إن ما يحدث اليوم على الحدود السورية – التركية هو مغامرة جانحة من قبل النظام السورى قد تشكل البداية للتدخل الغربى فى الأزمة السورية وهو ما قد يؤدى إلى تصاعد حالة الإستقطاب الدولية وما ينتج عنها من إشعال المنطقة بأكملها . قد يكون من المنطقى أن نتساءل الأن عما إذا كانت تلك الخطوة التى قرر النظام السورى أن يقوم بها تجاه تركيا فى ذلك التوقيت الذى يعانى فيه من إنعدام الإستقرار الداخلى نتيجة للحرب الأهلية الدائرة بين النظام والمعارضة هناك.. هل تعد تلك الخطوة هى خطوة على الطريق الصحيح أم أنها مجرد مغامرة غير محسوبة العواقب قد تؤدى فى النهاية إلى زيادة الضغوط الدولية على نظام الأسد وإجباره على التنحى، أو دخوله فى حرب ضد الغرب قد تؤدى فى النهاية أيضاً – بطبيعة الحال – إلى إسقاط نظامه وسقوط سوريا معه ؟!
تتمحور الإجابة على هذا السؤال فى أربعة إحتمالات وهى :
1-أن يكون النظام السورى قد ضاق ذرعاً بالتنديد التركى المستمر للنظام القمعى الإستبدادي وبالدعم اللوجستى والسياسى وربما العسكرى أيضًا الذى يأتى طوال الوقت للمعارضة السورية والجيش السورى الحر عن طريق تركيا وهو مايضع النظام فى موقف بالغ الصعوبة محلياً وإقليمياً ودولياً .
2-أو أن يكون النظام السورى قد جن جنونه وقرر أن يفجر الوضع داخلياً وخارجياً وأن يطيح بنظامه وبالمعارضة معاً وربما بسوريا كلها عن طريق توريط البلاد فى حرب مع تركيا ومن ثم مع القوى الغربية حليفاتها فى حلف شمال الأطلسى، متصوراً أنه بذلك يستطيع توحيد صفوف الشعب خلفه بحجة الممانعة والقومية...إلخ وبذلك يكون قد قطع الطريق أمام المعارضة لتحقيق أى إنتصار جديد ومن ثم صرف النظر عن قضيتهم .
3-أو أن يكون هناك من يريد الزج بتركيا بإعتبارها أحد الأطراف الفاعلة فى الأزمة السورية فى الصراع الداخلى السورى، وقام على إثره بإخترق القوات السورية المتواجدة قرب الحدود التركية وإطلاق تلك القذاف على أراضيها .
4-وهناك إحتمالية أن لا يكون الجيش النظامى السورى هو من أطلق تلك القذائف داخل الأراضى التركية، وإنما يكون حزب العمال الكردستانى هو من فعل ذلك عن طريق جناحه فى سوريا بعد أن عقد النظام السورى صفقة عير بريئة مع ذلك الحزب يكون بمقتضاها أن لا يشارك الحزب فى الثورة ضد النظام على أن يتم تسليم مدن وقرى الشريط الحدودى مع تريكا للحزب فيما يشبه بالحكم الذاتى . ولكن يبقى هذا الإحتمال ضعيفاً بعض الشىء بعد التأكيدات الأخيرة لرئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان بأن المدفع الذى تم إطلاق قذيفة المورتر الأخيرة منه على الأراضى التركية لا يمتلكه إلا الجيش النظامى السورى، وهو ما يحسم الجدل بشكل قاطع حول الجهة التى تقف وراء تلك العمليات .
على الجانب الأخر، فإن الصراع الذى تتصاعد وتيرته الأن بين دمشق وأنقرة قد يمثل الأرض الخصبة للحلفاء على الجانبين لتحقيق مكاسب معينة أو لتحقيق تقدم على الساحة السياسية الدولية .
فمثلاً قد تكون تلك المناوشات التى حدثت مؤخراً بين سوريا وتركيا هى الغطاء الذى يمكن أن ترتكز عليه الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيون فى التدخل العسكرى المباشر فى سوريا، وهو ما سوف يمثل بداية مهمة نحو شن هجمات على المنشأت النووية الإيرانية، ومن ثم إنزلاق المنطقة بأثرها فى حرب إقليمية واسعة النطاق سوف تطال جميع دول المنطقة بمن فيها مصر .
لقد قامت الشعوب العربية بثورات متعددة ضد أنظمة الحكم الإستبدادية - ومن بينها الشعب السورى - لكى تنعم تلك الشعوب بحياة أفضل، ولكى تبدأ عصر جديد من الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، إلا أن صراعات القوى وتضارب المصالح الإقليمية والدولية قد تلعب دوراً سلبياً فى تحويل تلك الإنتفاضات عن طريقها الصحيح التى قامت من أجله، وربما أيضاً إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط بأكملها .