«الخطر هناك عند أول الشارع»، أشار «محب» إلى كنيسة العذراء مريم فى عين شمس، وقد طوقتها حراسة أمنية شديدة، وأغلقت تماما الشوارع إلى الكنيسة، بعجلات السيارات والأحجار الكبيرة. لحظات الترقب التى عاش فيها محب ليلة عيد الميلاد، وخيم عليها الحزن والكآبة، عندما وقف أمام محل الملابس الخاص به فى شارع مسجد نور الإسلام بحى عين شمس، يبتسم لعشرات المارة يهنئونه بالعيد. عندما هبطت ليلة عيد الميلاد المجيد كان الهدوء يخيم على شارع أحمد عصمت الذى يصعب السير فيه ليلة الخميس. ومع آذان العشاء، بدأ المصلون فى الدخول إلى المسجد. وعند بداية الشارع أغلقت الكنيسة لأول مرة بوابتها الحديدية العملاقة التى كانت تسمح للمارة برؤية الصغار يمرحون ليلة العيد، ووقف طابور طويل أمام بوابة الكنيسة، للكشف عن وشم الصليب أمام رجل الأمن لأنه أصبح جواز المرور للصلاة. المحل الصغير الذى فتحه محب منذ عشر سنوات ينتظر زبائنه ليلة العيد، فتيات وسيدات من الحى الشعبى، وشباب يأتون من مدينة الرحاب، وآخرون من الشيخ زايد، لكن هذه هى المرة الأولى التى تقل فيها المبيعات. «كنت متعود ليلة العيد ميكنش عندى حاجة متبقية» أشار محب 30 عاما، لأرفف الملابس المكتظة فى انتظار الزبائن، «الناس زعلانة وقالوا حنلبس أسود». يمر الكثيرون على محل محب فقط لتهنئته بالعيد ومناقشة الأحوال الأمنية المرتبكة التى تعيشها منطقة عين شمس لأول مرة، اعتاد محب عدم الذهاب إلى الكنيسة ليلة العيد بسبب المحل الذى يغلق فى منتصف الليل، «لكن فيه ناس خافت تروح». يرن هاتفه ليعلن عن استلام رسالة تهنئة بالعيد، «من 2011 سنة اتولد يسوع فى مذود صغير، ووقت ميلاده مات أطفال كثير، واليوم نحتفل بميلاده ويموت الكثير، إحنا نحزن، وهم فى فرح كبير، معاه فى سماه هناك أرواحهم بتطير». لم يعلق محب على الرسالة التى انضمت إلى رسائل أخرى حزينة على هاتفه، «أنا موبايلى دا ما كنش بيهمد ليلة العيد، لكن الآن الرسائل قليلة وحزينة». دقائق قليلة تمر دون زبائن داخل المحل الصغير الذى لا يسع أكثر من خمسة أشخاص، ويرن الهاتف برسالة جديدة «قبل القنابل وقبل المسامير، وقبل رقبتنا ما تطير، حبيت أقولك كل عيد وأنت بخير». شاب كان يشترى بنطلون العيد، قال لمحب مواسيا: «ده احنا عندنا فى عين شمس الغربية الدنيا مقفولة أكثر من هنا»، والأسباب فى رأى الشاب بسبب المصنع الذى تحول إلى كنيسة فى 2008 ووقعت مصادمات بين المسلمين والمسيحيين فى منطقة عرب الطوايلة. علق محب بحزن «إزاى الأطفال يدخلوا الكنيسة فى وسط الأمن والأسلحة ويحسوا بفرحة؟»، لكن ماجد أحد الزبائن فضل عدم الذهاب للكنيسة بزوجته الحامل وطفلتيه التوءم. وهنا ابتسم شاب من مدينة الرحاب، «احنا بقى عندنا الدنيا متقفلة وكأن الرحاب كلها هتنفجر مش الكنيسة». الساعات تمر طويلة فى محل محب، وفى الثامنة والربع تقريبا مرت إحدى السيدات مع أبنائها لتهنئة محب بالعيد، وقالت فى دهشة «الكنيسة خلصت»، اعتاد الناس انتهاء الصلاة ليلة العيد مع منتصف الليل وظهور أفواج من الناس مرتدين الملابس الجديدة يهنئون بعضهم بالعيد وسط فرقعة الصواريخ والبمب. فى هذا العيد لم يحتفل الأطفال، بينما افترق المصلون عند الخروج لدواع أمنية، «أنا حاسس إن الناس بتعيد وهى خايفة»، نظرات محب إلى وجوه العائدين من الكنيسة كانت حزينة، فهم يعيشون فى صدمة «من الاحتفال فى أضيق الحدود» كما وصفها محب. رفض محب شراء اللحوم للاحتفال بالعيد، فهو حزين ويشعر أن الأجواء لا تساعد على الاحتفال، ولكنه سيصطحب زوجته وطفليه، بافلى أربعة أعوام وأنطونى عامان، إلى جدتهما يوم العيد فى عزومة عائلية. وعلى الرغم من أنه استطاع أن يكسب ثقة زبائنه فى بضاعته إلا أنه مازال يشعر بأن البعض يتفادى التعامل معه، ولكنه لا يمل من إذابة هذه الحواجز، وكل ما يتمناه «إن الشباب اللى بيقفوا على الناصية يبطلوا يقولوا علينا كفار».