فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    السبت 15 نوفمبر 2025.. أسعار الذهب تتراجع 35 جنيها وعيار 21 يسجل 5475 جينها    عاجل- الجيش السوداني يوسع عملياته في كردفان ويستعيد مواقع استراتيجية تمهيدًا للتقدم نحو دارفور    حماس: أهالي غزة يتعرضون للإبادة رغم إعلان توقف الحرب    مباحثات مصرية فلسطينية تتناول مشروع القرار بمجلس الأمن بشأن الترتيبات الأمنية بغزة    نتائج قرعة دور ال32 من كأس مصر    إنجاز مصري بالرياض.. المنتخب المصري يتألق وعمر هشام يشيد بنجوم الجولف    البث المباشر لمباراة إسبانيا وجورجيا اليوم في تصفيات كأس العالم 2026    ليفربول يجهز عرضًا بقيمة 170 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع خليفة صلاح    ضبط عاطل بالشرقية يدير صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبيع أسلحة بيضاء    تراجع في سقوط الأمطار مع استمرار تأثير نوة المكنسة على الإسكندرية    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    "الداخلية" تكشف حقيقة الادعاء بالتعنت تجاه بعض التابعين لأحد المرشحين بالانتخابات    حسين فهمي يفتتح سوق القاهرة السينمائي بمشاركة 20 جهة عربية ودولية    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    تأييد الحكم بحبس سائق التريلا المتسبب في مصرع بنات كفر السنابسة بالمنوفية 15 عامًا    التخطيط والتعاون الدولي تقدّم الدعم لإتمام انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس الرياضي    الرئيس التنفيذي للمتحف الكبير: إطلاق مدونة سلوك قريبا.. وسنضطر آسفين للتعامل وفق حجم الخطأ حال عدم الالتزام    كيف سبق المصري القديم العالم بالتكنولوجيا؟.. خبير يوضح    «حكايات من الصين المتطورة: لقاء مع جوان هو» في أيام القاهرة لصناعة السينما| اليوم    أسعار الفراخ في البورصة اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    على رأسهم معلول.. استبعاد 8 من تونس لمواجهة البرازيل بسبب فشل استخراج التاشيرة    بعد 100 يوم من حكم الإعدام.. سفاح المعمورة يحلم بالبراءة    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    «الطفولة والأمومة» يتدخل لإنقاذ طفلة من الاستغلال في التسول بالإسماعيلية    عمرو سعد يكشف تطورات الحالة الصحية لشقيقه أحمد بعد حادث العين السخنة    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    أمريكي يعتدي على شباب مسلمين أثناء الصلاة في ولاية تكساس.. فيديو    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة غزة ومسيرة تطلق نيرانها شمال القطاع    الصحة العالمية: «الأرض في العناية المركزة».. وخبير يحذر من التزامن مع اجتماعات كوب 30    وزير الإنتاج الحربي: حياة كريمة تجربة تنموية مصرية رائدة تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يبحث مع البنك الأوروبي تعزيز الاستثمارات وتطوير المنشآت الصحية    الأهلي يستأنف تدريباته اليوم استعدادًا لشبيبة القبائل بدوري الأبطال    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    الري: الاعتماد على البصمة المائية لتحديد المحاصيل التي يتم زراعتها بالمياه المعالجة    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية لقرية أم خنان بالحوامدية    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على سلع غذائية واللحوم وسط مخاوف تصاعد التضخم    ضوابط تلقي التبرعات في الدعاية الانتخاببة وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر طاهر يكتب: ملكة البرتقال
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 10 - 2012

سأله البائع «أخدت من ابو 4 ولّا من ابو 6»، أزعجه السؤال إذ كان يؤمن أن مظهره لا يوحى أبدا بأنه من النوع الذى يأخذ من «ابو 4»، عندما يشترى الفاكهة بالذات يختار من الرَّصة ذات السعر الأعلى على الأقل ليشعر أنه «عمل اللى عليه» للحصول على أفضل ثمار ممكنة.

