سعر الدولار اليوم الخميس 15 مايو 2025    مشتريات العرب تصعد بالبورصة في مستهل نهاية جلسات الأسبوع    بعد جولة الخليج.. ترامب: حصلنا على استثمارات تفوق 10 تريليونات دولار في 3 شهور    ترامب: بايدن أسوأ رئيس للولايات المتحدة.. ولدينا أقوى جيش في العالم    أزمة مباراة الأهلي والزمالك.. القرار النهائي بعد استماع التظلمات لأقوال رئيس لجنة المسابقات    وفاة شخص على قضبان قطار في قنا    سعر الذهب فى مصر الخميس 15 مايو 2025.. جرام 21 يسجل 4550 جنيهًا    وزيرا السياحة والتنمية المحلية يبحثان خطط تحصيل الرسوم من المنشآت الفندقية    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتعادل مع إيرثكويكس بالدوري قبل 30 يومًا من مونديال الأندية    لقاء حسم اللقب، موعد مباراة اتحاد جدة والرائد في الدوري السعودي    "سأعود".. حسام عاشور يكشف كواليس مكالمة الخطيب بعد وعكته الصحية    تعرف على مدة إجازة رعاية الطفل وفقا للقانون    سالي عبد السلام ترد على انتقادات أدائها الصلاة بال "ميك أب" وطلاء الأظافر    الصحة تطلق حملة توعية حول مرض أنيميا البحر المتوسط    روسيا وأوكرانيا.. من جبهات الحرب إلى مفاوضات إسطنبول (تسلسل زمني)    27 مايو.. محاكمة عاطلين بتهمة تعاطي المخدرات بالساحل    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    وفاة وإصابة 7 أشخاص إثر تصادم ميكروباص وبيجو بقنا (أسماء)    اتحاد عمال الجيزة يكرم كوكبة من المتميزين في حفله السنوي    5 دقائق تصفيق لفيلم توم كروز Mission Impossible 8 بمهرجان كان (فيديو)    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    رياح مثيرة للرمال.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم    حالة الطقس في الإمارات اليوم الخميس 15 مايو 2025    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    مصرع طفل صدمته سيارة نقل مقطورة فى أوسيم    حديد عز تجاوز 39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 15-5-2025    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    بزشكيان ل ترامب: أمريكا تصف من يقاوم احتلال إسرائيل لفلسطين أنه يُهدد أمن المنطقة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    نائب رئيس جامعة دمنهور تفتتح معرض منتجات الطلاب ضمن مبادرة «إنتاجك إبداعك»    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    حريق يلتهم مصنعا للبلاستيك بأكتوبر    المجلس الرئاسي الليبي يعلن وقف إطلاق النار في طرابلس    إعلام فلسطيني: شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة    رسميا.. رابطة الأندية تدعو الفرق لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري الجديد قبل موعد اتحاد الكرة بيومين    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    بريمونتادا +90 أمام مايوركا.. ريال مدريد يؤجل احتفالات برشلونة في الدوري الإسباني    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    نشرة التوك شو| تفاصيل زيارة ترامب للسعودية.. وخالد أبو بكر يقترح إلغاء وزارة الأوقاف    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
أزمة القضاء..!

هي أزمة مصر, وليست أزمة القضاء.. وهي أزمة الدولة المصرية, وليست أزمة السلطة القضائية وحدها..
وهي أزمة تاريخ, وليست أزمة مرحلة.. وهي أزمة ثقة, وليست أزمة المصلحة العامة.. وهي أزمة مفتعلة, وليست أزمة مصيرية.. وهي صراع إرادات تواري فيها العقل وغاب عنها الضمير.. كما هي حالة خاصة من حالات تفكك الدولة, وغياب سياسة الاحتواء, والمصالحة ولم الشمل, حتي فيما بين الأجهزة الرسمية, أو سلطات الدولة التي أصبحت تكيل الاتهامات لبعضها بعضا, حتي في مدي صلاحياتها, بل في مشروعيتها.
نحن إذن.. نتحدث عن الأزمة القائمة الآن بين سلطات الدولة الثلاث: التنفيذية, والتشريعية, والقضائية, وهي أزمة كفيلة بالعصف بأي مجتمع, والانحدار به إلي الهاوية, فما بالنا عندما تتطور إلي دماء علي قارعة الطريق بين مناصرين لهؤلاء, ومتعاطفين مع أولئك, وما بالنا عندما يتحول الأمر إلي سباب وردح علي الهواء مباشرة ليل نهار, وما بالنا عندما يصبح التحفز والتوجس حالة راهنة في العلاقة بين السلطات الثلاث, وما بالنا عندما يصبح الوعيد من هنا, والاستقواء بالخارج من هناك, أمرا طبيعيا علي مسامع العامة!
