«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسئولون التسعة الكبار الذين أداروا أزمة مرض الرئيس والدولة في غيابه
نشر في الدستور الأصلي يوم 19 - 03 - 2010

عندما غادرت طائرة الرئاسة المصرية التي تحمل رقم واحد وشعار النسر المميز علي خلفية العلم الوطني المصري، وعلي متنها الرئيس حسني مبارك ومرافقيه، الأجواء المصرية إلي ألمانيا في الرابع من الشهر الحالي ، تحول الرئيس عمليا وسياسيا إلي مواطن مريض فقد جميع صلاحياته الدستورية والسياسية إلي حين.
لم تكن زيارة الرئيس إلي ألمانيا عادية أو مفاجئة بكل المقاييس فقد سبقتها استعدادات وترتيبات سرية اطلع علي تفاصيلها عدد محدود للغاية من كبار ومسئولي الدولة والحكومة المصرية.
ولم يكن جميع وزراء الحكومة علي اطلاع مسبق بحقيقة أن الرئيس سيخضع لتلك العملية الجراحية، بل إن بعضهم فوجئ لاحقا بالنبأ.
لكن الحقيقة هي أن المقربين فقط من الرئيس كانت لديهم جميع التفاصيل حول حاجة الرئيس إلي عملية جراحية، بعدما تكررت شكوي الرئيس وتعددت من أعراض جانبية رأي الأطباء المصريون الذين يشرفون علي علاجه بعد فحوصات مبدئية أن الرئيس في حاجة إلي جراحة فورية.
تسعة أشخاص فقط بقوا علي علم بحقيقة ما يجري إلي جانب زوجة الرئيس ونجليه، وهم الدكتور أحمد نظيف والفريق حسين طنطاوي وزير الدفاع واللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس، والدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة وأحمد أبوالغيط - وزير الخارجية - وأنس الفقي - وزير الإعلام - وحبيب العادلي - وزير الداخلية - وسفيرنا لدي ألمانيا رمزي عز الدين.
هؤلاء هم الذين أداروا الأزمة في غياب الرئيس، بيد أن اثنين منهما وهما الفقي والجبلي اقتصرت مشاركتهما في حدود الدور المعين الذي رسم لهما، بينما اضطلع الدكتور عزمي بالدور المهم إلي جانب عائلة الرئيس، فيما ظل دور اللواء سليمان كالعادة خلف الأبواب المغلقة.
وبعدما كان الجبلي يظهر باستمرار إلي جانب الفريق الألماني في مؤتمراته الصحفية المعتادة، ويقوم أحيانا بدور المترجم، انتقل إلي أمريكا، حيث تجري السيدة زوجته هي الأخري عملية جراحية قيل إنها علي نفقة الدولة.
لأسابيع عدة عاني الرئيس من الألم ، علي أن تحامله علي نفسه وصل إلي مداه بعدما ظهرت الأعراض بشكل واضح ولم يعد في الإمكان تجاهلها.
استعرض الرئيس جميع التداعيات التي ستترتب لاحقا علي خضوعه للنصيحة الطبية، وجري ترتيب الأمر في حدود سرية فمرض الرئيس أو وضعه الطبي في أي دولة هو سر من الأسرار القومية التي يجب حمايتها بكل الطرق وشتي الوسائل.
وفي دولة شمولية الطابع وتتمركز فيها كل السلطات والصلاحيات في قبضة رجل واحد، كان طبيعيا أن يكون القرار هو فقط خاص بالرئيس وحده دون شريك، لكن هذه المرة كانت ثمة ضغوط طبية وعائلية علي الرئيس للإسراع برحلة العلاج الحتمية.
لم تفلح المسكنات التي تعاطاها الرئيس في تخفيف حدة الألم أو تفادي أعراضه، فالرئيس الذي يخضع كغيره من زعماء العالم لكشف طبي دوري ومنتظم أدرك أن الوقت حان لاتخاذ قرار سعي كثيرا دون جدوي لتجنبه، ألا وهو الاستماع إلي نصيحة الأطباء.
كان محظورا علي الفريق المعالج للرئيس أن يتفوه بأي كلمة أو ينقل الخبر حتي إلي معارفه، ذلك أن من يتم اختيارهم لتلك المهمة بعد اختبارات أمنية ونفسية واستنادا لتاريخهم العلمي والمهني، يوقعون سلفا إقرارا خطيا ورسميا بعدم الخوض في مثل هذه الأمور أمام العامة أو وسائل الإعلام.
عبر موقعه الالكتروني يقول الدكتور علي مؤنس أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بكلية الطب جامعة عين شمس إنه غالبا ما تكتشف حصوات المرارة صدفة عندما يفحص المريض لأي مرض آخر أي عندما يفحص للكبد مثلا ويفاجأ بوجود حصوات بالكيس المراري برغم أنه لم يشكو من المرارة في يوم ونعتبر هذه الحصوات أنها حصوات ساكنة قد يكون لها الاعتبار في اختيار طريقة العلاج، وهذه الحصوات الساكنة هي غالبية اكتشاف وجود حصوات المرارة وهذه الحصوات لا تسبب للمريض أي أعراض علي الإطلاق فهي مستقرة في الحوصلة المرارية وساكنة تماما ولا تتحرك من مكانها.
تدبير البيت من الداخل كان هو أول ما فكر فيه الرئيس، فهو يعلم من أطبائه أن العملية الجراحية التي سيخضع لها لاحقا تتطلب تخديره وهو ما يعني أنه سيكون مغيبا لبضع ساعات عن الوعي إلي أن تبدأ عملية النقاهة واسترداده لعافيته.
كان قرار الرئيس هو تكرار ماحدث عام 2004 عندما خضع لعملية جراحية في العمود الفقري بألمانيا أيضاً، حيث قرر نقل صلاحياته الرئاسية إلي رئيس الوزراء آنذاك، عاطف عبيد، لحين عودته من الخارج.
الآن أدرك الرئيس فقط أنه دفع من صحته ثمنا غاليا لإصراره علي عدم تعيين أي نائب له منذ توليه السلطة عام 1981، فقد كان بمقدور هذا النائب في حال وجوده أن يخفف الكثير من الأعباء الملقاة علي عاتق الرئيس أو بالأحري تلك المهام التي يصر الرئيس علي القيام بها منفردا.
لا نعرف كيفية إبلاغ الدكتور نظيف بقرار الرئيس تفويضه مؤقتا بصلاحيات رئيس الجمهورية إلي حين عودة الرئيس، ولم نعرف هل تم عقد اجتماع غير معلن بين الرئيس ورئيس الحكومة أو أن الأمر اقتصر علي انتقال أحد معاوني الرئيس إلي مكتب نظيف لإبلاغه أو أن الدكتور زكريا عزمي - مدير ديوان الرئيس - هو من أبلغ نظيف.
وبغض النظر عن الطريقة التي جري بها إبلاغ نظيف بقرار الرئيس واستعداده للسفر، فإن ماحدث هو محاولة لتفادي وجود فراغ في السلطة خلال خضوع الرئيس للعملية الجراحية.
أغلب الظن أن الدكتور نظيف بعدما تمني للرئيس الشفاء العاجل والعودة سالما غانما إلي أرض الوطن تعهد بأن يكون عند حسن الظن، وأن يكون علي قدر المسئولية والأمانة التي ألقاها الرئيس في يوم وليلة علي عاتقه واضطره إلي قطع رحلة شهر العسل التي لم يهنأ بها كثيرا.
يدرك الرئيس أن هنالك العديد من عمليات التجسس قامت بها وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» والمخابرات الإسرائيلية «الموساد» للتجسس علي رؤساء عرب من بينهم الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، رغم ما كانا يحظيان به من إجراءات أمنية مشددة.
ورصد الدكتور سمير محمود قديح وهو باحث فلسطيني مخضرم في الشئون الأمنية والاستراتيجية، أن رجل المخابرات الأمريكية «مايلز كوبلاند» كان المنوط بجمع المعلومات وتسجيل الملاحظات الظاهرة حول صحة الرئيس عبدالناصر، حيث كان يقيم بالقاهرة كمدير لفرع إحدي الشركات الأمريكية في حقبة الستينيات، وكان يذهب باستمرار إلي مكتب عبدالناصر ومنزله كأحد رجال الأعمال الأمريكيين، الساعين لتقوية العلاقات الصناعية بين مصر والولايات المتحدة، وكان يقوم فور إنهاء زيارته بإبلاغ جميع الملحوظات التي يراها علي الرئيس الراحل للأطباء النفسيين التابعين ل «CIA».
وعبر اتصالات مكثفة لكن غير معلنة كان سفيرنا في العاصمة الألمانية برلين رمزي عز الدين رمزي طرفا فيها، وقع الاختيار علي هذا المكان الذي يقول موقعه الإلكتروني الرسمي علي شبكة الإنترنت أنه يشغل مكانة بارزة بين المراكز الطبية الأكبر والأكثر شهرة ليس فقط علي مستوي ألمانيا بل أيضاً علي مستوي أوروبا بأسرها.
في نهاية المطاف اتخذ الرئيس قراره وحسم أمره بالسفر إلي ألمانيا، كان السؤال الرئيسي لاحقا هو: كيف سيتم تبرير غياب الرئيس في الخارج لبضعة أيام قد تطول لأسبوعين ( وفقا لتصور البعض وهو الصحيح).
السيناريو جري علي النحو التالي إبلاغ الحكومة الألمانية برغبة الرئيس في القيام بزيارة إلي ألمانيا ذات شقين، جزء منها سياسي وآخر طبي.
تفهم الألمان علي الفور المطلوب ولعبوا دورا أساسيا في إخراج المشهد كما تابعناه، حيث توجه الرئيس إلي ألمانيا في زيارة قيل أولا إنها ذات طابع رسمي بحت تتعلق بالتشاور المستمر بين الرئيس مبارك والحكومة الألمانية حول القضايا الراهنة في منطقة الشرق الأوسط.
اللافت للانتباه هو أن حالة من الشفافية المفاجئة تلبست الجميع، وعوضا عن حالة التعتيم والتكتم التي كانت سائدة في السابق في المرات التي تعرض فيها الرئيس لأزمات طبية طارئة أو وعكات صحية مفاجئة، تقرر أن يصدر إعلان رسمي يمهد للشعب المصري فكرة اعتزام الرئيس التغيب في الخارج للخضوع لعملية جراحية.
وتبرع سفيرنا في ألمانيا بإطلاق تصريحات انصبت كلها علي أهمية محادثات مبارك مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل في تطوير العلاقات الثنائية ولكنه لم ينبس ببنت شفة عن مرض الرئيس أو حالته الصحية.
لم يظهر سفيرنا هناك ولو مرة واحدة مدليا بأي تصريحات إضافية منذ دخول الرئيس للمستشفي، وهو أمر التزم به أيضا رئيس الحكومة ومعظم وزرائها علي اعتبار أن التطرق إلي هذه الموضوعات من المحرمات والتابوهات السياسية الممنوعة.
في الواقع فإن تلك الشفافية كانت مصطنعة لعدة أسباب: أولها أنه لم يكن ممكنا التكتم علي وجود الرئيس في مستشفي خاص في ألمانيا بضعة أيام أو أسابيع دون تسرب الخبر إلي مختلف وسائل الإعلام والأوساط الدبلوماسية الغربية.
وثانيا أن غياب الرئيس الذي اعتادت الناس أن تطالع أخباره بشكل يومي عبر نشرات الأخبار المصورة والمطولة أمر صعب ، فنشاط الرئيس يأتي دوما علي قائمة الأخبار التي تبثها رسميا وسائل الإعلام الخاضعة لهيمنة الرئيس ونفوذه، وتغيبه كان ليصبح أمرًا لافتا للانتباه ومدعاة للقيل والقال، وثالثا لأن الغياب كان لن يمر بسهولة وقد تنتج عنه ردات فعل سيئة تؤثر سلبا في أوضاع الاقتصاد والبورصة وتجر البلاد لمخاطر وقلاقل أمنية عديدة.
في اليوم التالي لوصوله إلي ألمانيا أي في الرابع من الشهر الجاري، أصدر وزير الإعلام أنس الفقي بيانا مقتضبا هو الأول من نوعه حول حالة الرئيس، وقال البيان الذي حمل رقم 1، ووزعته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، أن الرئيس سيجري السبت عملية جراحية لاستئصال الحويصلة المرارية وذلك بمستشفي «هايدلبرج» الجامعي في ألمانيا، لافتا إلي أن الفحوصات الطبية التي أجراها الرئيس مبارك بعد ظهر الجمعة أكدت وجود التهابات مزمنة بالحويصلة المرارية.
البيان كان هو الفرصة الأولي لمتابعة دور وزير الإعلام في قصة مرض الرئيس، لكنه كان مدهشا أن يخرج من مكتب الفقي بينما كان مكتب الرئيس أو الناطق الرسمي باسمه هما الجبهتان اللتان كان يفترض أن يصدر عنهما هذا البيان، خصوصا أنه تضمن الإعلان عن القرار رقم 60 لسنة 2010، الذي يفوض فيه الرئيس الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء بجميع اختصاصات رئيس الجمهورية طبقاً للمادة 82 من الدستور إلي حين عودته إلي مباشرة مهامه.
