»أشعر بضآلتي.. بضعفي.. بحاجتي للأمان« السبت: أحضرت ابنتي »أميرة« شريطاً لفيلم فيديو وأصرت أن نراه معاً، وأغرتني بالجلوس معها قائلة أنه للفنانة الأمريكية »جوليا روبرتس«.. لم أتابع أعمالا كثيرة للفنانة ذات الابتسامة العريضة »فعلا هي حنكها كبير« زي ما بيقولوا في الفلاحين.. وقد ذاع صيتها منذ فيلمها الشهير »امرأة جميلة«.. وطبعا هي بمقاييس الفلاحين لا جميلة ولا حاجة ولكن هوليوود لها قوانينها وهذا لا يمنع من القول أنها ممثلة جيدة جدا.. الفيلم الجديد لجوليا يحمل عنوان »كل، صلي، وحب« وهو عن كتاب للكاتبة الأمريكية »إليزابيث جلبرت«.. وبالرغم من تشجيع إبنتي لي علي مشاهدته حذرتني قائلة: »إنه فيلم للبنات« والرجال قد يشعرون بالملل من هذا النمط من الأفلام، وبما أنني أعتبر نفسي سيد الرجال فقد قررت أن اشاهد الفيلم.. وبالفعل وجدت أنه يستحق المشاهدة فهو حالة بديعة من الصراع الكامن بداخل النفس البشرية، ورحلة لاكتشاف الذات جسدتها جوليا روبرتس ببساطة وبدون إفتعال تحكي الكاتبة عن تجربتها الشخصية بعد اتخاذ قرار الطلاق من زوجها الذي أحبته في وقت ما وأرتضيا معاً نمط حياة معين.. لتكتشف بعد وهلة انها ليست سعيدة باختياراتها، وبعد معاناة تأخذ قراراً بالانفصال، والفيلم يوضح لنا مدي المعاناة النفسية والاحساس بالذنب الذي مرت به الكاتبة، لأنها ملامة من المجتمع ومن زوجها ومن نفسها، لأنها أخذت قرارا بهدم بيتها بدون أسباب مقنعة وهذا جعلني أفكر في حالة الكثير من النساء حول العالم اللاتي يكبلهن الخوف من الفشل، ويجعلهن أسيرات في علاقات وزيجات تخيم عليها التعاسة، وبالرغم من أنني كائن محب للاستقرار والحياة العائلية، ولكنني تعاطفت مع الكاتبة ورغبتها في حياة أخري، بالرغم من اختيارها الحر لهذه الحياة وهذا ما جعلني اتساءل - بيني وبين نفسي- عن كل الكلام عن الحريات في المجتمعات الغربية وكيف ان الإنسان مازال مكبلا بالقيود التي تفرضها عليه نفسه وليس العالم الخارجي وها هو المجتمع يلوم البطلة لأنها قررت أن تنهي علاقة زواج مستقرة وأن تقرر ألا تنجب ولا تجذبها الأمومة برغم أنها في عقدها الثالث.. وهكذا تقرر الكاتبة أن تقوم برحلة لاكتشاف الذات والبحث عن الهوية، وتأخذنا معها إلي إيطاليا والهند وأندونيسيا.. في أروقة روما حيث الفن والنوافير الجميلة لقد أنعش الفيلم ذكرياتي في هذا البلد الجميل حيث المقاهي التي تحتل الأرصفة وأصوات الضحكات التي تملأ المكان فهذا الشعب خفيف الظل ويشبهنا كثيرا في بعض العادات وبالذات نشر الغسيل في البلكونات، والمطبخ الايطالي مشهور بالبيتزا والمعجنات، ولكني وكما تعلمون شيخ مشايخ آكلي اللحوم- هذا في أيام الشباب- ولم تمثل لي المكرونة أو البيتزا أي إغراءات.. أما في الهند فكانت التجربة الروحانية التي جسدتها »جوليا« من خلال وجودها في معبد هندوسي. ومن هنا كان الجزء الثاني من الفيلم الذي يحمل اسم »صلاة« وقد أثر فيّ كثيرا المشهد الذي