أماكن الكشف الطبي للمرشحين في انتخابات مجلس النواب    وزيرة التضامن تتلقى تقريرًا عن جهود الاستجابة لارتفاع منسوب نهر النيل بقرى محافظة المنوفية    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    «النهر الجديد».. شريان أمل تشقه مصر في زمن المشهد المائي المربك    أسعار الذهب فى قطر اليوم السبت 2025.10.4    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف مدفعي وسط خان يونس    فيريرا: لا أفهم هجوم جماهير الزمالك بسبب اللغة، ومحبط من التعادل أمام المحلة    خبير: الزواج السري قنبلة اجتماعية موقوتة تهدد الميراث وتقطع الأرحام    سلوى عثمان تنضم لفريق عمل "كلهم بيحبوا مودي"    وزير السياحة والآثار يفتتح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بالأقصر    نائب وزير الصحة يوجه بمعاقبة المتغيبين عن العمل بمركز طب الأسرة بالسنانية في دمياط    خبير بالأهرام: خطة ترامب لغزة تفتقد التفاصيل والضمانات الكافية    جمال نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بفلسطين رغم دعم دول كبرى لها    طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش الحوكمة الإلكترونية للتغذية بالمدن الجامعية    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    الدوري الألماني.. بوروسيا دورتموند يسقط في فخ لايبزيج    انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة    عميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الازهر بأسيوط يفتتح المعرض الخيري السنوي بالكلية    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا    الأرصاد: غدا الأحد طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025    مستقبل وطن بكفر الشيخ يدفع ب4 مرشحين في القائمة الوطنية لانتخابات النواب 2025 | خاص    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    خبير متاحف: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع سياحي بل بيت للمجتمع المصري    وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة    أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية    غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد    محلل سياسي: القاهرة تستضيف مباحثات حاسمة لوضع جداول زمنية لانسحاب إسرائيل    افتتاح فرع جديد للخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان لأول مرة بالسويس لعلاج المرضى مجانا    بطل رفع الأثقال البارالمبى: إقامة بطولة العالم بالعاصمة الإدارية حدث تاريخى    تأجيل محاكمة المتهم بقتل شاب من ذوى الهمم بالبحيرة لجلسة 7 أكتوبر    أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو    الصحة تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر قلب زايد بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    منح النيابة حق التحقيق بدون محام يثير أزمة باجتماع مناقشة الاعتراض على "الإجراءات الجنائية"    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    حريق هائل بمصنع بلاستيك في العاشر من رمضان    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    محافظة الإسكندرية تتوج بجائزة سيول للمدن الذكية    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    ننشر أسماء المرشحين للفردى والقائمة للتحالف الوطني ببنى سويف للانتخابات البرلمانية 2025 (خاص)    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    أسعار الحديد في المنيا اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق..
الدم والعقل وحل الجماعة..!

بعد حل جمعية الإخوان المسلمين رسميا, بحكم قضائي, لم يعد مقبولا ذلك الدم المصري, الذي ينزف بصفة يومية, ولم يعد مقبولا ذلك الانقسام غير الطبيعي في الشارع الواحد, بل داخل البيت الواحد.
كما لم يعد مقبولا إجبار العقل علي إجازة مفتوحة لحساب لغة السلاح وسفك الدماء, كما ليس مقبولا أن نظل نحيا هكذا علي قلق وتوتر وارتباك, دون أدني أفق لمستقبل واضح, أو لمعالم طريق تحمل بصيصا من الأمل, وبالتالي لن يكون مقبولا استمرار الأداء الرسمي للدولة بهذه الوتيرة, التي ترفع من معاناة المواطن, وتزيد من آلامه, في شتي المجالات, بدءا من الفقر, مرورا بالأسعار, وانتهاء بفوضي الشارع.
هذه هي الحقيقة, التي لا جدال فيها, مهما نحاول تجميل المصطلحات والعبارات, ومهما نحاول القفز علي الواقع بخطب حماسية, أو شعر رومانسي, أو حتي قرارات في معظمها غير منطقية, وذلك لأن الواقع يحتم علينا الدخول الآن في عمق المشكلات دون تردد, ويحتم علينا أيضا مواجهة الأزمات دون انتظار, فلم يعد هناك مبرر لقبول ذلك التردي في الأداء بدعاوي الإرهاب, والأزمات السياسية, والمشكلات الدولية, كما لم يعد هناك مبرر لتأجيل المواجهة مع انفلات الشارع, أو تجاوزات التجار, أو حتي ترهل المسئولين, وصناع القرار.
المطلوب الآن, وعلي وجه السرعة, أن تتحمل الدولة مسئولياتها كاملة, بحل المشكلات الآنية, التي أصبحت مزمنة, إلي حد جعل المواطن لا يري أي جديد فيما بعد25 يناير2011 عما قبلها, بل وصل الأمر إلي أن هناك من يري أن ما قبل ذلك التاريخ كان أفضل مما بعده, علي كل المستويات, ومن جميع الوجوه, ولم لا؟, فتحت عناوين ودعاوي الثورة, ارتكبت الموبقات السبع, بالإضافة إلي أخري مستحدثة, وتحت دعاوي الحرية, انفلت زمام الأمن, وانفرط عقد الأخلاق.
هي إذن.. مسئولية الدولة الرسمية بالدرجة الأولي, بتفعيل القوانين, وفي مقدمتها قانون الطوارئ, وهي مسئولية الأمن, بتطبيق القانون علي البلطجية والمشاغبين والمنفلتين, وهي مسئولية المحليات باتخاذ قرارات صعبة, أهمها إغلاق المحال, وما شابهها في الثامنة مساء, وإعادة هيبة الدولة, للأرصفة والشوارع, وهي أيضا مسئولية القوات المسلحة, التي يجب أن تشارك بقوة في كل ذلك, استنادا إلي تفويض شعبي, لم تستثمره حتي الآن!
بعد حل جماعة الإخوان رسميا, يجب أن تتوقف مظاهرات مناصريهم, فنحن أمام حكم قضائي, وبعد أن أصبحت المواجهة شعبية, يجب إعمال العقل, فلن يقبل أحد بحرب أهلية علي الأراضي المصرية, وبعد وضوح الرؤية لدي العالم الخارجي, يجب التعامل مع الأمر الواقع, وهو إعادة بناء الدولة, وهو ما يجب أن يفطن إليه أيضا القائمون علي أمر البلاد, بسرعة تدارك الموقف نحو إعادة البناء, حتي يشعر المواطن بأن شيئا ما قد تغير, أما إذا استمر الوضع كما هو, فنحن أمام ثورة شعبية حقيقية مرتقبة, وقودها, هذه المرة, الفقر, والجوع, والمناطق العشوائية, التي بلغ عددها422 منطقة, تترعرع فيها الجريمة, وتنمو فيها المخدرات, وتسكنها الرذيلة, ويتكاثر فيها محترفو البلطجة بالأجر المادي تارة, وبما يسد الرمق في معظم الأحيان, ومع مزيد من الاستقرار, تتزايد حالة العداء لدي هؤلاء, وأولئك, بعد أن تتقطع أمامهم سبل' العيش الحرام', وهم في حالة بطالة, كغيرهم من ثمانية ملايين آخرين داخل المجتمع.
يجب أن تتوقف, إذن, عملية سفك الدم الحرام في بر مصر, بعد أن أصبحنا نسمع أنباء القتل, وكأنها حالة طبيعية في حياتنا, ويجب أن نبحث عن مخرج لحالة الانقسام الحاصلة في المجتمع الآن, وذلك بطرح رؤية سياسية للمرحلة المقبلة, لا تقصي ولا تستبعد أحدا, مادام يسعي إلي حياة آمنة له ولغيره, ويجب أن نحتكم إلي لغة العقل, وإعمال الضمير, حتي لا يظل العنف, والعنف المضاد, حالة مسيطرة علي سلوكياتنا, ولنتجه بالدرجة الأولي إلي إنتاج غذائنا, الذي نستورد نصفه من الخارج, وهو أمر يحتاج إلي رؤية أوسع بكثير مما هو مطروح الآن, تتخلي عن البيروقراطية, وتتجاوز المحسوبية, وتتصدي للفساد, وجميعها أوضاع مازالت قائمة, بل مازالت تنخر في أوصال المجتمع, وتهدم أركانه, وكأن شيئا لم يتغير, بل إن هناك استطلاعات تؤكد أنها تفشت بنسب أعلي من ذي قبل.
