رئيس لجنة التحقيق فى أحداث اللاذقية: محاكمات المتهمين تبدأ صباح اليوم    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 17 نوفمبر 2025    هتشحن بكام؟.. قيمة زيادة كروت الشحن المتوقعة    أبرز عروض كارفور في الجمعة البيضاء 2025.. خصومات هائلة    #جزيرة_الوراق تتصدر مع تحوّلها لثكنة عسكرية .. ودعوات للتصدي بالثبات في الأرض    ترامب يتوعد بعقوبات شديدة على الدول التي تتعامل تجاريا مع روسيا    تعرف على القنوات الناقلة لمباراة منتخب مصر ضد منتخب كاب فيردي اليوم السادسة مساءً    السيطرة على حريق نشب في سيارة ملاكي و4 موتوسيكلات بأرض فضاء بالزاوية الحمراء    بمناسبة ذكرى استشهاده.. القصة الكاملة لاغتيال العقيد محمد مبروك: بطل هزّ عرش جماعة الإخوان الإرهابية    ياسمينا العبد: شخصيتي في ميدتيرم هي الأصعب.. مركبة من عدة شخصيات في آن واحد    جدول ومواعيد فعاليات اليوم الخامس لمهرجان القاهرة السينمائي    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    لأول مرة| البريد تطلق تطبيق «فلوسي» وخدمة التسليم عبر محطات الطرود الذكية    أمن الجيزة يفحص فيديو اعتداء مالك سيارة وزوجته على سائق بالجيزة    انتهاء التحقيق مع الفنان شادي ألفونس وحبسه 4 أيام بتهمة حيازة المخدرات    رويترز: الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد يجرى محادثات مع نظيره الفنزويلى    قوات حرس الحدود الأمريكية تعتقل 81 شخصا في شارلوت كارولاينا الشمالية    دولة التلاوة    د.حماد عبدالله يكتب: الأمن القومى المصرى !!    رئيس جهاز 6 أكتوبر: قطع المرافق وإزالات فورية لمخالفات البناء    مصادر عسكرية سودانية: مقتل 6 من قيادات الدعم السريع في محور بابنوسة    إيران: البرنامج النووى لا يزال سليما رغم الأضرار الكبيرة فى المواقع النووية    مدير الترميم بالمتحف الكبير: المركز أول مبنى في المشروع.. وتمر كل القطع عليه    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني: «أنا غلطت والصلح خير»    نتنياهو يواصل التهرب من تشكيل لجنة تحقيق رسمية في هجوم أكتوبر    عاجل- الفصائل الفلسطينية تؤكد شروطها تجاه أي قوة دولية محتملة في قطاع غزة    تريزيجيه: فضلت منتخب مصر على أستون فيلا.. والقرار أنهى رحلتي في إنجلترا    إيطاليا تسقط أمام النرويج برباعية في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    أحمد سعد يطمئن جمهوره: أنا بخير وقريبًا بينكم    كلب ضال يعقر 9 أشخاص فى منطقة الكرور بأسوان    حلم البديل يتحقق.. الكونغو الديموقراطية تقصي نيجيريا وتتأهل إلى الملحق العالمي المؤهل للمونديال    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    ضبط 16 جوال دقيق مدعم وإغلاق مخابز مخالفة في حملة تموينية موسعة بالعياط    "هو ضاع وهي ضاعت".. شقيقة المجني عليه بالإسكندرية تروي تفاصيل قبل مقتله أمام أطفاله الثلاثة    مودي ناصر: طارق السيد فاوضنى للانضمام للزمالك والموسم الحالى هو الأخير مع إنبى    رجب بكار: منتخب مصر ضحى بي في أمم أفريقيا 2019    نائب رئيس اتحاد كاب فيردي: غياب صلاح لن يؤثر على قوة منتخب مصر    هل تناول اللحوم والألبان خطر على الصحة في ظل انتشار الحمى القلاعية؟    