الظلم يخلق حالة صمت . يخرس داخلنا . ولكن حين ينفجر المظلوم ويتأفف البعض من حدة غضبه أو عصبيته .. ماذا يفعل ؟ . المظلوم كما نعرف لا ينام . الظالم ينام بعمق . الكاذب أيضاً يستطيع الشخير . لماذا علينا أن نستمر فى الحرب ضد من يريدون الظلم والفساد ؟ . الإجابة : لأن هذا هو الصحيح ولأن هناك من دفع ثمن مواجهة كتلك بحياته , لنحيا نحن فى ظل ما هو صحيح . ما معنى أن يولد طفل ما فى عائلة بهائية- على سبيل المثال – ويجد نفسه وأهله وطائفته تتعرض للعنات والهجوم المستمر من أحد الصحفيين الذين يحلون دم كل أتباع تلك الديانة ويجد أهله يوصونه بالصمت الكامل والتكتم وعدم الإعلان عن هويته الدينية مهما تعرض للاستفزاز ؟ . لماذا نريد قتل الناس ؟ . كيف يملك أحد الجزم بأن هو وحده يعرف أن غيره سيحل فى أبد الجحيم ؟ ما معنى أن ينشغل أحد بتكفير مجموعة من البشر لأنهم يختلفون معه فى العقيدة ؟ وكيف ينعكس ذلك على سلوكه وتعامله مع أولئك البشر ؟ . فكرت وأفكر كمسلمة فى الهجوم الشرس واللاإنسانى الذى يتعرض له أعضاء الطائفة البهائية من المصريين من بعض الأقلام الصحفية . تحرض تلك الأقلام بعنف ضد حرمة حياة أؤلئك المواطنين . يريدون سفك دمهم وإجبارهم فيما يبدو على تغيير عقيدتهم بدعوى الردة وأنا أعلم أن البهائيين الذين عرفتهم فى حياتى – ولم يكونوا مصريين ولا عرباً – كانوا من أفاضل الناس مثل الكثير من الهندوس والبوذيين واللادينيين الذين جمعتنى بهم ظروف دراسة أو غيرها . أعرف كذلك من الكتب غير الموتورة أو التحريضية التى قرأتها عن البهائية أنها ظهرت كديانة فى إيران وأن لها نبيها الخاص " بهاء الله " ولها كتابها الخاص " أقدس" ولها صومها الخاص وصلاتها وحجها وهذا الأخير يكون فى فلسطين . فكيف يخرج علينا من يقول أن أتباع تلك الديانة يتفاوضون مع السفير الإسرائيلى ليتمكنوا من السفر إلى عكا أو غيره بفلسطين للحج كما لو كانوا عملاء . أنا ضد التطبيع لكن هل هى جريمة إن هم أرادوا السفر إلى موطن حجهم ؟ . نمشى فى الشوارع ونحن ننظر إلى الناس وكل منا يريد أن يشكل ويجعل الآخر يشبهه وعلى مقاس أفكاره وعقيدته هو , فإن لم يكن فالويل ولفت الأنظار إلى المختلف واستحلال دمه . لم نعد فى عصر قتل أحد لأنه ليس مؤمنا بما نؤمن به . أفيقوا من هذه الأفكار التى حقاً تنتمى لعصر محاكم التفتيش وحرق الكثيرات بوصفهن " ساحرات " . حين يتمادى البعض فى مهاجمة شخص أو فئة لأنها صامتة وتخشى الرد فهذه خسة روح ونزوع أصيل للتوحش والاستقواء على الضعيف . هذا "انعدام " للدين وإعلان فساد نفسى تام كما يعكس إفلاساً فى ما يتصل بموضوعات الكتابة . لقد كان الدين الإسلامى صريحاً فى القرآن الكريم حين ذكر الله سبحانه " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " , وحين قال :" أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟" وهو سؤال استنكارى , وحين يقول فى الكتاب الكريم "لكم دينُكم ولىّ دين" ثم الآية الجميلة ذات الدعوة الصريحة :" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ". وتُقسطوا بمعنى تعدلوا . لماذا نريد للمصريين البهائيين أن يكرهوا مصر ويخافوا المسلمين ؟ . لماذا يتحول المسلمون إلى " بعبع" الأديان الأخرى خاصة التى يشترك أتباعها معنا فى الوطن ؟ . لماذا نكرس ثقافة الخوف والكراهية بسبب بعض الأقلام التى لا تعرف سوى الكراهية أو التى يروج أصحابها بفجاجة لكتبهم عن وجوب معاداة ديانة ما ضمن مقالاتهم , وما الحل الذى يقترحه المحرضون على قتل الغير كضريبة لاختلافهم عنا ؟ .. حرب أهلية أم إبادة للبهائيين لأنهم ليسوا مسلمين أو كانوا مسلمين ومسيحيين ثم قرروا فجأة التحول إلى ديانة أخرى ؟ . . لماذا لا يختار كل إنسان ما يريده طالما لا يؤذى غيره بأية صورة ويحترم واجباته ويلتزم بها وبحقوق غيره ؟ . البهائى أيضاً يا سادة من حقه ألا يُعتدى على حياته أو يُهدَر دمه أو يُجبر على الصمت أمام التحرش بدينه فقط لينجو من التحريض على قتله بوصفه ينتمى ل " فئة ضالة منحرفة" . لا نفهم لماذا يُصنف الاختلاف بأنه ضلال وانحراف , لكننا نفهم أن لا أحد يستحق الخوف والترويع , وأن هذا البلد ليس ملكية خاصة لأتباع دين الأغلبية , وأن الإسلام قد ظلمه كثيراً بعض المسلمين , خاصة حين نرى سلوكيات بعض من ينبرى لشن حملة إهدار دم الغير , وقد رأيت تعامل بعض من يحرضون على قتل البهائيين مع رؤسائهم .. يقفون كالتلاميذ , أيديهم خلف ظهورهم التى تنحنى فجأة , يشيعون الرؤساء إلى المصاعد فى المؤسسات الصحفية ثم يدخلون مكاتبهم ليشعلوا سيجارة ويواصلوا نفث غلهم الذى لا يعكس أى غيرة على الدين بقدر ما يفضح سوء الطوية , رأيت الخوف وعدم الاحترام من الكثيرين لأولئك الذين يؤيدون قتل الآخرين طالما ليسوا " مثلنا " . والأليم أن زملاء ذلك الفريق يخشونهم لجاهزيتهم فى التنكيل والافتراء والتلفيق . وفاتنا جميعا أن الله يسمع ويعرف ويرى. أذكر طبيبة بهائية محترمة حدثتنا كجمهور مستمع ذات ندوة من سنوات ضمن مؤتمر " مصريون ضد التمييز الدينى " . قالت : " أنا عندما يكون أمامى المريض فى غرفة العمليات وجسده مفتوح وأعالجه لا أفكر هو مسلم أو مسيحى أو دينه إيه .. هو إنسان وبس " . البهائى أيضاً .. " إنسان وبس " .