الرئيس السيسي: الأمن والاستقرار المستدامين لن يتحققا إلا من خلال سلام عادل وشامل    كامل الوزير يهنئ الرئيس السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر: ملحمة خالدة تلهم الأجيال    بحضور وزيري المالية والتموين.. وزير العمل يشارك في الاحتفالية السنوية لشركة "طلبات مصر"    الاحتلال يشن حملات اعتقالات وداهمات بالقدس وجنين وأريحا.. واستشهاد 4 فلسطينيين    العالم هذا الصباح.. السعودية: جميع حاملى التأشيرات بمختلف أنواعها يمكنهم أداء مناسك العمرة.. تصرفات ترامب الغريبة تفتح الباب حول حالته الذهنية.. وناشطة سويدية تثير الجدل بعد احتجازها فى إسرائيل    الرئيس السيسي يوجه التحية لترامب لمبادرته لوقف إطلاق النار في غزة    حسين لبيب يناقش مع جون إدوارد أسباب النتائج السلبية للزمالك وطرق العودة للإنتصارات    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    فريدة سيف النصر تطلب الدعاء لشقيقها: "قلبي موجوع وأنا عاجزة يارب"    رئيس الرعاية الصحية يلتقي الغمراوي لبحث مباحثات توطين الصناعات الطبية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6-10-2025 في أسواق محافظة الأقصر    الوفد الإسرائيلي يتراجع عن التوجه لمصر للمشاركة في مفاوضات إنهاء الحرب    رئيس وزراء باكستان يؤكد التزام بلاده بتعزيز العلاقات مع ماليزيا    الانتقال إلى دولة عربية وعدم الغناء في لبنان، تفاصيل تسوية وضع فضل شاكر قبل محاكمته    تعرف على أسعار السمك البلطى والبورى اليوم الإثنين 6اكتوبر 2025فى محافظة المنيا    بعثة منتخب مصر تطير إلى المغرب لمواجهة جيبوتي في التصفيات الإفريقية    نجم ريال مدريد يقترب من الرحيل في الشتاء    إعادة فتح ميناء العريش البحري بعد تحسن الأحوال الجوية    أجواء خريفية وشبورة صباحية اليوم.. العظمى بالقاهرة 30 والصغرى 21    الداخلية تكشف ملابسات سرقة دراجة نارية بالغربية بأسلوب «المغافلة»    «الداخلية» تقرر السماح ل 84 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    أسعار النفط ترتفع 1.5% بعد إعلان «أوبك+» عن زيادة الإنتاج    الذهب يتجاوز 3900 دولار للأوقية لأول مرة خلال التعاملات الآسيوية مع استمرار الإغلاق الحكومي في أمريكا    مفتي الجمهورية يتفقد الإدارة العامة للفتوى الإلكترونية بدار الإفتاء    لهذا السبب.. ضياء الميرغني يتصدر تريند "جوجل"    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة الشرقية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    أسعار الخضروات اليوم الاثنين 6-10-2025 في الشرقية    معهد التغذية يحذر الأمهات من إهمال وجبة الإفطار للأطفال: مفتاح النشاط والتركيز    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي لمكانه الطبيعي    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    «الإحصاء»: معلم لكل 28 تلميذًا في مصر خلال العام الدراسي 2024 2025    اليوم أم يوم الخميس؟ تعرف على الموعد الرسمي لإجازة 6 أكتوبر 2025    وظائف مصلحة الطب الشرعي 2025.. خطوات التقديم إلكترونيًا والشروط المطلوبة    حاكمان ديمقراطيان يتعهدان بمعركة قضائية بعد إرسال ترامب حرس كاليفورنيا الوطني إلى أوريجون    بعد 64 عامًا.. «لا تطفئ الشمس» لإحسان عبد القدوس من السينما والدراما إلى خشبة المسرح    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    نهر النيل لا يعرف الهزيمة    ترامب: لم يتبق أي قوارب قبالة فنزويلا بعد الضربات الأمريكية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 6 أكتوبر    «العناني» يقترب من منصب المدير العام الجديد لليونسكو    عيد ميلاد عزيز الشافعي.. رحلة نجاح بدأت من الحلم ووصلت إلى القمة    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    "كيفية مشاهدة مباراة السعودية والنرويج في كأس العالم للشباب 2025 بث مباشر"    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    لحظة مصرع عامل إنارة صعقا بالكهرباء أثناء عمله بالزقازيق ومحافظ الشرقية ينعاه (فيديو)    أسعار الذهب في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 6 أكتوبر 2025    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    أمين الإفتاء: الصبر على الزوجة والتحمل والاجتهاد في الموعظة له أجر وثواب من الله    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
ميزان الحرابة..!