السجن المشدد عقوبة جريمة الإضرار بالأمن القومي من خلال تقنية المعلومات    اللجنة المصرية في قطاع غزة توزع الخيام على النازحين المتضررين من الطقس السيء | فيديو    خبراء التكنولوجيا يؤكدون اقتراب مصر من ريادة الذكاء الاصطناعي إقليميًا بشرط توحيد الاستراتيجية    بولندا تستقبل 2026 باحتفالات مبهجة.. أسواق الهدايا تضيء مدينة بوزنان    وزير التعليم الأسبق ل ستوديو إكسترا: التقييم المدرسى يجب أن يكون له هدف واضح    في عمق الشتاء، صيف. (10)    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التضامن: 10.2 مليون طفل من سن يوم إلى 4 سنوات    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    لأول مرة بمستشفيات الفيوم.. نجاح تركيب منظمات ضربات القلب وأجهزة الصاعق الداخلي    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    أول رد رسمي من تربية أسيوط على واقعة سحب مقررين لأحد الأساتذة    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غادة نبيل تكتب : بل سنتغير
نشر في الدستور الأصلي يوم 20 - 03 - 2011

فى مقاله الأسبوعى كل أربعاء والذى يكاد يشغل صفحة كاملة هى صفحة " رأى ورأى " بجريدة الجمهورية طلع علينا الزميل محمد أبو كريشة فى عدد الأربعاء 9 مارس 2011 بعنوان استفزازى تبين لى بعد القراءة أنه قد فتح النار على ثورة 25 يناير التى ما زلنا نحاسب من رجموها قبل التنحى يوم 11 فبراير 2011 بوصفها خيانة عظمى وانقلبوا إلى تقبيل أقدام من قاموا بها بعد التنحى .
الزميل المذكور اختار عنواناً يقرب من السجع الذى عودنا عليه فى عناوين مقالاته التى يحتكر بها مساحة هائلة مستديمة فى صفحة يُفترض أن تكون للجمهور بالأساس وليس للزملاء الصحفيين داخل الجريدة التى يعملون بها
اشير هنا إلى تكليفى للكتابة بتلك الصفحة فى عهد رئيس تحريرها السابق محمد على إبراهيم والتزامى بذلك لفترة قصيرة حاولت التملص فيها من ذلك وجل ما كنت أكتبه كان عاموداً فى النقد السياسى والاجتماعى لا يزيد حجمه عن شبر إلى أن اخترت التوقف .
من المفجع فى بعض العناوين ومضامين المقالات أنها تفضح العقليات والدوافع النفسية لأصحابها . لا يمكن الاحتجاج هنا بالمثل الشائع " اللى ما لوش كبير يشترى له كبير " لأقبل كقارئة المنطق الذى تقوم عليه مقالة مستفيضة قامت على الهجاء , كما تتوالى أغلب مقالات الزميل خاصة منذ نجاح الثورة .
يقول الزميل " أبحث فى كل الأسواق عن كبير لأشتريه ولكن ( الكبار خلصوا ) " .
يبدو أن ذاكرة الزميل شديدة الضعف وإلا كيف ينسى أن الثورة قامت لتتخلص من الكبير الذى كان وعائلته قد تم شراؤهم .. من قبل حفنة من رجال الأعمال الشركاء معهم فى غنيمة نهب مصر , وأيضاً تم شراؤهم من قبل دول خارجية كإسرائيل ( العدوة ما زالت فى قلوبنا ) حين باع لها " الكبير " عبر حسين سالم برضا كامل , مصر فى صورة اتفاقية الغاز المصرى , أى أنه قد تم شراؤه .. ولكن من الخارج .
يمعن الكاتب فى وصف مأساة الوضع الحالى فيقول " الحقيقة الوحيدة الآن هى اللا حقيقة . لا توجد فى مصر حقائق الآن " .
الزميل لا يؤمن بحقيقة الشهادة . ربما يؤمن أو لا يؤمن بتلك العقيدة أو بأى معنى يمكن أن يضحى الإنسان بحياته فى سبيله , فبماذا يؤمن إذن ؟ ..
بالديكتاتورية ؟ .. بالفقر ؟ .. بالقهر الوحشى الذى مارسه أمن الدولة حيث تترى المعلومات عن عمارات للتعذيب وزنازين تحت الأرض كأن مصر " الكبير" التى يبكى زوالها تنتمى إلى عصر الباستيل ؟ أم أن هذه الحقائق هى وحدها الملهمة لأمثال هذه العقليات والأقلام ؟
تؤكد هذه التعمية على القارئ وتشوش الرؤية لدى الزميل مقولته فى المقال بصفة الجزم كأنما امتلك الحقيقة وحده : " نحن نعرف الجريمة لكننا لا نعرف المجرم .. لا نعرف من بيده الثواب والعقاب ."
أؤكد لسيادته وبكل احترام أننا نعرف الجريمة ونعرف المجرم , بل والمجرمين .
أنا أعرف من ظلمنى مثلاً فى عصر ولاية سمير رجب ثم محمد على إبراهيم لرئاسة تحرير جريدة الجمهورية ومن قبلهما محسن محمد . وخادمتى نصف الأمية تعرف من أفسد التعليم حتى جعلها خادمة وليس موظفة ومن ظلم بناتها فى التعليم والخدمة الصحية والحق فى المعاملة الكريمة لدى دخولها أى قسم شرطة . إنه نظام الفساد الذى انفجرت الثورة بقوة وشجاعة هادرة لتمحقه ولم تولد جبانة كبعض أقلام سدنة ذلك النظام التى ما كانت لتجرؤ على التفكير بينها وبين نفسها فى نقد مبارك أو صفوت الشريف وقت مجدهم الباطش .
حين يكتب صحفى بما يوحى بالحسرة أننا لا نعرف من بيده الثواب والعقاب فهذا دليل مرض وليس صحة , مما يذكر بمتلازمة استوكهولم حيث علاقة الارتباط النفسى المشوهة التى تنشأ بين الضحية والجلاد . إنها نفوس تعودت على منطق العصا والجزرة والركض بأقصى سرعة من العصا قبل نزولها ثم الهرولة بنفس السرعة صوب فتافيت الجزرة مهما كلف ثمنها إن على مستوى الضمير أو الكرامة .
لا أتهم الزميل بهذا لكن أحاول أن أفهم سر الغضب غير الطبيعى من نتائج الثورة التى يستعجلها. نحن فى مارس ومبارك تنحى فى فبراير ومن المعروف أن كل الثورات تؤدى إلى إضطراب ولو مؤقت فى الأوضاع كافة اجتماعية واقتصادية وسياسية وأخلاقية . ونأمل ويحق لنا أن نحلم أن ثورتنا ستحقق طموحاتنا وتطلعاتنا جذرياً فى هذه المجالات , ناهيك عما تواجهه الثورات وثورتنا ليست استثناء , من ثورات مضادة لا أحسب أن الزميل يعيش خارج مصر وهو يكتب مقالاته بحيث لم ينتبه إلى بعض شواهدها وأبرزها الفتنة الطائفية .
كيف سمح لنفسه أن يكتب " فنحن لا نرى سوى أيد مغلولة وعقول مشلولة وألسنة ( عايزة قطعها ) وأقلام ( عايزة كسرها ) " ؟ .
لم يحدد لنا الكاتب معايير قطع الألسنة التى يريد قطعها ولا معايير كسر الأقلام التى يتشوق إلى كسرها . ومن الواضح أنه جعل نفسه حَكَماً وكبيراً يملك الحقيقة المطلقة حتى أنه جعل نفسه استثناء مما ينادى به ولكن فاته أن الكثيرين لديهم تصورهم عن الأقلام التى تستحق المحاكمة على ما كتَبَته من تحريض على القتل ضد الثوار وعادت تنافقهم أو ضد بعض الأقليات الدينية كالبهائيين مثلاً ومن دأبوا على " لحس أحذية الكبير" الذى يفتقده كاتبنا دون أن يسميه .
السجّان داخل النفس وإلا ما ذُهل الأستاذ أبو كريشة من ذهاب رئيس الوزراء إلى ميدان التحرير ليأخذ منه الشرعية والبركة كما يقول . ألم يخطر ببالك أيها الزميل أن نفس التصرف الذى تراه مُزلزلاً ومدعاة للهزؤ هو أنصع علامة تؤكد أن الحكم للشعب بموجب كلمة قد لا تعرفها ولم يحب أن يعرفها " كبيرك" الديمقراطية !
