الدعوة التي أطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع, لنزول المواطنين إلي الشارع اليوم لا تعني أبدا المواجهة وحمل السلاح ضد أي فصيل في المجتمع مهما تكن الأسباب, وإنما هي مجرد نزول لتسجيل موقف واضح, وهو أن الشعب مع الجيش, أو أن الشعب يؤيد الجيش فيما يتخذه من إجراءات من شأنها حماية المجتمع واستقراره. ولأن جماعة الإخوان هي الأخري قد دعت أنصارها للاحتشاد في اليوم نفسه, فقد وجب التنبيه إلي حرمة الدم المصري, بمعني أننا أمام حالة تعبير عن الرأي يراقبها العالم بشغف واضح, ويترقبها الداخل بقلق كبير, وهو الأمر الذي يضع الشعب كل الشعب- أمام مسئولية عظيمة من المهم أن يسجل خلالها أنه علي مستوي هذه المسئولية. فالدم المصري حرام, وما أصبح شائعا الآن من قتل هنا وشروع في قتل هناك, كان يقتضي, بكل تأكيد, إجراءات استثنائية لمواجهته, وما تواتر عن مخططات للفوضي كان يجب الكشف عنها, وما يثار من تكهنات الآن بشأن مواجهات شعبية هو في حقيقة الأمر عدم فهم للشخصية المصرية, التي تسعي في نهاية الأمر إلي صناعة مستقبل أفضل وليس العكس, ومزيد من الاستقرار والأمن وليس العكس. إذن.. هذا اليوم يجب أن يمثل إضافة لذاكرة الأيام المجيدة في التاريخ المصري, تتناقله وسائل الإعلام العالمية علي أنه مجد جديد, وترقبه الأجيال علي أنه نقلة في المشهد السياسي, ويؤسس لمرحلة أكثر نضجا نحو الحوار الوطني, وعلاقات أكثر فاعلية بين النخب السياسية المختلفة, حتي يمكن أن نخرج من هذا الوضع المضطرب الذي ما كان يجب أن يستمر أكثر من ذلك. بالفعل.. مضي نحو عامين ونصف العام علي ثورتنا المصرية ومازلنا نتسول الأمن, ونترقب الحياة الكريمة, وننشد الاستقرار, إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث, ولا يبدو في الأفق ما يشير إلي أي من ذلك, وهو الأمر الذي يتطلب منا القبول بأدوية قد تكون عالية المرارة, حتي يمكن أن تبحر السفينة من حالة الغرق. فما هو مؤكد أن دعوة وزير الدفاع لم تأت من فراغ وإنما بعد استشعار الخطر الذي أصبحنا نعيشه, وكأنه أصبح حالة طبيعية في الحياة المصرية, التي لم تكن تعرف سوي الحب والوداعة والتآلف, وقد تحول كل ذلك إلي بغض وتنافر وتشاحن بلغ حد استهداف الجنود والنقاط الأمنية والأكمنة وانفجار قنابل وتخريب منشآت وقطع طرق وتعطيل مواصلات واتصالات. وما نأمله من خطباء الجمعة, اليوم, هو التركيز علي حرمة الدم المصري, وما يجب أن يؤكده القادة السياسيون, اليوم, هو الدعوة إلي السلمية والهدوء, وما نرجوه من وسائل الإعلام هو أن تتعامل مع الحدث علي قدره دون شطط أو إسفاف أو استفزاز لأحد, وما نطلبه من المواطن هو تفويت الفرصة علي أصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون مثل هذه المناسبات لإشاعة الفوضي. ونحن علي يقين من أن أجهزة الأمن يمكن أن تكون نموذجا فاعلا في إدارة الموقف, من خلال التعامل بحكمة مع الأحداث, كما أن قواتنا المسلحة سوف تظل صمام الأمان في درء الأخطار التي يمكن أن تلحق الأذي بمواطن آمن, شارك بمحض إرادته في فعالية سلمية, وبالتالي لا يقل دور المواطن أهمية في الحرص علي التعامل بروح حضارية مع الحدث طوال الوقت, دون السماح باستدراجه إلي أي مستنقع يمثل خطورة من أي نوع. مصر, أيها السادة, هي حجر الزاوية في المنطقة الآن, والمواطن المصري هو الرقم الصعب في حسابات الخارج, والدم المصري ثبت أنه الأصعب في حسابات الداخل, وذلك علي الرغم من بعض الخروقات هنا أو التجاوزات هناك, ومن هنا فنحن مطالبون بأن نعبر بالمرحلة, أو نستمر في العبور بها إلي حيث يجب أن تكون, وبمعني أصح إلي حيث يجب أن تستحق. فمصر تستحق الكثير, بجهد أبنائها, وهو الأمر الذي يحتم علينا- اليوم تحديدا- أن نرسي دعائم لمستقبل زاخر بالعطاء, وليس متخما بالبغضاء, ولذلك فإن اليوم هو بمثابة' بالونة اختبار' جديدة لصلابة ذلك الشعب الذي تحمل الكثير, وصبر بما فيه الكفاية, وقد كانت الأزمة تلو الأزمة, التي أكد من خلالها حرمة الدم, إلا أننا اليوم أمام اختبار آخر أكثر جدية.. ولكنني علي ثقة من أننا سوف نعلن للعالم أجمع في نهاية اليوم أن الدم المصري حرام... لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة