رغم القلق المتزايد بالدول ذات الاقتصاديات الناشئة من التأثير السلبى المحتمل ل"تسونامى" الأموال الأمريكية المتوقع خلال الأشهر الخمسة القادمة تسعى الدول الآسيوية الكبرى الى قيادة النمو الاقتصادى العالمى عام 2011 وسط توقعات بتراجع الدور القيادى للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على الساحة الاقتصادية الدولية. وأظهرت التجربة الناجمة عن الأزمة المالية التى ضربت الاقتصاد العالمى خلال العامين الماضيين قدرة الاقتصاديات الآسيوية على لعب دور "المحرك" للنمو الاقتصادى العالمى فى ضوء تفاقم الأزمات الاقتصادية بالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى. ونجحت الدول الآسيوية الكبرى، وخاصة الصين والهند واندونيسيا فى تحقيق معدلات نمو اقتصادى مرتفعة رغم الازمة المالية الدولية - التى أطاحت بمعدلات النمو الاقتصادى بدول الغرب خلال عامى 2010 و2011 - بفضل سياساتها الاقتصادية المرتكزة على تقوية معدلات الطلب بأسواقها المحلية وتوفير الحوافز المالية. وأوضحت مؤسسات اقتصادية دولية ومن بينها البنك الدولى وبنك التنمية الآسيوى أن الدول الآسيوية ستقود النمو الاقتصادى العالمى عام 2011 حال نجاحها فى تقليص الاعتماد المفرط على الاستيراد ودعم النمو الاقتصادى المرتكز على السوق المحلية لتفادى الصدمات الناجمة عن الأزمات المالية الدولية كأزمة الديون الأوروبية وتراجع معدلات الطلب بأسواق الولاياتالمتحدة. وفى السياق ذاته، جاء إعلان الصين استعدادها لمساعدة دول منطقة اليورو على مجابهة أزمة الديون بمثابة مؤشر إيجابى على قدرة الدول الآسيوية الكبرى على قيادة الاقتصاد العالمي، فى ضوء هشاشة مؤسسات التمويل الدولية وعجزها عن اقتراح حلول فعالة لتجاوز الازمات المالية بدول الغرب. وفى محاولة لتعزيز دفاعاتها فى مواجهة اجراءات التحفيز المالى الغربية وخاصة خطة بنك الاحتياط الفيدرالى الأمريكى المتعلقة بضخ 600 مليار دولار بالأسواق الامريكية والدولية لدعم معدلات الانفاق الاستهلاكى وتقليص قيمة الدولار بادرت الدول الآسيوية الكبرى الى تبنى خطوات ملموسة لمواجهة التأثيرات السلبية الناجمة تلك الاجراءات الغربية حيث فرضت عدد من حكومات الدول الاسيوية مثل تايلاند وكوريا الجنوبية ضرائب على الاستثمارات الأجنبية فى السندات. ومن جانبها، أعلنت الصين والهند عزمهما اتخاذ إجراءات لمواجهة التدفقات المالية الأجنبية المتوقعة عام 2011 من أجل دعم استقرارها المالى والنقدى واحتواء التأثيرات المتوقعة لتراجع الدولار على صادراتها. وتركز الاجراءات التى تعتزم الدول الآسيوية ذات الاقتصاديات الناشئة اتخاذها لمواجهة خطط التحفيز المالى الأمريكية على تقييد مستويات التدفقات الاستثمارية بالعملة الأمريكية وتبنى سياسات ناجعة على المستويات الاقليمية لكبح معدلات التضخم . من جهة أخرى، بدأ رفض الدول الآسيوية لخطط التحفيز الأمريكية واضحا فى التصريحات المناوئة التى أبداها مسئولو تلك الدول ومن بينها الصين التى اتهمت الولاياتالمتحدة بالسعى الى "تصدير التضخم" إلى دول العالم فيما انتقدت عدد من حكومات تلك الدول ماأسمته بالمساعى الأمريكية الرامية الى الخروج من أزمة التباطؤ الاقتصادى على حساب الاقتصاد العالمى. وتسعى الدول الاسيوية الكبرى إلى كبح