خلال الفترة الأخيرة; تحول ميزان العدالة في مجتمعنا من ساحات المحاكم والقضاء إلي ميزان للحرابة في الميادين والشوارع,
وذلك بعد أن شهدت المحافظات المختلفة حالات من الانتقام والقصاص, زاد عددها علي ثلاثين حالة ما بين حرق وقتل وسحل, لمجرمين وخارجين علي القانون, ووصل الأمر إلي التمثيل بجثثهم لعدة ساعات, قبل وصول سلطة الدولة الرسمية, ممثلة في جهاز الشرطة.
وقد جري هذا السلوك في كل مرة, وسط حشود من آلاف المواطنين, الذين هللوا وكبروا, ووسط زغاريد النساء وفرحة الأطفال, في إشارة إلي الإنجاز الكبير الذي تحقق بأيد شعبية, مادامت يد الدولة قد غلت, وقانونها قد حصل علي إجازة مفتوحة, وهيبتها قد توارت لأجل غير مسمي, وهو ما ينذر بالمزيد من هذه الممارسات مستقبلا.
والمثير للدهشة, هو أن رد الفعل علي نشر هذه الأحداث بوسائل الإعلام قد وجد قبولا عاما بين عامة الشعب, علي الرغم من أنهم لم يكونوا طرفا في الحدث, في إشارة أيضا إلي أن المواطن الطبيعي قد ارتضي هذا السلوك, علي الأقل في هذه المرحلة التي طال أمدها, بالفوضي, والغوغاء, والانفلات, ومن ثم فهو لم يجد بديلا آخر يمكن الارتكان إليه.
ولأنه لا يوجد في الأفق ما ينبئ بأن تحسنا أمنيا قد يجد طريقه إلي الشارع علي المدي القريب, فقد ظهرت ما تسمي باللجان الشعبية, وجماعات حفظ الأمن وتغيير المنكر باليد, ناهيك عن تزايد ظاهرة مكاتب الأمن الخاصة, والحراسات الشخصية, واستئجار البلطجية لتنفيذ هذه المهام أحيانا, وتنفيذ مهام إجرامية في معظم الأحيان, إلا أننا في كل الأحوال أمام ظاهرة مصرية خالصة, نتجت عن تراجع دور أجهزة الأمن الرسمية, لأسباب في معظمها سياسية.
في البداية..
تجدر الإشارة إلي أن الحرابة هنا بمعناها العام تطلق علي الذين يحاربون القانون, ويسعون في الأرض فسادا, وشرعا حكم عليهم القرآن الكريم بأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض, وبحكم القانون الوضعي تبدأ عقوبتهم من الحبس, إلي السجن, إلي السجن المشدد, والمؤبد, وتنتهي بالإعدام, أي أنهم, في كل الأحوال, يجب أن يدفعوا ثمنا باهظا لما اقترفوه من جرم تجاه مجتمعهم, إلا أن القضية هنا تكمن في صاحب السلطة الذي يحق له القيام بهذه المهمة, وهي مهمة المحاكمة, ثم تنفيذ العقوبة, وهي بالتأكيد سلطة الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية والقضائية, إلا أن غياب السلطة, وغياب الإجراءات القانونية, وغياب العدالة, قد جر المجتمع إلي هذه الفوضي, التي أصبحت بمثابة جرس إنذار لتفكك المجتمع, وانهياره, وخاصة في حالة استشراء مثل هذه الممارسات.
فقد يتحقق العدل علي أيدي جموع الشعب الغاضبة مرة, أو حتي مرات, إلا أنه لن يتحقق في معظم الأحيان, وذلك لأن للعدالة قواعدها, وليس ذلك فقط, بل أجنحتها المساعدة, من جمع أدلة, وشهود, وحق الدفاع, وحق الاستئناف, والنقض, وهو ما لن يتحقق أبدا مع ثورة الناس, وغضبهم, وانتقامهم, والدليل علي ذلك هو التمثيل بجثث الضحايا رغم النهي الإلهي عن ذلك, بالإضافة إلي ما سوف يفتحه هذا الباب من آثار وتبعات, قد يكون من بينها حرص عشيرة ذلك المجرم علي القصاص, وربما حرص أقرانه من المجرمين علي الانتقام, وهو الأمر الذي يضيف إلي المجتمع مزيدا من الأزمات التي كان في غني عنها, لو أن سلطة الدولة قد قامت بواجبها منذ البداية مع مثل هذه الأحداث, وخاصة أن مرتكبيها, في كل الأحوال, وفي كل المواقع, هم من المسجلين رسميا لدي الدولة كعناصر خطر, وكان من المفترض أن يكونوا في قبضتها في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.
وإذا كانت هذه الظاهرة قد نتجت عن قصور في أداء جهاز الشرطة, أو عدم ثقة بشكل ما في إجراءات التقاضي, فإنها في الوقت نفسه تؤكد أهمية العودة السريعة لأجهزة الأمن في حياتنا, بأن تعمل بكامل طاقاتها, وتؤكد أيضا أهمية أن يكون هناك نظام قضائي استثنائي في هذه المرحلة, يسارع بالبت في مثل هذه القضايا, بقوانين استثنائية, أيضا, من شأنها الردع, والزجر لمن حملوا علي عاتقهم مهمة ترويع المجتمع, والنيل من استقراره, سواء بممارسات فردية, أو من خلال منظومة إجرامية اتسعت رقعتها في الآونة الأخيرة, من المدن, إلي القري والنجوع التي كان يصعب وجود مثل هذه الظواهر بها في الماضي لأسباب عديدة, مما جعل هذه المجتمعات تتعامل مع شئونها الداخلية, الآن, ككيانات مستقلة بذاتها, بمنأي عن الدولة المركزية, مادامت الأخيرة في غفلة عن احتياجات ومطالب الأولي.
ولأن الأمر كذلك..
فكان من الطبيعي أن تتواتر أنباء غريبة عن قرية تعلن استقلالها, أو مدينة ترفع أعلامها, أو محافظة تطلب تعديل حدودها, في تجرؤ واضح علي الدولة, لم نسمع به سوي في زمن الاحتلال, في الوقت الذي أصبحت فيه البلطجة رقما صعبا في حسابات اللعبة السياسية, حيث حققت من خلالها عمليات استعراض القوة المختلفة مكاسب آنية, لم تستطع تحقيقها بالحوار المباشر, وهو ما جعل من هذه الممارسات غطاء سياسيا واضحا لمعظم حالات الانفلات الحاصلة في المجتمع الآن, وهو الأمر الذي يؤكد تلازم الحالتين معا في الوضع الراهن الممارسة السياسية والبلطجة, وهو ما أدي بدوره إلي ذلك التأخر في عودة دور الشرطة إلي وضعه الطبيعي, وجعلها في موقف صعب للغاية, فلم تجد أمامها مبررا للضعف والتخاذل, سوي أن تردد, طوال الوقت, أنها تقف علي الحياد, وأنها لا تناصر طرفا علي حساب طرف آخر, في حين أن المواجهة الحقيقية مع البلطجة وليس شيئا آخر, حتي إذا استترت قوي سياسية بشكل ما خلفها.
إذن..
