منذ قيام دولة الكيان الصهيوني باحتلال مدينة القدس عام 1967، وهي تعمل لتغيير معالم المدينة المقدسة بهدف تهويدها وطمس هويتها وإنهاء الوجود العربي -الإسلامي والمسيحي- فيها، مستخدمة لأجل ذلك عديد السياسات والإجراءات ضد المدينة وسكانها. ويعتبر تهجير الفلسطينيين من القدس أحد أبرز السياسات للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والساعية لخلق واقع جديد يكون فيه اليهود النسبة الغالبة في زهرة المدائن، واضعة المخططات لإنجاز ذلك، هادفة لتنفيذ توصية اللجنة الوزارية لشؤون القدس عام 1973 برئاسة رئيسة الوزراء آنذاك (غولدا مائير) والتي تقضي بأن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين في القدس 22 في المئة من المجموع العام للسكان. وفعلاً، لجأت سلطات الاحتلال إلى استخدام الكثير من الأساليب لتنفيذ تلك الوصية وفي طليعتها سحب الهويات من الفلسطينيين العرب في القدس. ولقد أكد التقرير العلمي الذي أعدته دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية أن أول بنود السياسات الإسرائيلية في القدسالشرقيةالمحتلة يتجلى في مسألة "سحب الإقامة (بطاقات الهوية المقدسية)" من المواطنين الفلسطينيين من سكان القدسالشرقية، وملخصه أن سلطات الاحتلال سحبت ما يزيد على 14000 بطاقة هوية من المواطنين المقدسيين في الفترة بين عامي 1967 و2010، حيث شمل ذلك في تأثيره ما يزيد عن 20 في المئة من الأسر الفلسطينية المقدسية. كما سحبت سلطات الاحتلال ما مجموعه 4577 بطاقة هوية في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2008 وحدها، أي ما يشكل زيادةً تقدر بنسبة 50 في المئة عن العدد الكلي لبطاقات الهوية التي صادرتها تلك السلطات من المقدسيين. وفي "زهرة المدائن"، تحاصر القرارات الصهيونية المقدسيين من الزوايا الأربع، وحالهم في مدينتهم المحتلة ينذر بخطر يهدد الوجود العربي فيها. فدولة الاحتلال لم تترك وسيلة سرية أو علنية منذ احتلالها للمدينة إلا واتبعتها لتحقيق هدفها المزدوج والأكبر سواء بمصادرة الأراضي أو بإخراج أكبر عدد ممكن من المقدسيين خارج القدس، واستبدالهم بمستعمرين "مستوطنين"، حيث تبين الإحصاءات الإسرائيلية أن دولة الاحتلال تخطط لزيادة عدد "المستوطنين" إلى نصف مليون، بحيث يبقى في المستقبل فقط من 70 إلى 80 ألف فلسطيني (22 في المئة من السكان). ويلخِّص المحاميان المقدسيان أسامة الحلبي ومنال الحزان محاذير سحب الهوية من المقدسيين بقولهما: "كل فلسطيني يحمل الهوية الإسرائيلية ليس مواطناً في الدولة الإسرائيلية، فإسرائيل تستطيع في أي وقت سحب هويته ولو كان مواطناً مقيماً وعاملاً في المدينة، بناءً على قانون إسرائيلي يخول وزير الداخلية الإسرائيلي سحب البطاقة الدائمة لمن يرى أنه يشكل خطراً على الدولة وبرؤية خاصة، بالإضافة إلى إقدام إسرائيل على سحب البطاقة المقدسية من كل شخص يتبين أنه لم يولد في إسرائيل (سواء ولد في الضفة أو خارج فلسطين عموماً)". ومضى الحلبي قائلاً: "إسرائيل تطلب من عائلة كل طفل ولد في المدينة أن يثبت ذلك جينياً وقانونياً"، موضحاً أن قرار "لمّ الشمل" في دولة إسرائيل للحصول على البطاقة الدائمة للإقامة في القدس يخضع لثلاث مراحل "إن حظي بالموافقة عليه"، تبدأ بحق المكوث ثم الإقامة المؤقتة، وفي النهاية حق الإقامة الدائمة". وفي هذا الخصوص يكشف الحلبي النقاب عن أن هنالك في المدينة المقدسة من أمضى عشرات السنوات وما زال يملك حق المكوث ليس إلا"! من جانبها، قالت محامية "مؤسسة سانت إيف" لحقوق الإنسان (منال الحزان) إن "إسرائيل تجيِّر القدس لقوانينها السياسية، مواصلة بذلك تهميشها للقانون والأعراف الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة منذ 42 عاماً". كما كشفت الحزان أن إسرائيل تخضع المواطنين الفلسطينيين في حال تقدمهم للحصول على بطاقة الهوية الزرقاء لمصطلح "مركز الحياة"، والذي يمنح الحق لوزير الداخلية في أن يرفض طلب الحصول على الهوية لمن يستفيد ويفيد ممن هو غير إسرائيلي "أي يطال المواطن المقدسي والذي يقيم ويملك حق الإقامة في القدس لكنه يعمل أو يدرس في منطقة أجنبية بالتعريف الإسرائيلي". فإسرائيل، وبسلاح قانونها المطبق في القدس، تخضع المواطن المقدسي لحرب استنزاف لعبور مراحل حيازة البطاقة من حرمانه من العمل والتنقل، الأمر الذي قد يدفعه ويجبره على الانتقال للعيش في مناطق أخرى تفقده وفق القانون الإسرائيلي بطاقته بعد مرور سبع سنوات على سكناه خارج حدود القدس. وفي سياق الترانسفير (الترحيل -الطرد) يأتي إعلان إسرائيل عن الشروع في تجريب بطاقات هوية جديدة لسكان القدس أطلقت عليها اسم "البطاقات الذكية" كمحاولة للإيقاع بالمقدسيين وحرمان عشرات الآلاف من حقهم في الإقامة بالمدينة المقدسة. وقد بررت الداخلية الإسرائيلية استحداث البطاقات الجديدة بتزايد حالات فقدان الهويات ووثائق السفر، ووصولها إلى ما أسمته "أيادي إجرامية وإرهابية"، رغم أنها في حقيقة الأمر تستهدف تقليص الوجود العربي الفلسطيني في القدس، حيث يبين مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري: "أن للبطاقات الجديدة (الممغنطة) أجهزة خاصة، يمكن من خلالها استعراض كافة المعلومات عن أصحابها وملامح وجوههم وبصماتهم وأماكن إقامتهم وديونهم وغير ذلك. وأنه من خلال هذه البطاقات يمكن تحديد طبيعة وعدد حركات أصحابها وتنقلاتهم وأماكن إقامتهم، وبالتالي حصر عدد الموجودين داخل القدس، وأولئك الذين يحملون هوية القدس ويسكنون خارجها". وتوقع الحموري تضرر أكثر من 120 ألف مقدسي في القرى والبلدات المجاورة الملاصقة التي أخرجها جدار الفصل العنصري العازل عن المدينة، وتهديدهم بسحب حقهم في الإقامة. ومن السهل على الاحتلال اختلاق الذرائع لسحب هويات المقدسيين، ومنها عدم الإقامة في القدس، أو عدم دفع ضريبة السكن، أو التخلف عن تسديد ضريبة المعارف، وغيرها من الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون. وقد حددت الأممالمتحدة أربع مجموعات مختلفة عرضة للتأثر في القدس، الأولى: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون في المدينة المقدسة ولم يتم تشريدهم غير أنهم معزولون عن عائلاتهم. والثانية: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون خارجها ويواجهون خطر التشريد وإلغاء حقوقهم في المدينة. والثالثة: فلسطينيون بدون هويات مقدسية يعيشون في ضواحي القدس مثل بلدتي (الرام) و(أبو ديس)، ويسعى الاحتلال لنقلهم إلى الجانب الآخر من جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية. والرابعة: فلسطينيون لا يحملون هويات مقدسية ويقيمون في القدس ما يجعلهم مقيمين "غير شرعيين" في منازلهم، وفقاً للقوانين الإسرائيلية. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية