بينما تواصل عجلة الدبلوماسية الدولية دورانها في حلقة مفرغة للتوصل إلي حل يضع حدا لإراقة الدماء في سوريا, يواصل نظام الرئيس السوري بشار الأسد تدوير وتشغيل ماكينة القتل بأقصي سرعة, لكن علي أرض الواقع. وصولا إلي حالات غير مسبوقة من التعذيب والوحشية في التعامل مع مدنيين عزل, مستفيدا من انقسام دولي لافت, وتردد في توفير دعم حقيقي للمعارضة التي تعاني هي الأخري قدرا لافتا من الانقسام. ويبدو أن خطة جنيف التي توصلت لها القوي الكبري السبت قبل الماضي لتحقيق قدر من تقاسم السلطة في سوريا, ولا يحدد مصير الأسد, قد تدفع في اتجاه سيناريو وحيد يحمل عنوان بقاء الوضع علي ما هو عليه وعلي المتضرر رفع الراية البيضاء والاستسلام. وبرغم أن خطة جنيف اعتبرت تحولا في المواقف الدولية, ونجاحا للغرب في إقناع روسيا والصين بتليين موقفيهما الداعم لنظام الأسد, فإن الحديث عن حكومة انتقالية تشارك فيها المعارضة دون الإشارة إلي مصير الأسد, مثل فشلا لهذا التحرك, لاستحالة تنفيذ ذلك علي أرض الواقع بعد كل هذه الدماء التي أريقت والتي خلفت أكثر من20 ألف قتيل علي مدي16 شهرا من الثورة علي نظام الأسد, طبقا لتقديرات المعارضة. كما أن تخلي روسيا والصين عن نظام الأسد لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب, ليس فقط لتعقد وتشابك مصالح موسكو وبكين مع دمشق, ولكن في الوقت نفسه لضعف الموقف الدولي علي الجانب الآخر, الذي لايزال حتي الآن يعاني الانقسام والتردد في دعم المعارضة السورية علي الأرض ممثلة في الجيش الحر. لهذا لم يكن مستغربا أن يرحب النظام السوري, ولأول مرة, بأي تحرك دولي, هذه المرة لأن التحرك اعتمدا حلا سياسيا للأزمة, علي خلفية تأكيدات روسية وصينية بأن خطة جنيف لا تتضمن رحيل الأسد. وانطلق الموقف الرسمي السوري في هذا الصدد من نقاط جوهرية في الخطة, لا تتضمن دعوة الأسد للرحيل, وإنما تتحدث عن حكومة انتقالية والنص علي الالتزام بسيادة واستقلال وسلاحة ووحدة أراضي سوريا, ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان, ونزع سلاح المجموعات المسلحة, وعدم عسكرة الوضع في سوريا, وحماية المدنيين, وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون. من يشعر بمعاناة السوريين؟ في مقابل ذلك, لا يشعر بمعاناة السوريين من يقيم في الفنادق الفخمة, هكذا كان لسان حال رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا الجنرال روبرت مود الذي انتقد المجتمع الدولي لأنه يكثر الكلام في الفنادق الفخمة ولا يقوم بما يكفي علي الأرض لوقف العنف في سوريا, وشدد علي أن الحاجة الملحة لوقف العنف ربما تكون أكثر المسائل أهمية بالنسبة لكل الأطراف المعنية بالنزاع. تؤكد هذا الكلام سلسلة الاجتماعات الفاشلة علي المستويين الدولي والعربي التي باتت من الأمور المثيرة للسخرية, لأن التطورات والدماء التي تسيل علي أرض سوريا تقول شيئا آخر. ويبدو التحرك الأقرب إلي منطق الأحداث الجارية هو السعي لإصدار قرار إلزامي من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع لإرغام النظام السوري بالقوة علي وقف العنف, وسحب الآليات العسكرية من المدن, وإنشاء مناطق محمية بحظر جوي, وتقف الصين وسوريا حتي الآن كحجر عثرة في هذا الطريق, رافعين حق الفيتور في وجه المجتمع الدولي. في هذا السياق, تصر الولاياتالمتحدة علي تصدير دول الخليج لتكون رأس الحربة لتتولي عملية الدعم علي استحياء, بينما تتمسك هي بالعقوبات غير الفعالة حتي الآن, مع توفير ما تسميه واشنطن بالدعم غير القتالي من أجهزة اتصالات حديثة للجيش الحر. وتخشي الولاياتالمتحدة من تكرار سيناريو دعم من تسميهم الإسلاميين, في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق, حتي لا تقوي شوكة حركات وقوي مستقبلية ربما تأخذ كما تتوقع أشكالا أكثر تطورا من تنظيم القاعدة, بعد أن تهدأ الأمور, وتصمت المدافع في سوريا. وهنا تقول شخصيات من المعارضة السورية: إن الإسلاميين يمثلون أحد المكونات الأكثر تأثيرا ضمن مقاتليها, لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه أن علي واشنطن أن تعرف أنهم يختلفون كثيرا عن الجهاديين علي النمط الأفغاني. بهذه الطريقة, يبدو ميزان القوي مختلا للغاية, ويميل بطبيعة الحال لمصلحة الجيش النظامي السوري, والميليشيات الموالية له التي تعرف باسم الشبيحة. لهذا يبدو السيناريو الراهن في سوريا مرشحا للاستمرار والتكرار لفترات طويلة إلي أن يتغير ميزان القوة علي الأرض, ليبقي الرهان علي مزيد من الانقسامات في الجيش النظامي في الدائرة المقربة من نظام الأسد. الحرب الأهلية ومع استمرار هذا الوضع تحمل المرحلة المقبلة عنوان الحرب الأهلية الشاملة أو الحرب الطائفية, وهو العنوان أو السيناريو الذي رفعه بشار الأسد في وجه دعاة التغيير ولسان حاله يقول: أنا أو الحرب الطائفية. وهنا يستغل نظام الأسد التمايز العرقي والتكوين الطائفي للشعب السوري, ليقدم السيناريو علي أنه حرب سنية في مواجهة الشيعة والعكس, ويسعي من جهة أخري علي المستوي الدولي ليضع إيران حليفته الكبري الشيعية في مواجهة السعودية, ليتخذ الأمر بعدا أكبر وصولا إلي التهديد بحرب إقليمية شاملة. كما تبدو إسرائيل في المشهد, لتثير المخاوف الغربية من أي تدخل عسكري, فأمن إسرائيل هو الدائرة التي لا ينبغي برأيهم الاقتراب منها, حتي لو بقي نظام الأسد أبد الدهر, وحتي لو سالت دماء السوريين أنهارا في الشوارع. إذن يبقي الوضع علي ما هو عليه حتي تحين لحظة يقرر فيها السوريون مصيرهم بأنفسهم, ويكون مصير الأسد بأيديهم هم وليس روسيا أو الصين أو الولاياتالمتحدة.. أو حتي إسرائيل.