كان البرتقال الأخضر المعروض له جاذبية سحرية، الأخضر هو لون البرتقال فى بداياته، من هنا جاء السحر، فكل شىء فى الكون يأخذ فى بدايته لونا متميزا وبمرور الوقت يعود إلى لونه التقليدى بداية من الحب نهاية بالبرتقال، لولا سحر البدايات لتوقف الكون عن الحركة.
أخذ برتقالة إلى غرفته ووضعها أمامه على المنضدة، احتار كيف يأكلها.

هل يأكلها من باب المعجزة الإلهية فى هذه الثمرة؟ هل يتأمل تلك الرسالة الصغيرة التى تقول يمكن للضدين أن يجتمعا فيخلبا القلوب، طعم الملح وطعم السكر، فى كل فص ينتصر أحدهما على الآخر، وعلى مدى ثمانية فصوص على الأقل يختبر الواحد ثمانى تجارب للائتلاف لا تشبه واحدة الأخرى! هل يمكنك أن تروى شهوتين فى وقت واحد، الجوع والعطش؟ الفص يمكن أن يصبح لقمة تسند المعدة، وما الفص إلا قطرات ماء متراصة بإحكام، يمكنك أن تخلص فى العبادة فتصبح روحك صلبة وحتى لا تنقلب الصلابة جفافًا يبلّ الله ريقك بنعم الدنيا التى حرّضك عليها فى رسالاته لتنعم بحياتك.

هل يأكلها من باب الطفولة؟ يعرف أنه كبر لأنه لم يعد يصادف فى كيس البرتقال الذى أحضره والده ثمرة «البرتقال أبو دمُّه» حيث كان الفص يبدو من الخارج كأنه قد أصيب بجلطة، كان دم البرتقال سكريا جدا وعندما كبر عرف أن طعم الدم فى كل الكائنات يميل إلى هذا المذاق، يتذكر أن المازنى الأديب الكبير المعروف كان أول من أدخل زراعة هذا النوع من البرتقال فى مزرعته بمديرية الشرقية، هو لم يقرأ حرفًا للمازنى لكنه يعرف أنه كبر لأن نزلات البرد صغيرا كانت تعنى أكبر طبق برتقال ممكن فوق البطانية ليشفى سريعا.

الآن ولا خمسة كيلوجرامات ستشفيه بعد أن دخل مرحلة احتياج الجسد إلى فيتامين سى صريح عبر كبسولة تحمل رقما مخيفا (500)، يعرف أنه كبر لأنه لم يعد يعيش مع والدته التى تطالب الأسرة بالحفاظ على القشر لتَبْشُره صانعةً منه كيكة البرتقال، أو التى تطالبهم ب«ماحدش يقرّب من البرتقال» لأنه فى طريقه لأن يصبح مربّى تزينها حبات القرنفل اللاذعة التى ستزعجه كثيرا فى الفسحة المدرسية وهو يتناول الساندوتش، كبر لأنه أصبح يعتمد على نفسه فى تقشير الثمرة والخروج بها سليمة تماما مهما كانت القشرة لزجة ومهما كانت الثمرة ضعيفة، وهى المهارة التى اكتسبها من كثرة الدخول والخروج من عربات المترو.


هل يأكلها من باب الفائدة الصحية؟ يقول علّامة عصره وحكيم زمانه السيد «جوجل» فى بحث عشوائى دون علامات اقتباس «البرتقال عظيم الفائدة للمرضعات»، هو لم يختبر هذه المسألة طبعا لكنه تذكّر رسما تشريحيا لثدى الأم وتذكر أن غدة الرضاعة تشبه بالضبط ثمرة برتقال شفافة صغيرة، قال له «جوجل» البرتقال به 28 عنصرا غذائيا أهمها الحديد والفسفور والكالسيوم وفيتامين «بى» وفيتامين «سى»، يصفّى الدم ويطرد البلغم، ومنظف للكلية والمثانة، ويعالج الإمساك، ويقوى الأعصاب والقلب، ويطرد الغازات والآثار السامة للأدوية، وصندوق برتقال فى البيت أفضل من صيدلية صغيرة، أما نفسيا فهو منوّم ومهدّئ وملطّف للمزاج وفاتح للشهية ويعتبره الصينيون رمز السعادة، ويقول الفرس عن شجرة البرتقال إنها شجرة الفردوس.

فتنته ثمرة البرتقال فأمعن فى التوحد معها.. شجرة البرتقال صبور لا تطرح قبل أربع سنوات، إن صبرت عليها تظل كريمة معك ما لا يقل عن خمسين عاما. شجر البرتقال فى الحلم يعنى صحة موفورة ورزقا وفيرا، لكن أكله فى الحلم يعنى قلقًا وهَمًّا، على الرغم من أنك إذا حلمت بأنك تطعم زوجتك برتقالا فهذا يعنى زوال الخلاف والمنغّصات، فإنك إذا رأيت نفسك نائما فوق كومة برتقال فهذا معناه رحيل شخص تحبه. لم تفرّق كتب تفسير الأحلام بين نوعية البرتقال (يا سيدى أهو كله برتقال)، لكن «أبو صُرّة» لا يحب الصحراء، و«البلدى» للعصير لكن يُعاب عليه كثرة البذور، و«السكّرى» ليس به نقطة سكر زائدة على أى نوع.

يبدو سكريا لأنه خالٍ من الحموضة فقط، و«الخليلى البيضاوى» ذو القشرة الفاخرة السميكة خلقه الله مخصوصا للتجار لأنه أكثر الأنواع تحملا للشحن والسفر، وأشهر التجار فى اليمن لقبها «ملكة البرتقال»، فى اليمن يعتبر قيام النساء بمهنة التجارة عارًا يورّث قبيلتها وصمة ذل لا تنمحى إلا بقتل هذه المرأة، لكن «آمنة العمرانى» تحدّت كل ذلك منذ ثلاثين عاما وسارت فى تجارة البرتقال من نجاح إلى نجاح لا يساندها إلا زوجها، لكن فى المقابل قاطعها أشقاؤها وبقية أقاربها لسنوات، واجهت فى السوق حربا مميتة تقول عنها «حاولوا معايا يكسرونى كتير ومانفعش.. ما نفع إلا الله»، ملكة البرتقال لم يسبقها أحد فى الكوكب إلى هذا اللقب، شاهدها فى لقاء تليفزيونى منذ فترة، فى عينيها تفرُّد غريب، ربما ستجد مثله فى البرتقال الذى لو تكلم فستعرف أنه يكره أن يضعه أحد فى تلك الثنائيات الساذجة «شوية برتقال وموز» أو«شوية برتقال ويوستفندى».


فكَّر أن يغنى للثمرة قبل أن يلتهمها، فكَّر أن البرتقال حظه سيئ فى الغناء، ما بين غنوة خالية من الحماس «يا اللى زرعتوا البرتقان يلّا اجمعوه» واستخفاف بحضوره فى أغنية محمد رشدى «تحت الشجر يا وهيبة ياما كَلْنا برتقان»، لكنه فجأة تذكر واحدة ظهرت فى ظروف استثنائية، بعد أن كسر الأمريكان العراق، استطاعت هذه الأغنية العراقية أن تكسر الدنيا.. أمسك الثمرة وبدأ فى تقشيرها مبتسمًا وهو يغنى لها «يا البرتقاله.. يا البرتقاله.. واش بيكى على ابن الناس.. عذبتى حاله.. يا البرتقاله».

كان يلتهم البرتقالة وهو غير متأكد إن كان كل ما سبق مجرد أفكار تتحرك فى عقله أم أن البرتقالة كانت تكلمه بالفعل وتدلى له باعترافها الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.