وسط تسارع الأحداث في مصر واصرار النظام السابق على معاملة الشعب كما لو أنه "قطيع" من الغنم كنت أتابع القنوات الفضائية وهي تبث أخبار عن وفاة مبارك سريريا أو اكلينيكيا وتعجبت: كيف يمكن لتلك القنوات ووسائل الاعلام المختلفة أن تقع في هذا الفخ؟ ليس في بث الخبر وحسب لكن في التفاصيل لدرجة أن البعض بدأ يتحدث عن "محاسن أمواتنا" وتاريخ نضال الرئيس السابق وترتيبات الجنازة واذا كانت سلطات السجن ستسمح لولديه علاء وجمال بالخروج من زنزاتهما للمشاركة في الجنازة وغيره من الأمور...باستثناء قلة من المنتقدين وبعض المحلللين الموضوعيين. كنت أتابع وكلي ثقة من أنها اشاعة فقط لا غير لأسباب يعرفها فقط من يعرف شخصية الرئيس المخلوع جيدا من خلال مواقفه وأفعاله وأقواله! لا أحد يختلف في أنه لا "شماتة" في الموت ولا في المرض! لكن ماذا يقول هؤلاء في من يحاول خداع الموت والمرض والشعب؟ إن شخصية الرئيس المسجون معروف عنها العناد والغرور والتشائم والأنانية ومن يتابع تصريحاته ومواقفه خلال الثلاثين عاما التي حكم فيها مصر قد يفهم ما نقصد. هذه بعض منها:
بعد اغتيال السادات في عام 1981 تشاءم مبارك وقرر عدم تعيين نائب له طيلة 30 عاما...عفوا أيام الثورة اكتشف أن عمر سليمان كان مناسبا!!! ..
عندما عين ذكي بدر وزيرا للداخلية في عام 1986 بدأ الكثيريون ينتقدون بدر بسبب أسلوبه في ادارة الداخلية والتعامل مع الشعب وألفاظه البذيئة ...أتذكر حجم الحملة الاعلامية ضد بدر ونداءات للرئيس باقالته لكنه لم يفعل ولكن في 1990 وبعد ما وصل الى "الدائرة الحاكمة" تسجيل يسب "النظام...!" قرر مبارك اقالته وقرأت بنفسي على الصفحة الأولى في احدى الصحف القومية خبر يقول إن مبارك قرر اقالة بدر والسبب أن الرئيس رأى التغيير في مصلحة البلد وليس بناء على طلب الشعب! إنه الرئيس الذي وجد التغيير في صالح الوطن!!!
في عام 95 تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في اثيوبيا وعندما عاد الى القاهرة كان صفوت الشريف قد رتب له مؤتمرا صحافيا في المطار...أتذكر مبارك وهو يروي بكل برود وثقة واستخفاف عملية الاعتداء على موكبه في أديس بابا، فسأله صحفي بالانغليزية: "هل ستعود (الى مؤتمر الاتحاد الافريقي)؟" سخر مبارك من سؤاله قائلا: "عد أنت!"...
اختصارا شاهدنا جميعا مبارك (أثناء خلعه) أيام الثورة في 2011:
يطالبه الناس بالتنحي فيعين نائبا، يطالبونه مرة أخرى بالتنحي فيعين رئيس وزراء! يطالبونه بالتنحي فلا يأتي هو بنفسه ليتنازل عن الحكم بناء على رغبة الشعب بل يطلب من نائبه الذي عينه بعد 30 عاما ليعلن تخليه هو عن الحكم!
شاهدنا رئيسا عنيدا متعجرفا يقاوم فكرة مغايرة لفكرته طوال 18 يوما رغم أنه أتيحت له فرصة 30 عاما للاصلاح والرقي بمصر ولم يفعل!...رأينا في عينيه نظرة حقد واستعلاء وهو يقول "يحز في نفسي أن بعضا من ابناء قومي...".....(بعضا) وأننا يجب أن نعرف من هو حسني مبارك!!!
شاهدنا رئيسا بسبب اصراراه على التمسك بالحكم قتل أكثر من 800 مواطن مصري وجرح الألاف. هؤلاء كانوا فقط يريدون بلدا أفضل من تلك التي حكمها بكثير! شاهدنا رئيسا بسببه انهارت مصر وفسدت ومات ملايين فقرا ومرضا! صحيح شعب عاطفي بامتياز!!! تعمل فيه "المصايب" وفي لحظة ينسى!!!
شاهدت بنفسي شابا قتل على أيد بلطجية النظام! شاهدت بنفسي فتاة يفتك بها جموع البلطجية...أنقذني وأنقذها جنود القوات المسلحة بينما كانت قيادات الجيش تشاهد ولا تتدخل...شاهد مبارك موقعة الجمل وشاهد شفيق (الرجولة في القيادة!) القتل غير المبرر للشباب الراقي المحترم لكن مبارك واصل عناده وشفيق لم يفعل شيئا فقتل من قتل...لو تنحى مبارك في بداية الأزمة كم روحا أزهقت باطلا كان ممكن انقاذها؟ مرة أخرة عناد وغرور على حساب حياة أبرياء!!!
في خطابه الأخير يوم العاشر من فبراير 2011 كان مبارك المخلوع بصحة جيدة يقف ويتحدث بقوة وعنفوان لكن بعد تخليه عن الحكم أصبح مريضا كما لو أن صحته تتحسن فقط "على الحكم!"...عندما سمع عن محاكمته قرر ألا يقف وراء قضبان القفص الحديدي فتمارض ليدخل ممدا على سرير طبي!!! ثم عندما قضى أشهرا مدللا في المركز الطبي العالمي تحت اشراف المجلس العسكري كان "زي الفل" لكن عندما ذهب الى مستشفى سجن طرة "أصبحت حالته حرجة!"
هكذا كان سيناريو "اشاعة" وفاة مبارك سريريا الذي خدع الكثيرين وخدم مصالح أطراف معينة وحقق هدف العنيد المغرور مبارك وهو الخروج من السجن! ...ألف مبروك للسيد فريد الديب وفلول النظام...لقد نجحت الخطة! لكن تذكروا حتى الديكتاتور صدام حسين لم يتمارض ولم يتمارض القذافي ولا هتلر ولا موسوليني!!!