لو كنت في موقع الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع, لرفضت, ودون تردد, قبول منصب الرئاسة, حتي لو تم تقديمه لي دون ترشح, ودون جهد, وذلك نظرا للأزمات العديدة, والمتفاقمة, التي تنتظر هذه المهمة, وللقضايا الشائكة, والمشكلات الكثيرة, التي يمكن أن تنال من رصيد صاحب هذا المنصب, وخاصة في هذه المرحلة الأخطر, والأكثر لغطا في تاريخ البلاد, علي المستويين الداخلي والخارجي. إلا أن هذه الأسباب هي نفسها, أيضا, التي توجب علي الفريق السيسي القبول به, من منطلق وطني, مادامت هناك رغبة شعبية جارفة في ذلك من جهة, ولأن البديل, أيا كان, لن يكون مقبولا من جهة أخري, بالإضافة إلي ذلك أن بلادنا, في هذا التوقيت, ليست لديها خيارات مزيد من التجارب, أو ترف منح مزيد من الفرص, ومن ثم مزيد من الفشل. ومن هنا, فإن حسابات المكسب والخسارة تؤكد أن قبول الفريق السيسي هذا المنصب هو في مصلحة الشعب, ومستقبله, من وجوه عديدة, وليس في مصلحته هو علي المستوي الشخصي, إلا أن هذا القبول ينطلق من الإحساس بالمسئولية الأخلاقية, والاجتماعية, وأن الرفض, أو الانسحاب, هو أمر لا يتناسب أبدا مع ما عهدناه في قياداتنا العسكرية, من حرص علي مصلحة البلاد, وتلبية النداء الوطني, وتنحية الحسابات الشخصية. والمتابع لأي مناقشات, أو سجالات مجتمعية, في هذا الصدد, يجدها تصطدم, في النهاية, بسؤال مهم, هو: ما هو البديل؟, لنكتشف, في النهاية, أننا أمام أمر واقع, لم يعد يقبل بدائل, أو أطروحات, من أي نوع, فقد افتقد مجتمعنا, خلال السنوات الغابرة, القيادة, وقد وجدها في شخص وزير الدفاع, وتطلع إلي شخصية حاسمة وحازمة, لا تتردد في اتخاذ القرار, وقد توافرت فيه, كما ظللنا نبحث عن شخصية غير ملوثة, بمؤامرات الداخل, أو إملاءات الخارج, ولن تتوافر بالدرجة الأولي سوي في القوات المسلحة. ولنتذكر أن مؤامرات الداخل استطاعت أن تصنع شرخا في علاقة الشعب بجيش بلاده, علي مدي العام الأول, الذي أعقب25 يناير2011, إلي أن جاء الفريق السيسي ليرمم هذا الشرخ.. ولنعلم أنه مازال هناك من يراهن علي إعادة الكرة مرة أخري مستقبلا, إلا أنني أستطيع أن أؤكد أن جموع الشعب قد فطنت إلي ذلك المخطط, ومن هنا, جاء الدور الآن علي القوات المسلحة لتؤكد أنها الحصن الحصين لهذا الوطن, فتخرج به من هذه المحنة, من خلال خريطة جديدة للمستقبل, يضعها الرئيس المنتظر, أراها علي النحو التالي: أولا: من المهم أن يعلم الرئيس, الجديد, أننا, الآن, لسنا في حال أفضل مما كانت قبل25 يناير, فقد قفزت علي المشهد السياسي جماعات أقل خبرة, وربما أقل وطنية, والأكثر من ذلك أن حساباتها الشخصية ترتفع فوق المصلحة العامة للبلاد, وهو ما يجعلنا نطالب بإعادة النظر في الوضع الحالي. ثانيا: لأننا في مرحلة نعي معها جيدا أن مصر أصبحت مستهدفة خارجيا, من خلال نشطاء في الداخل, فإننا لن نجد سوي جيش البلاد, الذي يمكن الارتكان إليه في هذه المرحلة, حتي تستقر الأوضاع, مع الكشف, أولا بأول, عن هذه المخططات, والأخذ, في الاعتبار, أن التعامل معها يجب أن يكون قويا وحاسما. ثالثا: إن قواتنا المسلحة لها من الخبرات في المجالات المختلفة, الاقتصادية, والأمنية, والسياسية, ما يجعلها تتحمل المسئولية كاملة دون تردد, علي كل المستويات, ودون اعتبار لما يمكن أن يصدر عن شارد, مآربه واضحة, أو فضائية, تمويلها معلوم, أو حتي عاصمة أجنبية, تاريخها معنا