نقلاعن جريدة الاهرام2/10/07 هل يستطيع القانون بأحكامه الرادعة القضاء علي جريمة الرشوة؟!.. الشواهد كلها تدل علي أن الإجابة لا.. فالقانون يعاقب من يثبت عليه ارتكابه لهذه الجريمة بعد وقوعها.. لذا لابد أن يكون السؤال هو: كيف نجفف منابع الرشوة؟!.. وهل من يطلب الرشوة في حاجة إليها أم أنه يستغل وظيفته لتلبية طموحاته التي لا تعرف حدودا؟.. وهل من يعرض الرشوة مضطر إليها ليحصل علي حقه أم أنه يطمع في الحصول علي أكثر من حقه بسلوك هذا الطريق غير المشروع؟! وهل توجد علاقة ما بين الفقر أو تدني مستوي المعيشة في مجتمع ما وشيوع وانتشار ظواهر الرشوة والفساد في هذا المجتمع؟! وهل هذه الظواهر سبب أم نتيجة؟! وزارة الدولة للتنمية الإدارية التي أعلنت نتيجة أحدث استطلاعاتها أن55,2% من عينة البحث يقدمون الرشاوي للحصول علي الخدمة الحكومية, وأن92% منهم يقومون بدفع رشاوي بهدف الحصول علي حقهم في الخدمة, بينما8% يدفعونها للحصول علي أكثر من حقهم القانوني في الخدمة!! والغريب في الأمر أن نحو5% فقط من المواطنين هم من أيدوا أهمية تقديم شكاوي ضد موظفي الدولة المرتشين, بينما يري ال95% الباقين عدم جدوي شكوي الموظفين المرتشين, في الوقت الذي يري فيه19% من المواطنين أن موظفي الدولة قابضي الرشاوي يستحقون المساعدة والدعم لضعف رواتبهم ولا يستحقون العقاب لحصولهم علي الرشاوي, هذا علي الرغم من اعتراف95,6% من دافعي الرشاوي بعينة البحث بأن دفع هذه المبالغ للموظفين هو نوع من الفساد. فهل أصبحت الرشوة والمحسوبية والوساطة والاختلاسات هي القيم العليا السائدة, وما عداها من قيم النزاهة والأمانة والمسئولية هي ضرب من السذاجة, خاصة بعد أن تعددت أشكال وأساليب الرشوة والفساد. لم تقتصر علي الرشوة المالية التي اعتبرها البعض إحسانا للموظف الصغير ولكنها تعدته إلي الرشوة الجنسية التي تعتبر أبلغ ألوان الفساد والإفساد التي تتواتر اخبارها بشكل يومي في كثير من المصالح الحكومية وغير الحكومية, حتي بلغت130 حالة بلاغ رسمي عام2006 مقابل85 بلاغا عام2005 بحسب التسجيلات الأمنية وبرغم شيوع هذه الجرائم والرشوة والفساد, إلا أن الدراسات العلمية تؤكد أن ما كشف عن هذه الجرائم لا يتعدي نسبة5%, بينما95% من هذه الجرائم تظل في طي الكتمان. هذا ما تؤكده أيضا الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور عبدالمحسن جودة أستاذ إدارة الأعمال بجامعة المنصورة, الذي يؤكد أن ما يتم اكتشافه من جرائم الرشوة لا يتجاوز5% فقط. كما أثبتت الدراسة أن ثمة علاقة وثيقة بين الرشوة والسن, فمن تتراوح أعمارهم بين30 و40 سنة يفضلون أسلوب الرشوة بنسبة94%, ثم يأتي في الفئة الثانية من تتراوح أعمارهم بين45 و60 سنة.. كما أثبتت الدراسة أن هناك صلة بين الرشوة والأمية, حيث إن من لا يحملون مؤهلات يفضلون أسلوب الرشوة بنسبة95%, يليهم ذوو المؤهلات المتوسطة بنسبة86%, أما حملة المؤهلات العليا فنسبتهم47%. ويؤكد خبراء القانون أن غالبية جرائم الرشوة الكبري تقع ممن ليسوا في حاجة إلي المال, فالموظف الصغير عندما يقترف هذه الجريمة قد يجد له ما يفسر أو يبرر سلوكه, برغم أن كل القيم الاجتماعية والقانونية ترفض الرشوة, ولكن قد يكون محتاجا إلي المال وتحسين ظروفه.. أما من هم ليسوا في حاجة إلي المال.. فبماذا نفسر سلوكهم؟. فكم رأينا رؤساء أجهزة ووزراء ووكلاء وزارات يسقطون هذه السقطة, فالواضح جدا أن القضية ليست احتياجا للمال بقدر ما هي احتياج للقيم.. والملاحظ أن مجتمعنا يعاني أزمة أخلاق, وهذا ما يجب أن يلتفت إليه أولو الأمر. ويضيف الخبراء أن هناك حلولا تشريعية جزئية لمواجهة قضايا الرشوة تتراوح فيها العقوبة بين3 سنوات و25 سنة. ويري الدكتور حمدي عبدالعظيم, أستاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات السابق أن الرشوة تفشت في المصالح الحكومية والمحليات, خاصة مصالح الخدمات, وهو ما نشهده بشكل واضح في المصالح المخولة باستخراج تراخيص البناء أو الشهادات الإدارية بشكل عام, وتراخيص المشروعات الكبري أو الصغري.. وبدون مبالغة يمكن أن نقول إن هذا الوباء يعيش في غالبية الدواوين الحكومية تحت أي مسمي, والغريب أن الموظف مقتنع بأن الرشوة حق له, خاصة عندما يكون المواطن طالب الخدمة مستثمرا كبيرا أو من رجال الأعمال الكبار, ونري ذلك بوضوح عند بعض موظفي البنوك,. فالمبدأ السائد عند البعض هو الإفادة والاستفادة فيكون التواطؤ مع العميل والتغاضي عن طلب الأوراق أو الضمانات الكافية أو الحقيقية. ويحذر الدكتور حمدي عبدالعظيم من أن قانون الوظيفة العامة الجديد سوف يعمق من ظاهرة الرشوة بنصه علي عدم إحالة الموظف المرتشي إلي النيابة إلا في حالة أن تكون قيمة الرشوة100 ألف جنيه فأكثر, أما في حالة الرشوة الأقل من ذلك فلا يخرج الأمر خارج الإدارة التابع لها الموظف المرتشي حتي لو كانت قيمة الرسوة99 ألف جنيه و999 جنيها!! صورة للفساد: ويتفق مع هذا الرأي الدكتور عاطف البنا, أستاذ القانون الدستوري, مشيرا إلي أن الرشوة أحد أوجه الفساد, كما أنه للإمعان في تأصيل الفساد أصبح يشار إليه بغير صفاته, فالرشوة هدية أو إكرامية برغم أن القانون يحرم تلقي الموظف العمومي للهدايا من أجل أداء عمل أو إنهاء مصلحة وظيفية أو تدخل في اختصاص الموظف وعليه أن يقدمها للمواطن, فإذا تلقي عنها مقابلا أو هدية يعتبر تلقي رشوة, وهنا تكون العقوبة مضاعفة إذ يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة مضاعفة عن الحالة الأولي, كذلك يعاقب كل من يتلقي وعدا أو عطية حتي بعد اداء مهمته الوظيفية كمكافأة له. كذلك يعاقب كل من يقوم بعمل من أعمال وظيفته أو امتنع عنه أو أخل بواجباته. خلل اجتماعي: وتري الدكتورة سهير سند, أستاذ مساعد علم الجريمة, أنه عندما لا تتناسب الأجور مع الأسعار وتصبح في حالة انقلاب لا يمكن للمواطن مجاراته أو ملاحقته, هنا نتخيل أي خلل اجتماعي يحدث, فعندما يعجز رب الأسرة عن تدبير حاجات أسرته يصبح الأمر مشكلة, وهذا لا يعني تبرير الرشوة أو غيرها تحت أي مسمي, ولكن علينا وضع سياسة توقف هذا التردي, حيث إن المنظومة القيمية أفسدت, فبينما نعيش عصر الإغراء بالمستويات المعيشية والصرف الذي تبثه حولنا الفضائيات مع الفقر وتدني الرواتب, ففي المقابل نجد النسبة الأعلي من الكبار يعيشون في بذخ وسفه يستفز المشاعر. خطة قومية: ويضيف الدكتور أحمد المجدوب, الخبير الاجتماعي أن من أسباب تفشي الظاهرة سرعة التقاضي والبت السريع في جرائم الرشوة والفساد, بما يؤكد للمواطن أن الدولة جادة في محاربة هذه الظواهر, ويطالب بوضع خطة قومية لإعادة هيكلة التعليم وصياغته من جديد, مشيرا إلي أن نظام التقييم الحالي مسئول إلي حد بعيد عن كثير من سيادة القيم الهدامة, والدليل علي ذلك التسابق المحموم وغير المبرر وغير المنطقي في نظم تحصيل الدرجات.. كذلك إعادة النظر في المرتبات والأجور وتوزيع الثروات والموارد. حيث إنه نتيجة التغير الاقتصادي الذي أصاب المجتمع المصري, ويضيف أن السبب في ذلك حالة الفقر, حيث إنه عندما تقرر الأممالمتحدة أن حد الفقر أو الكفاف للمواطن هو دولاران في اليوم, نجد لدينا هذا الحد يقل عن دولار واحد, وهو مقارنة بأفقر الدول يعتبر الأقل حتي من زامبيا وتنزانيا كما أن متوسط الدخل اليومي للمواطن الفلسطيني علي سبيل المثال10 دولارات يوميا, وهذا ما يبرر ان ما كان شعبيا من السلع أصبح في غير متناول الموظف. جهود للمكافحة: وردا علي نتائج الدراسة التي قامت بها وزارة الدولة للتنمية الإدارية, يقول الدكتور أحمد درويش: هناك جهود مصرية لمكافحة الفساد الإداري تعد لها لجنة الشفافية والنزاهة في إطار مشروع قانون الوظيفة العامة الذي يستهدف تطويرها والارتقاء بها, ويتوخي رفع مستوي أداء الموظف العام في تعامله اليومي مع المواطن, ويضع آليات للمحاسبة والمساءلة وآليات مماثلة لمكافحة الفساد الإداري ومحاصرته. ويشير درويش إلي موقف مصر من المؤشرات الدولية, حيث يري أنه وفقا لمؤشر منظمة الشفافية العالمية, نجد أن مؤشرCPI بالنسبة لمصر لعام2005 هو3,4 وهذا يضعها في المرتبة70 من بين159 دولة شملهم البحث واستقر الترتيب في عام2006 علي المرتبة ال70 من بين163 دولة. وعن اقتراح بمحاولة رفع مرتبات موظفي الدولة مؤدي الخدمات للجماهير لتجفيف منابع الرشوة, وليكن عن طريق رفع رسوم الخدمات بنسب معقولة تناسب المواطن, وفي الوقت نفسه, تعوض جميع الموظفين بدلا من قصر الاستفادة بالرشوة علي البعض دون الآخر, أشاد دكتور أحمد درويش بالاقتراح الذي وصفه بأنه جدير بالدراسة, ولكنه أفاد بأن العمل بمثل هذا الاقتراح يتطلب حوارا مجتمعيا, حيث إن رفع سعر أي خدمة يتطلب المناقشة والحصول علي موافقة من نواب الشعب الذين غالبا ما يتعاطفون مع المواطن.