لم يكن اهمال نهر النيل الخطيئة الأولى في تاريخ المصريين رغم انهم كانوا يدركون انه مصدر الحياة وهبة السماء لهذا الوطن.. اخطاء كثيرة ارتكبناها كشعب وحكومات ابتداء بالتفريط في حقوقنا وانتهاء بالتهاون في حماية مصادر حياتنا.. إلا ان النيل كان من اخطر قضايانا التي تساهلنا كثيرا فيها حتى تجاوزنا درجة الاهمال.. اهملناه مصادر ومنابع فكان الجفاء الطويل بيننا وبين دول حوض النيل.. اهملناه رعاية وحماية وكيانا فكانت جرائم الاعتداء عليه مالا وارضا وشواطئ ووجودا واهملناه ماء نقيا طاهرا وهو اجمل رسائل السماء للبشر.. افقنا بعد غيبوبة طالت لنكتشف ان النيل في محنة واننا قد ندفع ثمنا باهظا للإهمال والجحود. ◘ منذ سنوات والعلاقات بين مصر ودول حوض النيل تتراجع حتى وصلت احيانا الى درجة القطيعة بيننا وبين اثيوبيا بعد محاولة إغتيال الرئيس السابق في اديس ابابا في التسعينيات.. اتجهت كل حكومات مصر شمالا وشرقا واقتصرت كل زياراتنا على أوروبا وإسرائيل وبلاد العم سام.. اما افريقيا الامتداد والعمق الإستراتيجي والأمن القومي فقد تقطعت خيوط التواصل معها رغم انها مصدر حياتنا.. ومع حالة الجفاء التي سادت العلاقات بين مصر واثيوبيا تفجرت الخلافات مرة واحدة والشعب المصري مشغول بثورته حيث اعلنت اثيوبيا عن إنشاء سد النهضة اكبر سد في افريقيا كلها حيث يسمح بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه.. انتهزت الحكومة الاثيوبية انشغال السلطة بمصر في بناء دولة جديدة وانشغال الشعب المصري في تصفية حساباته مع الماضي.. ويبدو ان فترة الانشغال بالشأن الداخلي وصراعات النخبة قد طالت وهنا بدأت اثيوبيا في إعلان حرب المياه على مصر وضربت عرض الحائط بكل الالتزامات التاريخية والعلاقات بين الشعبين.. ولا شك ان الوضع الداخلي في مصر وحالة الفوضى والإرتباك التي احاطت بالشعب المصري سلطة وقرارا قد شجعت اثيوبيا على المضي في مشروعها وكانت مصر خارج حساباتها تماما.. كان من المفروض ان يتم إنشاء هذا السد بشروط ومواصفات تختلف تماما عن الصورة النهائية التي بدأ بها تنفيذ المشروع.. كانت القدرة التخزينية تقف عند 14 مليار متر مكعب من المياه زادت الى 74 مليار مع إعلان ثورة يناير والفوضى التي عمت الشارع المصري.. وكان هذا اكبر تأكيد ان اثيوبيا تريد انتهاز فرصة تاريخية ان مصر ليست في افضل حالاتها وكامل عافيتها. ◘ على جانب آخر بدأت اثيوبيا تحرض دول حوض النيل على مصر وهي تطالب بوضع اتفاقية جديدة لإعادة توزيع مياه النيل وهنا دخلت دول اخرى تطالب بحقها رغم انها ليست في حاجة الى مياه النيل لأن لديها مصادر أخرى للمياه وهنا كانت اتفاقية عنتيبي التي وافقت عليها هذه الدول وان رفضتها دولتا المصب مصر والسودان.. لم تكن حصص المياه اهم ما حملته اتفاقية عنتيبي ولكن كان هناك بند أكثر خطورة وهو اسقاط حق مصر في الاعتراض على إقامة السدود على امتداد نهر النيل وهو حق تاريخي ملزم لهذه الدول الا تقيم سدودا دون الرجوع الى مصر والحصول على موافقتها.. كانت إتفاقية عنتيبي اثبات اخر للنوايا السيئة لدى الجانب الأثيوبي.. واخيرا فاجأت اثيوبيا العالم كله بتحويل مجرى النيل الأزرق المصدر الأساسي للمياه التي تصل الى مصر وكان هذا يمثل تحديا تاريخيا ربما كان الأول من نوعه في ضربة قاسية لمصر وهي تعيش ظروفا صعبة.. لا شك ان حالة مصر هي التي شجعت اثيوبيا على المضي في إنشاء السد من خلف الإرادة المصرية التي لم تعمل لها اثيوبيا اي حساب. وبعد ان تشكلت اللجنة الثلاثية من خبراء من مصر والسودان واثيوبيا مع خبراء عالميين لدراسة المشروع لم تهتم اثيوبيا بردود الأفعال في الشارع المصري ومضت في تنفيذ سد النهضة دون مراعاة لأي