كثيرا ما كنا نتحدث عن الأمن القومي المصري وكيف نحافظ عليه وكانت الأبحاث والدراسات والندوات والمحافل الفكرية والسياسية تدور في كل مكان تأكيدا لأهمية وخطورة هذا الجانب في علاقات مصر الخارجية.. وضاقت الدوائر حولنا حتى وجدنا انفسنا في يوم من الأيام سجناء مدينة عتيقة تسمى القاهرة وضحايا نظرة قاصرة تصورت ان اخر حدود مصر هي شرم الشيخ منتجع الصفوة وكبار المسئولين وان مرسى مطروح كانت اخر ايامنا معها فيلم شاطئ الغرام واننا تركنا السودان حتى اصبح دولتين وتركنا غزة حتى اعلنت استقلالها عن فلسطين وتركنا حدودنا الغربية مع ليبيا واختصرناها في الكتاب الأخضر والزيارات الخاطفة لبنغازي او طرابلس.. اختصرت مصر امنها القومي عند مساحة ضيقة لا تشمل الوطن كله ولكنها تضيق عند مناطق كثيرة لا تمثل فقط اهمية للوجود المصري ولكنها تمثل تهديدا خطيرا لمستقبل وحاضر هذا الشعب. وسط هذا الجو المشحون بالإنقسامات والمظاهرات والقوى الدينية الصاعدة التي ترسم مستقبل مصر على اطلال مؤسسات دولة عريقة تبدو صورة الأمن القومي المصري مهددة في اخطر واهم عناصرها ومقوماتها وهي مياه النيل. لقد اهملت مصر لسنوات طويلة علاقاتها التاريخية مع دول حوض نهر النيل وظلت هذه الدول بعيدة تماما عن دائرة العلاقات الخارجية المصرية.. لسنوات طويلة كان محور هذه العلاقات ينحصر بين واشنطن وباريس وتل ابيب بينما سقطت معظم العواصم الإفريقية من ذاكرة القرار المصري.. ومنذ تعرض الرئيس السابق لمحاولة اغتيال في أديس أبابا سقطت اثيوبيا من خريطة العلاقات المصرية ولحقت بها السودان سنوات طويلة حتى كان انفصال الجنوب وإعلان قيام دولته وهي بكل المقاييس رغم مسئولية الحكم في السودان إلا انها احد خطايا القرار السياسي المصري.. في سنوات قليلة خسرت مصر منظومة تاريخية من العلاقات الوطيدة مع دول حوض النيل شيدتها في سنوات المد القومي المصري مع الإمبراطور هيلاسلاس وجومو كنياتا وتنزانيا واثيوبيا والكونجو وكينيا واوغندا والصومال واريتريا وقبل هذا كله علاقات تاريخية صميمة مع السودان الشقيق الأزلي.. لم نعترف حتى الأن بأننا اهملنا دول حوض النيل.. واسقطنا من حساباتنا قضية المياه وهي قضية موت او حياة حتى ان الخديوي إسماعيل خاض الحروب من اجلها اكثر من عشر سنوات ما بين 1868 و1876 فيما عرف بحروب الحبشة حيث وصل الجيش المصري الى سواكن ومصوع والقرن الإفريقي. اهمل العهد البائد ملف مياه النيل اهمالا كاملا لسنوات طويلة ولا احد يعرف المسئول عن الكوارث التي لحقت بنا بسبب هذا الملف لأن الجميع يلقي المسئولية على الأخر.. ومنذ سنوات ومع غياب الدور المصري كانت إسرائيل تعبث في هذه المناطق حتى استطاعت ان تحقق الكثير من اهدافها وفي مقدمتها انفصال دولة الجنوب في السودان واقامة علاقات فريدة ومميزة مع دول حوض النيل خاصة اثيوبيا وأوغندا وكينيا.. لم يكن غريبا وسط هذا كله ان تعلن اثيوبيا في شهر فبراير 2011 عن مشروع بناء سد النهضة أو سد الألفية على النيل الأزرق بمنطقة بني شنقول جوموز على بعد 40 كيلو مترا من حدودها مع السودان.. وفي شهر ابريل من نفس العام تم وضع حجر الأساس واسندت اثيوبيا تنفيذ المشروع مع شركة ساليني الإيطالية بتكلفة 8.4 مليار دولار وفي رواية اخرى التكلفة 8 مليارات دولارا.. ان السد الجديد سيقوم بحجز 74 مليار متر مكعب من المياه اي اكثر من حصة مصر السنوية والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب.. وفي نفس التوقيت قامت اثيوبيا بتوقيع اتفاق مع الصين لنقل الطاقة الكهربائية لمشروع السد الجديد بتكلفة 458 مليون دولار تتحمل الصين 85% منها وتقوم بنقل الطاقة على امتداد 1238 كيلو مترا مربعا داخل الحدود الأثيوبية وربما امتدت الى دول اخرى في نفس الوقت تستعد اثيوبيا لإنشاء 7 سدود اخرى على مجرى النيل في السنوات