معدلات التضخم التى تزايدت مستوياتها عام 2010، فعلى سبيل المثال ارتفعت معدلات التضخم بالصين فى نوفمبر الماضى الى 5.1 % وهو أعلى معدل للتضخم خلال الاشهر ال28 الماضية. ونتيجة لذلك رفعت الحكومة الصينية معدل الفائدة فى أكتوبر/ تشرين الاول 2010 لأول مرة منذ تصاعد الأزمة المالية الدولية وتبنت "سياسة مالية حذرة" لمواجهة التداعيات السلبية الناجمة عن اجراءات التحفيز الغربية. وترى مؤسسات اقتصادية دولية أن التضخم سوف يشكل تهديدا لاقتصاديات الدول الآسيوية عام 2011 فى ضوء التوقعات المتعلقة بزيادة معدلات التدفقات الرأسمالية الأجنبية وارتفاع أسعار الأغذية. وأوضح خبير شئون الاقتصاديات الآسيوية "أندى جى" أن الدول الآسيوية ذات الاقتصاديات الناشئة لديها القدرة على كبح التضخم حال توفر الارادة السياسية، وقال إن استراتيجية مواجهة التضخم بالدول الآسيوية ينبغى أن تركز على زيادة سعر صرف عملاتها بنحو يصل الى 50 % ومعدلات الفائدة بنحو 10 % إلا أنه استبعد احتمال لجوء الدول الآسيوية الكبرى الى زيادة سعر صرف عملاتها أو معدلات الفائدة بالنسب المطلوبة لمواجهة التضخم خشية تراجع معدلات نموها الاقتصادى. وفى السياق ذاته، لجأت الصين إلى تعزيز معدلات الاقراض المصرفى والحوافز المالية وتدعيم معدلات الانفاق الاستهلاكى لمواجهةالتداعيات الناجمة عن تراجع صادراتها الى أسواق الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى وهو انعكس بشكل إيجابى على اقتصاديات الدول الاسيوية الأخرى . واتهمت بكينواشنطن بالتسبب جزئيا فى حالة عدم التوازن المالى بالسوق الدولية نتيجة تقليصها لقيمة الدولار معتبرة أن تجاوز حالة عدم التوازن فى السوق المالية الدولية يستلزم زيادة معدلات النمو الإقتصادى والتوظيف بالولاياتالمتحدة. وتقف اليابان - ثالث أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولاياتالمتحدة والصين - على النقيض من الدول الآسيوية الأخرى حيث لاتعانى تلك الدولة من الانكماش رغم تحسن معدلات النمو الاقتصادى خلال الربع الثالث من العام الحالى وعانت اليابان خلال عامي 2010 و2011 من تراجع معدلات الطلب بالدول الغربية وارتفاع قيمة الين. من جهة أخرى، رأت مؤسسات اقتصادية دولية أن الاقتصاد العالمى لن يتمكن من القضاء نهائيا على الأزمة المالية دون مساعدة الاقتصاديات الآسيوية منوهة ان السياسات المالية والنقدية للدول الاسيوية الكبرى عززت معدلات الاستهلاك المحلى والثقة فى بيئة الاستثمار بتلك الدول. وتشير توقعات بنك التنمية الآسيوى إلى أن معدل النمو الاقتصادى بالدول الآسيوية ذات الاقتصاديات الناشئة سيصل الى 8.2 % عام 2010 مقابل 5.4 % عام 2009. وأوضح كبير خبراء البنك الدولى إيفايلو إزفورسيكى أن دول شرق أسيا استوعبت عددا من الدروس خلال تعاطيها مع الأزمة المالية الدولية تمثلت فى ضرورة دعم مؤشرات الاقتصاد الكلى وتبنى سياسات نقدية ومالية مرنة وتطبيقها بفاعلية فى الوقت المناسب وتقليص معدلات المديونية الخارجية وتعزيز الجهاز المصرفى. واعتبر أن الدول الآسيوية استوعبت الدروس الأليمة الناجمة عن الأزمة المالية التى ضربتها عام 1997 لافتا إلى أن التدفقات المالية الأجنبية القادمة من دول الغرب ستشكل التحدى الأكبر الذى يواجه الاقتصاديات الآسيوية.