في ليلة عيد ميلاد المسيح عليه السلام علي باب كنيسة السيدة العذراء "مريم" المعروفة باسم كنيسة "المرعشلي" التقيت وأنا في طريقي للدخول بالفنانة "اسعاد يونس" ومعها عدداً من الأصدقاء قالت لي بمجرد أن رأتني أنت جاي تتضامن معنا قلت لها أنا جاي أدخل الكنيسة لرؤية أصدقائي والتهنئة بالعيد.. لم أرتح لتعبير أتضامن ولكني لم أجد أن التوقيت يسمح بالمناقشة هنأت "اسعاد" بالعيد ومضيت في طريقي ولكن ظل رنين الكلمة في أذني.. أنت تتضامن مع قضية أو تتضامن مع إنسان لديه قضية ما.. مثلاً أنا أشعر بأني متضامن مع المخرج الإيراني "جعفر بناهي" الذي حكم عليه بالسجن 6 سنوات والتوقف عن ممارسة الإخراج 18 عاماً أخرى لأنه كان يشرع في تقديم فيلم يفضح فيه ما حدث من تزوير في الانتخابات الإيرانية الأخيرة. لم أملك مع المخرج الإيراني سوى سلاح التضامن ولكني في مأساة كنيسة "القديسين" أعيش المأساة نفسها لا أعزي صديقي القبطي ولكني أعزي نفسي ولهذا لم أقل لاسعاد أنني متضامن ولم أقل لها أيضاً أني غير متضامن. داخل الكنيسة رأيت وجوهاً بعضها أعرفها لم اسأل أحد إذا كان جاء كمتضامن أم جاء مثلي لأنه شعر أن عليه أن يأتي لتهنئة أصدقائه بالعيد مثل الكاتب الصحفي "جمال فهمي" والإذاعية اللامعة "بثينة كامل".. بادرتني الفنانة "ألفت إمام" عندما رأتني قائلة أقوالك تتوافق مع أفعالك.. أيضاً لم أحسبها هكذا شكرتها علي رأيها ولم يتسع أمامي المجال لكي أقول لها أنني لم أفكر لا في أفعال أو أقوال أنا ذهبت فقط للكنيسة لأنني كنت أريد أن أذهب في تلك الليلة! داخل قاعة الصلاة في الكنيسة شاهدت الأستاذ الكاتب الكبير "صلاح منتصر" ومعه السيدة زوجته تبادلنا التهنئة بالعيد ولم اسأل ولم يسأل عن التضامن. ما الذي حدث حتى يصبح تعبيرك عن موقف ما هو تضامن ومشاركة وليس هو الموقف نفسه نعم صار المجتمع المصري يشعر في قطاع كبير منه بأنه قد تضامن مع الآخر في محنته لكنه لا يعيش مشاعر المحنة نفسها بعد أن صرنا فريقين كل فريق قد يشعر في لحظة ما بهذا الإحساس وهو التضامن.. لقد لاحظت هذا العام أن طلبة كلية الإعلام جامعة القاهرة الذين أدرس لهم مادة النقد الفني قد صاروا أيضاً لديهم نفس المشاعر صاروا فريقين الطالبات المسيحيات يجلسن متجاورات حتى بعد انتهاء المحاضرة.. في البداية قلت لماذا صنع الأقباط دائرة تحوطهم ثم تنبهت إلى أنه أيضاً لماذا لا أنظر إلى دائرة أخرى أكثر اتساعاً صنعها المسلمون وهكذا فإن كل دائرة صارت لا ترحب بالأخرى وكأنها تقيم سور عالي يمنع الآخر من الاقتراب؟! لا أعتقد أن ما رأيته مع طلبة كلية الإعلام يخص هذه الدفعة ولا تلك الكلية.. الدوائر التي رأيتها لها تنويعات أخرى في كل جنبات الحياة المصرية.. الكل صنع دائرة يحتمي بها صارت مثل المسجد والكنيسة هذا للمسلمين وذاك للأقباط.. لهذا عندما يتحدثون عن حذف خانة الديانة من الرقم القومي أراها دعوة تنظر أولاً إلى الشكل وليس الجوهر.. الخانة قابعة في نفوس عدداً كبيراً منا صار ينظر إلى الحجاب علي الرأس أو الصليب على الصدر أو موشوم في معصم اليد أو إلى ذقن طالت بضعة سنتيمترات ليحدد بعدها الهوية الدينية قبل أن يشرع في التعامل مع هذا الإنسان.. البعض يقرأ الاسم أولاً ليتأكد مع صاحب أي ديانة يتحدث.. ما الذي يفيد "وليم" أو "بولس" أو "حنا" لو حذفنا خانة الديانة من الرقم القومي بينما الكل يعامله باعتباره مسيحي قد تتطرف دائرة إسلامية وتبعده عنها فلا يحظى مثلاً بالوظيفة التي يستحقها لأنه "وليم" أو "بولس" أو "حنا".. وقد تتطرف دائرة أخري مسيحية وتمنحه وظيفة لا يستحقها لأنه "وليم" أو "بولس" أو "حنا"!! خانة الديانة يجب أن تنزع أولاً من القلوب.. ولهذا لا أتضامن مع أحد ولكني ذهبت لكنيسة السيدة العذراء مريم مساء يوم الخميس الماضي التي يعرفها الناس باسم كنيسة "المرعشلي" لأني أتضامن مع نفسي أتمنى أن نتضامن جميعاً مع أنفسنا ونسقط من قاموسنا مسلمون وأقباط كلمة الآخر التي رددناها بحسن نية منذ أن غنينا بعنصرية ونحن نقصد دعم روح التضامن الوطني "أنا المصري كريم العنصرين"!!