الجهات المعنية بمشكلة الدم فى مصر ، باستثناء الجمعيات الأهلية غير الحكومية ، لم ترتب أولوياتها على نحو سليم ، حتى هذه اللحظة ، فالمرضى فى مصر يعانون مشكلة يومية ، فى الحصول على ما يحتاجون إليه من دم ، بعضهم على نحو مؤقت ، وبعضهم بصفة دورية ، مثل بعض الأطفال المصابين بأمراض الدم ، والذين تذوى براءتهم على نحو تتمزق له القلوب ، لاحتياجهم إلى شريان الحياة ، والذين لو ألقيت نظرة واحدة علهم ، لما ترددت لحظة فى منحهم دمك ، كلما استطعت هذا ، وعلى الرغم من هذا ، فالمسئولون فى مصر يسعون للكمال المستحيل ، ويضربون لنا أمثلة مستفزة ، عن ثقافة التبرًَّع بالدم فى سويسرا وكندا وبلاد تركب الأفيال ، وكأنهم لا يعيشون هنا فى مصر ، ولا حتى هناك ، فى البلاد التى يضربون بها الأمثال ، بل فى عالم الخيال ، ولا توجد مشكلة فى الحلم ، ولكن المشكلة فى أن يعزلك العلم عن الواقع ، وينتزعك من عالم الحقيقة ، فبالنسبة للمريض ، لا توجد أحلام أو رومانسية ، فهو والمصاب يوجد فقط دم ، أو لا يوجد ، وكلما هما لن ينتظر سنوات ، حتى تنصلح المنظومة كلها ، ويتحوًَّل الشعب المصرى إلى الجنسية السويسرية ، وتنتشر فيه ثقافة التبرع بالدم ، حتى يحصل هو على ما يحتاج إليه ، وهو وفقاً لأحلام المسئولين الرومانسية ، لن يحصل عليها ابداً ، ولا حتى ورثته سيحصلون عليها ، فكما قال الزميل الأديب والصحفى محمد فتحى ، فنشر ثقافة التبًَّرع بالدم يحتاج إلى تسويق ، مثله مثل أى ترويج فى العالم ، ويحتاج إلى مراحل تمهيدية ؛ لأن مثله مثل أى أمر آخر ، لن يقفز إلى فى قفزة واحدة ، ولا يحتاج إلى التضحية بآلاف المرضى والمصابين ، حتى يتحقق هدف المثالية الأعظم ... الأمر يحتاج إلى السير فى خطين متوازيين فى وقت واحد ، أوًَّلهما وأهمهما هو نشر ثقافة التبرع التطوعى الدورى للدم ، بين شباب مصر بالتحديد ؛ باعتبارهم أمل المستقبل ، وثانيهما إيجاد وسائل ترغيبية للحصول على الدم اللازم الآمن المطلوب ، فى المراحل الإعدادية للهدف الأول ... والواقع أن تحقيق الهدفين بالتوازى ، يحتاج إلى مرونة ااوافق مع أرض الواقع ، وإلى فكر غير متعنت وغير متزمت ، وهذا لن يتواجد حتماً فى أية جهات رسمية محدودة الفكر ، بل إلى أمل مصر فى أن يتوافر لديها ما تحتاج إليه من دم ... إلى الجمعيات الأهلية ... ومازال لحديث الدم بقية.