عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس 2025 بالصاغة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    من جلسات التدليك لمنتجعه الخاص، جيسلين ماكسويل تكشف تفاصيل مثيرة عن علاقتها بإبستين وترامب    مباراة النصر ضد الأهلي مباشر في السوبر السعودي 2025.. الموعد والقنوات والتردد    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. حسام حبيب ينفى عودته لشيرين.. 3 أفلام جديدة تقتحم شاشات السينما المصرية تباعا حتى أكتوبر.. إيرادات فيلم درويش تتجاوز ال20 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    "حضورك راقي" 11 صورة لزوجة محمد عواد والجمهور يعلق    رئيس أركان الجيش الهندي يزور الجزائر الأسبوع المقبل    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى عثمان إسماعيل: هل كان «عمرو موسى».. كصالح في ثمود!
نشر في أخبار مصر يوم 06 - 07 - 2011

ما انفكت الجامعة العربية وأجواء قضاياها وآلامها وآمالها، تشغل حيزا وافرا من فكري ووقتي وجهدي، فلقد طالما شهدت عبر مداولاتها المتطاولات، وفي ثنايا لقاءاتها الخفيات، كثيرا مما يستحق أن أفرد له الصفحات، فلقد كانت – وما زالت – تجربة ثرة في فصولها، إذ تكشف – كما لا تكشف تجربة أخرى - عن ضخامة الإمكانات التي تتمتع بها هذه الأمة، كما تبين عن الهدر الممض الذي يطال هذه الإمكانات فيحيلها إلى محض ترهات وفيض من الكلام لا يسنده عمل في غياب الإرادة الناجزة، التي تعرف مكامن الفعل ومآثر الإنجاز.
والحق أن جموع الشعب العربي الكبير، على الرغم من فداحة إحباطها المتصل منذ سنوات التحرير والاستقلال، وعلى الرغم من مثارات الخلاف، وركون جامعتهم إلى بيئة الانشقاقات - فإن الجامعة بقيت في أفئدتهم تحتل مقاما حميما، وكأن حالهم يقول إن تفتتت الأحلام وأطاحت زعازع الخلاف بالآمال، فلا أقل من أن نصون الشارة الوحيدة الدالة على أن ثمة حلما عربيا بالوحدة والتواصل.
ولعل قضية من قضايا الجامعة المتكاثرات، لم تسيطر على مخيلتي كما سيطرت «قضية الإصلاح»، التي انسربت في ثنايا الفكر، وألقت بظلالها على لقاءاتي بالإخوة المسؤولين العرب حيثما جمعني بهم لقاء، وفي صدارة أولئك الصديقُ الكبير، ذو القلب العامر بمحبة أمته، الأخ «عمرو موسى» الذي وهب الجامعة خير ما تكامل في شخصيته من ألمعية وشفافية وهمة وذكاء، فجعل من قضية الإصلاح هما ناطقا، يغشى به كل منتدى، ويشيعه في كل ملتقى وحوار، حتى لكأنه المعنيّ بالإصلاح دون سابقيه.
وقد ظللت أدير مفردة «الإصلاح» هذه في ذهني محاولا أن أجد لها إيقاعا حقيقيا بالاعتماد عليه في خضم التعريفات والنظريات المتكاثرة، فمنذ منتصف القرن المنصرم، وهذه المفردة جائلة، صاعدة، هابطة، دون أن تستقر على حال، إلى الحد الذي انطبق عليه إنشاد المعري - بعد تعديل طفيف: كل يعزز «رأيه» يا ليت شعري: ما الصحيح؟
فقد تماهى مصطلح «الإصلاح»، مع مصطلح «الثورة»، لا ترضى بفكاك منه، ليطير «اليسار الأحمر» منفردا بالمصطلح، إذ لا ثورة عنده بلا إصلاح.. كما لا إصلاح بلا ثورة، مثل كل مقولاته التي صار التبرؤ منها اليوم، هو عين «الإصلاح»، في نظر الغرب الضاحك بسيطرة رؤيته، فلا فلسفة سوى فلسفته (الغرب)، تحدثكم عن الحكم الراشد «Good Governance» كميزان «للإصلاح» «Reform»، كما يتراءى لمنظريه في غمرة نشوتهم بمشاهد نهاية التاريخ!!!