نحن.. الآن..
أمام واقع جديد يفرض علي جماعة الإخوان التعامل مع الوضع الراهن, بما يتناسب وطبيعة المرحلة من عدة وجوه, أراها علي النحو التالي:
إن الجماعة عادت محظورة, كما كانت الحال قبل25 يناير2011, وإذا كانت, رغم حظرها في السابق, قد مارست نشاطا سياسيا تغاضت عنه الدولة الرسمية, بل وصل الأمر إلي تمثيلها في البرلمان, فإن تكرار مثل هذا الوضع, يمكن أن يتوقف علي طريقة تعاطيها مع المرحلة المقبلة, سواء إيجابا, أو سلبا, وخاصة أن حزبها' الحرية والعدالة' مازال قائما حتي الآن, والممارسة, أيضا, هي التي سوف تؤكد استمراره من عدمه.
إن شعب مصر, بطبيعته, يميل إلي السلام الاجتماعي, ويأبي, بل يرفض تماما, أي محاولات من شأنها تعكير صفو الأمن بالمجتمع, وبالتالي فإن أي محاولات من جانب الإخوان, للإخلال بالأمن, سوف تسحب من رصيدهم, بل سوف ينفد هذا الرصيد تماما, والأهم من ذلك أنهم سوف يجدون مواجهة شعبية عنيفة, ظهرت بوادرها بوضوح الآن.
إن الاتهامات الموجهة لقيادات الجماعة وأعوانهم من المقبوض عليهم, حاليا, ترقي العقوبة في بعضها إلي الإعدام, وفي البعض الآخر إلي المؤبد والأشغال الشاقة, وهو أمر يتطلب من أنصارهم تحكيم لغة العقل والمنطق, وتغليب المصلحة العليا للوطن واستقراره, أملا في عفو أو تخفيف عقوبات في المستقبل.
وفي هذا الصدد, أتوقع من قيادات الجماعة, داخل السجون, الإسهام في إعادة الهدوء إلي الشارع, من خلال بيانات تدعو أنصارهم إلي التريث, وعدم إثارة القلاقل, تغليبا للمصلحة العامة للمجتمع أيضا, وخاصة أن مثل هذه القلاقل لن تفضي إلا إلي مزيد من سفك الدماء والاعتقالات في صفوفهم.
أناشد قيادات الخارج, الإخوانية, تغليب الضمير الوطني علي أي مطامع شخصية, وذلك لأن الهدف النهائي يجب أن يكون مصر القوية, الفاعلة في محيطها إقليميا ودوليا, وليست مصر الخاضعة لفصيل سياسي بعينه, وفي الوقت نفسه, لا يعقل أن تستمد حفنة من القيادات بالعواصم الغربية شرعيتها لدي هذه العواصم من جثث, ودماء المواطنين الأبرياء بالداخل.
أستطيع أن أؤكد أن تعامل الدولة مع الشغب الإخواني, في المرحلة المقبلة, سوف يختلف عن سابقتها, ويمكن أن نقرأ ذلك في القرار الجمهوري, الذي أصدره الرئيس عدلي منصور بتفويض وزير الدفاع والإنتاج الحربي في بعض قرارات الرئيس بشأن التعبئة العامة اعتبارا من أول نوفمبر المقبل, كما يمكن أن نقرأه أيضا في أحداث ذكري السادس من أكتوبر, وهو الأمر الذي تتوجب معه إعادة النظر إخوانيا في هذا النهج العنيف, الذي أضر كثيرا بالمواطنين ككل, ناهيك عن إضراره أيضا بعناصر الإخوان ومناصريهم في كل مكان, وكما لم يعد المواطن يقبل باستمرار مثل هذه الأوضاع, فإن الدولة الرسمية لن تستمر في قبولها هي الأخري.
