قرر الوزير السفر في رحلة عمل أوروبية ومعه وفد من وزارته.. انتهت الرحلة وعاد الوزير إلي القاهرة.. في الأيام التالية للعودة.. جرت الأوراق الروتينية داخل مكاتب الوزارة لسداد نفقات رحلة معالي الوزير.. لكن المدير المسئول عن التوقيع المالي فوجئ بأن الوزير والوفد المرافق.. قد سافروا علي الخطوط الجوية البريطانية في جزء من خط سير الرحلة.. وجاءت العودة علي الخطوط الألمانية.. مما يعد مخالفة صريحة للقوانين المنظمة لسفر العاملين بالدولة بمن فيهم الوزراء ورئيس الوزراء.. وهو اشتراط السفر علي خطوط الشركة الوطنية مصر للطيران. قال مدير مكتب الوزير للمسئول المالي الكبير بالوزارة.. إن معالي الوزير لا يحب السفر علي مصر للطيران.. وعندما اعترض المدير وتم تصعيد المسألة للشئون القانونية جاءت (الفتوي أو التخريجة القانونية) مفادها أن مدير مكتب الوزير هو الذي بادر بحجز تذاكر الطيران.. ولحداثة عهده بالوظيفة فإنه لا يعرف اللوائح.. لذا يتم اعتماد الصرف مع مراعاة سفر الوزير مستقبلاً علي طائرات مصر للطيران. ظن المسئول المالي أن ما جري لن يتكرر ثانية.. وأن الوزير سيتبع التعليمات خاصة أنه تولي الوزارة حديثًا.. إلي أن فوجيء الرجل بسفر الوزير إلي نيويورك.. ورغم وجود خط طيران مباشر من القاهرة إلي نيويورك.. فإنه كانت لدي الوزير رغبة خاصة في زيارة لندن في مهمة شخصية.. فتم حجز تذكرة علي مصر للطيران من القاهرة إلي لندن (ذرًا للرماد).. ثم تذكرة أخري علي الخطوط البريطانية من لندن إلي نيويورك.. ثم العودة علي الخطوط البريطانية إلي لندن لركوب طائرة مصر للطيران عائدًا إلي القاهرة.. وقد بلغت فروقات الأسعار التي كبدها الوزير لخزانة الدولة بسبب (تقطيع) خط الرحلة.. بدلاً من مسارها الطبيعي (القاهرة - نيويورك والعكس علي مصر للطيران).. مبلغ خمسة وخمسين ألف جنيه. ما جري كان إعلانًا لبداية حيل الالتفاف علي اشتراط القانون سفر المسئولين والوزراء علي خطوط مصر للطيران.. وظهر التلاعب في المثال التالي: يحجز الوزير رحلته علي خطوط الطيران الأجنبية مرتفعة التكلفة.. في مواعيد سفر تختلف كلية عن مواعيد مصر للطيران.. وتكون حجة الوزير - أو المسئول - هنا.. هي ضرورة السفر في توقيت بعينه.. لا يتوافر فيه خطوط طيران مصرية. المنطق والعقل وقبلهما الضمير يقولون إن بإمكان الوزير ضبط مواعيد سفره علي مواعيد إقلاع رحلات مصر للطيران.. (هل رأيت قطارًا يضبط مواعيده حسب ظروف الراكب) .. لكن من قال لك إن هذا الوزير أو ذاك يريد السفر في هذا الموعد.. إنها (التلاكيك) حتي يهنأ بال المسئول بالسفر علي الخطوط الأجنبية.. ربما لأنها تقدم مشروبات لا تقارن بمشروبات (قها) المقدمة علي خطوط مصر للطيران. القصة السابقة حدثت في إحدي الوزارات الحالية وتحديدًا في منتصف عام 2004 والوزير لا يزال حتي هذه السطور في السلطة.. بل إن بند نفقات سفره ارتفع في الشهور الأولي من توليه الوزارة من مائة وخمسين ألف جنيه (كمخصص سنوي) إلي مليون جنيه دفعة واحدة دون أدني مساءلة.. وعندما أسوق القصة السابقة فذلك للتدليل علي كيفية تعامل بعض مسئولينا مع المال العام. يبقي عندي سؤال ختامي.. لا أعرف إلي من أوجهه وهو: هل يسافر جميع المسئولين المصريين بالجهاز الحكومي للدولة علي خطوط مصر للطيران؟.. وهل يمكن أن نجد ردًا من شركة مصر للطيران أو مطار القاهرة أو مجلس الوزراء.. يفيد بسفر جميع الوزراء علي خطوط مصر للطيران.. أم أنه أصبح من الأمور العادية أن يختار الوزير - مع أداء اليمين - شركة الطيران التي يروق لها مزاجه.. وهي بالطبع أجنبية.. وليذهب المال العام ومعه مصر للطيران إلي الجحيم!!.