ولقد سرح خاطري بعيدا، مع تواتر الخلاف الجديد في أروقة المنظمة الرياضية الأعتى «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (فيفا)، وقفزة مصطلح «الإصلاح» كمطلب أساسي داخل تلك المنظمة التي ظلت في أذهان الناس مثل الديباج المخملي: ناديا هانئا، وارف الظلال، تتسامر فيه الألفة والأناقة والهمسات.. فجأة، وإذا بلفظة الإصلاح تنبه الحالمين، فتهتز جدران المقام السويسري، الذي ظنه الناس – طويلا - عصيا على تقحم مصطلح الإصلاح.. فجأة، وإذا بكل شيء ليس ككل شيء، في هذه المنظومة المرفهة، التي صرخ يوما الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان قائلا إنه يتمنى «لو أن له بعض ما لرئيسها (بلاتر) من صولجان ومال وجاه».. ولعل ذلك هو عينه مربط الفرس.. فحيثما وجدت السلطة والنفوذ، ترعرعت نبتة الإصلاح همسا، ثم لا تلبث النبتة أن تغدو ذات جذع صلب يزاحم الرغبات والأفعال المتحصنة بالسلطة.. حتى ولو في أروقة ال«فيفا»!!!
فما هو هذا الكائن السحري العنيد المسمى (الإصلاح)، الذي بات له من الهيل والهيلمان ما لا فرق عنده بين سدة الرئاسة في منشية البكري، وشواطئ المنستير، وباب العزيزية، وتلال قاسيون، وملتقى النيلين في الخرطوم، وضفاف الخليج واتحاد الكرة العالمي!! بمعنى آخر: هل نحن متفقون - اليوم – جميعا على مبتغى واحد من الإصلاح، اتفاقنا على أهميته؟؟ هل نحن على وفاق مع المصطلح في أبعاده الاجتماعية – السياسية، التي لا ترى مآلا ناجحا لحركات الإصلاح ما بقيت بمعزل عن الجذور الاجتماعية وتشكلاتها الطبقية؟ أم نحن على وفاق مع المصطلح في فلسفته الليبرالية التي لا ترى للإصلاح صيرورة دون أن يتحصن بالتقانة وآلياتها الإدارية المستجدة، بلا إيغال في تفاصيل الحاجات الاجتماعية؟ ثم ما هو النمط الذي يتحتم على «الإصلاح» اتخاذه؟ أهو التعديل والتقويم: لقد قال عمر بن الخطاب بالأمس، مشيرا إلى ذات المعنى، مخاطبا رعيته: «ألا إن أخطأت فقوموني»، نهض واحد من رعيته مستفيضا:
«والله إن أخطأت لقومناك بسيوفنا»، فيجيب عمر: «الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بسيفه إن أخطأ».. ولم تمض الحادثة – بالطبع – دون اعتبار، فقد كان «التقويم» عند عمر أمرا ملحا، غير أن ذلك الرجل الذكي، أراد أن يبلغ بالمصطلح نهاياته القاصدة: «التقويم سيفا».. وهنا مربط تساؤلات متكاثرة عند الذين جاءوا من بعد محاذرين من الخروج على ولي الأمر، محذرين، أو فريق آخر يرى في مقولة الرجل العمري إيذانا بأن يأخذ الإصلاح مداه وإن أخرج السيف من غمده!!