وأعتقد أنه يوجد بين صفوف الجماعة, ممن دارت معهم محادثات حول تسوية ما خلال الفترة الماضية, من يستطيعون فرض هذا التصور, سواء مع قيادات الداخل أو الخارج, وبالتالي مع الدرجات الأدني, وهم بذلك يؤدون دورا وطنيا, يمكن أن تنتفي معه اتهامات العمالة, والتبعية, والتشدد, والتطرف, إن هم أرادوا العودة إلي المجتمع كمواطنين طبيعيين صالحين, فلا يعقل, أبدا, أن يواجه أي مواطن جيش بلاده, أو أن يستهدف عناصره بسوء, بل لن يسمح الشعب بذلك, كما لا يعقل أبدا استهداف منشآت الدولة, ومرافقها بتخريب أو تدمير, كما حدث مع محطة الأقمار الاصطناعية بالمعادي, أو مترو الأنفاق, أو محطات الوقود, وفي الوقت نفسه, لن يسمح المواطن الطبيعي, أو يقف صامتا, أمام محاولات تعويق حركة المرور, أو قطع الطرق, وإغلاق الميادين, وبالتالي فإن القضية الآن قضية شعب, كما أن المواجهة سوف تكون أيضا مع الشعب.
وأعتقد..
أن ذكري انتصار السادس من أكتوبر كانت أكبر دليل علي خطأ النهج الإخواني في التعامل مع الموقف الراهن, حيث كان من المتوقع أن تعلن الجماعة, علي أقل تقدير, عدم النزول إلي الشارع في ذلك اليوم, حتي لا تفسد علي الشعب فرحته بهذه الذكري, وإن كنت أري أنه كان يجب عليها مشاركة الشعب في فرحته هذه, علي اعتبار أنها ربما تكون الذكري الوحيدة علي مدي العام, التي نشعر فيها بالزهو والفخر, بعد انتصار علي عدو يتربص بنا حتي هذه اللحظة, وقد قتل من جنودنا وأطفالنا وآبائنا من قتل, ودمر من ممتلكاتنا, ومرافقنا, وبنيتنا التحتية ما دمر, إلا أن ما فعلته الجماعة وأنصارها في ذلك اليوم من إفساد متعمد ومعلن, لفرحة ونشوة ذلك اليوم, هو خطأ لن يغتفر, وقد سجلته ذاكرة الصغار والكبار بحزن ومرارة شديدين, لن تمحوهما الاعتذارات, فما بالنا بالدماء التي سفكت, والأرواح التي أزهقت!
وفي الوقت نفسه..
أجد أن القيادة السياسية في البلاد, ممثلة في الحكومة بصفة خاصة, يقع عليها العبء الأكبر من المسئولية في المرحلة الحالية, بمشاركة القوات المسلحة, وهو الأمر الذي يتوجب معه القيام بعدة إجراءات, أراها تتمثل فيما يلي:
يجب أن نعترف, مبدئيا, بأن هناك وزراء في الحكومة أخفقوا في أداء مهامهم, أو علي الأقل لم يواكبوا المرحلة كما يجب, وهو ما يتطلب استبدالهم فورا, حتي لو تطلب ذلك إعادة التكليف بتشكيل حكومة جديدة, وخاصة أن المشار إليهم كثر.
يجب عدم إقصاء فصيل سياسي, نتيجة الفشل, لحساب فصيل سياسي آخر, أكثر فشلا, يسعي إلي السيطرة علي كل مقدرات ومفاصل الدولة, ويتغلغل كالسوس في مفاصلها, الرئاسية, والوزارية, ومجالسها, ولجانها, وهو فصيل, بجانب عدم أهليته, يفتقد في الوقت نفسه الثقة فيه, وخاصة في هذه المرحلة.
إن استمرار غياب العدالة الاجتماعية, قد ضاعف من حجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء, بل أسهم في زيادة نسبة من هم تحت خط الفقر, وهي القضية التي يجب أن توليها الحكومة أهمية قصوي في هذه المرحلة, قبل فوات الأوان.
إن نهضة المجتمع الحقيقية لن تتحقق إلا بقرارات مصيرية, تحتاج إلي رجال علي مستوي المرحلة, وخاصة ما يتعلق منها بإلغاء أو تقليص الدعم عن بعض السلع, وعلي الأخص الوقود, والغاز, وفتح ملفات المستشارين بالوزارات, واستغلال النفوذ بالقطاعات المختلفة, وترشيد نفقات السفارات والمكاتب الخارجية, وفتح ملفات الفساد المسكوت عنها حتي الآن.
وضع خريطة مستقبل لجهاز الشرطة تتضمن مدي زمنيا محددا, تعيد خلاله الانضباط إلي الشارع من كل الوجوه, وهو الأمر الذي أصبح مطلبا جماهيريا يتصدر الأولويات, بعد أن أصبحت حالة الشارع طاردة للمواطنين, فما بالنا إذا كنا ننشد سياحا وزائرين!
علي أي حال..
تجب الإشارة إلي أن مصر بدأت تستعيد ثقة العالم شيئا فشيئا, لكن ذلك لن يكتمل إلا في حال وجود مصر القوية الناهضة, ولن يتأتي ذلك أيضا دون سلطة تنفيذية قوية تستطيع الإمساك بزمام الأمور في كل بقعة فيها, فقد كان من المهم خوض تلك المعركة مع الإرهاب في سيناء, إلا أن الأهم هو اتخاذ موقف حاسم مع الداعمين له من الخارج, سواء كانت عواصم, أو جماعات, أو أفرادا, وإذا كانت هناك عمليات إجرامية نوعية, من فعل جماعات أطلقت علي نفسها أسماء غريبة أو وهمية, في الفترة الأخيرة, فهي نتيجة يأس من مواجهة الشارع, وبالتالي لن تستطيع هذه الجماعات تحقيق أهدافها, التي تصب, أولا وأخيرا, في تعويق مسيرة المجتمع, وسوف تمضي المسيرة قدما إلي الأمام, بفضل تماسك أبناء الشعب, وليس من خلال مباركة أوروبية, أو غطاء سياسي أمريكي, ومن هنا يجب ألا نتوقف أو نلتفت إلي مواقف هذه الدول, حتي وإن تعلق الأمر بقطع مساعدات, فمصر أكبر منهم جميعا, وسوف يسعون إليها خاضعين, إن هي أحسنت التقدير, وهو ما أحسبه بعون الله مقدرا, إلا أن الأمر يتطلب, الآن, إعادة نظر شاملة, وهو ما لا أراه في الأفق, علي الأقل الآن!
الأزمة القاتلة..!
إذا كانت مصر قد سجلت أعلي نسبة حوادث طرق قاتلة في العالم, فأعتقد أنها قد سجلت في الفترة الأخيرة أزمة قتل معنوي أخري لا تقل بشاعة, تمثلت في ذلك التعثر المروري الحاد, ليس في القاهرة وحدها, وإنما في كل عواصم المحافظات تقريبا.
ويبدو أننا كما فشلنا في حل الأزمة الأولي, بعد أن هانت علينا أرواحنا, وأرواح ذوينا, فشلنا أيضا في التعامل مع الثانية, بل اعتدناها, علي الرغم مما تحمله من كوارث تعوق أي تقدم للمجتمع في أي من المجالات, ولذلك فقد أصبح السباب في الشوارع أمر بديهيا, والتعطل عن العمل أمرا طبيعيا, والخناقات, والمعارك, والضوضاء, والتلوث, حالة شائعة, بل أصبحت من سمات الشارع المصري بصفة عامة, وكل ذلك تحت سمع وبصر المسئولين!
وقد أوضحت الدراسات, أن الاستهلاك الأكبر للبنزين في مصر, هو من فعل الوضع واقفا للسيارات في الشوارع, علي امتداد الساعة, كما أثبتت أيضا أن النسبة الأعلي للتلوث في بلادنا هي أيضا جراء هذا الوضع, كما أثبتت أن هروب العديد من أصحاب الأعمال, من المصريين وغيرهم, للسبب نفسه, إلا أن ذلك لم يحرك ساكنا, بل ما زاد الطين بلة, هو احتلال الباعة الجائلين الشوارع بطريقة لا يمكن قبولها في أي مجتمع يحترم آدمية الإنسان.
وأزعم أن حل أزمة الطرق في مصر, سواء كانت الطرق الخارجية القاتلة بدنيا, أو الداخلية القاتلة معنويا, هو حل لأكثر من50% من مشكلاتنا وأزماتنا اليومية, وهو زعم لا أبالغ فيه إذا تدارسنا القضية كما يجب من جميع جوانبها, فمن يلقون حتفهم سنويا علي الطرق الخارجية يزيد عددهم علي ضحايا حرب من الحروب, كما أن الأزمات النفسية, التي يواجهها المواطن يوميا, وتعطل مصالحه, لا تقل أبدا عن القتل المادي, فما بالنا إذا كان المواطن المغلوب علي أمره يواجه هذا النوع من الموت علي مدي الساعة؟!
وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية, حول أوضاع الصحة والسلامة علي الطرق لعام2012, إلي أن معدلات حوادث الطرق في مصر قد فاقت المعدلات العالمية بعد أن بلغت نحو12 تصادما في اليوم الواحد, ترتبت عليها وفاة نحو12 ألفا وثلاثمائة شخص, وإصابة154 ألفا آخرين خلال عام2009, بينما أوضح تقرير آخر لهيئة سلامة الطرق الدولية أن مصر تتصدر قائمة معدلات حوادث الطرق عالميا, حيث شهدت ارتفاعا ملحوظا في معدلات الوفاة جراء هذه الحوادث بلغ33 ألف حالة العام الماضي بمعدل41 حالة لكل100 ألف نسمة, وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد تحدث عن7115 حالة وفاة في عام2011 بمعدل8.8 حالة لكل100 ألف نسمة, بما يعادل19.5 حالة وفاة يوميا, بينما بلغ عدد المصابين27 ألفا و479 حالة بما يعادل7.3 مصاب يوميا.
حل هذه الأزمة, إذن, هو حل لمشكلة التلوث, وهو حل لظاهرة الضوضاء, وهو حل يتعلق بالحضارة والتطور, وهو حل يرتبط ارتباطا وثيقا بتقدم المجتمع ونهضته, والحديث عن أي تطور في المجتمع, دون حل هذه الأزمة, هو حديث الهراء, وضياع الوقت, فلا يعقل أن يقضي إنسان ما في الذهاب إلي العمل, والعودة منه, أكثر مما يقضي في العمل ذاته, كما لا يجوز أن نتحدث عن خطط مستقبلية لأي من المجالات, وهذه العقبة قائمة دون حل.
هذه هي الحقيقة, التي يجب أن نضعها نصب أعيننا, ونحن نبحث في مستقبل البلاد, وهذه هي المأساة, التي يجب أن نواجهها أولا, ونحن نتحدث عن مصالح العباد, وأعتقد أن حل هذه الأزمة ليس بالأمر المستحيل, إن هي أخذت حقها من الجهد والاهتمام, وخاصة أن لدينا من الخبراء من يستطيعون تقديم الحلول, وقد قدموا بالفعل, كما أن لدينا من الآليات, التي يمكن بتفعيلها احتواء الأزمة, ولدينا من الإمكانات البشرية والعلمية ما يمكننا من احتوائها في وقت قياسي.
ولكن.. تبقي الإرادة, التي لا يبدو في الأفق ما يشير إلي تفعيلها في الوقت الراهن دون سبب معلن أو غير معلن, إلا أنه اعتياد الإخفاق, واستمراء الفشل, ليظل المواطن هو الضحية, ضحية الطرق المهترئة, علي الرغم مما يسدده من ضرائب, وضحية الإهمال, علي الرغم من حاجة الدولة لجهد كل عامل, أو موظف, أو مسئول في هذه المرحلة المضطربة.
فعلي الرغم من استفحال الأزمة إلي الحد الذي خرجت به عن المألوف عالميا وإقليميا, وعلي الرغم من أن وسائل الإعلام تجدها مادة خصبة لدق جرس الإنذار, وناقوس الخطر بصفة يومية, وعلي الرغم من أنها أصبحت حديث الناس صباح مساء, وعلي الرغم من الأرواح البريئة, التي تذهب سدي بمعدلات غير منطقية فإن التعامل معها علي أرض الواقع لم يرق إلي أي مستوي, فماذا ننتظر حتي نولي هذا الأمر الاهتمام الذي يستحق؟!, وكيف يمكن أن يشعر صاحب القرار بمعاناة الناس؟, ومتي سوف نحترم آدمية المواطن؟... أسئلة مازالت تبحث عن إجابات!
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.