التوصيف الدقيق هو أننا أمام كارثة تعيشها الدولة المصرية الآن, أبطالها النخبة في المجتمع, ووقودها هم صناع القرار فيه, ومن أراد المزايدة من خارج هؤلاء وأولئك فالساحة مفتوحة علي مصراعيها, ليتحول الأمر من مناقشات متحضرة إلي منازعات عنيفة, امتدت من العاصمة إلي المحافظات, ومن منتديات الأحزاب والقوي السياسية إلي الأزقة والحواري, ومن بهو التشريع إلي محيط المحاكم ودور القضاء والميادين.
هي بالطبع.. رسالة سلبية إلي الأجيال الجديدة, هكذا يكون الحوار, وهكذا يكون التشريع, وهكذا يكون الخلاف, وهكذا يكون بناء الأمم, وهكذا تكون الديمقراطية, وهكذا تكون حرية التعبير, وهكذا أصبحت مصر, بعد نحو147 عاما من الحياة النيابية المثيرة(1866 م) ونحو130 عاما من النظام القضائي الحديث(1883 م) الأكثر إثارة, وها هي الآن تتعثر بأيدي أبنائها, وها هي تتخبط بفعل العقلاء فيها, وها هي تصبح أضحوكة الأمم من حولها, ليس لذنب اقترفه شعبها, وإنما لضيق أفق ولاة أمرها, من تنفيذيين, وتشريعيين, ورجال قضاء.
في البداية.. تجدر الإشارة إلي أن رفع سن الإحالة للمعاش في أوساط رجال القضاء من الستين إلي السبعبن عاما قد حدث في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ليس دفعة واحدة وإنما علي أربع مراحل: إلي الرابعة والستين, ثم إلي السادسة والستين, ثم الثامنة والستين, ثم السبعين, وكانت كل مرحلة من هذه تستهدف الإبقاء علي شخص بعينه, أو عدة أشخاص أحيانا, ولنكن صادقين مع أنفسنا, ونعترف بأن الهدف الآن من العودة بسن المعاش إلي الستين عاما هو عكس سبب الرفع قبل ذلك, أي الخلاص من عدة أشخاص بأعينهم, إلا أن الحالة الأولي, كما أشرنا, قد تمت علي مراحل, وهو ما جعلها تبدو مقبولة, علي الرغم من أنها قد وجدت أيضا معارضة شديدة في ذلك الوقت, كما هي الحال الآن, حيث كانت الأهداف الشخصية واضحة, كما هي الحال الآن أيضا, إلا أن حالتنا الراهنة سوف تستبعد ثلاثة آلاف وأربعة مستشارين دفعة واحدة, من ذوي الخبرات المتراكمة التي لا يمكن تعويضها بأي حال, في وقت يعاني فيه هذا القطاع عجزا شديدا, بدليل حجم القضايا المتخمة بها أرفف المحاكم, وأعداد المتقاضين الذين يعانون أسوأ أنواع القهر.
وقد كنا..
نأمل من القائمين علي أمرنا أن يعتمدوا النهج السابق في تلك القضية, وذلك بالتدرج في النزول بالسن, كما كان التدرج في الصعود بها, لكيلا يحدث الفراغ الكبير المتوقع, وذلك لأن التعويل علي سد ذلك الفراغ من محامين هو تعويل غير مدروس, حيث جرت التقاليد والأعراف في سلك القضاء علي تولي المناصب القيادية به للأقدم فالأقدم, وهو ما لن يتوافر في المحامين المزمع تنصيبهم, بالإضافة إلي أن المحامي في حد ذاته, الذي كان يتقاضي أتعابا من موكلين علي مدي سنوات طويلة, يجب ألا يتولي فجأة مثل هذه المواقع, كما أن هناك حلا, كان يعد الأمثل للخروج من هذا المأزق, وهو استمرار المد للقاضي إلي حد ما, بشرط عدم توليه منصبا قياديا خلال سنوات المد, أي بعد سن الستين, إلا أن المفاوضات الدائرة حول حل الأزمة لم تتطرق إلي أي حلول وسط, يمكن من خلالها إنهاء هذه الأزمة بطريقة حضارية, بعد أن أصبحت تتصدر نشرات الأخبار العربية, وتستحوذ علي قدر كبير من اهتمام الصحافة العالمية, وتصريحات المسئولين هناك, والتي يشوبها الكثير من التوجس تجاه نية السلطة في البلاد, ناهيك عما شاب القضاء من تشويه نال من سمعة الدولة المصرية بأكملها.