ألا توجد رموز فى الوجدان الجمعى للشعوب وذاكرتها ؟ . أليس العَلم ذاته رمزاً ؟ أم أنه بالنسبة إليك ليس سوى قطعة قماش ملونة ؟
يقول أبو كريشة : " من المضحك المبكى أن يهرول رئيس وزراء مكلف إلى ميدان التحرير ليأخذ شرعيته منه ... فميدان التحرير ليس مصر والذين أعجبتهم الإقامة هناك ليسوا كل شعب مصر .. لكن أول قصيدة شرف كفر ... فمعنى ذلك أن من جاء بمظاهرة يمكن أن يرحل بمظاهرة ولا أحد يستطيع أن يؤدى عمله وهو تحت ضغط حفنة فى ميدان التحرير " .
أنصحك بأن تسمع صوت ورأى غيرك .. من الملايين الذين يبدو أنك كنت تتابع التليفزيون المصرى قبل التنحى وتصدق صورة الكوبرى ولا تراهم أو لا تريد , حتى أنك ورغم أن الغلبة الآن لهم ما زلت تسميهم "حفنة" .
ألم تفكر لحظة أن ما تعتبره وتراه أنت مهزلة مهينة هو الشرف أو إعلان طهارة نوايا بوعد أمام الجماهير التى أتت برئيس الوزراء لأنه كان مشاركاً فى ثورة لم يكن يضمن انتصارها .. وعد أنه سيعود إليهم وبينهم لو فشل فى مهمته .
أنت ربما ترى الأمر مسرحية ترفض تصديق أن فصولها الأخيرة لن تكون إلا لصالح كبيرك . ونعم أذكرك بأن من أتى بمظاهرة يحق للشعب أن يسقطه بمظاهرات لو خان العقد الذى منحه الشرعية فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم .هذه هى الديمقراطية . لقد ذكرتنى بزميل صحفى شاب قال لى منذ أسابيع عن فكرة انتخاب رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة : " أنت عايزة رئيس تحرير مختاراه عشان تكونى كاسرة عينه ؟" . أجت ذلك الزميل كما أجيبك : " هى دى الديمقراطية . لما يكسر عينه المئات والآف الناس بدل مايكسر عينه شخص واحد حاكم فرد قام بتعيينه".
أول قصيدة رئيس الوزراء تصرف ديمقراطى مفرح لإعلان ثقة جديدة متبادلة تذكر بمضمون الآية القرآنية " وأمرهم شورى بينهم " . ألا تصدق أن الشارع هو مصدر الشرعية ؟ . على من وماذا تتباكى ؟ . على أصحاب أقبية التعذيب ممن داسوا كرامة الناس وكانوا يجعلون المعتقلين يلحسون الطعام من على البلاط ؟؟؟ .
أما الثورة التى تقول عنها أنها " تمارس التمييز والإقصاء حتى الموت فقتلاها شهداء وقتلى الشرطة مثلاً فطيس " بحسب وصفك فأؤكد لك , ويبدو أنك لم تسقط بغاز القنابل المسيلة للدموع يوم 28 يناير كصاحبة هذا المقال ولا ذهبت للميدان سبعة أيام مثلها قبل التنحى وربما لم تذهب إليه أبداً , أؤكد لك أننى رأيت بعينى انعدام كلمة ومعنى التمييز فقط فى الثورة , كما كتب الجميع وكما لمست بنفسى . الملتحون والمنتقبات هم من كانوا يساعدوننى ويهدئون غضبى ويتقبلون نقدى وأنا لست محجبة وربما ظنونى مسيحية . أما صورة الشهيد اللواء محمد البطران المكبرة فى بوستر عملاق فكانت تجلل الميدان بجانب شهداء الشعب من كل الطبقات وكنت أقابل ذويهم وأقبّل رؤوسهم لكنك تحكم دون أن ترى ولا يهمك أن تتحرى الحقيقة لو خالفت وجهة نظرك ومشاعرك, وبالأحرى المنطق النفسى الردئ الذى سيطرعليك تجاه أول ثورة شعبية كاملة فى تاريخ مصر الحديث . وهذا رغم أن الفارق معروف بين من يملك السلاح ويستخدمه ضد أبناء شعبه بناء على أوامر فسقط قتيلاً وبين من خرج أعزل يطلب حقه وحق غيره واستشهد لكن الشهداء يعرفهم الله .
