الجمعيات الأهلية المصرية، المعنية بتوفير الدم الآمن، لكل من يحتاج إليه، من المصابين والمرضي، مثل جمعية شريان العطاء، التي كوًَّنها الشباب، وتعتمد علي حيوية وفكر وعطاء الشباب، هي أحد الآمال الكبيرة، في حل مشكلة الدم في مصر، ليس لأنها تمتلك إمكانيات هائلة، ولكن لأن شبابها يهبطون إلي أرض الواقع، ويتعاملون مع المواطنين طواعية، ووجهاً لوجه، لذا فهم الأقدر علي فهم حقيقة الأمور كما هي، والتفاعل معها علي نحو واقعي وعملي، مما يتيح لها أن تراعي، مايطلق عليه (البعد النفسي للحملة)، فالجهات الحكومية تتعامل بقصر نظر، ليس في موضوع الدم وحده، ولكن في جميع الأمور، وتتبع نظرية عظيمة، اسمها (احييني النهاردة وموتني بكره)... وهي سياسة تحل المشكلات المحدودة، وتصنع كارثة علي المدي الطويل، فالمستشفيات الحكومية مثلاً، تطالب أسرة كل مريض، يحتاج إلي جراحة، بإحضار ثلاثة أو أربعة متبرعين إجباريين للدم ؛ لإتمام الجراحة، وفي إحدي المدن، أصًَّر المرور علي تبرُع من يريد استخراج رخصة قيادة لسيارة أجرة بالدم، وكلا الأسلوبين لن يرسًَّخ سوي ثقافة واحدة، وهي ثقافة أن التبرًَّع بالدم ليس واجباً وطنياً، أو صدقة تطوعية، بل هو نوع من العقاب، لابد أن يسعي المرء للفرار منه، في الوقت نفسه الذي يحيا فيه المسئولون الرسميون حلماً رومانسياً، يطالب المواطن نفسه بالتبرًَّع دورياً وتطوعياً بالدم، لأن غيره يحتاج إليه !!... وهنا ندخل في لعبة البيضة أم الدجاجة.... إذ ينبغي أن يتبرع الناس بالدم طواعية، وعلي نحو دوري، بمنتهي الحب والوطنية والعطاء، علي الرغم من أن حماقة مسئولين رسميين آخرين، جعلتهم ينظرون إلي الأمر باعتباره عقاباً من الدولة والنظام لهم ؛ فقط لأنهم يحتاجون إلي أوراقه وأختامه وخدماته، التي يؤكًَّد هو نفسه كنظام، أنها حق لكل مواطن، فمن يصدقون ؟!... وكيف ؟!... الجمعيات الأهلية إذن هي الأمل.... والشباب هم الوسيلة... والحماس هو الوقود.... والعطاء هو الدافع.... المسئولون الرسميون لن يحلوا المشكلة، لأنهم لا يفكرون عملياً في المرضي، بل أنستهم نظرياتهم الكمالية أن هدفهم الفعلي كان هؤلاء المرضي، وأن ينبغي توفير الدم الآمن لهم بأي وسيلة أوًَّلاً، ثم تطبيق نظريات يوتوبيا ثانية.... وللحديث ختام... آتٍ.