فقد أصبح مصطلح تطهير القضاء شائعا في الداخل كما الخارج, لدرجة مؤسفة, ولا يستطيع أحد أن ينكر أن القضاء كغيره من أجهزة الدولة قد شابه الكثير من الفساد خلال العقود السابقة, لحساب السلطة الرسمية, في معظم الأحيان, إلا أننا إذا اعتمدنا هذا المصطلح كقاعدة يجب أن يتم ذلك بالانتقاء, أي من تتم إدانتهم, حتي لو كانوا في أعمار أقل من سن المعاش, أما الإحالة إلي التقاعد بقاعدة الانتقام وتصفية الحسابات فهي ظلم للغالبية العظمي من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والشرف, وهي تعد علي السلطة القضائية وهدم لأركانها, وهي عزل يرقي إلي ما فعله الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر وأصبح بقعة سوداء في تاريخ حكمه, وهي أمر لن يجد قبولا شعبيا بأي حال, حيث ستتأثر كل المنازعات المنظورة أمام المحاكم, كما يجب أن نتوقع مواقف خارجية قاسية, وخاصة من المنظمات الدولية ذات الصلة وغيرها, والأهم من هذا وذاك, هو أن القانون المزمع صدوره سوف يتم الطعن عليه, ومن المنتظر أن نفاجأ بحكم بعدم دستوريته, لنظل ندور في حلقة مفزعة من الصراع المحموم بين سلطات الدولة.. ويظل المواطن هو الضحية.
يجب أن..
يعترف الجميع بالخطأ, وبأن ما يجري علي الساحة الآن ليس في مصلحة مصر أو شعبها, فالسلطة التنفيذية لا يحق لها أبدا شخصنة الأمور لحساب فصيل بعينه, كما أن السلطة القضائية يجب ألا تسمح لأعضائها بأن يكونوا نجوم فضائيات, ليصبحوا طرفا في اللت والعجن, بما يسحب من رصيدهم الشامخ, كما أن الطريقة التي تتعامل بها السلطة التشريعية مع القوانين وطريقة صدورها بما يسمح بالطعن عليها, هي الأخري أمر مؤسف, وإذا لم تعترف السلطات الثلاث بأخطائها, وتبدأ صفحة جديدة من التعاون والتعامل بشفافية مع ما فيه مصلحة مصر فبالتأكيد كلها خاسرة, وحين ذلك سوف تكون الكلمة الأخيرة للشعب, فهو في النهاية مصدر السلطات, وهو مصدر التشريع, ولئن كان قد تم تحييد الشعب علي مدي عقود عديدة بمنأي عن صناعة القرار, فإن الأمر الآن أصبح مختلفا تماما, ولئن تم استبعاده من الحسابات السياسية فهو خطأ لم يستطع السابقون تداركه, ولتكن لنا فيهم العظة والعبرة, حيث لن يظل رجل الشارع في موقف المتفرج, طوال الوقت, وهو يري ثورته تذهب أدراج الرياح, بسبب صراعات واهية, تنال من حاضره ومستقبله, بل من ماضيه أيضا.
أما على..
المستوي الخارجي, فأعتقد أننا في أزمة بالفعل, وقد تكون أزمة القضاء أحد أهم أسبابها, وبالعودة إلي تصريحات كاثرين آشتون, مفوضة الاتحاد الأوروبي, عقب زيارتها لمصر, سوف يتضح لنا ذلك, وبالعودة إلي زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي المنطقة دون إدراج مصر في خطة الزيارة سوف نتأكد من ذلك, وبالنظر إلي وديعة الملياري دولار القطرية المعلن عنها دون التنفيذ حتي الآن, ربما بضغوط أمريكية, سوف نفهم ذلك, وبالبحث في تعقيدات صندوق النقد الدولي حول القرض المتعثر قد نكون علي يقين من ذلك, وهي مواقف أسهمت جميعها في تجرؤ بعض العواصم علينا بالتصريحات, والبعض الآخر بالافتراءات, والبعض الثالث من خلال وسائل إعلامه الموجهة توجيها دقيقا نحو النيل من مصر وسمعتها, وأحيانا بإشعال فتيل الأزمات بها, مادامت نيران الصراع لدينا تسمح بمزيد من البارود, ومادامت قضايانا الداخلية أصبحت سداحا مداحا لهؤلاء وأولئك, ومادمنا وصلنا إلي حالة العجز الكلي تجاه حل قضايانا بأنفسنا, بل أصبح كل فصيل يستمد قوته من خارج الوطن, سواء دعما معنويا, أو ماليا!.
وقد يكون..
الإعلان الرئاسي أمس الأول عن لقاء موسع يعقده الرئيس محمد مرسي خلال الأيام القليلة المقبلة مع القضاة, بمن فيهم رؤساء الهيئات القضائية, بمثابة بارقة أمل لإنهاء الأزمة التي نحن بصددها, ولكن ما يثير القلق هو أن موافقة اللجنة التشريعية بمجلس الشوري علي مناقشة قانون السلطة القضائية مثار النزاع قد جاءت في يوم ذلك الإعلان نفسه, إلا أن الأمل مازال قائما في حلول توافقية, مادام القانون لم يعرض حتي الآن علي الجلسة العامة للمجلس, أما إذا كانت مبادرة الرئاسة قد انطلقت دون تنسيق مع الشوري; فنحن أمام أزمة سوف تزداد تعقيدا, وخاصة بعد أن أصبحت القوي السياسية المختلفة طرفا فيها, إن مع, أو ضد, وهو ما يمكن أن يعود بحالة الشارع المصري إلي المربع صفر من انفلات, وفوضي, واحتجاجات, واعتصامات, وقطع طرق, وما شابه ذلك, وهو الأمر الذي يلقي بظلال سلبية علي كل أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية, والسياحية, والسياسية, وما يمثله ذلك من ضغوط علي المواطن الذي ما يلبث أن يتعافي من أزمة حتي تلاحقه الأخري.
وقد يكون من الطبيعي أن تخرج مظاهرات, من هنا, أو هناك, في إطار المعارضة لسياسات الحكومة, أو إحدي السلطات الرسمية بالدولة, إلا أن ما ليس طبيعيا هو أن يتبني الحزب الحاكم مظاهرات من أي نوع, في وقت يجب أن تتوحد فيه الجهود لوقف هذه المظاهر, مادام أحد لا يضمن سلميتها, وما ليس طبيعيا, ولا منطقيا أيضا, هو أن نشاهد مظاهرات احتجاج علي أحكام القضاء, أيا كانت اتجاهات القائمين عليها, وإلا فإننا أمام آفة, سوف تظل تستشري في المجتمع لدرجة مخيفة, لن يصبح معها القضاء مستقلا, أو عادلا, بل لن يستطيع ذلك, في إطار الضغوط المفروضة عليه داخل ساحات المحاكم وخارجها, ووقتئذ لن تكون هناك دولة, حيث إن إعادة بناء الثقة في هذا الصرح العظيم سوف تتطلب عقودا, ربما لن تلحق بها الأجيال الحالية, وهو الأمر الذي يتوجب معه سرعة حسم هذه الأزمة مهما تكن التنازلات.
فإذا كنا لا نسمح, بأي حال, بالنيل من السلطة التنفيذية في بلادنا, ممثلة في الرئاسة, أو الحكومة, سواء بالتصريح, أو التلميح, فإننا, في الوقت نفسه, يجب ألا نقبل أبدا المساس بسمعة القضاء المصري المشهود له دوليا, أو بسمعة قضاة مصر, ومن هنا فإننا ندعو إلي وقف كل مظاهر الانفلات المتعلقة بالقضاء, التي بدأت بحصار المحاكم, مرورا بالهرج والمرج في قاعاتها, قبل أو في أثناء أو عقب الجلسات, وانتهاء بالوقفات الاحتجاجية التي ترفع شعارات مناوئة للقضاء, ومن هنا أيضا, فإننا سوف ندعو نادي القضاة إلي أداء دوره المنوط به اجتماعيا, دون مبالغة, ودون تصعيد, في المواقف, حتي يمكن أن تعود الأوضاع إلي نصابها الصحيح, وأن يؤدي كل دوره, دون مزايدة أو تطرف, وحين ذلك نكون قد قطعنا شوطا طويلا نحو الاستقرار والتوافق, ليس في الأزمة التي نحن بصددها فقط, وإنما في الشأن المصري بصفة عامة.
البلاك بلوك..!
رسائل قصيرة بثتها الهواتف المحمولة أمس الأول, وأمس, تحذر علي لسان ما تسمي بجماعة البلاك بلوك من وجود المواطنين بمنطقتي المقطم ومصر الجديدة اليوم الجمعة, علي اعتبار أنهما بالطبع سوف تكونان ساحة صراع عنيف, أو مواجهات دامية, كما عودتنا هذه الجماعة.