ما أبشع كلامك وأنت تطلع علينا برأى نصفه حقيقى ونصفه كاذب كذباً يجعل من حق أى مصرى أن يرفع عليك قضية حين تنزع عنه الهوية أو الشعور بها لمجرد أن هذا موقفك وأنت تصرح فى مقالك " مصر لم تعد فى خاطرى ولا فى دمى " !!!!!( علامات التعجب من عندى) . أنت يا سيدى تتعامى عن أن انعدام الشعور بالهوية كان ضمن سياسة ممنهجة فى عهد " الكبير" الذى ترثى زواله فى إمارة شرم الشيخ بعائلة نهبت مصر كما نهبتها الكثير من العائلات التى كانت تحكم فى أقواتنا وكرامتنا.
تقول مرة أخرى " ثورة بلا قائد ولا أجندة ". الحمد لله فهذه أول حقيقة أراها فى مقالك ذاك والحمد لله أنك تقر بعكس ما كان إعلام " الكبير " وتليفزيونه الرسمى يدعيه من وجود أجندة لحفنة خونة بالتحرير . لكنك تردف :" مع دولة بلا رأس ولا هوية " .
كيف وبأى وجدان تستطيع أن تقول هذا وقد استشهد من استشهد ؟ كيف يمكنك أن تدّعى هذا لمجرد أن بداية الثورة الشعبية كانت لشباب أحبوا مصر حتى الموت فعلياً لا كلامياً ولا حزبياً ؟ .
نحن أعدنا اكتشاف أنفسنا كشعب ما زال يشعر بهويته المطمورة المعتدى عليها منذ حقب . استخرجنا جوهرتنا من تحت التراب فى ميدان التحرير , مع كل قطرة دم سقطت كنا نكتشف حبنا العميق لمصر ولكرامتنا الإنسانية , هوية تريد وصممت على دحر الفساد واسترداد بلدنا وحقوقنا التى لا تلغى واجباتنا كمواطنين متساوين ليسوا جرذاناً ولا " شوية عيال " كما ألمح صفوت الشريف فى قناة أون تى فى للإعلامية ريم ماجد بعيد اندلاع الثورة وهو ينصح شبابها صراحة " أن يكونوا رجالة" . ولقد أريناه وأرينا " كبيرك " رأس النظام السابق أننا رجالة وحتى نساءنا كذلك .
أما أن تتكلم عن مصر والثورة باعتبار أن ما حدث للبلد فى تشبيه مسف كجريمة اغتصاب ومواقعة حتى لتقول فى ذات المقال عن مصر أنها " صارت على قارعة الطريق .. مصر المحروسة صارت مصر المحروثة والمحروقة والمحرومة والمفضوحة " .. أن تتحدث هكذا فماذا يمكن أن نقول سوى أن المغتصبة التى تتحدث عنها ظلت تتعرض للاغتصاب أكثر من 30 عاماً .. والآن هى تنهض بدمها , دم أبنائها الأطهر من دمى ودمك لتتحرر من الاغتصاب الذى ارتضته وسكتت عنه . إن السكوت على الاغتصاب المتكرر هو الفضيحة وليس العكس يا سيد .
تعود وتقول فى مقالك مرات " البلد بلا كبير لنلوذ به . البلد بلا حائط لنستند إليه ." وتتمنى " ألا يجعلنا اليوم نتحسر على الأمس بكل شروره وآثامه " . أذكرك بلا تهديد لا سمح الله أن هذا هو جوهر الثورة المضادة .
والحزب الوطنى ابتزنا بهذا المنطق المبطن فى كل مرة كان يلوح باحتمالات فتنة طائفية أو سيطرة إسلامية سلطوية ليظل هو " الملاذ الوحيد " الذى تبكى أنت زواله و"الوطنى " .