إن الرؤية الإسلامية لمفهوم «الإصلاح» تستفيض لا من منطلق تباين وجهات النظر، بل من مركزية المفهوم نفسه وضخامته في مصدر التشريع الإسلامي الأساس (القرآن الكريم)، فمادة الفعل الثلاثي « صلح»، تمتاز بثراء عرفاني شديد الوضوح والنفاذ في آي الكتاب الحكيم.. يقول المفكر الإسلامي السوداني الدكتور التيجاني عبد القادر إن لفظ «الإصلاح»، ورد في القرآن الكريم في أكثر من مائة وثمانين موضعا، هي المواضع المتكررة، ثم يوضح أنه انتهى – بعد حذف المتكرر – إلى ثمانية عشر موضعا، هي التي تحتوي على المعاني الأساسية التي فصلت المائة وثمانين موضعا الآخرين، ثم إنه عمد إلى تقسيمها إلى عدد من الحقول الأوسع استيعابا، كحقل النزاع الأسري، أو حقل النزاع العشائري، أو حقل النزاع السياسي الآيديولوجي، وكلها مما يذهب معه الدكتور التيجاني إلى نتاج مفاده أن مفهوم الإصلاح «لا يستطيع أن يقف وحده منفردا ليكون أداة تفسيرية، وإنما هناك مجموعة من المفاهيم المتصلة به، ومن هنا فإن بمقدور الباحث صنع إطار تصوري، أو نموذج تفسيري، إن أفلح في تتبع شبكة المفاهيم المنبثة في ثنايا آيات القرآن...». والحق أن الدكتور التيجاني عبد القادر ينفذ إلى أسس الخلل الذي اعتور تناول مفهوم الإصلاح في مناهج الشرق والغرب، وذلك الخلل إنما هو الاجتهاد في جعل مفهوم الإصلاح منبثا من مجموع المفاهيم الأخرى، إذ ليس محوره – لدى الإسلام – صراعا طبقيا، ولا تقانة مادية وإدارية تتلفع بأثواب الشفافية والعدالة، وإنما هو «شمول» يتساوق وحياة المرء مرعيا بضميره الذاتي تقى وأمانة وإرادة فاعلة، وانتهاء ببناء الدولة في هيكلها السياسي والإداري: عدالة ومساواة وكفاءة.
أما النموذج الغربي / الوضعي لمفهوم الإصلاح، فقد طلع في شكل حركة مناهضة - أول ظهوره - هدفها إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية (القرن السادس عشر)، وذلك إثر استفحال المظاهر الخاطئة غير اللائقة داخل جسم الكنيسة، وفي صدارتها بيع صكوك الغفران، ففي عام 1517م نشر الجيرماني مارتن لوثر أطروحة في نقد الكنيسة تضمنت 95 بندا شكلت محورا لإصلاح الكنيسة، وقد كان نتاج ذلك ضمور السلطة البابوية الروحية أمام تنامي السلطة الزمنية السياسية الاقتصادية، ليهيمن إقطاعيو أوروبا بمساندة ساستها الملوك ردحا من الزمان انتهى بقيام الثورة الفرنسية التي كانت فاتحة الإصلاح السياسي الاجتماعي في أوروبا، والذي آل في نهاية المطاف إلى العصف كلية بالمصدر الروحاني الكنسي في مقاربات المجال السياسي، الذي تحول جملة إلى كيان وضعي بحت..
وذاك يشكل نقطة الخلاف الرئيسة حين نقارنه بالنمط الإسلامي المحتكم إلى حزمة من المفاهيم والأطر والآليات التي تنشد التقويم ابتداء، ثم تتدرج وفق تراتبية منطقية إلى أن تصل حد الثورة، ومن منطلق شامل النظرة يتحمل فيه الفرد مسؤولية جسيمة باعتباره أصلا للمجتمع.
ولعل شمول المنظور الإسلامي هو الذي يسندنا في النأي عن تفاصيل مفهوم الإصلاح إداريا كان أم سياسيا أم اقتصاديا.. فما نحن بإزائه – أعنى الجامعة العربية – بيئة صالحة لتطبيق المفهوم على نشاطها، حين نتساءل:
* هل يمكن إصلاح الجامعة بمنأى عن إصلاح السياسة العربية؟
* ما المقصود إذن بإصلاح الجامعة إن كان من المستحيل – في الراهن المنظور – حدوث إصلاح
جوهري على نطاق السياسة العربية؟
* هل تجسد عملية الإصلاح في الجامعة عملا تراكميا يفضي بتكامل المعرفة والتجارب فيه إلى بناء رؤية كلية.. أم أن الأمر يجيء على غير سابقة معهودة؟!
إن الإجابة عن جملة الأسئلة المدرجة هنا، يمهد الطريق أمامنا لتناول موضوعي – لا يخلو من وشيجة إكبار – نسترشد به في تتبع الجهود المضنية التي قادها أخي الأمين العام عمرو موسى طيلة سنوات عشر، جسد فيها موضوع الإصلاح حجر الزاوية في نشاطه الفعال وطاقته التي يحسد عليها، إلى الحد الذي جعل كل زيارة من زياراته لأي من أقطار المنظومة العربية، ترتبط ارتباطا حتميا بموضوع الإصلاح، بل إلى الحد الذي وضع قضية الإصلاح في الجامعة باعتبارها بندا رئيسا في الاجتماعات الراتبة، سواء أكانت وزارية أم اجتماعات قمة.. وأعرف حقا - من خلال اقترابي ومشاركاتي – مدى العنت الذي ظل يجابهه الأخ عمرو موسى، فما فل من عزمه ولا نال من حماسته، فلقد انطلق عمرو في محاولات الإصلاح، تنظيرا وتأطيرا وعملا، من قناعته الراسخة بدور الجامعة العربية، تلك القناعة التي أومأت إليها في كتابي (الأمن القومي العربي)، حين عرضت مقتطفا من خطاب له إبان القمة العربية في دمشق في مارس (آذار) 2008.
قال فيه: «تنعقد هذه القمة والغيوم تملأ الجو العربي الذي أصبحت قتامته مضرب الأمثال وباتت سلبياته تضرب في جذور النظام العربي، وتخلق حالة من الالتباس السياسي والارتباك في الأولويات والاضطراب في العلاقات العربية – العربية، وتكبيل الحركة الجماعية نحو المستقبل، وإيقاف عجلة الإصلاح الشامل التي دعت إليها قمتكم في تونس التي عقدت عام 2004، وقد صاحب ذلك اضطراب مواز في العلاقات العربية الجماعية مع الغرب التي ترجمت إلى موجات من العداء للعرب والمسلمين والشك في ثقافتهم ومقاصدهم والرغبة في استثارتهم وإشغالهم، وربما إهانتهم وتجاهل حقوقهم واستهداف هزيمتهم، وقد أدى ذلك كله إلى حالة غير مسبوقة من الخلل في الوضع الإقليمي وهو خلل تعانيه منطقة الشرق الأوسط على اتساعها والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وهو خلل يحتاج منا إلى وقفة مراجعة مع الذات وإرادة سياسية للإصلاح على مستوى أقطارنا العربية وإصلاح الجامعة العربية بل إعطائها الحرية والقوة المطلوبة لتقود عملية الإصلاح في العالم العربي، فإما هذا أو الطوفان!».