علاقات تاريخية كانت تربط الشعبين.. من خلال الدراسات التي قدمتها اللجنة الثلاثية اتضحت مجموعة من الأخطار التي تهدد مصر والسودان امام إنشاء هذا السد.. من بين هذه الأخطار ان الكتلة المائية التي سيحفظها السد سوف تغرق السودان كله إذا تعرض السد للانهيار وسوف ترتفع المياه في مدينة الخرطوم عشرة امتار.. وقد اتضح ايضا ان الصخور التي يقام عليها السد تتخللها فراغات بين رقائق التربة تهدد بتسلل المياه في هذه الصخور وقد تتسبب في انهيار السد وهي تحتاج الى عمليات حقن باهظة التكاليف وغير مضمونة النتائج.. من بين المخاطر ايضا ان السد سوف يؤثر على الثروة السمكية ونقاء المياه وقد تتسبب عمليات التلوث في إفساد البيئة وتلويث المياه. ◘ لم تحاول الحكومة الأثيوبية الرد على هذه النقاط كما انها تجاهلت تساؤلات مصر حول ضمانات استمرار حصتها من المياه في ظل اتفاقية جديدة تطالب بإعادة توزيع حصص مياه النيل بل ان البعض يطالب بتسعير هذه المياه وبيعها وإذا كان العرب يبيعون البترول فلماذا لا يبيع الأفارقة الماء فهذه هبة الله من السماء والبترول هبة الله من الأرض. لا شك ان مصر تعيش الآن ازمة حقيقية مع اثيوبيا لأن هناك تاريخا طويلا بين مصر واثيوبيا كانت فيه شراكة دينية مسيحية وملايين المسلمين الذين يعيشون في اثيوبيا وهم الأغلبية إلا ان ردود الأفعال التي انطلقت من اثيوبيا لم تهتم كثيرا برد الفعل المصري وقررت انه لا تراجع في بناء السد او تأخيره او حتى تأجيله بعض الوقت.. وهنا وجدت مصر نفسها امام عدة بدائل في ظل مخاطر واضحة لا خلاف عليها. ◘ اولا: ماهي الضمانات التي يمكن ان تقدمها اثيوبيا لإستمرار وبقاء حصة المياه التي قررتها الاتفاقيات الدولية لدول المصب مصر والسودان وهي 55 مليار متر مكعب لمصر و18 مليار متر مكعب للسودان.. ان الخطوة الأولى ان تلتزم اثيوبيا بضمان وصول هذه الكميات الى دولتي المصب. ثانيا: كيف يمكن تجنب المخاطر البيئية التي تهدد ماء النيل فلا يتعرض للتلوث من اشجار الغابات المتعفنة في بحيرة السد.. وكيف يمكن توفير ضمانات الحماية للثروة السمكية وقبل هذا كله ما هي الضمانات لعدم انهيار هذا السد امام الزلازل التي يمكن ان يتعرض لها امام تربة لا تحتمل هذه الكتلة الضخمة من المياه كما ان التركيبة الصخرية في منطقة السد تحمل مخاطر كثيرة.. وقبل هذا كله ما هي الفترة التي ستملأ فيها اثيوبيا السد بكمية من المياه تبلغ 74 مليار متر مكعب وماذا يحدث إذا تأخر الفيضان او جاء منخفضا. لقد بدأت المفاوضات حول هذه الجوانب بين وزير خارجية مصر محمد كامل عمرو والمسئولين في اثيوبيا ونحن الآن امام اكثر من مسار: اول هذه المسارات إعادة النظر في التصميم الحالي لسد النهضة بحيث يعود الى المشروع القديم بقوة تخزينية لا تزيد عن 14 مليار متر مكعب وهذا السد سوف يوفر لأثيوبيا نفس الإمدادات الكهربائية. من بين هذه المسارات ايضا تقديم طلب الى الأممالمتحدة ومحكمة العدل الدولية لدراسة هذه القضية والمشاركة في الوساطة بين مصر واثيوبيا من خلال مفاوضات تشارك فيها المنظمة العالمية لضمان حقوق مصر والسودان مع اللجوء الى التحكيم الدولي إذا اقتضى الأمر ذلك. ◘ مطالبة اثيوبيا بتقديم جميع الدراسات والأبحاث والتصميمات الخاصة بالمشروع والإستعانة بخبراء دوليين للمشاركة في دراسة المشروع من حيث المخاطر والآثار المترتبة عليه خاصة احتمالات نقص حصة مصر من المياه.. وعلى جانب اخر ضرورة دراسة نوعية التربة خاصة مع احاديث كثيرة انها لا تحتمل إقامة مشروع بهذا الحجم. ◘ دراسة طبيعة التركيبة الصخرية التي سيقام عليها السد والجبال المحيطة بالبحيرة الضخمة التي سيتم تخزين المياه فيها وهل تتحمل هذه الكمية ام انها