشل.
ومن هنا, فإن حسابات المكسب والخسارة تؤكد أن قبول الفريق السيسي هذا المنصب هو في مصلحة الشعب, ومستقبله, من وجوه عديدة, وليس في مصلحته هو على المستوى الشخصي, إلا أن هذا القبول ينطلق من الإحساس بالمسئولية الأخلاقية, والاجتماعية, وأن الرفض, أو الانسحاب, هو أمر لا يتناسب أبدا مع ما عهدناه في قياداتنا العسكرية, من حرص على مصلحة البلاد, وتلبية النداء الوطني, وتنحية الحسابات الشخصية.
والمتابع لأي مناقشات, أو سجالات مجتمعية, في هذا الصدد, يجدها تصطدم, في النهاية, بسؤال مهم, هو: ما هو البديل؟, لنكتشف, في النهاية, أننا أمام أمر واقع, لم يعد يقبل بدائل, أو أطروحات, من أي نوع, فقد افتقد مجتمعنا, خلال السنوات الغابرة, القيادة, وقد وجدها في شخص وزير الدفاع, وتطلع إلى شخصية حاسمة وحازمة, لا تتردد في اتخاذ القرار, وقد توافرت فيه, كما ظللنا نبحث عن شخصية غير ملوثة, بمؤامرات الداخل, أو إملاءات الخارج, ولن تتوافر بالدرجة الأولى سوى في القوات المسلحة.
ولنتذكر أن مؤامرات الداخل استطاعت أن تصنع شرخا في علاقة الشعب بجيش بلاده, على مدى العام الأول, الذي أعقب 25 يناير2011, إلى أن جاء الفريق السيسي ليرمم هذا الشرخ.. ولنعلم أنه مازال هناك من يراهن على إعادة الكرة مرة أخرى مستقبلا, إلا أنني أستطيع أن أؤكد أن جموع الشعب قد فطنت إلى ذلك المخطط, ومن هنا, جاء الدور الآن على القوات المسلحة لتؤكد أنها الحصن الحصين لهذا الوطن, فتخرج به من هذه المحنة, من خلال خريطة جديدة للمستقبل, يضعها الرئيس المنتظر, أراها على النحو التالي:
أولا: من المهم أن يعلم الرئيس, الجديد, أننا, الآن, لسنا في حال أفضل مما كانت قبل 25 يناير, فقد قفزت على المشهد السياسي جماعات أقل خبرة, وربما أقل وطنية, والأكثر من ذلك أن حساباتها الشخصية ترتفع فوق المصلحة العامة للبلاد, وهو ما يجعلنا نطالب بإعادة النظر في الوضع الحالي.
ثانيا: لأننا في مرحلة نعي معها جيدا أن مصر أصبحت مستهدفة خارجيا, من خلال نشطاء في الداخل, فإننا لن نجد سوى جيش البلاد, الذي يمكن الارتكان إليه في هذه المرحلة, حتى تستقر الأوضاع, مع الكشف, أولا بأول, عن هذه المخططات, والأخذ, في الاعتبار, أن التعامل معها يجب أن يكون قويا وحاسما.
ثالثا: إن قواتنا المسلحة لها من الخبرات في المجالات المختلفة, الاقتصادية, والأمنية, والسياسية, ما يجعلها تتحمل المسئولية كاملة دون تردد, على كل المستويات, ودون اعتبار لما يمكن أن يصدر عن شارد, مآربه واضحة, أو فضائية, تمويلها معلوم, أو حتى عاصمة أجنبية, تاريخها معنا سيئ السمعة.
رابعا: إن العمل, والعمل فقط, هو الذي يجب أن يكون محور الحياة المصرية في المرحلة المقبلة, ومن ثم يجب عدم الالتفات إلى أي من المزايدات الدائرة حاليا, حول الحريات المشبوهة, وديمقراطيات الثراء السريع, وما يصدر عن جمعيات ومنظمات, وائتلافات التمويل الأجنبي.
خامسا: إن فساد القوى السياسية الفاعلة في المجتمع, الآن, أصبح منافسا لفساد المحليات, وهو ما لا يستطيع أن يتحمله الشعب أكثر من ذلك, ومن هنا فإن ترشيد هذه القوى, والحد من حركتها, أصبح أمرا محتما, كما أن شغب الروابط الرياضية, وغيرها من الحركات والائتلافات, أصبح هو الآخر يتطلب وقفة حاسمة.
سادسا: إن تراخي المسئولين, كل في موقعه, عن القيام بمهامهم, على الوجه الذي يتناسب وطبيعة المرحلة, يجب مواجهته بحسم, وخاصة بعد أن أحجمت النسبة الأكبر من الكفاءات عن المشاركة في الفترة الماضية, فتم إسناد المسئولية إلى "الاستبن" الثاني والثالث والرابع في كل موقع, وهو الأمر الذي تراجع معه الأداء بصورة عامة.
سابعا: إن مصر بتاريخها, وجغرافيتها, وثروتها البشرية, لن تستمر, بأي حال, ويجب ألا تستمر, في الاعتماد على المنح, والمعونات الأجنبية, التي سوف تتوقف عاجلا, أو آجلا, ومن هنا يجب أن يعتمد البرنامج الانتخابي للرئيس الجديد خطة عمل, واضحة المعالم, تجعلنا نعتمد على أنفسنا, وتنهض بالاقتصاد, وتعلي من شأن الكرامة الوطنية.
ثامنا: لأنه بدا واضحا أنه لا اقتصاد دون أمن وأمان, فإن هذه القضية يجب أن تنال أولوية قصوى, وتسخير كل الجهود من أجل تحقيقها, ويجب ألا ننتظر سائحا في ظل تدهور الوضع الأمني, أو مستثمرا في ظل ذلك الانفلات السياسي.
تاسعا: إن ترشيد الإنفاق, في هذه المرحلة, بدءا من سفاراتنا, ومكاتبنا في الخارج, ومرورا بالمستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية, وحتى مظاهر الترف, والبذخ, والرواتب غير المنطقية, سوف يحقق قدرا من العدالة المجتمعية, في مجتمع يئن بالبطالة والفقر.
عاشرا: أرجو ألا يكون سابقا لأوانه, الحديث عن مصالحة مجتمعية شاملة, وذلك لأننا لا نملك, الآن, ولا كنا نملك في السابق, ترف الإقصاء لأي تيار كان, بما يتوافق والمصلحة العامة للبلاد, وبما يحقق المواطنة, في صورتها الطبيعية بمنأى عن المزايدات.
إذن.. سوف يتسلم الرئيس القادم البلاد مهلهلة سياسيا, واقتصاديا, وأمنيا, واجتماعيا, وهو الأمر الذي يتطلب من ذوي الضمائر الحية, على مختلف توجهاتهم, الالتفاف حوله, للنهوض بها من هذه الكبوة أولا, ثم يأتي الحديث عن الحقوق, والحريات, والمواثيق الدولية في هذا الشأن, ومن هنا, أجد أن جماعة الإخوان المسلمين مدعوة, هي الأخرى, إلى هذا الالتفاف, من أجل مصلحة الوطن والمواطن, بدلا من التفرغ للعنف, وإشاعة الفوضى, فليس نهاية المطاف, أبدا, إبعاد فصيل ما عن السلطة, وليست نهاية الكون, أبدا, عزل رئيس ما عن سدة الحكم, ولكن ما ليس مقبولا هو أن يظل هدف هذا الفصيل, أو ذلك الرئيس, زعزعة أمن واستقرار الوطن, بمواجهة خاسرة في كل الأحوال, لأن الشعب لن يقبل بذلك, ولأن المجتمع الإقليمي لن يقبل بمصر ضعيفة متردية, كما أن المجتمع الدولي, هو الآخر, سوف ينضج بمرور الوقت, مع عودة الدور المصري إلى وضعه الطبيعي والريادي.
وقد.. ظهرت بوادر إشارات أمريكية في زيارة وزير الخارجية جون كيري, قبل عدة أيام, وأوروبية بتصريحات عدد من العواصم, وإجراءات بعودة الأفواج السياحية من البعض الآخر, وكذلك من بعض المنظمات الدولية, وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي, وجميعها تؤكد بداية هذا النضج المشار إليه, كما أن الموقف الإقليمي, وخاصة من الدول الخليجية الشقيقة, يؤكد هو الآخر, أن مصر سوف تظل حجر الزاوية في علاقات المنطقة, بل إن جيش مصر سوف يظل الركيزة التي تعتمد عليها هذه الدول, إلا أن حالة التشرذم الداخلي في عدد من أقطار المنطقة, مازالت تمثل عقبة رئيسية, في استكمال قيام الدور المصري بمهامه, وفي كل الأحوال, فإن المؤشرات تؤكد أن استقرارا كاملا بالمنطقة لن يتحقق سوى بتفعيل هذا الدور, وذلك لن يتأتى إلا بمصر مستقرة, قوية, متماسكة, بجهد أبنائها, وحكمة قيادتها, والوقوف صفا واحدا خلف جيشها, ودعمه معنويا.
وإذا كان.. السلاح هو لغة التخاطب, الآن, في كل دول الربيع العربي تقريبا, فإن ذلك يؤكد أن الحالة المصرية مختلفة, وإذا كان العالم, إقليميا ودوليا, قد نفض يده من هذه الدول الآن, فإن الاهتمام العالمي بمصر يؤكد, أيضا, أنها حالة مختلفة, وإذا كان لدينا جيش قوي حتى الآن يتحمل المسئولية, كلما تعثر الموقف, فإن ذلك, أيضا, يؤكد أن مصر حالة خاصة, سوف تخسر معها, وتندحر فيها, كل رهانات النيل من أمنها واستقرارها, ولا سبيل أمام كل التيارات, إلا الانخراط خلف القوات المسلحة, التي تحملت الكثير من العناء على مدى الأعوام الثلاثة الماضية, كما كانت عبر تاريخها تحمل مسئولية الذود عن الوطن, إن حربا, أو سلاما, وها هي الآن أمام مرحلة لا تقل ضراوة عن سابقتها, وخاصة بعد أن أفسدت مخططا خارجيا كان يستهدف تقسيم المنطقة, بما يعد امتدادا لمصالح دول الاستعمار القديم, برعاية استعمارية حديثة, لم يخجل المخططون لها من الإعلان عنها مسبقا, تحت مسميات الشرق الأوسط الجديد, أو الفوضى الخلاقة, أو حتى إعادة ترتيب المنطقة.
وفي مجتمع.. تمثل فيه المناطق العشوائية أزمة حقيقية, وأطفال الشوارع واقعا مزريا, والأمية رقما صعبا, والميزانية عجزا كبيرا, والفقر حالة خاصة, والتطرف أزمة متفاقمة, نكتشف أن حياتنا لم تعد تقبل ترميما, من أي نوع, وإنما تحتاج إلى عمليات جراحية من الوزن الثقيل, فهناك شبكة طرق متهالكة, وشبكة صرف أكثر هلكة, وأبنية مدارس تتطلب مثلها عددا, ومستشفيات لم تعد ترقى إلى العصور السالفة, وهذه السلسلة من التحديات, وغيرها الكثير, تتطلب منا الاعتماد على شخصية تدير البلاد بسابق خبرة في الحسم والحزم, تعتمد بالدرجة الأولى على الاصطفاف الشعبي, تكون مقنعة للعالم الخارجي, فنحن هنا لا نبحث عن منصب لشخصية ما, وإنما نبحث عن شخصية تعيد الحياة إلى مصر والمصريين, بعد أن توقف النبض إلى درجة الشلل, وتأزمت الأحوال لدرجة الفزع.
ومع توقف.. حال البلاد والعباد, بدعوى الانتهاء أولا من التعديلات الدستورية, والانتخابات البرلمانية, والرئاسية, فكان من المهم أن يكون الفريق السيسي على رأس البلاد منذ البداية, وهي تسير إلى هذه وتلك, حتى يمكن أن تنطلق إلى آفاق أرحب, بدلا من هذه الإجازة الطويلة, التي توقفت معها حركة الإنتاج, والإنجاز, إلى حد كبير, إلا أنها خريطة المستقبل, التي لم تضع ذلك في الاعتبار, ومع وجود حكومة أخفقت, إلى حد كبير, في التعامل مع المرحلة, كان يجب على القوات المسلحة ألا يتراجع دورها في المشاركة, بعد أن أصبح المواطن يعقد عليها الأمل في الإصلاح, ومن هذه وتلك تأتي أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية أولا, لتدارك هذا الموقف, وحتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة من التعطل, والترقب, ووقف الحال, ومن جهة أخرى, فإن الانتخابات البرلمانية يجب أن تجرى في ظل قيادة رئاسية قوية, تحمل على عاتقها أمن ونزاهة هذه الانتخابات.