كانت فيه علي السطح مع صديقها الأمريكي.. واعتقد أن هذا الجزء من الفيلم يحمل رسالة للغرب عن أهمية الروحانيات في حياتنا خاصة بعد انغماس البشر في الحياة المادية.. وكان المشهد الذي يقوم به صديقها الأمريكي عند حديثه عن ابنه فتخيلت للحظة أنه قتل ابنه حيث كان يقود مخمورا سيارته.. ولكن عندما اكتشفنا أنا وأبنتي ان الابن لم يصب بسوء تنفست ابنتي الصعداء وأنا قلت له في سري »وجع في بطنك« والرحلة الأخيرة في الفيلم »الحب« لأندونيسيا.. هذا البلد ذو الطبيعة الساحرة وهو اختيار مثالي للكاتبة لتعيش قصة حب مع هذا الممثل الذي لا اعرف اسمه والذي اضفي جوا من الدفء علي الفيلم.. لكن أهم حاجة في الممثل- كما قالت ابنتي انه زوج الممثلة الاسبانية الجذابة »بينلوبي كروز« والفيلم في رأيي هو تجربة إنسانية فريدة تستحق المشاهدة.. الأحد: رجل النافورة أشعر أنني استطيع أن أتأمله لساعات طويلة وهو يجلس علي طرف النافورة.. تعلو وجهه لمسة حزن إنسانية وكبرياء، واستغناء عن العالم بأكمله.. يجلس في أكثر منطقة زحام ويرفض مساعدة الناس.. بشموخ.. يتملكني إحساس غريب حوله.. قوة غامضة تجذبني إليه.. تشدني لهذا العالم الغامض وتحررني من عالمي المزيف.. لفت انتباهي موقعه.. رذاذ الماء الذي يتطاير من حوله، أكاد أقسم أنني أراه في نفس الطرف كل مرة يتأمل الفضاء الرحب.. اقترب منه.. أشعر بأنه يري أشياء لا نراها.. اقترب أكثر.. أري خطوط الزمن منقوشة علي وجهه.. أتأمل صمته وسكونه هل هي صدفة وجوده بجانب الماء سر الحياة الإلهي؟ أشعر بقوته.. في نظراته دفء يكاد يملأ العالم بأكمله أشعر بظمأي وأنا قرب الماء وكأنني أريد منه أن يسقيني بيده من ماء النافورة!! يتملكني شعور غريب بضعفي وأنني أريد أن أستكين بجانبه وان اسمع صوته.. إنه يتحدث لغة إنسانية قديمة قدم الأزل.. أشعر بأنني استطيع أن أحكي له حكايتي وسيفهمني، سيباركني سأستغرب حكيّ له بتلك اللغة الغريبة التي لم أعلم أنني أتحدثها قبل الآن، لماذا لا يمد لي يده.. أشعر بحاجتي للبكاء بجانبه، بأن أرخي رأسي علي كتفه ليحميني.. نظراته تتأملني في صمت.. أشعر بأنه يستطيع قراءة ماضيّ وحاضري في لحظة واحدة.. أحاول أن اثبت نظراتي علي عينيه لكنني لا استطيع تحديد لونهما.. بني عسلي.. أم أخضر!! أشعر بضآلتي.. بضعفي.. بحاجتي للأمان.. الناس حولي ينظرون لي.. يتأملونني.. أوراق النقود في راحة يدي يأبي رجل النافورة أن يأخذها مني.. نظراتهم سهام ترسم أسئلة عديدة في فضاء المكان.. ماذا أفعل هنا ولماذا لا أترك النقود بجانبه واستكمل طريقي وحياتي؟ عندي موعد عمل مهم وبعدها الذهاب لمصفف شعري وشراء البقالة.. لماذا تركت سيارتي منبوذة بجانب الرصيف وعبرت بحر السيارات المتلاطمة حتي أصل إليه، واقترب منه أكثر.. هذا الكيان الإنساني الغامض.. أفتح راحة يدي وأترك النقود لتهوي منها.. أخلع حذائي بصمت وإصرار أخلع ساعتي.. أتركها تغوص في ماء النافورة، رباط شعري ثقيل.. ثقيل.. يؤلمني.. اتخلص منه.. رذاذ الماء يغمرني أغمض عيني واستسلم لذلك الشعور الذي بدأ يتخللني ببط ودفء، ويهدهدني كما كانت تفعل أمي وأنا طفلة.. اسمع صوت سلاسل تتفكك واشعر بأنني خفيفة.. وانني عبرت الزمن إلي بعد آخر.. افتح عيني أحاول أن اقترب أكثر.. يتملكني شعور بأنني لو حاولت أن ألمسه سيغدو دخانا ويتبخر.. وسأجد نفسي جالسة مكانه.. تعلوني نفس نظرته واستغناؤه عن العالم بأكمله.. الأشياء تكتسب ملامح جديدة.. سأضيع ملامحي السابقة.. لن أعود أهتم بمظهري.. ولون شعري الوجود المادي يتضاءل ليحل محله وجود من نوع آخر.. سيمر ناس عديدون.. وأنا جالسة علي طرف النافورة تعلو وجهي نظرات تأمل واطمئنان.. سيعرضون علي المساعدة وسأرفض بشموخ.. سيتأملون ابتسامتي الحزينة وسكوني وبقايا الدخان في عيني.. لا لست مريضة هذا ما تبقي لي من رجل النافورة.. فأنا الآن سيدة النافورة وببساطة.. أمور الدنيا لا تعنيني!! الكلمات السابقة »صورة قلمية« بقلم ابنتي »ليلي« وددت أن تشاركوني فرحتي بها!! الإثنين: »نظارة.. الحقيقة« تذيع إحدي القنوات الفضائية برنامجا اسمه »لحظة الحقيقة« هذا البرنامج استفزني بدرجة كبيرة.. وهو برنامج أجنبي مترجم إلي العربية.. ويتنافي مع كل الأعراف والتقاليد والإنسانية ليس فقط علي مستوي الوطن العربي بل علي مستوي العالم.. وفيه يستضيف المذيع ضيفين متزوجين أو مخطوبين أو صديقتين.. ويبدأ المذيع بتوجيه مجموعة من الأسئلة المحرجة بل شديدة الاحراج ويقوم جهاز لكشف الكذب باثبات صحة ما يدعونه وإذا ثبت صحته فانهم يحصلون علي مبالغ نقدية كبيرة بالدولار.. الأسئلة تدور حول الخيانة الزوجية والخلافات بين الزوجة وحماتها أو بين الأم وابنتها والغريب ان ذلك يتم في حضور جميع الأطراف، وكلما كان التجريح شديدا والدموع غزيرة كانت المبالغ كبيرة، وأتساءل هل وصل الحال بالبشر إلي هذه الدرجة من اللاإنسانية وإهدار الكرامة.. وفي سبيل ماذا؟! حفنة من النقود مهما كانت قيمتها؟ تذكرت وأنا أشاهد حلقة من البرنامج الذي توقفت عن مشاهدته تماما بعد ذلك.. مسلسل إذاعي كان يذاع في الراديو منذ ما يزيد علي أربعين عاما.. وعلي ما أتذكر كان يذاع في البرنامج العام في الخامسة عصرا بعد نشرة الأخبار وكان اسمه »نضارة الحقيقة« وكان يتحدث عن مخترع عبقري اخترع نضارة لمعرفة الحقيقة ومن يرتديها يعرف حقيقة من أمامه من خلال الأسئلة التي يوجهها له.. لا اتذكر تفاصيل المسلسل.. ولكن مسلسلات الإذاعة في هذا الوقت كان لها بريق وسحر لا يقاوم.. في تلك اللحظة تمنيت لو كانت نظارة الحقيقة هذه معي الان لنعرف ما نريد معرفته وتخيلت علاقتنا بالاشخاص بعد ان نعرف حقيقتهم وتذكرت قصة »أرض النفاق« للشهير العظيم »يوسف السباعي« وما خسره البطل عندما عرف الحقيقة.. وأقول لكم لقد رجعت في كلامي.. لنجعل الحياة كما هي.. وسوف نري الحقيقة يوم القيامة وسيكشفها لنا رب العالمين.. اللهم أحسن خاتمتنا.. يارب العالمين.. آمين..