تمثل تهديدا للمشروع كله. ◘ لا بد ان تتجه مصر على الجانب الآخر الى الأطراف المشاركة في هذا المشروع لكي تطالبها بكشف حقيقة كل هذه الجوانب الفنية التي يمكن ان تمثل تهديدا لأمن مصر والسودان المائي ومن هذه الدول الصين وإسرائيل وايطاليا.. ◘ هنا ينبغي ايضا ان نضع في دائرة الاهتمام دول الخليج العربي التي تدفع الأن بمئات الملايين من الدولارات للاستثمار في اثيوبيا خاصة في مجالات الزراعة وسوف يؤثر ذلك بالضرورة على حصة مصر من مياه النيل.. هنا تستطيع مصر من خلال المفاوضات الثنائية او مجلس التعاون الخليجي او جامعة الدول العربية ان تستكشف آثار هذا التعاون بين دول حوض النيل ودول الخليج العربي ويجب ان يكون السودان حاضرا في كل هذه المفاوضات ليس لأنه صاحب حق ولكن لأن مصر والسودان امام النيل وطن واحد ومأساة واحدة.. يدخل في هذا النطاق ايضا الموقف مع إسرائيل وهل هي بالفعل تمارس العبث في هذه المنطقة الحيوية لمصر.. ان على الدبلوماسية المصرية ان تمارس ضغوطها على كل الدول التي يمكن ان تشارك في إنشاء هذا السد او تمويله او دراسة المخاطر التي تحيط به. لا يستطيع احد ان يطلب من اثيوبيا او دول حوض النيل ان تتوقف عن بناء اقتصادياتها واستثمار مواردها من اجل رفاهية شعوبها خاصة ان هناك علاقات تاريخية طويلة بين مصر وهذه الدول ولكن لا ينبغي ان تتمادى هذه الدول في تجاهل حقوق دول المصب مصر والسودان لأن هذه الحقوق رتبتها التزامات واتفاقيات دولية. من خلال المفاوضات والدراسات يمكن الوصول الى صيغة للتفاهم على اساس تعديل السد وتغيير جوانب الأخطار فيه.. وإذا رفضت اثيوبيا كل هذه المساعي فلا بد من البحث عن بدائل اخرى وهي بلا شك قد تكون قاسية ولكنها متاحة. ..ويبقى الشعر من ألف عام كنت أركض شامخا بين الجموع يحيطني فرساني والآن ترصدني الوجوه فلا أري غير الخنوع وخسة الكهان فالجالسون علي العروش تسابقوا عند الفرار وأحرقوا شطآني قد علموني الصمت.. صرت كدمية سوداء شاخصة علي الجدران والآن أقرأ في دفاتر رحلتي فأري الجحود.. وجفوة الخلان ماذا جنيتم من سلام عاجز غير الهوان.. يسوقنا لهوان ؟! تتراقصون لكل ذئب قادم وتراوغون.. كرقصة الحملان! وتهرولون إلي الأعادي خلسة خلف اللصوص.. وباعة الأوطان! خنتم عهود الأرض.. بعتم سرها للغاصبين بأبخس الأثمان من باعني أرضا وخان قداستي من دمر التاريخ في وجداني ؟! يتزاحم الكهان حول مضاجعي يتعانقون علي ثري أكفاني وحدتكم زمنا فكنتم سادة للعالمين علي هدي سلطاني والآن صرتم لعبة يلهو بها شر العباد.. وعصبة الكهان ما اخترت أرضي.. ما اصطفيت زماني لكنه قدري الذي أشقاني فلقد تبدلت الليالي بيننا ورأيت عمرا جاحدا أدماني يا أيها الوطن العريق قم.. انتفض واكسر كهوف الصمت والقضبان أطلق أسود النيل من ثكناتها واهدم قلاع البطش والطغيان في الأفق شيء لا أراه وإن بداخلف السحاب كثورة البركان يعلو صهيل الماء.. يصرخ حولنا يتزاحم الفرسان.. في الفرسان تهتز أرض.. تستغيث مواكبويهرول الكهان.. للكهان وأنا أطل علي الربوع معاتبا أشكو إليها محنتي وهواني منذ استبحتم حرمة الشطآن صدئت علي أطلالكم تيجاني حتي عيون الناس ضل بريقها ما بين ليل القهر والهذيان سأزوركم في كل عام كلما حنت حنايا الأرض للفيضان أتسلق الأفق البعيد لكي أري خلف السدود شواطئي وجناني أنا لن أكف عن المجيء لأنني كالأرض ما كفت عن الدوران سأطل من خلف الحدود وربما تبدو علي مرارة الحرمان عودوا إلي الحب القديم.. وعلموا أبناءكم أن يحرسوا شطآني أعطيتكم عمري.. وهانت عشرتي والآن أعلن بينكم عصياني لو كنت أعلم ما طواه زماني لاخترت أرضا غيركم أوطاني من قصيدة النيل يرفع راية العصيان سنة 2010 نقلا عن جريدة الأهرام