ولنكن.. واقعيين, وصادقين مع أنفسنا, ونعترف بأن المجتمع لا يستطيع, حتى الآن, ولا خلال عام مقبل استيعاب انتخابات برلمانية تتناسب وحجم وطبيعة البرلمان, الذي نرجوه لمصر في هذه المرحلة, فلا المرشح يستطيع طرح نفسه في ظل هذه الأوضاع, ولا الناخب لديه الاستعداد لتقبل ذلك الآن, فهناك من الضرورات الكثير التي ينشدها المواطن أمنيا, واقتصاديا, وهناك من القضايا التي تتطلب من رئيس الدولة المنتظر حلها وحسمها أولا, والتي من بينها وضع القوى السياسية, الموجودة على الساحة الآن, فيجب في كل الأحوال ألا ندع المواطن فريسة للمهاترات, والميكروفونات, والمنشورات, في وقت تظل فيه المشكلة الأمنية تطل برأسها في كل موقع, وكلنا يعلم أن لغة المال, والرشاوي الانتخابية تلعب الدور الأكبر في هذا المضمار, فما بالنا إذا كان هذا التوقيت تحديدا يئن فيه المجتمع جوعا, وفقرا, وبطالة.. هي إذن قضية تحتاج إلى مزيد من التريث والتدبر.
على أي حال.. إذا كان هناك صبر لدى رجل الشارع, الآن, على أوضاع البلاد المزرية, فذلك لأن لديه أملا بقيادة جديدة قادمة ببرنامج عملي على أرض الواقع, وليس على الورق فقط, وإذا كان رجل الشارع سوف يتحمل مزيدا من المعاناة خلال الشهور القليلة المقبلة, فذلك لأنه يرى في تلك القيادة خلاصا من التبعية والانبطاح, ومن هنا, فإن هذه الشهور يجب ألا يطول أمدها أكثر من ذلك, وهذه الحالة يجب ألا تستمر أكثر من ذلك, وهو ما يجب أن يعيه الرئيس المنتظر, فيمسك بزمام المبادرة من كل جوانبها فورا, دون تباطؤ, ودون تردد, وأعتقد أن التردد ليس من سمات العسكرية, بصفة عامة, وهو ما يجعلنا نثق في أن الأداء سوف يكون على المستوى الذي نأمله, إلا أنها الخطوة الأولى التي ينتظرها الشعب الآن بإعلان قبول الترشح, ويترقبها العالم, الآن, كبداية حقبة جديدة في التاريخ المصري الحديث, بصناعة وطنية كاملة الأركان, وحين ذلك, فقط, سوف يردد الجميع, في الداخل والخارج, تسلم الأيادي.
استمراء الفشل!
اعتادت الحكومات المتعاقبة, في تاريخ مصر الحديث, الفشل, بل استمرأته, لدرجة أنها أصبحت تعاند وتنكر وجوده, كما اعتاد المواطن الفشل الحكومي, لدرجة أنه لم يعد يشكو, فأخذ ينام كمدا, يوما بعد الآخر, إلى أن يلقى ربه بأزمة قلبية, أو هبوط في الدورة الدموية, ناهيك عما سبق ذلك, من أزمات تتعلق بارتفاع ضغط الدم, أو الهذيان, والهوس العقلي, بعد أن عانق المعاناة, والتوتر, والقلق, دون أي أفق لحياة أفضل.
وبمتابعة الأزمات المتلاحقة, في هذه المرحلة, نكتشف أن شيئا لم يتغير في الأداء الحكومي, كما أن جديدا لم يطرأ على سلوكيات المواطن, الذي يصحو على أزمة في البوتاجاز, على سبيل المثال, ولا يطل عليه أي مسئول, كبير أو صغير, ليحدثه عن سبب هذه الأزمة, أو إمكان حلها على المدى القريب, أو البعيد.
وإذا حدث, وخرج مسئول, بحجم وزير, ليحدثنا عن حل مشكلة المرور, فيكتشف المواطن أن ذلك من قبيل التصريحات الإعلامية, وأن الوعود كلها هراء, أما إذا خرج أحد المحافظين ليحدثنا عن مواجهة جريمة التعدي على الأراضي الزراعية, فقد يخرج علينا في اليوم التالي ليفاجئنا بحجم التعديات التي حدثت بالأمس!
هذه هي حقيقة الإدارة في مصر, الآن, فالباعة الجائلون يغلقون أكثر الشوارع حيوية في قلب العاصمة, والمسئولون يتحدثون عن القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة, وآخرون يتحفوننا يوميا بأرقام خيالية عن المقبوض عليهم في قضايا ترويج المخدرات, في الوقت الذي أصبح فيه الإدمان ظاهرة يئن منها المجتمع, وهناك من يتحدث عن وضع اقتصادي مبهر, في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار يوما بعد يوم.
ما هي الحقيقة في كل هذه القضايا وغيرها؟, الحقيقة المؤكدة هي أن شيئا لم يتغير في مصر, مسئولون يحكمون بعقلية الماضي, ومواطنون لا حول لهم ولا قوة, ولا رقيب, ولا حسيب, واجتماعات تلو الاجتماعات, وبدلات تلو البدلات, ونفقات على حراسات, وتأمين هؤلاء وأولئك, تستنزف مقدرات الدولة, التي هي في الأساس مقدرات الشعب, ومن هنا ارتفعت نسبة من هم دون خط الفقر, واستشرت العشوائيات, وتفاقمت حالات التذ مر.
نحن الآن أمام مرحلة تتطلب مسئولين بعقلية جديدة تعمل من الشارع, وليس من الغرف المكيفة.. تتواصل مع المواطنين, ولا تعمل بمعزل عن همومهم.. تتقبل النقد, والرأي الآخر, ولا تتشدد لأيديولوجيات, أو أفكار تقليدية.. تتفاعل فيما بينها, ولا تعمل من خلال جزر منعزلة.. لا تتردد في اتخاذ القرار, وتنفض الأيدي المرتعشة.
أما إذا ظلت ممارسات المسئولين لدينا, كما كانت في السابق, فنحن على موعد مع مزيد من الثورات, ومزيد من القلاقل, وبالتالي مزيد من الانفلات والفوضى, وهو ما نحن في غنى عنه الآن, مع إعادة صياغة المجتمع, سياسيا واجتماعيا, بالشكل الذي يعالج ثغرات الماضي بسوءاته وآثامه, لأن القضية لم تكن أبدا إزاحة هذا أو ذاك, لحساب هؤلاء, أو أولئك, وإنما كانت بالدرجة الأولى إزاحة عقليات عفا عليها الزمن, واستمرأت الفشل, وفسدت إلى حد الركب, على حد اعتراف أحدهم.
فيجب عدم الإبقاء الآن على فاشل في موقعه, أو فاسد في منصبه, كما يجب عدم التغاضي عن الأداء الضعيف, أو الإدارة المترهلة, لأننا حين ذلك سوف نكتشف, في لحظة ما, أننا كنا نسير عكس عقارب الساعة, أو عكس الاتجاه, وهو الأمر الذي سوف يعود بالمجتمع إلى الوراء, وسط عالم لا مكان فيه لا للضعفاء, أو المترددين, وعلى المستوى الداخلي, لم يعد الأمر يحتمل مثل هذا الأداء الذي يفتقد المواجهة, وشجاعة اتخاذ القرار, والإصرار على تنفيذه, حتى يدرك المواطن بالفعل أن شيئا ما قد تغير.
إن استمراء الفشل الإداري بالدولة, كما هو الوضع حاليا, هو أمر غاية في الخطورة من عدة وجوه, أهمها: صعوبة تدارك الموقف مستقبلا, مع استفحال الأزمات, بالإضافة إلى صعوبة تربية كوادر تستطيع تحمل المسئولية مستقبلا, بالطريقة التي تتناسب مع حجم الأحداث, ناهيك عما يمثله ذلك من تأخر الدولة المصرية في السير مع ركب التطور الحاصل في العالم, وخاصة على المستوى التكنولوجي والتقني, وهو ما تجاوزتنا فيه دول عدة, بدأت نهضتها معنا كما حدث في الهند, أو بعدنا, كما حدث في كوريا الجنوبية.
وقد نفطن إلى خطورة ذلك الاستمراء, أيضا, إذا أخذنا في الاعتبار أن الأجيال القادمة, بدءا من الأطفال في عمر الزهور, يترعرعون الآن علي تعليم سيئ, وإعلام أسوأ, وتربية مجتمعية أكثر سوءا, وهو الأمر الذي ينذر بمستقبل موحش, وموغل في ظلام الجهل والتطرف, إذا لم نبادر إلى قفزة على الطريقة اليابانية تحمل على عاتقها شعار مصر أولا.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.