ما يحدث في المجتمع من انفلات أمني هو في حقيقة الأمر اهتراء سياسي, من فعل النخبة التي لم تعر أمن المواطن اهتماما من أي نوع, بل راحت تزايد علي ذلك الانفلات, باعتبار أن الأمن هو مسئولية الدولة الرسمية بالدرجة الأولي, ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يؤكد وزير العدل أن تطبيق المواطنين حد الحرابة بأنفسهم علي البلطجية وقطاع الطرق هو علامة من علامات وفاة الدولة, علي حد قوله, مضيفا: إن الحكومة التي تسمح بذلك هي حكومة ظالمة, لأنها لا توفر الحماية لمواطنيها, إلا أن تصريح الوزير, للأسف, قد خص به وكالة الأناضول التركية للأنباء, ربما علي اعتبار أن تركيا الدولة العثمانية سابقا كانت تحكم مصر, وبالتالي فإن الأناضول من وجهة نظره- أجدر ببث هذا التصريح من وكالة أنباء الشرق الأوسط, أو من وسائل الإعلام المصرية بصفة عامة, التي أجد أن نشرها مثل هذا التصريح كان مهما إلي حد كبير في مثل هذا التوقيت, الذي لم يجد فيه المواطن رد فعل رسميا يرقي إلي مستوي الحدث الذي تكرر مرات عديدة في غياب الدولة.
وأجد لزاما..
أن أشير بإيجابية كبيرة إلي ما صدر عن اجتماع مجلس الوزراء, أمس الأول, في إطار استعراضه الوضع الأمني في البلاد, بحظر وعدم السماح لأي شخص أو تيار أو جهة بالتدخل في الاختصاص الأصيل للشرطة, أو القيام بأي دور من أدوارها في صورة لجان شعبية أو ما شابهها, محذرا من أن تلك المحاولات سوف يقابلها رجال الشرطة بكل حزم وحسم وفقا للقانون, وأن جهاز الشرطة دون غيره هو المنوط به وفقا للدستور والقانون تحقيق الأمن وتنفيذ القانون وضبط المخالفين.. إلا أن مثل هذا الاستنكار من الوزير المسئول عن العدالة في بر مصر, ومثل ذلك التحذير الصادر عن الحكومة; يتطلبان, في المقام الأول, قيام الدولة بدورها المنوط بها في هذا الشأن, وإلا فإننا نتحدث لمجرد ذر الرماد في العيون, ولتفرض نظرية الموظف الفعلي نفسها علي المجتمع, مادام الموظف الرسمي قد ترك موقعه وقت الخطر, وإلا فإن العبث هو الذي سوف يظل يدير حركة ذلك المجتمع, وهو ما لن يقبله المواطن, حتي لو قبلته الدولة بمختلف أجهزتها.
المطلوب إذن.. هو أن تحدد الدولة موقفها, إما أن تكون, فتتحمل المسئولية كاملة, أو لا تكون, فتتنازل عن هذا الحق للشعب, حتي لو استدعي ذلك تسليحه للقيام بهذه المهام, إلا أنه, وكما هو واضح من حركة المجتمع, لم يعد الأمر يحتمل المزيد من التراخي, أو التخاذل, إلا إذا كان ذلك مقصودا, لحاجة في نفس يعقوب, وهو ما بدأت تتداوله الألسنة الآن, وفي الوقت نفسه, يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن سمعة مصر علي كل الأصعدة الدولية قد تأثرت كثيرا خلال الشهور التي أعقبت الثورة; لأسباب عديدة, إلا أن تأثير الأحداث الأخيرة هذه كان أكثر سوءا, وهو ما عبرت عنه صحيفة ديلي ميل البريطانية بقولها: إن البلاد غارقة في الاحتجاجات والمشكلات الاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية, والأمنية, وإن هذا العنف يضيف أسبابا لانهيارها, ويرفع نسبته بدرجة مخيفة, بينما قالت مجلة تايم الأمريكية: إن الشرطة في موقع الأحداث تبدو وكأنها خارج نطاق الخدمة, في الوقت الذي ذكرت فيه مجلة ذا بليز أن الصور التي تم تداولها تدل علي انعدام الأمن وشعور المواطنين بالرعب.
لا أنكر أنني..
بصفة شخصية, كنت أجد العذر والمبرر للمواطنين في كل حالة من هذه, بعد الوقوف علي أبعاد وملابسات كل حادث علي حدة, فليس مقبولا ترويع الناس وهم آمنون داخل بيوتهم من مجموعة بلطجية, كما ليس مقبولا خطف فتاة بدافع الاغتصاب, أو طفل بدافع طلب فدية, كما ليس مقبولا تثبيت الناس علي الطرق العامة نهارا جهارا في حماية أسلحة آلية وغير آلية, إلا أن السؤال هو: وماذا بعد؟!, مطلوب من المواطن, إذن, أن يكون مسلحا وفي وضع الاستعداد طوال الوقت داخل منزله, وأن يكون مسلحا وفي حالة تأهب دائم حال خروجه إلي العمل أو ما شابه ذلك, ومطلوب أن يكون في حالة استنفار داخل متجره أو مصنعه أو مزرعته, وبالتالي يمكن أن ندور في حلقة مفرغة من ضرورة الاعتماد علي البلطجية لتأمين حياتنا وممتلكاتنا, وبالتوازي مع ذلك سوف نكتشف أننا أمام سوق رائجة لتجارة السلاح والذخائر, ولم لا؟, وهي تقدر بعشرة ملايين قطعة سلاح في محافظات مصر المختلفة.
نحن إذن أمام أزمة حقيقية يتابعها العالم معنا بدقة, وهي ضياع هيبة الدولة, وذلك إن تعاملنا مع الأوضاع بمسمياتها الحقيقية, وضياع هيبة الدولة هنا, لن يتوقف علي أمن المواطن الطبيعي فقط, فالمسئول أيا كان موقعه سوف يكون جزءا من هذه الأزمة, ولم لا؟, ورجال الأمن أنفسهم أصبحوا جزءا منها, بعد أن أضحوا هدفا للبلطجية وأرباب السوابق, وبالتالي فإن أجهزة الأمن, إن سارعت بمواجهة الموقف, فهي تسارع بإنقاذ نفسها من براثن الوقوع في غيابات الانتقام والتشفي, وإن هي تباطأت فسوف تكون أول من يدفع الثمن, وذلك بعد تجرؤ معتادي الإجرام عليهم بهذه الصورة المشينة, إلا أن ذلك سوف يتطلب بالدرجة الأولي توافقا سياسيا ومجتمعيا يمهد لتلك العودة, وإلا فإننا كمن يحرث في الهواء, إلا أنني علي يقين من أن حد الحرابة في المستقبل إن استمرت هذه الأوضاع سوف يطبقه, متضامنين, المواطنون, والخارجون عن القانون معا, ولكن هذه المرة سوف يكون نجوم السياسة هم الضحايا, وخاصة بعد أن نفد رصيدهم لدي هؤلاء وأولئك.
عودة طابا
مضت ذكري عودة طابا إلي السيادة المصرية يوم الثلاثاء الماضي الموافق19 مارس في صمت مريب, وكأن هذه البقعة الغالية من أرض مصر كانت ملكا للرئيس السابق محمد حسني مبارك, وبالتالي ولأن مبارك قد رحل, فلم يعد هناك مبرر للاحتفاء بهذه الذكري, مادامت عودتها قد ارتبطت باسمه, في تجاهل تام للتاريخ والجغرافيا معا, وهو الأمر الذي جعلنا نتوقف أمامه من عدة أوجه:
إن طابا جزء غال من الأراضي المصرية تقع في بقعة مباركة تستحق منا احتفالات علي مدي العام, وليس في ذكري تسلمها بانسحاب قوات الاحتلال منها فقط.