من العار أن لا يكفيك دم الشهداء والشهيدات برهاناً على أن الوطن والثورة ليسا كما وصفت فى مقالك " تمخض فولد فأراً ولم يلد فجراً " . الفأر هو كل " كبير" هارب بأموالنا خارج الوطن أو الذى ينتظر محاكمته داخله ويعرض صفقات رد أموالنا إلينا مقابل وقف ملاحقته القانونية , ولعلك تعرف من الفئران فى صحفنا القومية من فروا بأموال المؤسسات ويقيمون حالياً فى الخارج إقامة دائمة ينفقون فيها باليورو من أموالنا نحن دافعى الضرائب .. وقد كان هؤلاء الفئران من العمالقة , مع فارق أننى كنت , حتى فى عز مجدهم , أراهم فئراناً ملوثة الضمائر ومرتزقة أقلام يزيفون الوعى العام ويكذبون ليل نهار ويسرقون ثم يشخرون فى ليلهم الطويل الذى لا تنام فيه أعين المظلومين .
سيادتك تنصحنا فى نهاية المقال بوضوح " لا تصدق أحداً " .
بل ضمائرنا الحرة وذوى الفطرة السليمة يقدرون على التمييز بين الصدق بالمواقف لا الأقوال والكذب .
لسنا عدميين مثلك رغم كل الجور والعدوان الذى تعرضنا له فى حياتنا الخاصة والمهنية لننصح أحداً بعدم تصديق أحد . لن نفترض سوء النية والكذب دائماً مثلك رغم كل ما حدث . أما مقالك " عمر الهنا قصّير .. مصر لن تتغير " بالجمهورية بتاريخ الأربعاء 16 مارس 2011 فيمكن الرد عليه بالعكس تماماً . مصر ستتغير بل هى بدأت منذ أول دم شهيد سقط حتى قبل 25 يناير , من لحظة نفض الشباب عنهم الانهزامية والسلبية والتيئيس الذى تبشر به فى كل حرف , سقط الخوف وكُتبت نهاية الطاغية ونظامه الفاسد . لا أزايد على الثورة لكن أذكرك وأنت تعد الأيام على الثورة بأننا ما زلنا نبدأ . ثم تكتب : " لكن ثورتنا كشفت عورتنا تبين أن النظام السابق حقق منابع الفكر والزعامة والقيم ".
أى فكر وأية زعامة وأى قيم ؟؟؟
فكر لاعبى كرة القدم وثقافة بلطجية انتخابات الوطنى وحديد عز وأغانى " أنا مش خرنج " ؟ . أجبنا !
وأية زعامة ؟ . التوريث ؟؟ , وأية قيم ؟ قيم هشام طلعت مصطفى الذى أكاد أجزم أنه تم تهريبه ممن فتحوا السجون ولم يذكره لنا أحد , أم قيم حسين سالم والحبيب العادلى ؟ . أجبنا !
وإذا كان التيئيس فقط لأجل التيئيس هو منهجك ولا شئ يتغير والكل باطل وقبض الريح فبماذا تنصح سيادتك ثوار ليبيا واليمن والبحرين وتونس والشعب العراقى والسورى والفلسطينى ؟ . أجبنا !
تكتب فى مقالك مؤكداً أن مصر " لم ولن تتغير" كأنك أطلعت على الغيب وتحكم على إرادة وكرامة شعب أثبت لك العكس لأنك أنت من لا يريد أن يصدق ولأن التغيير معناه كنس كل منتفع بما لا يستحق وإرساء قواعد جديدة تقوم على علاقات لا تنشد التقرب من " الكبير" .
أفظع ما تكتبه فى مقالك حين تقول :
" نواعد فتاة النظام السابق ونبثها الغرام والحب واللوعة ثم نواعد فتاة الثورة لنبثها نفس عبارات الحب والهيام وننفى أى علاقة لنا بفتاة النظام السابق ....... وقد صدقنا النظام السابق وكافأنا وضاجعنا وعاشرنا وتفعل فتاة الثورة نفس الشئ فهى تصدقنا وتضاجعنا وتعاشرنا وتكافئنا .. عشنا مع النظام السابق فى الحرام ونعيش مع اللانظام الحالى فى الحرام .. ونفاخر بحرامنا وبقدرتنا على الإيقاع بفتاة النظام السابق وافتراس واغتصاب فتاة الثورة أو مواقعة الإثنتين برضاهما فى الحرام . والثورة لديها نفس غباء النظام السابق . تصدق من ينافقها ويغازلها وترتمى فى أحضانه وتحمل منه سفاحاً ثم تركع عند قدميه وتطلب منه أن يصلح غلطتها ويتزوجها على أن تعيش خدامة تحت رجليه مقابل أن يستر عليها تماما كما وقع النظام السابق فريسة للمنافقين الذين غازلوه أو حتى عارضوه ( كده وكده ) وحمل منهم سفاحاً وأنجب أولاد حرام وسكر بنشوة النفاق والغزل حتى سقط وكانت فضيحته بجلاجل وهى نفس الجلاجل التى ستفضح الثورة التى تلعب بنفس القواعد وترتكب نفس الخطايا " .
