منذ عام ونصف العام تقريباً لم تتوقف الجهود الدولية والإقليمية الخجولة لإنقاذ سوريا والشعب السوري، ولم تتوقف آلات الدمار والقتل وحمامات الدم في سوريا، فقد زاد عدد الشهداء إلي ما يربو علي 17 ألف شهيد منذ قيام الثورة الشعبية السورية في مارس 2011 بحسب الأرقام الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، بل إن بعض الجرائم قد تطورت لتصل إلي مصاف الإبادة الجماعية، فقد وصف موفد الاممالمتحدة والجامعة العربية الي سوريا كوفي انان مذبحة بلدة الترميسة التي راح ضحيتها 220 شهيداً وفقاً للأرقام الصادرة عن المعارضة السورية، بأنها الأعنف منذ بداية الثورة السورية استخدم فيها الأسلحة الثقيلة والدبابات والطائرات المروحية . كيفية الإنقاذ إذاً فأمام هذا المشهد الدموي المتكرر في سوريا، يثور التساؤل حول الآلية التي تمكننا من أن ننقذ الشعب السوري وسوريا، خاصة أن انهيار الدولة سواء ببقاء نظام بشار الأسد أو بفنائه سيؤدي إلي عواقب وخيمة تهدد الاستقرار الإقليمي - إن جاز التعبير - سيكتوي بنارها الدول المحيطة بها . ومما يزيد من صعوبة إنقاذ سوريا والسوريين هو تورط أطراف إقليمية ودولية في هذا الصراع بشكل سياسي وعسكري مباشر أو غير مباشر، فإيران وروسيا متورطتان في هذا الصراع سواء من خلال القوات علي الأرض من الحرس الثوري أو من حزب الله، وروسيا من خلال مبيعات السلاح لنظام بشار الأسد، والصين التي تبدي قلقها من التدخل الدولي في سوريا لأغراض إنسانية. وعلي الجانب الآخر فإن الطرف الداعم للمعارضة السورية ولجيش سوريا الحر قطر من خلال سلاح الإعلام الذي أثبت نجاعته في المد الثوري العربي، إلي جانب دعمها مع السعودية بحسب التقارير الصادرة عن الإندنبندنت في 13 يونية 2012 بأن عناصر من الجيش السوري الحر يحصلون علي الاسلحة من كلا البلدين عن طريق تركيا وبمساعدة المخابرات التركية. والدور السعودي فيما يتعلق بمواجهة المد الشيعي والتخلص من نظام علوي شيعي يحكم أغلبية سنية يساهم في تحقيق أهداف ومصالح إيران في المنطقة، خصوصاً أن هذا النفوذ الإيراني بدأت ملامحه تتبلور في المنطقة الشرقية من المملكة. الولاياتالمتحدة وعلاوة علي ما تقدم فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تقف بموقف المتفرج علي هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لمصالحها وأمن حلفائها أو من وجود قوي إقليمية تهدد أمن إسرائيل، خاصة أن التجربة العراقية لا تزال ماثلة في الأذهان، فذاك البلد قد عاني الصراع ومازال منذ عام2006 فضلاً عن التدخلات الإيرانية فيه، أضف إلي لبنان، فتحول هذه المنطقة إلي منطقة صراع طائفي وانهيار النظام السوري من الممكن أن يؤدي إلي سيناريو غير مقبول من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل وهو وقوع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في أيدي حركات المقاومة ضد إسرائيل . فماذا ستفعل الولاياتالمتحدة حينئذ؟ خاصة أن بعثة المراقبين التي يرسلها مجلس الامن الدولي لمتابعه حالة وقف اطلاق النار في سوريا قد انخفضت جدواها بالفعل بقدر ما ارتفعت جثث المدنيين تحت الارض، وتنعدم اهميتها وفاعليتها كلما زاد عداد القتلي من المواطنين السوريين،السيناريو الأول يتمثل في العمل علي الاتصال بالمعارضة السورية السياسية والعسكرية، فقد سمحت الولاياتالمتحدة بحسب التقرير الصادر عن وورلد تريبيون في 13 يوليو أن الجيش السوري الحر أسس جماعة ضغط ''لوبي'' في واشنطن لكسب تأييد الولاياتالمتحدة والضغط عليها لاتخاذ إجراء التدخل العسكري والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في سوريا قبل نهاية العام الجاري. وواشنطن تتعاون مع الجيش السوري الحر لدعم العمليات التي تقوم بها عناصره ضد قوات الجيش النظامي السوري، وذلك من خلال العناصر الاستخباراتية الأمريكية في كل من تركيا ولبنان . ووقف الاتصال بالأحزاب المعارضة تحت مظلة نظام بشار الأسد، ومواصلة العمل الدبلوماسي مع الأطراف المعنية من أجل احتواء الصراع، أو علي أن تكون سوريا محل صراع بالوكالة بين السعودية وحلفائها من الدول الخليجية من جانب وإيران من جانب آخر أي بدعم طرف ضد آخر. والسيناريو الثاني في ضوء الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها الولاياتالمتحدة وتهاوي البنية التحتية فإن التورط في صراع قد لا يؤدي إلي نتائج محمودة العواقب خاصة أن إسهامها في القضاء علي نظام القذافي عبر الناتو واستخدام آليات نوعية فقط، فإنه يجب التفكير المعمق قبل الإقدام علي هذه الخطوة، وتدخل الولاياتالمتحدة في سوريا سينظر له علي انه احتلال - وليس تحريرا مما سيعقد الي حد كبير القرار في مرحلة ما بعد الاسد. حيث يعتقد منتقدو اوباما في الشرق الأوسط ان الولاياتالمتحدة تريد التدخل في سوريا ونظراً لما يراه العالم العربي تجاه الولاياتالمتحدة من صورة سلبية حيث اجريت بعض استطلاعات الرأي في المملكة العربية السعودية ولبنان ومصر والاردن وكانت النتيجة سلبية علي الدوام خاصة بعد التدخل في العراق؛ ولذلك فإذا تدخلت الولاياتالمتحدة في سوريا فسيضع الاسد نفسه موضع المحارب الذي يقاتل الاحتلال الأمريكي الصهيوني . ان سوريا بها العديد من المجتمعات الطائفية . فعلي سبيل المثال ليبيا بها 97 % من السنة ولكن سكان سوريا (مثل العراق) غير متجانسين: فهناك 74% سني مسلم ومسلمون آخرون (بما فيهم من العلويين والدرزيين) بنسبة 16%. والمسيحية (مختلف الطوائف) بنسبة 10% ولذلك فالتدخل ومحاولة تسليح المتمردين السوريين سينتج عنه احتمال كبير في اشعال صراع طائفي (كما شاهدنا في العراق) ومع اختلاف الجماعات الدينية والانخراط في عمليات التطهير العرقي وهذا ما حدث في بغداد فيمكن ان يؤدي ذلك ايضا الي ارتفاع عدد القتلي من المدنيين والذي سيتجاوز بكثير المجازر الحالية . توازن وأي من هذين السيناريوهين فسيكون من اجل مراعاة عامل التوازن من المنطقة فالولاياتالمتحدة ترسم الاستراتيجية وتوفر الآليات الممكنة لذلك، أو ألا تترك الأمور تسير بشكل مغاير لأهداف سياستها الخارجية فوجود ما يهدد إسرائيل أمر غير مرغوب به.