إن هذه البقعة سددت فيها مصر فاتورة كبيرة من دماء الشهداء, علي مدي عدة حروب, ثم جهودا تفاوضية مضنية, أي أننا لم نستردها بمجرد قرار أممي أو بضغط دولي.
إن تزييف التاريخ لا يمكن أن يستمر طويلا, فما فعله القدماء المصريون علي المعابد من إزالات وشطب لتاريخ من سبقوهم مازالت آثاره قائمة حتي الآن, يتندر بها المهتمون بهذا الشأن.
إن الأجيال المقبلة يجب أن تتعلم أسس الحضارة والقيم من الأجيال الحالية وليس العكس, وذلك بوضع الأشياء في نصابها الصحيح, حتي لو اختلفنا لبعض الوقت.
لن يستطيع أحد بأي حال, حتي لو تعاقبت ثورات عدة, أن ينكر أو يمحو من ذاكرة التاريخ أن الرئيس السابق كان إحدي الركائز الأساسية في حرب أكتوبر المجيدة, وأنه لم يفرط في طابا رغم الإغراءات الكبيرة التي قدمها المحتل حينذاك.
إننا يجب أن نفرق من الآن فصاعدا بين الصواب والخطأ حين تقويمنا للعقود السابقة حتي لا تختلط الأوراق ويصبح تاريخنا مهددا بالاندثار وسط أزماتنا المتلاحقة ونفوسنا الضعيفة.
إن التعامل مع المناهج التعليمية أو الدراسية يجب أن تقوم عليه مجموعات من المتوازنين نفسيا, والمعتدلين سياسيا, وذلك لتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.. في حجمها الطبيعي.. لأننا قد نستطيع خداع الناس لبعض الوقت, إلا أنه من المستحيل خداعهم طوال الوقت, وما يحدث مع السابقين, بالتأكيد, سوف يجري مع الحاليين إن استمرت هذه الأوضاع.
ومن هنا أجد أن طابا هي مجرد نموذج لما يحدث في مجتمعنا الآن من افتئات علي التاريخ, وافتئات علي أي إيجابيات تحققت خلال العقود السابقة, مع إدراكنا أن الماضي جزء أصيل من المستقبل, وهو الأمر الذي يحتم علينا إعمال العقل والضمير ولغة الواقع خلال المرحلة المقبلة, حتي لا تختلط الأوراق أكثر من ذلك, وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه المرحلة التي نعيشها تحديدا محل خلاف كبير بين المؤرخين الآن سواء في تقويمها, أو تقويم إيجابياتها وسلبياتها, ومدي التدخل الخارجي فيها, ونسبة الفعل الوطني بها.
ولأن الأمر كذلك, فإننا الآن في حاجة ماسة إلي الاعتدال مع النفس, والاعتدال مع الآخرين, وذلك بمواجهة مثل هذه القضايا بشجاعة, وإلا فإن الأجيال المقبلة سوف تلجأ في يوم ما إلي ما سطره المؤرخون الأجانب عن شئوننا الداخلية, مادمنا لم نرق بعد إلي مستوي المسئولية, أو إلي سن الرشد التي تؤهلنا لكتابة تاريخنا الوطني بالطريقة التي يجب أن تكون, أو بضمير حي يجعل الآخرين ينقلون عنا, ويثقون في قدراتنا وحيادنا.
وإذا كنا الآن نبدأ صفحة جديدة في تاريخنا المعاصر قوامها العدالة وإعمال القانون والأخلاق والشفافية; فالأجدر بنا أن نبدأ هذه الصفحة بالتصالح مع النفس, ومع طوائف المجتمع المختلفة, والفصائل السياسية علي اختلاف توجهاتها, وإلا فإن شيئا لم يتحقق, ولن يتحقق, ولتكن أعياد سيناء في الخامس والعشرين من الشهر المقبل نموذجا في هذا الصدد, يغفر خطيئة تجاهل طابا, وإلا فإن تاريخ الانتصارات المصرية الحديثة قد تم تجاوزه لحساب أصحاب الأصوات العالية في بعض الأحيان, والغوغاء في معظمها.
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.