«مبروك يا أفندم.. معاليك مرشح للوزارة» عبارة تلقاها العديدون فى مكالمة هاتفية قصيرة لتتغير بعدها حياتهم وتنقلب رأساً على عقب.. الاتصالات تنهال للتهنئة بالمنصب الوزارى.. الأسرة تعلن حالة الطوارىء.. الكل يبدأ فى رسم خطط جديدة للمستقبل.. شعور بالنشوة والحماس يتملك العائلة.. ولم لا؟!.. فكلها ساعات معدودة ويحمل أحد أفرادها لقب «معالى الوزير».. يسارع المعارف والأصدقاء لشراء الهدايا .. عقارب الساعة تسابق الزمن قبل ميعاد حلف اليمين.. اللحظة الحاسمة تقترب وها هو التشكيل الجديد يتم إعلانه.. وتأتى الصدمة! فالتشكيل الوزارى خرج بدون اسم معاليه.. لم يتم إبلاغه بقرار الاستبعاد فالكل مشغول بالوزراء الجدد.. ولا أحد يهتم بالمنتظرين على باب الوزارة! الدكتور عبد الحميد أباظة مساعد وزير الصحة واستشارى الكبد والجهاز الهضمى كان أقوى المرشحين لتولى حقيبة الصحة فى حكومة محلب، حتى إن بعض الجهات الرسمية قد طلبت منه السيرة الذاتية والإنجازات التى حققها وخططه المستقبلية لإدارة الوزارة، لتكون هذه هى المرة الرابعة التى يتم ترشيحه للمنصب الوزارى. ضغط عصبى وظل أباظة للحظة الأخيرة يستقبل مكالمات التهنئة، بل وتأكيدات من شخصيات بإجرائهم اتصالات بجهات عليا لتأكيد ترشحه، وأنهم نجحوا فى ذلك، مما دعاه بعد الإعلان الرسمى لأسماء الوزراء فى الحكومة الجديدة إلى إغلاق هاتفه المحمول ثلاثة أيام ليستريح من الضغط العصبى الذى تعرض له خلال الأيام الأخيرة قبل استبعاده من تولى المسئولية. «بين نارين» هكذا وصف الدكتور أباظة حالته حين تم إبلاغه بأنه مرشح للمنصب، موضحاً أنه كان يرى فى نفسه القدرة على خدمة البلاد وإدارة الوزارة بنجاح بما لديه من كفاءة وخبرة وإلمام بملفاتها، وفى المقابل سيتأثر عمله الخاص بشدة كما سيعود المنصب بالسلب على أسرته التى رفضت بشدة توليه المقعد الوزارى. بين القبول والرفض ومن هنا كان هناك نوع من المفاضلة والحيرة بين قبول أو رفض هذه المسئولية، وفى الوقت نفسه كان يشعر بأنه تتويج لأدائه وعطائه فى وزارة الصحة، من خلال عمله مع 10 وزراء صحة سابقين، وتدرجه فى جميع المناصب بدءاً من طبيب مقيم بمستشفى أحمد ماهر حتى أصبح مساعداً للوزير، مروراً بالعديد من المناصب القيادية التى تولاها فى الوزارة. ولكن كما يقول الدكتور أباظة يبدو أن هناك اعتبارات سياسية ومهنية فاضلت بين المرشحين وعلى أساس ذلك لم أستدع للمقابلة، وتم استدعاء زملاء أفاضل آخرين ذوى ثقل مهنى وسياسى فتم اختيار أحدهم. ويعد الاختيار وإعلان اسم الوزير وهو بالمناسبة زميل فاضل شرفت بالعمل معه قرابة العام عندما انتدب من الجامعة مساعداً لوزير الصحة الأسبق الدكتور أشرف حاتم، وهو اختيار موفق، وتلقيت بكل ترحاب نبأ اختياره وعرضت عليه تعاونى الكامل وخبرتى إذا ما طلبها، وقدمت له جميع الملفات التى كنت أديرها منذ قيام ثورة 25 يناير. ويؤكد مساعد وزير الصحة أنه قد تجاوز مع نفسه أى نوع من الإحباط أو الغضب نتيجة اعتراض بعض الشخصيات والنقابات على ترشيحه رغم تعامله معهم بكل احترام وتفان، حتى يستطيع استكمال خدمته لهذا البلد ومرضاه على حد قوله حتى بلوغه سن التقاعد نهاية الشهر الجارى. الاعتذار أحياناً الدكتور أحمد سلطان أبرز المرشحين لحقيبة النقل فى حكومة الببلاوى والذى اعتذر عن عدم قبول الوزارة، رغم أنه ظل للحظات الأخيرة المرشح الأقوى للمنصب حتى إن اسمه تم تداوله على العديد من المواقع الإخبارية ضمن التشكيل الوزارى بعد حلف الحكومة اليمين. الدكتور سلطان تحدث إلينا من لندن حول ملابسات ترشيحه وزيراً للنقل، قائلاً فور انتشار الخبر اختلفت ردود أفعال المقربين فى العائلة ما بين مهنىء ومؤيد لقبول المنصب، وما بين معترض، والواقع أننى كنت أميل إلى الرأى القائل بضرورة المساهمة فى تحمل المسئولية فى هذه المرحلة الحرجة، إلا أننى ولنفس السبب رفضت المنصب! فروق بسيطة ويوضح أحمد سلطان: اعتذارى عن المنصب لم يكن تقاعساً عن تحمل المسئولية، ولكنى رأيت أننى فى ذلك التوقيت لن أستطيع تقديم الأداء المطلوب على أفضل ما يكون، لافتاً إلى أن الفروق بسيطة بين الكفاءات الذين تمتلىء بهم مصر، والمهم أن تضع مصر قدمها على الطريق الصحيح بغض النظر عن الأشخاص. وأكد سلطان أن مصر تحب الجميع، فالتحديات كثيرة محلياً وإقليمياً ودولياً، ومصر مستهدفة ومطلوب إنهاكها، ولابد من تكاتف الجميع فى جميع وزارات ومؤسسات الدولة قيادات وعاملين بغض النظر عن الشخص فى المنصب، فنحن نمر بأزمة ومنعطف تاريخى لم تشهده مصر منذ أيام محمد على، ومتفائل جداً حول الخروج قريباً من هذه الأزمة، مشيراً إلى أنه مهما كان الوضع فهو أفضل كثيراً مما كان سيصبح الأمر عليه لو استمر الإخوان فى الحكم. يرفض الحديث المستشار محفوظ صابر رئيس محكمة استئناف المنصورة ومساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائى، أبرز الأسماء التى طرحت لتولى وزارة العدل، رفض بشدة الحديث خوفاً من أن يُفسر كلامه خطأ بأنه كان طامعاً فى كرسى الوزارة، وأنه حزين عليه. معالى المرشحة وجاء ترشيح داليا السعدنى لتولى مسئولية وزارة البحث العلمى بحكومة الببلاوى تأكيداً على انفتاح مصر واعتمادها على الأجيال الجديدة فى بناء الدولة، فهى المهندسة المعمارية الشابة خريجة هندسة الإسكندرية والتى استكملت دراستها بإيطاليا ثم عادت إلى مصر لتقتحم حقل المقاولات الذى تفوقت فيه على الرجال وحصدت 3 جوائز عالمية خلال عام واحد، لتنضم لقائمة أشهر 100 مهندس معمارى حول العالم فى مجالى العمارة والتصميم. وقد أثار ترشيح داليا العديد من التساؤلات حول علاقة تخصصها بمجال البحث العلمى، وهى النقطة التى ترد عليها موضحة أن منصب الوزير هو منصب إدارى لا يتطلب التخصص بل يحتاج إلى إدارة ناجحة وقدرة على وضع السياسات وتنفيذ الرؤى، وهى العناصر التى ترى أنها دفعت باسمها على قائمة المرشحين لتولى المنصب الوزارى، بجانب مطالبتها المستمرة للاهتمام بالبحث العلمى وتفعيل دوره لخدمة المجتمع. اكتئاب والغريب أنها استقبلت نبأ ترشحها بحالة من الاكتئاب على حد قولها، فالوقت غير مناسب لتولى مثل هذه المسئولية وسط ما وصفته بالتخبط السياسى، الذى يحول دون تحقيق ما تحلم به من إنجازات، ولكنها كانت