ثم يمضي الأستاذ عمرو موسى في كلمته فيقول للقادة العرب: «اسمحوا لي أن أمضي في الحديث بكل الصراحة لأقول: إننا نعاني أزمة ثقة فينا، وفي ما بيننا، نعم لقد وصل الأمر إلى درجة غير مسبوقة في تلاعب قوى دولية بقضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ربما استخفافا برد الفعل العربي أو توقعا له ردا مضطربا متفاوتا بين المعلن والخفي وبين الحاسم والمتردد، مما أوقعنا في لجة من التناقضات». ويمضي الأستاذ عمرو موسى متحدثا عن الأمن القومي العربي قائلا: «إن الأمن الإقليمي مهدد ومعه الأمن القومي العربي، ولا يجب أن نتسامح أو ندير ظهورنا لمشاكل كبرى تمس الكيان العربي ذاته دون وقفة أو وقفات حاسمة تتبنى مواقف قوية تضع في الاعتبار توجهات الشعوب العربية ومناداتها بالإصلاح الشامل لكي نحافظ على المصالح العربية ونحقق السلام والاستقرار في المنطقة كلها.
إن المواقف القوية لا يمكن أن تضر طالما كانت رصينة وعاقلة، والحفاظ على مصالحنا لا يصلح أن يكون محل نقاش أو تردد» انتهى الاقتباس. فهل كان موسى كصالح في ثمود؟ أذكر أنني تحدثت مع الأخ عمرو موسى بعد الانتهاء من إلقاء خطابه هذا، فهنأته به قائلا: «أحسدك يا عمرو على هذه الجرأة، ولكن هل من مجيب؟ فما لجرح بميت إيلام!».
كان كل ذلك تحذيرا ووعيدا للأمة العربية وللقادة العرب بالويل والثبور وعظائم الأمور ما لم تهب الأمة وتتسلح بمشروع للإصلاح الشامل، يعلي من شأن الحريات، ويزيل الظلم والاستبداد والفساد، ويراجع مسيرة التبعية والإذلال والهوان، مشروع نهضوي يفعل طاقات الأمة المعنوية والمادية والبشرية والطبيعية. ولكن، «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». عندما تم ترشيح عمرو موسى أمينا عاما للجامعة العربية أصابت الدهشة الكثيرين، فالرجل أعطى الدبلوماسية المصرية الحيوية والجرأة المطلوبة، وأذكر أنني سألته في حينه: هل من وراء ذلك مؤامرة؟ فلم ينفها. حينها كان العقيد معمر القذاف
في زيارة للسودان، وفي خيمته التي تم نصبها داخل منزل الرئيس البشير جرى استدعائي والأخ علي التريكي، وكان كلانا يتولى موقع وزير الخارجية في بلده. بدأ الحديث العقيد القذافي قائلا: «لقد اتصل بنا الرئيس حسني مبارك وأبلغنا بترشيحه عمرو موسى أمينا عاما للجامعة العربية ورحبنا بذلك». تحدث الأخ علي التريكي وأثنى على شخصية عمرو موسى، فتوجه نحوي الرئيس عمر البشير قائلا: «مالك لا تعلق! هل ستجد شخصا أفضل من عمرو موسى؟». قلت وقتها: «لا ليس عندي أفضل من عمرو موسى للجامعة العربية، ولكني أفكر في من سيكون وزيرا لخارجية مصر، فهو بالنسبة لي أخطر وأهم من موقع أمين عام الجامعة العربية». فأمّن العقيد القذافي على حديثي.
منذ تولي عمرو موسى لموقعه في الجامعة العربية وهو يطرح قضية الإصلاح، طرحها في قمة الجزائر، وطرحها في قمة تونس فكانت سببا في إلغاء القمة، ثم تواصل طرحه في كل القمم العربية التي تلت. لكنه كان ك«صالح في ثمود»، وقد فكر أكثر من مرة في الاستقالة، خاصة في قمة الجزائر، وكنت دائما أثنيه عن ذلك وأحثه على الاستمرار في جهوده ومحاولاته. لا أدري ربما كان لسان حاله يردد ما قاله نزار رحمه الله:
وإذا السيوف تكسرت أنصالها فشجاعة الكلمات ليس تفيد وكأني به، الآن، بعد تلاحق الثورات العربية، يقول: أمرتهمو أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد.
* وزير خارجية السودان الأسبق
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.