سيئ السمعة. رابعا: إن العمل, والعمل فقط, هو الذي يجب أن يكون محور الحياة المصرية في المرحلة المقبلة, ومن ثم يجب عدم الالتفات إلي أي من المزايدات الدائرة حاليا, حول الحريات المشبوهة, وديمقراطيات الثراء السريع, وما يصدر عن جمعيات ومنظمات, وائتلافات التمويل الأجنبي. خامسا: إن فساد القوي السياسية الفاعلة في المجتمع, الآن, أصبح منافسا لفساد المحليات, وهو ما لا يستطيع أن يتحمله الشعب أكثر من ذلك, ومن هنا فإن ترشيد هذه القوي, والحد من حركتها, أصبح أمرا محتما, كما أن شغب الروابط الرياضية, وغيرها من الحركات والائتلافات, أصبح هو الآخر يتطلب وقفة حاسمة. سادسا: إن تراخي المسئولين, كل في موقعه, عن القيام بمهامهم, علي الوجه الذي يتناسب وطبيعة المرحلة, يجب مواجهته بحسم, وخاصة بعد أن أحجمت النسبة الأكبر من الكفاءات عن المشاركة في الفترة الماضية, فتم إسناد المسئولية إلي' الاستبن' الثاني والثالث والرابع في كل موقع, وهو الأمر الذي تراجع معه الأداء بصورة عامة. سابعا: إن مصر بتاريخها, وجغرافيتها, وثروتها البشرية, لن تستمر, بأي حال, ويجب ألا تستمر, في الاعتماد علي المنح, والمعونات الأجنبية, التي سوف تتوقف عاجلا, أو آجلا, ومن هنا يجب أن يعتمد البرنامج الانتخابي للرئيس الجديد خطة عمل, واضحة المعالم, تجعلنا نعتمد علي أنفسنا, وتنهض بالاقتصاد, وتعلي من شأن الكرامة الوطنية. ثامنا: لأنه بدا واضحا أنه لا اقتصاد دون أمن وأمان, فإن هذه القضية يجب أن تنال أولوية قصوي, وتسخير كل الجهود من أجل تحقيقها, ويجب ألا ننتظر سائحا في ظل تدهور الوضع الأمني, أو مستثمرا في ظل ذلك الانفلات السياسي. تاسعا: إن ترشيد الإنفاق, في هذه المرحلة, بدءا من سفاراتنا, ومكاتبنا في الخارج, ومرورا بالمستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية, وحتي مظاهر الترف, والبذخ, والرواتب غير المنطقية, سوف يحقق قدرا من العدالة المجتمعية, في مجتمع يئن بالبطالة والفقر. عاشرا: أرجو ألا يكون سابقا لأوانه, الحديث عن مصالحة مجتمعية شاملة, وذلك لأننا لا نملك, الآن, ولا كنا نملك في السابق, ترف الإقصاء لأي تيار كان, بما يتوافق والمصلحة العامة للبلاد, وبما يحقق المواطنة, في صورتها الطبيعية بمنأي عن المزايدات. إذن.. سوف يتسلم الرئيس القادم البلاد مهلهلة سياسيا, واقتصاديا, وأمنيا, واجتماعيا, وهو الأمر الذي يتطلب من ذوي الضمائر الحية, علي مختلف توجهاتهم, الالتفاف حوله, للنهوض بها من هذه الكبوة أولا, ثم يأتي الحديث عن الحقوق, والحريات, والمواثيق الدولية في هذا الشأن, ومن هنا, أجد أن جماعة الإخوان المسلمين مدعوة, هي الأخري, إلي هذا الالتفاف, من أجل مصلحة الوطن والمواطن, بدلا من التفرغ للعنف, وإشاعة الفوضي, فليس نهاية المطاف, أبدا, إبعاد فصيل ما عن السلطة, وليست نهاية الكون, أبدا, عزل رئيس ما عن سدة الحكم, ولكن ما ليس مقبولا هو أن يظل هدف هذا الفصيل, أو ذلك الرئيس, زعزعة أمن واستقرار الوطن, بمواجهة خاسرة في كل الأحوال, لأن الشعب لن يقبل بذلك, ولأن المجتمع الإقليمي لن يقبل بمصر ضعيفة متردية, كما أن المجتمع الدولي, هو الآخر, سوف ينضج بمرور الوقت, مع عودة الدور المصري إلي وضعه الطبيعي والريادي. وقد.. ظهرت بوادر إشارات أمريكية في زيارة وزير الخارجية جون كيري, قبل عدة أيام, وأوروبية بتصريحات عدد من العواصم, وإجراءات بعودة الأفواج السياحية من البعض الآخر, وكذلك من بعض المنظمات الدولية, وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي, وجميعها تؤكد بداية هذا النضج المشار إليه, كما أن الموقف الإقليمي, وخاصة من الدول الخليجية الشقيقة, يؤكد هو الآخر, أن مصر سوف تظل حجر الزاوية في علاقات المنطقة, بل إن جيش مصر سوف يظل الركيزة التي تعتمد عليها هذه الدول, إلا أن حالة التشرذم الداخلي في عدد من أقطار المنطقة, مازالت تمثل عقبة رئيسية, في استكمال قيام الدور المصري بمهامه, وفي كل الأحوال, فإن المؤشرات تؤكد أن استقرارا كاملا بالمنطقة لن يتحقق سوي بتفعيل هذا الدور, وذلك لن يتأتي إلا بمصر مستقرة, قوية, متماسكة, بجهد أبنائها, وحكمة قيادتها, والوقوف صفا واحدا خلف جيشها, ودعمه معنويا. وإذا كان.. السلاح هو لغة التخاطب, الآن, في كل دول الربيع العربي تقريبا, فإن ذلك يؤكد أن الحالة المصرية مختلفة, وإذا كان العالم, إقليميا ودوليا, قد نفض يده من هذه الدول الآن, فإن الاهتمام العالمي بمصر يؤكد, أيضا, أنها حالة مختلفة, وإذا كان لدينا جيش قوي حتي الآن يتحمل المسئولية, كلما تعثر الموقف, فإن ذلك, أيضا, يؤكد أن مصر حالة خاصة, سوف تخسر معها, وتندحر فيها, كل رهانات النيل من أمنها واستقرارها, ولا سبيل أمام كل التيارات, إلا الانخراط خلف القوات المسلحة, التي تحملت الكثير من العناء علي مدي الأعوام الثلاثة الماضية, كما كانت عبر تاريخها تحمل مسئولية الذود عن الوطن, إن حربا, أو سلاما, وها هي الآن أمام مرحلة لا تقل ضراوة عن سابقتها, وخاصة بعد أن أفسدت مخططا خارجيا كان يستهدف تقسيم المنطقة, بما يعد امتدادا لمصالح دول الاستعمار القديم, برعاية استعمارية حديثة, لم يخجل المخططون لها من الإعلان عنها مسبقا, تحت مسميات الشرق الأوسط الجديد, أو الفوضي الخلاقة, أو حتي إعادة ترتيب المنطقة. وفي مجتمع.. تمثل فيه المناطق العشوائية أزمة حقيقية, وأطفال الشوارع واقعا مزريا, والأمية رقما صعبا, والميزانية عجزا كبيرا, والفقر حالة خاصة, والتطرف أزمة متفاقمة, نكتشف أن حياتنا لم تعد تقبل ترميما, من أي نوع, وإنما تحتاج إلي عمليات جراحية من الوزن الثقيل, فهناك شبكة طرق متهالكة, وشبكة صرف أكثر هلكة, وأبنية مدارس تتطلب مثلها عددا, ومستشفيات لم تعد ترقي إلي العصور السالفة, وهذه السلسلة من التحديات, وغيرها الكثير, تتطلب منا الاعتماد علي شخصية تدير البلاد بسابق خبرة في الحسم والحزم, تعتمد بالدرجة الأولي علي الاصطفاف الشعبي, تكون مقنعة للعالم الخارجي, فنحن هنا لا نبحث عن منصب لشخصية ما, وإنما نبحث عن شخصية تعيد الحياة إلي مصر والمصريين, بعد أن توقف النبض إلي درجة الشلل, وتأزمت الأحوال لدرجة الفزع. ومع توقف.. حال البلاد والعباد, بدعوي الانتهاء أولا من التعديلات الدستورية, والانتخابات البرلمانية, والرئاسية, فكان من المهم أن يكون الفريق السيسي علي رأس البلاد منذ البداية, وهي تسير إلي هذه وتلك, حتي يمكن أن تنطلق إلي آفاق أرحب, بدلا من هذه الإجازة الطويلة, التي توقفت معها حركة الإنتاج, والإنجاز, إلي حد كبير, إلا أنها خريطة المستقبل, التي لم تضع ذلك في الاعتبار, ومع وجود حكومة أخفقت, إلي حد كبير, في التعامل مع المرحلة, كان يجب علي القوات المسلحة ألا يتراجع دورها في المشاركة, بعد أن أصبح المواطن يعقد عليها الأمل في الإصلاح, ومن هذه وتلك تأتي أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية أولا, لتدارك هذا الموقف, وحتي لا نظل ندور في حلقة مفرغة من التعطل, والترقب, ووقف الحال, ومن جهة أخري, فإن الانتخابات البرلمانية يجب أن تجري في ظل قيادة رئاسية قوية, تحمل علي عاتقها أمن ونزاهة هذه الانتخابات. ولنكن.. واقعيين, وصادقين مع أنفسنا, ونعترف بأن المجتمع لا يستطيع, حتي الآن, ولا خلال عام مقبل استيعاب انتخابات برلمانية تتناسب وحجم وطبيعة البرلمان, الذي نرجوه لمصر في هذه المرحلة, فلا المرشح يستطيع طرح نفسه في ظل هذه الأوضاع, ولا الناخب لديه الاستعداد لتقبل ذلك الآن, فهناك من الضرورات الكثير التي ينشدها المواطن أمنيا, واقتصاديا, وهناك من القضايا التي تتطلب من رئيس الدولة المنتظر حلها وحسمها أولا, والتي من بينها وضع القوي السياسية, الموجودة علي الساحة الآن, فيجب في كل الأحوال ألا ندع المواطن فريسة للمهاترات, والميكروفونات, والمنشورات, في وقت تظل فيه المشكلة الأمنية تطل برأسها في كل موقع, وكلنا يعلم أن لغة المال, والرشاوي الانتخابية تلعب الدور الأكبر في هذا المضمار, فما بالنا إذا كان هذا التوقيت تحديدا يئن فيه المجتمع جوعا, وفقرا, وبطالة.. هي إذن قضية تحتاج إلي مزيد من التريث والتدبر. علي أي حال.. إذا كان هناك صبر لدي رجل الشارع, الآن, علي أوضاع البلاد المزرية, فذلك لأن لديه أملا بقيادة جديدة قادمة ببرنامج عملي علي أرض الواقع, وليس علي الورق فقط, وإذا كان رجل الشارع سوف يتحمل مزيدا من المعاناة خلال الشهور القليلة المقبلة, فذلك لأنه يري في تلك القيادة خلاصا من التبعية والانبطاح, ومن هنا, فإن هذه الشهور يجب ألا يطول أمدها أكثر من ذلك, وهذه الحالة يجب ألا تستمر أكثر من ذلك, وهو ما يجب أن يعيه الرئيس المنتظر, فيمسك بزمام المبادرة من كل جوانبها فورا, دون تباطؤ, ودون تردد, وأعتقد أن التردد ليس من سمات العسكرية, بصفة عامة, وهو ما يجعلنا نثق في أن الأداء سوف يكون علي المستوي الذي نأمله, إلا أنها الخطوة الأولي التي ينتظرها الشعب الآن بإعلان قبول الترشح, ويترقبها العالم, الآن, كبداية حقبة جديدة في التاريخ المصري الحديث, بصناعة وطنية كاملة الأركان, وحين ذلك, فقط, سوف يردد الجميع, في الداخل والخارج, تسلم الأيادي. استمراء الفشل! اعتادت الحكومات المتعاقبة, في تاريخ مصر الحديث, الفشل, بل استمرأته, لدرجة أنها أصبحت تعاند وتنكر وجوده, كما اعتاد المواطن الفشل الحكومي, لدرجة أنه لم يعد يشكو, فأخذ ينام كمدا, يوما بعد الآخر, إلي أن يلقي ربه بأزمة قلبية, أو هبوط في الدورة الدموية, ناهيك عما سبق ذلك, من أزمات تتعلق بارتفاع ضغط الدم, أو الهذيان, والهوس العقلي, بعد أن عانق المعاناة, والتوتر, والقلق, دون أي أفق لحياة أفضل. وبمتابعة الأزمات المتلاحقة, في هذه المرحلة, نكتشف أن شيئا لم يتغير في الأداء الحكومي, كما أن جديدا لم يطرأ علي سلوكيات المواطن, الذي يصحو علي أزمة في البوتاجاز, علي سبيل المثال, ولا يطل عليه أي مسئول, كبير أو صغير, ليحدثه عن سبب هذه الأزمة, أو إمكان حلها علي المدي القريب, أو البعيد. وإذا حدث, وخرج مسئول, بحجم وزير, ليحدثنا عن حل مشكلة المرور, فيكتشف المواطن أن ذلك من قبيل التصريحات الإعلامية, وأن الوعود كلها هراء, أما إذا خرج أحد المحافظين ليحدثنا عن مواجهة جريمة التعدي علي الأراضي الزراعية, فقد يخرج علينا في اليوم التالي ليفاجئنا بحجم التعديات التي حدثت بالأمس! هذه هي حقيقة الإدارة في مصر, الآن, فالباعة الجائلون يغلقون أكثر الشوارع حيوية في قلب العاصمة, والمسئولون يتحدثون عن القضاء علي هذه الظاهرة الخطيرة, وآخرون يتحفوننا يوميا بأرقام خيالية عن المقبوض عليهم في قضايا ترويج المخدرات, في الوقت الذي أصبح فيه الإدمان ظاهرة يئن منها المجتمع, وهناك من يتحدث عن وضع اقتصادي مبهر, في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار يوما بعد يوم. ما هي الحقيقة في كل هذه القضايا وغيرها؟, الحقيقة المؤكدة هي أن شيئا لم يتغير في مصر, مسئولون يحكمون بعقلية الماضي, ومواطنون لا حول لهم ولا قوة, ولا رقيب, ولا حسيب, واجتماعات تلو الاجتماعات, وبدلات تلو البدلات, ونفقات علي حراسات, وتأمين هؤلاء وأولئك, تستنزف مقدرات الدولة, التي هي في الأساس مقدرات الشعب, ومن هنا ارتفعت نسبة من هم دون خط الفقر, واستشرت العشوائيات, وتفاقمت حالات التذ مر. نحن الآن أمام مرحلة تتطلب مسئولين بعقلية جديدة تعمل من الشارع, وليس من الغرف المكيفة.. تتواصل مع المواطنين, ولا تعمل بمعزل عن همومهم.. تتقبل النقد, والرأي الآخر, ولا تتشدد لأيديولوجيات, أو أفكار تقليدية.. تتفاعل فيما بينها, ولا تعمل من خلال جزر منعزلة.. لا تتردد في اتخاذ القرار, وتنفض الأيدي المرتعشة. أما إذا ظلت ممارسات المسئولين لدينا, كما كانت في السابق, فنحن علي موعد مع مزيد من الثورات, ومزيد من القلاقل, وبالتالي مزيد من الانفلات والفوضي, وهو ما نحن في غني عنه الآن, مع إعادة صياغة المجتمع, سياسيا واجتماعيا, بالشكل الذي يعالج ثغرات الماضي بسوءاته وآثامه, لأن القضية لم تكن أبدا إزاحة هذا أو ذاك, لحساب هؤلاء, أو أولئك, وإنما كانت بالدرجة الأولي إزاحة عقليات عفا عليها الزمن, واستمرأت الفشل, وفسدت إلي حد الركب, علي حد اعتراف أحدهم. فيجب عدم الإبقاء الآن علي فاشل في موقعه, أو فاسد في منصبه, كما يجب عدم التغاضي عن الأداء الضعيف, أو الإدارة المترهلة, لأننا حين ذلك سوف نكتشف, في لحظة ما, أننا كنا نسير عكس عقارب الساعة, أو عكس الاتجاه, وهو الأمر الذي سوف يعود بالمجتمع إلي الوراء, وسط عالم لا مكان فيه لا للضعفاء, أو المترددين, وعلي المستوي الداخلي, لم يعد الأمر يحتمل مثل هذا الأداء الذي يفتقد المواجهة, وشجاعة اتخاذ القرار, والإصرار علي تنفيذه, حتي يدرك المواطن بالفعل أن شيئا ما قد تغير. إن استمراء الفشل الإداري بالدولة, كما هو الوضع حاليا, هو أمر غاية في الخطورة من عدة وجوه, أهمها: صعوبة تدارك الموقف مستقبلا, مع استفحال الأزمات, بالإضافة إلي صعوبة تربية كوادر تستطيع تحمل المسئولية مستقبلا, بالطريقة التي تتناسب مع حجم الأحداث, ناهيك عما يمثله ذلك من تأخر الدولة المصرية في السير مع ركب التطور الحاصل في العالم, وخاصة علي المستوي التكنولوجي والتقني, وهو ما تجاوزتنا فيه دول عدة, بدأت نهضتها معنا كما حدث في الهند, أو بعدنا, كما حدث في كوريا الجنوبية. وقد نفطن إلي خطورة ذلك الاستمراء, أيضا, إذا أخذنا في الاعتبار أن الأجيال القادمة, بدءا من الأطفال في عمر الزهور, يترعرعون الآن علي تعليم سيئ, وإعلام أسوأ, وتربية مجتمعية أكثر سوءا, وهو الأمر الذي ينذر بمستقبل موحش, وموغل في ظلام الجهل والتطرف, إذا لم نبادر إلي قفزة علي الطريقة اليابانية تحمل علي عاتقها شعار مصر أولا. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة