في المشهد الخامس، وعلي لسان «ماكبث»، قال شكسبير بتفسير للحياة والدنيا والناس «ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين، حكاية يرويها معتوه، حكاية يملأها الصخب، والعنف، ولا تعني أي شيء!!». نعم.. أحياناً يتملكني هذا الشعور العبثي ولو للحظات!! خاصة تلك الليالي الطويلة التي أقضيها في تأمل كتيبة الأصدقاء!! كتيبة ضخمة ممن صادفتهم وصادفوني في رحلة الحياة، منذ الطفولة وحتي انتخابات الرئاسة!! لم أسمع بعد أن هناك اختراعاً يكشف عن النفوس والنوايا وخبايا وألغاز البشر!! عرفت عمالقة بينما حقيقتهم أقزام، وعرفت أقزاماً كشفت لي الأيام أنهم عمالقة!! عرفت صعاليك لهم طباع النبلاء، والفرسان، وعرفت فرساناً أخلاقهم أخلاق صعاليك!! عاصفة من التأمل فجرتها سنوات المحن والظلم لم يكن معياري فيها، هو من وقف معي، ومن وقف ضدي؟ فهذا ترف ليس لمثلي أن يطلبه - بل كنت أكتفي باعتبار من لم يقف ضدي، هو أخلص المخلصين!! وأشجع الفرسان!! لم يكن معياري - أيضاً - من منهم رفع سماعة التليفون - التي كان يرفعها يومياً للاتصال بي - مرة ولو كل شهر أو كل عيد. لم يكن معياري هو من تكلف عناء زيارتي خلال سنوات سجني، أو الكتابة لي، ولو سطر واحد طوال هذه السنوات!! بل كان معياري في الفرز والتأمل هو من لم يدعِّ أنه فعل هذا ويتاجر به ؟!! الإنسان في لحظات المحنة، يشعر بحاجته للصديق، والصدشاقة، التي لا تنفصل عن الصدق، في اللفظ والمعني، والإحساس، والاهتمام، الذي يأتي بغير استدعاء ويحضر حينما يغيب الآخرون، وليس العكس!! الكذب هو صباع الديناميت الوحيد القادر علي نسف الصداقة، وتقويض أركانها فلا أعرف سبباً حملني يوماً لعدم التسامح مع صديق غير الكذب أو الغدر أو الوفاء الشكلي الذي يخفي في حقيقته جريمة الخيانة العظمي!! حقاً ليس أقسي علي نفس الإنسان من خيبة ظنه في صديق!! وأحمد الله الذي أبدلني في محنتي أصدقاء أوفياء لم أكن أعرفهم، وربما لم ألتق بهم قبل سنوات سجني، ليعوضني ويملأ بهم قلبي الفارغ الذي لم يحمل يوماً لأحد منهم - أو غيرهم - غير الحب والإخلاص والعطاء. لم أتصور يوماً أن أصدقاء «الرغد» أبطال مغاوير، لكني - فقط - كنت أحسبهم بشراً، لا صوراً ملونة!! يملأها الصخب، ولا تعني شيئاً كما قال شكسبير!! شاركوني