..مبارك اصيب بمرض «التمرد الطفولى» وهى حالة يصاب بها الإنسان عندما يتعرض لموقف صعب ولا يستطيع التصرف حياله.. هكذا رأت الدكتورة إيمان الشريف استاذ علم النفس السياسى والجنائى ونائب رئيس المركز القومى للبحوث الجنائية الاجتماعية فى تحليلها النفس للأحداث الأخيرة المتعلقة بالتحقيق مع الرئيس السابق ودخوله إلى المستشفى وتأكيد الأطباء على أن حالته الصحية ليست سيئة ويمكن خضوعه للتحقيق. كما اشارت فى حديثها لأكتوبر إلى أن حالة مبارك قد تصل به إلى الموت مكتئباً نظراً للتركيبة النفسية الشخصية.. وتفاصيل أخرى مثيرة تشير إليها فى السطور التالية. *كيف يفسر علم النفس دخول مبارك المستشفى وتأكيد الأطباء عدم وجود موانع صحية للتحقيق معه؟ **علم النفس يسمى ذلك "بالتمرد الطفولى" فهو سلوك يستخدمه الأطفال أو غير الناضجين عقليا أو نفسيا للهروب من المواقف الصعبة وهذا الهروب يتخذ صورا كثيرة ومنها دعاء المرضى ومن الممكن أن يكون هذا التمارض سلوكا غير مقصود ولكنها حالة نفسية لا شعورية تصيب الإنسان للهروب أو للمحافظة على ذاته وهذا قد ينطبق على حالة الرئيس السابق مبارك وما حدث خلال الأيام الماضية من دخوله إلى المستشفى والإعلان عن إصابته بأزمة قلبية فى الوقت الذى يؤكد فيه الأطباء أن حالته الصحية جيدة ويمكن التحقيق معه وأن مبارك يعانى هذه الحالة من التمرد الطفولى. *وهل الممكن أن تتطور هذه الحالة النفسية إلى أمور أكثر خطورة من ادعاء المرض؟. **بالتأكيد فمن الممكن أن تصل إلى حالة اكتئاب إذا تم وضعه فى الحبس لذلك هو اختار أن يتمارض ويبقى فى المستشفى خوفاً من الذهاب إلى السجن. *وهل من الممكن أن تتطور حالة الاكتئاب وماهى مدى خطورتها؟. **من الوارد جداً أن تتطور حالة الاكتئاب نتيجة الأحداث المتسارعة والظروف التى تحيط به وتكمن خطورة هذا التطور فى أنه قد يصل إلى الموت .. الموت مكتئباً. *إذن الإعلان عن محاكمته البدء فى إجراءات التحقيق كان لها تأثير مباشر على نفس الرئيس السابق؟. **بالتأكيد خاصة وأنه كان يشعر دائماً أنه فوق المحاكمة والمسائلة مما جعل حالته النفسية تنعكس على حالته الصحية المتدهورة فى الأساس.. وعلم النفس يفسرتدهور حالته الصحية الآن بأنه كما قلت هروب من الموقف الصعب لأن عندما يتعرض الإنسان لموقف سيىء ويريد التخلص منه فإنه يلجأ لبعض «حيل الدفاع عن النفس» باتخاذ أى اسلوب سواء كان شرعيا أو غيرى شرعى ليحمى نفسه من الإقدام على فعل من الممكن أن يعرض للإهانة وبالتالى فإن مثل هذه التطورات النفسية تنعكس على اعراض الجسم وتشيد ربما إلى تدهور الحالة الصحية وهذا يسمى فى عالم النفس «النفس جسمية». *لكن هناك كثيرا من رؤساء الدول تعرضوا للمحاكمة بعد تركهم مناصبهم فلماذا قد يصل مبارك إلى هذه الحالة من التدهور النفسى؟. **الأكيد والواضح الآن أن مبارك وصل به الأمر إلى جنون العظمة وقبل تنحيه كان الأمر قد وصل به إلى أعلى درجات هذا الجنون والدليل على ذلك أنه لم يكن يرى أحد غير نفسه بل كان فى بداية يترفع عن الخروج إلى الناس ولم يخطب فيهم إلا بعدما انفلت زمام الأمور وشعر أن هناك فقد حقيقى يهد وجوده فى الرئاسة. عنيد ومتكبر *ما رأيك فى خطاباته أننا الثورة وخروجه إلى الشعب 3 مرات فقط؟. **كانت للأسف تشير إلى الترفع والعناء خاصة أنه لم يستجب حتى فى خطابه الأخير لمطالب الشباب وكان يراوغ المواطنين بقرارات غير مقنعة للثوار، ولم يصل إلى درجة الاعتراف بالخطأ إذ لم يذكر شهداء الثورة فى خطابيه الأول والثانى، كما أن اجتماعاته مع القيادات خاصة من القوات المسلحة كان تشير إلى محاولته استفزاز المواطنين خصوصاً بعدما اجتمع مع قادة الجيش يوم الأحد الأول بعد جمعة الغضب وكان مبتسماً وكأنه لا يعنيه سقوط شهداء إذا كان يعتبر ما حدث عادياً لا يدعو للاسى أو الاعتذار وهو موقف ناتج عن شخصيته القائمة على العناد الحاد والعظمة التى تصل إلى حد الجنون وشعوره الدائم بأنه «لن يلوى الشعب ذراعه» ويحقق مطالبه. *هل هناك علاقة بين كبر سن مبارك وتحولات النفسية؟. **لا يمكن الربط بين الأمرين لأن هناك مسئولين كبارا بالسن ويحتفظون بالاتزان النفسى بما أكثر من أى وقت، ولكن مبارك وصل إلى ما يسمى «منحنى الشيخوخة» وهى التى يصاحبها تدهور، فعندما يصل الإنسان إلى قمة مجده وهو أعلى المنحنى، سرعان ما يصيبه التدهور فضلاً عن دور السن فى تدهور قدرات الإنسان النفسية وقواه العقلية. من أهم العبارات التى أثارها مبارك فى خطابه الثانى قبل التنحى هى «أنا باقٍ فى هذا البلد أعيش وأدفن فيه». *هل كانت النبرة استعطافاً للمواطنين؟. **لم تكن استعطافاً ولو كان يقصد ذلك لقدم اعتذاراً للمواطنين ولكنه قالها من منطلق التحدىوالعناد. ترغيب وترهيب *ما تفسيرك بأن خطابات الرئيس السابق كانت دائماً تبدأ بالترغيب والاستعطاف وتنتهى بالترهيب والوعيد؟. **هذا يدل على أنه كان يحافظ على ذاته وتجميل صورته من وقت لآخر، ومن يملكالوعيد والترهيب يكون فى موقع قوة وليس ضعف. * ألا ترى أن عبارته الكلمة التى أذيعت بصوته والتى قال فيها أنه سيحتفظ بحقه القانونى فى مقاضاة من يشوه سمعة عائلته تؤكد ثقته فى البراءة؟. ** هذا نقطة مهمة جداً لأن اضطراب الرئيس السابق جعله يقع بسهولة فى فخ اطلاق الوعيد للمواطنين متخيلاً أن ذلك سيبعد عنه التهم، وهو تكرار لاخطائه بعدم فهم طبيعة الشعب المصرى الذى توصل لقناعة بأن كلام مبارك عار من الصحة. *ما التحليل النفسى للتسجيل الصوتى الأخير لمبارك؟. **الكلام فى الأساس «تصادمى» ومقصود منه ألا يفهم المواطن معناه، فالإحساس بالصدمة بعد خلع مبارك من الحكم جعله دائماً يشعر بالظلم لذى تجده يحاول تبرأة نفسه بأى صورة وصوّر لشعب أنه يحاك ضده المؤامرات، وهى محاولة أخيرة لحفظ ماء الوجه والهروب من المحاكمة. *لكن ألا يعد ذلك عظمة فى غير محلها؟. **بالتأكيد .. مبارك عنيد ومتكبر، وأصيب بانفصام تام فى الشخصية، فبعد أن كان من القمة ويحم بلدًا بحجم مصر اصبح متهماً بالفساد وقتل شعبه، وزادت محنته النفسية بعد أن تم تحديد إقامته ووضعه تحت المراقبة مما جعله ينقلب على شعوره الداخلى بالظلم إلى «الانتكاس» لإصراره على أنه لايزال يحكم وأن الأمور فى مصر مازالت فى يده وهذا ما ظهر فى لهجته فى التسجيل الصوتى الأخير.