باستثناء هذا الدور المفروض، لم يكن للفقي أي وجود محسوس في تلك الأزمة، بل إن تسريب المعلومات عن قرب ظهور الرئيس عبر صور فوتوغرافية أو لقطات مصورة ثم التراجع عنها، قد أدي إلي تزايد القلق حول صحة الرئيس وبالتالي تصاعد التساؤلات لدي الرأي العام المحلي.تعويضا عن القصور الإعلامي وغياب صور الرئيس صوتا وصورة استعاض الفقي بتقارير هزيلة لبعض الصحف الألمانية ولكنها لم تكن في مجملها تقدم أي معلومات للمواطن العادي الذي صدق، في بداية الأمر أن الشفافية حلت علي أداء الحكومة ومؤسساتها قبل أن يكتشف لاحقا أنها شفافية مؤقتة لن تصمد أمام الطبيعة المتكتمة للنظام ورجاله. كان أمرا مضحكا ألا يظهر الرئيس حتي وهو علي فراش المرض داخل غرفته في المستشفي الألماني، بعدما صدق الناس أن مايعاني منه الرئيس هو فقط المرارة، وأن القصة بسيطة وتنتهي بخضوعه للعملية الجراحية.
لكن الأيام مرت دون أن يظهر الرئيس وبدون أن يتمكن الفقي أو غيره من تقديم التفاصيل التي يحتاجها الشعب المربوط بدور الرئيس ونفوذه وقدره.في هذه الأزمة لقد بدأ بالتحضير لسفر الرئيس مرورا بترتيبات الإقامة له ولأسرته ولكبار المسئولين المرافقين له ولحراسهم جميعا، ومرورا بالوعد الذي أطلقه لمحمود سعد في برنامج مصر النهاردة حول اعتزام الرئيس الظهور قريبا في حديث مباشر علي شاشات التليفزيون المصري لطمأنة الناس.
هنا اكتشف الجميع أن الحديث عن الشفافية أمر لا محل له من الإعراب، وأن المسألة تدار بشكل عشوائي، فها هو الرجل الأول في مكتب الرئيس وكاتم أسراره وأبرز مساعديه، يسعي لسد الفراغ بعفوية فيكشف عن قمة التناقضات في نظام الحكم.صحة الرئيس ومرضه باتا مادة إعلامية مثيرة للدهشة وفاتحة للشهية، في غياب أي تفصيلات واضحة عن التطور اليومي لوضع الرئيس بعد خروجه من غرفة العناية المركزة في المستشفي الألماني.تابع الناس في أول الأمر التقارير الصحية اليومية التي يصدرها الفريق الطبي الألماني المعالج للرئيس برئاسة الدكتور ماركوس بوشلر، لكن الرجل تحول بمرور الوقت إلي مجرد طبيب في مستشفي أبو الريش، عندما بدأ يدلي بتصريحات هزلية هدفها تأكيد أن حالة الرئيس جيدة لكن دون صورة!!.
واحتفي الإعلام الرسمي بتصريحات بوشلر غير الطبية التي قال فيها: «لقد التقيت مع الرئيس مبارك بغرفته لإجراء الفحص الطبي المعتاد حيث دعاني لتناول القهوة معه وكان في حالة معنوية جيدة ويتمتع بروح الدعابة التي اعتادها مع فريقنا الطبي». بوشلر تحول من لاعب رئيسي في إدارة مرض الرئيس باعتباره كبير ورئيس الفريق الطبي الألماني المعالج له، إلي مراسل للتليفزيون المصري يقول فقط مايريدون وهو في الواقع لا يقول أي شيء. الحسنة الوحيدة في دخول الرئيس مريضا ( ونتمني له الشفاء) هو أنه أراح الناس قليلاً من متابعة نشاطات نجله جمال القيادي البارز في الحزب الحاكم الذي رافق الرئيس ومازال في رحلة العلاج إلي جانب شقيقه الأكبر علاء.
تواجد العائلة مجتمعة إلي جانب الرئيس يحمل إشارت إلي ترابطها القوي ويوحي بأن الجميع قلق للغاية علي صحة الرجل، لكنه بالأساس يعطي إيحاء آخر بإن ثمة أمرًا يدبر له بليل، علي الرغم من أن الرئيس لطالما اعتبر أن مصر ليست العراق أو سوريا وأنه يرفض فكرة التوريث في الحكم.
يبقي أن ما حدث في ألمانيا هو «البروفة جنرال»، لما قد يحدث في اليوم التالي لغياب الرئيس، تري أيهما قد يحدث، الفوضي المنظمة والخلاقة التي تمكن نجل الرئيس من مقعد السلطة، أم أن المقادير ستقدم إلينا حلا آخر؟! ونلتقي بعض الفاصل، عفوا أقصد بعد عودة الرئيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.