القادمة وهذا يمثل تهديدا خطيرا لحصة مصر من مياه النيل ولم يكن غريبا ان يعلن سفير اثيوبيا في القاهرة وفي مؤتمر دولي للتكامل بين دول حوض النيل ان بلاده ستواصل إنشاء السدود شاء من شاء وابى من ابى. لقد مضي الأن عامان على البدء في تنفيذ هذا المشروع ولم تتوقف اثيوبيا لحظة واحدة في عمليات البناء التي تجري بسرعة رهيبة بينما نقف نحن على الجانب الأخر لم نفعل شيئا حتى الأن.. الأسوأ من ذلك كله ان اثيوبيا ستقوم بتحويل مجرى نهر النيل في شهر سبتمبر القادم لإستكمال بناء السد الجديد امام هذا التحدي الرهيب نجد انفسنا كدولة وشعب ومستقبل ومصير امام كارثة حقيقية.. ان المجتمع الدولي لم يتخذ حتى الأن موقفا واضحا لإدانة ما تقوم به اثيوبيا والذي يمثل تهديدا حقيقيا للشعبين المصري والسوداني. ان مصر لم تتخذ حتى الأن موقفا دوليا من خلال المنظمات الدولية خاصة الأممالمتحدة لبحث هذه القضية الخطيرة مع الجانب الأثيوبي. ان عمليات التنفيذ تجري على قدم وساق لإنشاء السد الجديد ولم تتجاوب اثيوبيا مع مطالب مصر والسودان بتقديم الدراسات الخاصة بالمشروع ومدى تأثيرها على دول المصب واعتبرتها سرا من اسرارها العسكرية. هناك مخاطر كبيرة تحيط بالسد الجديد حيث تؤكد بعض الدراسات انه يقام على منطقة زلازل وان السد مهدد بالإنهيار حيث لن تتحمل التربة هذه الكتلة المائية الضخمة.. وان هذه الكتلة من المياه سوف تغرق مدينة الخرطوم بالكامل في حالة انهيار السد.. وهنا ايضا لا ينبغي ان نتجاهل اثر هذه الكتلة المائية على السد العالي في مصر. لا شك ان التقارب بين دول حوض النيل يجعل الأزمة اكثر تعقيدا فقد وقعت كل من رواندا وتنزانيا واوغندا واثيوبيا وجنوب السودان على اتفاقية عنتيبي بهدف إعادة توزيع حصص مياه النيل ولم يبق في الجانب الأخر غير مصر والسودان بعد ان لحقت دولة جنوب السودان بركب المعارضين. لقد أهمل النظام السابق ملف مياه النيل واسقط دول حوض النيل من خريطة العلاقات المصرية والمطلوب الأن الإهتمام بهذه المنطقة ولن يكون ذلك بزيارة خاطفة لمسئول أو وفد سياسي او معونات عاجلة ولكن ينبغي ان يتم ذلك من خلال برامج واضحة للتعاون الإقتصادي والتنمية المشتركة.. ان النظام الحالي لم يتخذ حتى الأن خطوات واضحة امام حكومة اثيوبيا بما في ذلك استخدام الضغوط الدولية على اعلى مستوياتها والأخطر من ذلك كله ان الحكومة الحالية لم تستطع حتى الأن تحديد موقفها مما يجري في هذا المشروع الخطير.. ان وزير الري المصري د. محمد بهاء الدين يناقض نفسه وهو يتحدث عن هذا المشروع.. في تصريح للوزير يؤكد انه لا يمكن الجزم بآثار سلبية تلحق بحصة مصر من مياه النيل بسبب سد النهضة.. ولكن الوزير قال في تصريح سابق ان الحكومة تعترف بمخاطر سد النهضة على الأمن الغذائي المصري وان مصر ستخسر 12 مليار متر مكعب من المياه اي 23% من حصتها السنوية. اين الحقيقة في ذلك كله وهل تتأثر حصة مصر من المياه بسبب هذا السد واين الخبراء المصريون بل اين الخبراء العالميون ولماذا لا نلجأ الى احد مكاتب الخبرة العالمية لكي يوضح لنا الحقيقة.. إذا كانت اثيوبيا ترفض حتى الأن ان تقدم لنا دراساتها حول المشروع فلماذا لا نلجأ لأطراف دولية تلزمها بذلك لأننا لا نتحدث عن خلاف حول عمارة او فندق او قطعة ارض.. ان د. بطرس غالي وهو اكبر خبراء مصر في العلاقات الدولية يقترح دخول وسيط في هذه الأزمة من خلال دولة كبيرة أو منظمة دولية كالأممالمتحدة. لابد ان تدرس مصر والسودان الأثار الجانبية لإنشاء هذا السد في حالة انهياره او تصدعه ومدى تأثيره على حصص الدولتين من المياه وهذه قضايا لا ينبغي التأجيل فيها او المساومة او خداع الشعوب. وقبل هذا كله ينبغي ان توضح اثيوبيا مشروعاتها القادمة لإنشاء 7 سدود اخرى دون النظر الى حقوق الأخرين من دول المنبع او دول المصب. ان