أؤكد لك لو كان لى أولاد صغار السن ما استطعت أن أترك الجريدة أمامهم وبها مقال يتبنى هذه اللغة . هذا أولاً .
وثانياً : أتساءل ما هذا الخيال الذى فى أطرف صوره يبدو مستوحى من الأفلام العربية القديمة , وفى أقصى صوره يتحدث من منطقة تشى بكبت جنسى مروع .
خطاب ذكورى فج قائم ليس فقط على الإدانة المطلقة بل على الخلط العمد وغير الأخلاقى فى رأينا بين القاتل والقتيل أو الضحية , بين النظام الذى أسقطته الثورة والثورة . كلاهما سواء فى نظرك وسيصلان إلى نفس النتيجة طالما تتهم الثورة كما كتبت بأن لها " حملة مباخرها وأصحاب الحظوة والنفوذ والفلوس والكوسة " فمن الذى تتهمه ببذل الرشى ؟ شباب الثروة ؟ أم من ؟
وثالثاً : كيف يتساوى ما ظل يقدم شواهد فساده التى ظللنا نعانى منها 30 عاماً وما لم يتم امتحانه بعد فى ظل 30 يوماً تعاقبت فيها على رئاسة وزراء مصر حكومتان ما زالت ثانيهما بالأخص تتعرض للثورة المضادة ؟ هل هذا هو العدل ؟
تذكرنى هاتان المقالتان لمحمد أبو كريشة بأجواء ماقبل ثورة 25 يناير المحبطة التخويفية التيئيسية التى من الواضح أن الكاتب ما زال يتنفسها ملء رئتيه . وتذكرنى المقالتان أيضاً بزميل صغير السن كان يباهينى أثناء حكم سمير رجب لجريدة الجمهورية أنه الزميل من " شباب الحزب " . كنت حاضرة فى جلسة ثلاثية بمكتب رئيس قسمنا الراحل د. فتحى عبد الفتاح رحمه الله , وكان الأخير يتحدث عن بعض الأسماء الصحفية فإذا بالزميل يعلق بإيمان مستخف " الشريف هو اللى معرفش يسرق" . وطبعاً أجبته بيقين مناقض ليقينه " لا يا فلان ... فيه شرفاء لأنهم مش عايزين يسرقوا " .
إنها نفس الروح نسيجها واحد رغم اختلاف الأجيال ما بين ذلك الزميل والزميل أبو كريشة , نفس عدم الرغبة أبداً فى تصديق الخير والحق وأن هناك من يرون الحق حقاً لأنهم يدعون الله بقلوب مبصرة أن يريهم الحق حقاً والباطل باطلاً وهؤلاء لديهم كامل الاستعداد للموت فى سبيل ذلك الحق الذى هو من أسماء الله الحسنى ..
وأخيراً لا أملك إلا أن أتساءل .. أستاذ أبو كريشة ترى لو تم تعيينك رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية الآن , هل كنت لتكتب مقالات كهذه ؟ .
أما أنا فقد صدقت تماماً السطر الأخير من مقالك الذى تنهيه بدعابة عن كونك تريد ترشيح نفسك أميناً عاماً لجامعة الشعوب العربية وأنت تقول : " وفيها أو أخفيها .. أريد أن أكون الأمين .... قولوا آمين " .
فى مقالات التهديم النفسى المنتظمة لك رأيته السطر الوحيد الصادق . ولن نقول بعد اليوم سوى لله آمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.