وبقدر خطورة الرسالة, وهمجية مطلقيها, كان يجب علي الدولة أن تتعامل مع هذا الواقع العبثي, إلا أننا لم نسمع أي تعليق أمني أو غير أمني, من قريب أو بعيد, وكأن ذلك أصبح حالة طبيعية يجب أن يعتادها المجتمع, دون أفق واضح لنهاية هذه المأساة.
وعلي الرغم من أن قانون التظاهر الصادر مؤخرا قد نص علي منع التلثم أو تغطية الوجه خلال المظاهرات, ورغم أنه قد أكد أيضا سلميتها, إلا أننا أمام حالة لا علاقة لها بالقانون, ولا بالتشريعات, حيث يحمل هؤلاء السلاح نهارا جهارا, دون أدني رادع, وحيث يشعلون النيران في المنشآت والممتلكات دون مبالاة, وبذلك أصبح المجتمع رهينة مجموعات مسلحة اعتادت التخريب, وأجبرته في الوقت نفسه علي التعامل معها كفصيل سياسي, تتداول أنشطته وسائل الإعلام بمختلف فروعها.
وهذه الظاهرة, التي لم تقتصر علي العاصمة فقط, بعد أن امتدت إلي المحافظات, تشير التقارير إلي أنها آخذة في التنامي, بل إن السلاح الذي تستخدمه آخذ هو الآخر في التطور, حيث كان مقصورا في البداية علي الخرطوش, أما الآن فقد أصبح رصاصا حيا, وبذلك فمن حق جماعة' الكتلة السوداء' أن تحذر سكان مناطق بحجم مصر الجديدة والمقطم, وأعتقد أنها يمكن أن تطلق تحذيرها إلي القاهرة ككل في المستقبل.
هو عبث ما بعده عبث, أن يتم التغاضي عن هذه المأساة إلي هذا الحد الذي ينذر بحرب أهلية حال استنفار المواطنين الآمنين في بيوتهم للدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم, وهي مأساة ما بعدها مأساة أن نعتاد كل يوم وآخر حالة وقف الحال هذه, التي تسفر عن قتلي وجرحي وتخريب منشآت, وهي طامة كبري أن تقف أجهزة الدولة مكتوفة الأيدي تجاه ذلك الذي يحدث, اللهم إلا إلقاء القبض علي عدة أشخاص يعدون علي أصابع اليد.
ويجب أن نعترف بأن هذه الجماعة تحديدا من بين جماعات العنف قد وجدت دعما معنويا من بعض القوي السياسية, التي اعتبرت أنها تناهض السلطة, أو تناوئ فصيلا سياسيا محددا, إلا أن ما لم يدركه هؤلاء وأولئك هو أن هذه الممارسات الدموية والتخريبية قد خرجت بالثورة عن مسارها الطبيعي الذي بدأ سلميا وكان يجب أن ينتهي كذلك, لكن ما حدث هو أن هناك جماعة تحمل السلاح الآن رغم وجود سلطات رسمية في الدولة, وهو أمر يحمل دلالات خطيرة علي المستقبل.
إن من حق المواطن سواء كان في مصر الجديدة والمقطم, أو في أي إقليم من بر مصر; أن يعيش في أمن وأمان, وهذه هي مسئولية الدولة الرسمية, التي إن تراخت عن حملها فسوف يصبح من حق أي مواطن التعامل مع الموقف بالطريقة التي يراها ملائمة, بل سيحق لأي فصيل التصدي لمثل هذه الهراء بطريقته أيضا, وحين ذلك نكون قد وصلنا إلي مرحلة اللاعودة, وخاصة إذا ما فرضت لغة السلاح وإطلاق النار نفسها علي مجريات الأحداث.
ولذلك, فإن مثل هذه الظواهر كان يجب التعامل معها في مهدها بحسم شديد, وباعتبارها من أعمال الترويع التي تهدد استقرار المجتمع, إلا أن ما حدث هو العكس, حيث وجد هؤلاء تكالبا عليهم من وسائل الإعلام, التي أظهرتهم بمظهر المناضلين والسياسيين, ولم يناقش أحد, حتي الآن, من أين حصلوا علي السلاح؟, أو من ممول هذا الزي الموحد؟, أو من أين ينفقون؟, ولحساب من يعملون؟!.
أعتقد أن الأمر جد خطير.. وأن القادم يمكن أن يكون أكثر خطرا, في ظل استمرار هذه الأوضاع دون مواجهة حقيقية.
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.