اثيوبيا الأن تتصرف في مياه النيل كملكية خاصة دون مراعاة لأكثر من دولة واكثر من شعب يعيشون على مياه هذا النهر.. قد تكون المرة الأولى في التاريخ التي نجد فيها دولة تفرض وصايتها على مياه نهر وتسقط جميع الإلتزامات والإتفاقيات الدولية وهذا النهر ليس شيئا عاديا انه النيل الذي ارتبط بمصر ارتباطا حضاريا وتاريخيا لا يستطيع احد ان يساوم عليه. منذ سنوات وهناك مراكز دولية تحذر من مخاطر حرب المياه في منطقة الشرق الأوسط التي يمكن ان تكون من اولى هذه المناطق وكان من بين هذه المراكز الدولية مركز ميدل ايست نيوزلاين الإنجليزي الذي لم يستبعد الحرب من اجل المياه.. ان مصر حريصة على علاقات تاريخية مع دول حوض النيل قامت دائما على حماية مصالح الشعوب ولكن الواضح ان هناك ايادي خفية تعبث في هذا الملف الخطير وان المسئولين في بعض دول حوض النيل لا يدركون مخاطر ما يفعلون.. لقد اهمل النظام السابق قضايا امن مصر القومي والأن على النظام الجديد ان يدرك مخاطر هذه التحديات خاصة انها تستغل حالة الفوضى والإنقسامات التي تشهدها البلاد منذ قيام الثورة لقد تم الإعلان عن هذا السد في نفس الشهر الذي رحل فيه النظام السابق وهذا يؤكد ان الفوضى في الشارع المصري تغري الأخرين باللعب بالنار في قضايا المستقبل والمصير ان انشغال مصر في شئونها الداخلية لا ينبغي ان يتحول الى كارثة لأمنها القومي خاصة اننا نتحدث عن المصدر الوحيد للمياه لأكثر من 90 مليون مواطن وهذه القضية يمكن ان تصل الى طريق مسدود وتكون لها نتائج مخيفة على المستوى الإقليمي والدولي وما اشبه اليوم بالبارحة. ..ويبقى الشعر ماذا أخذت من السفر.. كل البلاد تشابهت في القهر.. في الحرمان.. في قتل البشر.. كل العيون تشابهت في الزيف. في الأحزان.. في رجم القمر كل الوجوه تشابهت في الخوف في الترحال.. في دفن الزهر صوت الجماجم في سجون الليل والجلاد يعصف كالقدر.. دم الضحايا فوق أرصفة الشوارع في البيوت.. وفي تجاعيد الصور.. ماذا أخذت من السفر ؟ مازلت تحلم بالليالي البيض والدفء المعطر والسهر تشتاق أيام الصبابة ضاع عهد العشق وانتحر الوتر مازلت عصفورا كسير القلب يشدو فوق أشلاء الشجر جف الربيع.. خزائن الأنهار خاصمها المطر والفارس المقدام في صمت تراجع.. وانتحر.. ماذا أخذت من السفر ؟ كل القصائد في العيون السود آخرها السفر.. كل الحكايا بعد موت الفجر آخرها السفر.. أطلال حلمك تحت أقدام السنين.. وفي شقوق العمر. آخرها السفر.. هذي الدموع وإن غدت في الأفق أمطارا وزهرا كان آخرها السفر كل الأجنة في ضمير الحلم ماتت قبل أن تأتي وكل رفات أحلامي سفر.. بالرغم من هذا تحن إلي السفر؟! ماذا أخذت من السفر؟ حاولت يوما أن تشق النهر خانتك الإراده حاولت أن تبني قصور الحلم في زمن البلاده النبض في الأعماق يسقط كالشموس الغاربه والعمر في بحر الضياع الآن ألقي رأسه فوق الأماني الشاحبه.. شاهدت أدوار البراءة والنذالة والكذب قامرت بالأيام في' سيرك' رخيص للعب. والآن جئت تقيم وسط الحانة السوداء.. كعبه هذا زمان تخلع الأثواب فيه.. وكل أقدار الشعوب علي الموائد بعض لعبه. هذا زمان كالحذاء.. تراه في قدم المقامر والمزيف والسفيه.. هذا زمان يدفن الإنسان في أشلائه حيا ويقتل.. ليس يعرف قاتليه.. هذا زمان يخنق الأقمار.. يغتال الشموس يغوص.. في دم الضحايا.. هذا زمان يقطع الأشجار يمتهن البراءة يستبيح الفجر.. يسترضي البغايا هذا زمان يصلب الطهر البريء.. يقيم عيدا.. للخطايا.. هذا زمان الموت.. كيف تقيم فوق القبر عرسا للصبايا ؟! علب القمامة زينوها ربما تبدو أمام الناس..بستانا نديا بين القمامة لن تري..ثوبا نقيا فالأرض حولك..ضاجعت كل الخطايا كيف تحلم أن تري فيها..نبيا كل الحكايا..كان آخرها السفر وأنا..تعبت من السفر "قصيدة وسافر الزمن الجميل 1986" نقلا عن جريدة الأهرام