سعيدة بشرف ترشحها فى هذه الأوقات الحرجة التى تشهدها البلاد. القرار الأول وقالت: إن أول قرار كانت ستتخذه إذا أصبحت وزيرة هو إنشاء كيان لتلقى اقتراحات تطوير العمل بديوان الوزارة، وسأعيد هيكلة الوزارة بحيث لا يوجد موظف بدون عمل فنحن فى حالة حرب، ويجب أن نضع العمل فى مقدمة أولوياتنا للعبور بسلام من الظروف الحالية. وترى داليا أن الطريق إلى المستقبل يبدأ بالتكنولوجيا، وتأمل فى أن يفكر المسئولون بطرق مبتكرة فى حلول غير تقليدية للمشكلات المزمنة التى يواجهها المجتمع، وأن يمتد التخطيط للمستقبل إلى مائة عام، من خلال استراتيجيات واضحة ومحددة يتم تنفيذها حتى مع تغير المسئول، فالمؤسسات يجب أن تكون هى الأساس فى تنفيذ المخططات وليس الأفراد. غير لائق وينتقد الدكتور رفعت السعيد آلية اختيار الوزراء فى الحكومات المتعاقبة قائلاً: إنه من غير المقبول أو اللائق أن يتم إبلاغ أشخاص بعينهم باختيارهم لحقائب وزارية ومطالبتهم بتقديم سيرتهم الذاتية ثم يفاجأ هؤلاء الأشخاص بتجاهلهم وتعيين آخرين فى المناصب التى تم ترشيحهم لها، مما يثير استياءهم ويجعلهم مثارا للتعليقات، وفريسة للتكهنات حول أسباب استبعادهم من التشكيل الوزارى فى اللحظات الأخيرة. ويضيف أنه من المفترض فى الأشخاص الذين يتم ترشيحهم أن تكون لديهم من الكفاءة والوطنية ما يؤهلهم لشغل المناصب الوزارية، ولكننا باستبعادهم نخلق لديهم عن غير عمد مشاعر سلبية وإحباطا غير مبرر نتيجة عدم وجود رؤية صحيحة للاختيار، مما يهين المرشح ويسىء لوضعه أمام الناس خاصة معارفه والمقربين منه. ويلفت رفعت السعيد إلى أن الإهانة تكون مضاعفة فى حالة التمادى مع المرشح واستدعائه لمقر رئاسة الوزراء، وهو ما يعنى أن توليه المنصب أصبح فى حكم اليقين، ليفاجأ المرشح باستبعاده من التشكيل عند حلف اليمين دون إبداء أى أسباب أو حتى إبلاغه هاتفياً تجنباً للموقف المحرج الذى تم وضعه فيه دون أى ذنب. خلل وعشوائية ويحكى رئيس حزب التجمع واقعة تكشف مدى الخلل والعشوائية واللامبالاة فى التعامل مع المرشحين للمناصب الوزارية، فعند تكليف الدكتور عاطف عبيد بتشكيل الحكومة تم استدعاء أحد الشخصيات البارزة لتولى حقيبة وزارية مهمة، وعند وصوله لمقر رئاسة الوزراء جلس فى صالون المجلس انتظاراً لمقابلة عبيد، وبعد ساعات طويلة من الانتظار علم بالمصادفة أن رئيس الحكومة وجميع المسئولين قد انصرفوا، وتبلغ الإهانة ذروتها عندما يعرف أنه تم استبعاده من التشكيل دون أن يكلف أحد نفسه عناء إبلاغه بدلاً من انتظار مقابلة وهمية. حرية الاختيار ويرى الدكتور رفعت السعيد ضرورة أن يمتلك رئيس الحكومة الحرية فى اختيار من يراه مناسباً لشغل المناصب الوزارية، وألا يعلق اختياره على علاقات شخصية أو مطامع وعداوات، بل ينبغى أن يحكم الاختيار معيار واحد فقط وهو الكفاءة دون النظر لأى اعتبارات أخرى. ويطالب رئيس حزب التجمع بضرورة توخى الدقة فى اختيار الوزراء، بحيث لا يتم استدعاء الشخص أو إبلاغه بالترشح للمنصب إلا بعد القيام بالتحريات الكافية عنه للتأكد من أنه الشخص الملائم لتولى المسئولية.