لا نريد المبالغة في مطالبنا من الحكومة الجديدة.. ولا تحميلها فوق طاقتها.. حكومة جاءت في ظل تواتر ظروف وأسباب "متلخبطة".. وبعضها مباغتة وكانت مفاجأة للكثيرين.. وأمامها فترة زمنية محددة.. حتى الآن يمكن حسابها بالأيام.. لا بالشهور.. إذن ليس المطلوب منها أن تقدم رؤية ولا برنامجا.. ولا خطة لمشاكل مصر المتراكمة والمعقدة منذ عشرات السنين ولكن ليس هذا معناه أنها حكومة الضرورة للديكور أو البروتوكول.. أو أن من قبل البقاء فيها.. أو حل عليها وزيراً جديدا.. أن يتركها بعد فترة وجيزة كما استلمها.. وأنه أمضى فترة "وجاهة".. وأصبح وزيراً سابقاً. وإذا كنا لا نضع أمام الحكومة الجديدة مشكلات صعبة منذ عقود.. فنحن نطالب أعضاءها.. بأن يكفوا هم عن ثرثرة التصريحات الصحفية ورغي البرامج التليفزيونية وكأنه جاء نافذ الرؤية للوزارة التي تم تكليفه بها.. وان اختياره لانقاذ الحال في وزارته. وأول ما يجب أن يكفوا عنه تكرار كلمة "توجيهات الرئيس".. مصطلح كرهه الناس.. موروثة في أذهان المصريين.. من يبدأ كلامه بالتأكيد على توجيهات الرئيس.. مسئول منافق.. ينظر للرئيس ويتحدث إليه.. ولا ينظر للشعب ويتعامل معه.. وأنه مسئول جاء موظفاً في درجة عليا.. لا يرى إلا ما يراه مرؤوسه.. سواء كان رئيس الدولة.. أو رئيس الوزراء.. أو الوزير.. حتى الخفير يرى أن يعمل بتوجيهات شيخ الخفر.. وفي النهاية.. لا أحد يعمل.. ولا أحد ينفذ توجيهات الرئيس.. ومع الرئيس عبدالفتاح السيسي لو عمل كل وزير على تنفيذ توجيهاته التي يحفظها الشعب.. ويعيها تماماً.. لكان أكبر نجاح وانجاز يتذكره له الناس.. ويبقيه في منصبه أبد الدهر. لا أيام تفصلنا عن برلمان جديد وحكومة جديدة.
وحتى لا نحرم السادة الوزراء من استخدام مصطلح "توجيهات الرئيس" نقولها نيابة عنهم اليوم آلاف المرات.. وهي بمثابة خطاب التكليف لحكومة المهندس شريف إسماعيل.. أو خطة عمل فترة وجود الوزارة الجديدة.. ولنكون أكثر صدقاً مع السادة الوزراء.. لو عملوا فعلاً على تنفيذ توجيهات الرئيس.. هم ومن يأتي بعدهم.. لأصبحت مصر فعلاً.. حاجة ثانية.. وقد "الدنيا" في كل حاجة.. سياسة وعلما.. وتعليما.. وخدمات.. واقتصادا.. باختصار لتغيرت خريطة مصر الاجتماعية.. والتكوين الاجتماعي والاقتصادي للناس.. وهي "التركيبة" المعقدة.. والأساسية في كل ما نعاني منه من مشاكل. وتوجيهات الرئيس.. التي أتناولها اليوم ليست من نتاج أفكاري.. ولا خواطر أتخيلها.. ولا رؤية شخصية مثلما يفتينا كل واحد اليوم.. وانما هي توجيهات ورؤى وأفكار وتكليفات قالها بالفعل الرئيس عبدالفتاح السيسي في مناسبات عديدة طوال عامه الأول من المسئولية.. وهي التوجيهات التي أرجو أن يلتزم بها كل وزير جديد أو أعيد تكليفه.. دون ان يكررها الوزير كثيراً على مسامعنا دون تنفيذ حقيقي على أرض الواقع. قال الرئيس.. نحتاج إلى عمل جاد حقيقي متواصل فنحن نسابق الزمن.. سوف نتعب.. ولكن التضحية بالعرق والجهد مطلوبة حتى ننهض بمصر. قال الرئيس.. الصدق مع الناس ومراعاة هموم الغلابة من المواطنين.. وكل مسئول ينزل وسط الناس ويعرف المشاكل على الطبيعة.. وكل مسئول يبحث في كل صغيرة وكبيرة في مجال عمله ونطاق مسئوليته. وجه الرئيس.. بالتدقيق في اختيار القيادات.. وأن يكون من يتولى المسئولية على درجة عالية من الكفاءة الأخلاقية والتجرد والنزاهة والشرف.. حتى لا يفسد مهما كان مستواه المادي.. أو المنصب الذي يشغله. طالب الرئيس بالتحقيق الكامل لمبدأ المساواة دون مجاملة ولا محسوبية.. لأنها تفقد الناس الأمل وتدعو للاحباط وعدم الاجتهاد وتخل بميزان العدل. وجه الرئيس بالتطبيق الجاد لمبدأ المساءلة والمحاسبة والمتابعة لأي عمل لضمان التنفيذ الجيد والرقابة الصارمة لمنع الفساد قبل وقوعه. طالب الرئيس بالإصلاح الإداري.. وتعديل القوانين.. سدا لذرائع الفساد.. وتيسيراً على خدمات المواطنين والإجراءات المعقدة في "أضابير" دواوين الوزارات والمؤسسات. أكد الرئيس على أولوية تحسين أحوال الفقراء.. توفير السلع بالأسعار المنضبطة.. وخدمات النقل والإسكان والتعليم. أكد الرئيس على الحفاظ على المال العام.. قال كل جنيه نقدر نوفره في مناقصة سيوفر لمصر مليارات.. وكل جنيه سرقه فاسد.. أياً كان شكل السرقة بالطبع.. لن تترك الدولة حق الشعب فيه وسنحصل عليه. طالب الرئيس بإعطاء الفرصة للشباب.. وأن يتم تمكين حقيقي لهم في المواقع التنفيذية وفي حياتنا السياسية.. وتبنى الرئيس عددا من المبادرات الجادة التي تتيح الفرصة للشباب. وجه الرئيس بحلول عاجلة.. إدارية.. وتشريعية تذلل كل معوقات الاستثمار وتشجع على الإنتاج.. وتذلل عقبات الاستيراد والتصدير. توجهات الرئيس واضحة.. ومطالب الرئيس عديدة. وتكليفاته للحكومة الجديدة.. وأي مسئول تحتاج إلى عمل في صمت وبجد.. وقد لخصها الرئيس في جملة واحدة "خلوا بالكم من الشعب".. أي.. لمن يفهم ويستوعب.. ضع مصلحة الناس والبلد.. أيا كان موقعك.. هو هدفك.
السادة الوزراء.. منهج عمل الرئيس نفسه توجيه معنوي يلخصه في كلمات بسيطة.. بقوله: الدنيا لها صاحب.. سلطانه نافذ علينا كلنا.. ومهما كان التحدي والمخاطر.. لو نكون مخلصين.. أمناء.. شرفاء.. "ربنا حيساعدنا". ومن هذا المنهج.. ندرك تماماً.. أن مصر تواجه تحديا حقيقيا.. وخطيرا مازال يهددنا بأشكال ضخمة.. داخلية وخارجية.. وشاء قدر كل مواطن مصري.. وليس كل وزير منكم فقط.. أن يكون أحد تروس المواجهة.. فلنعمل جميعاً على تنفيذ التوجيهات.. لا.. "التلوك" بها فقط؟!. عاجل: حانت لحظة الشكر من عيوبنا في مصر.. عدم قول كلمة حق عندما تكون إشادة أو اطراء لمسئول.. خشية الفهم لدى عامة الناس.. إن الكلمة لغرض أو هوى.. مصلحة شخصية أو مجاملة.. أو إشادة لصداقة وثيقة مع المسئول.. لا ترى فيه إلا كل جميل.. وتبرر بالأعذار له أي خطأ.. هذه ثقافة عامة في موروثنا الشعبي.. نجيد جلد المسئول.. وان لم يخطىء.. ويستحسن الناس هذا.. ونبخل عليه بكلمة طيبة.. وإن أجاد.. ولا نشعر إننا هضمنا حقه.. هذا ما يحدث ونعيشه في كل لحظة رغم أنه يتنافى مع الدين والضمير والقيم والأخلاق التي تربينا عليها. واليوم.. حانت لحظة الإشادة والشكر بالمهندس إبراهيم محلب مع تركه منصبه كرئيس لوزراء مصر.. تفانى الرجل في العمل.. أخلص لوطنه.. وأحبه الناس.. عاش بينهم وتفاعل معهم.. واجتهد في حل أي أزمة أو مشكلة طارئة.. خاصة للغلابة من الشعب.. حتى بدا إنه يعمل بمفرده عوضا عن أعضاء حكومته بالكامل.. إلا القليل منهم.. وعن مجلس المحافظين.. إلا ما ندر منهم.. وهنا.. كان الخطأ غير المقصود. أفنى وقته في زيارات وجولات.. وانغمس في أدق وأصغر تفاصيل عمل رؤساء الأحياء.. وهذا مطلوب وجيد.. لكن شريطة أن يكون كل مسئول معه على نفس المستوى من الأداء.. وكانت هذه الطامة الكبرى التي جلبت المشاكل للرجل وللناس.. سوء اختيار الوزراء والمحافظين.. والتي بلغت حد النميمة والشائعات.. أن الاختيار كان لأهل الثقة وليس الخبرة والكفاءة.. وليس دائما المعارف والأصدقاء صالحين.. ولا يمكن ان تكون الوساطة والمجاملة في اختيار منصب المحافظ والوزير. قد يكون المهندس إبراهيم محلب ليس مسئولا عن كل هذه الاختيارات.. ولكنه المسئول الأول أمام الناس.. نعم.. حاول الاجتهاد ومداراة سوءات ضعفهم وتخاذلهم.. ولكن كل ذلك كان على حساب المهام الجسام الملقاة على كاهله كرئيس للوزراء في مرحلة انتقالية مفعمة بالقضايا الجوهرية والمشاكل الكبيرة.. وكانت النتيجة.. استمرار الحال "محلك سر".. المهندس إبراهيم محلب.. مهما كانت الظروف التي تم فيها تغيير الحكومة.. ومهما كانت أوجه النقد منا ومن الآخرين.. لا يمكن ان يزايد أحد على عشقك لوطنك.. وتفانيك في عملك.. وروح المسئولية الحقة التي عملت بها.. لم تبخل بوقت أو جهد.. وكان الإخلاص.. لله.. والوطن والناس.. شعارا حقيقيا ومبدأ راسخا من اللحظة الأولى وحتى الأخيرة في مقعد رئيس الحكومة. نقلا عن جريدة أخبار اليوم